مع ارتفاع مستوى معيشة الصينيين وزيادة اهتمامهم بممارسة الرياضة للمحافظة على الصحة، أصبحت كرة القدم وكرة الطاولة واليوغا والهرولة من الرياضات التي يقبلون عليها. وفي نفس الوقت، يجرب بعض الصينيين رياضات لم تكن معروفة في السابق، مثل رياضة البيلاتس، التي تكتسب شعبية متزايدة في المجتمع الصيني خلال السنوات الأخيرة.

دخول رياضة البيلاتس إلى الصين

رياضة البيلاتس، التي اكتشفها الألماني جوزيف بيلاتس في أوائل القرن العشرين، يمارسها الرياضيون المحترفون والراقصون والمرضى، لتقوية العضلات وتعزيز أداء الجسم وتسريع عملية إعادة التأهيل. مع تطور حركات البيلاتس وإدخال الأدوات والمعدات المعنية، باتت هذه الرياضة تتفق مع متطلبات اللياقة البدنية العامة وانتشرت في الدول الأخرى تدريجيا وزاد عدد ممارسيها في العالم كله. اليوم، يمكن القول إن البيلاتس من الرياضات المفيدة للناس في تحسين مرونة وتوازن الجسم وزيادة التحكم في العضلات وتعزيز الاسترخاء الجسدي والعقلي.

مقارنة مع عدد كبير من ممارسي رياضة البيلاتس والأندية والشركات ذات العلاقة بهذه الرياضة في كثير من دول العالم، دخلت هذه الرياضة إلى الصين في وقت متأخر نسبيا، وتحديدا في بداية القرن الحادي والعشرين. في عام 2004، أُدرجت البيلاتس في جدول التدريب للدورة الأولى لمؤتمر بكين الدولي للياقة البدنية، حيث دعت جهات التنظيم مدربا أجنبيا محترفا لتقديم التدريبات على هامش المؤتمر. وفي نفس العام، فتحت أول صالة بيلاتس متخصصة في الصين. بعد ذلك، تعلم بعض هواة ومحبي الرياضة في بكين وشانغهاي وقوانغتشو وغيرها من المدن الكبيرة هذه الرياضة، التي تجمع بين تمرينات العضلات والتنفس والمرونة والتوازن.

من أجل نشر رياضة البيلاتس في الصين، أقيمت سلسلة من الأنشطة الترويجية في السنوات اللاحقة. على سبيل المثال، في إبريل عام 2011، أطلق موقع تشاينافت للياقة البدنية (ChinaFit) الدورة الأولى لمؤتمر تشاينافت لليوغا والبيلاتس، ودعا أساتذة البيلاتس وممثلي صالات اللياقة والشركات المنتجة لأدوات ومعدات وملابس البيلاتس في العالم لتبادل خبراتهم مع محبي البيلاتس الصينيين والذين عملوا في صناعة البيلاتس. فضلا عن ذلك، أقيمت في الصين دورات عديدة من مؤتمر اليوغا والبيلاتس الدولي لكأس هاوشا، حيث ألقى مدربو البيلاتس الممتازون من الولايات المتحدة الأمريكية والهند وغيرهما من الدول والمناطق، محاضرات مفتوحة وقدم ممارسو البيلاتس العروض الفنية لإظهار سحر وفوائد هذه الرياضة. جذبت هذه الدورات من المؤتمرات مئات الآلاف من المشاركين الصينيين لتجربة هذه الرياضة الحديثة. هكذا، أوجد بعض الشغوفين بممارسة الرياضة خصائص ومتعة خاصة لرياضة البيلاتس.

بعد عقدين من أعمال الترويج والنشر، تحولت البيلاتس من رياضة غربية إلى إحدى الرياضات الناشئة في الصين وزاد عدد ممارسيها وعدد الصالات المتخصصة وشركات إنتاج المستلزمات المعنية في الصين. في عام 2019، بلغ عدد الشركات في صناعة البيلاتس في الصين 673 شركة.

موجة جديدة لتطور البيلاتس

منذ دخول البيلاتس في الصين في بداية القرن الحادي والعشرين، حققت هذه الرياضة تطورا تدريجيا في المجتمع الصيني. لكن، بسبب قلة المدربين الممتازين والتكلفة العالية للأدوات والمعدات، ما زالت البيلاتس محصورة في المدن الكبيرة وليست رياضة شعبية. استقبلت هذه الرياضة موجة جديدة من التطور في العقد الثالث للقرن الحادي والعشرين. بسبب تفشي جائحة كوفيد- 19، أغلقت كثير من الصالات الرياضية وأضطر كثير من الناس للبقاء في بيوتهم عدة أشهر. من أجل تعزيز مناعة الجسم وتخفيف القلق والتوتر الناتجين من الوباء، قام بعض مدربي البيلاتس بإلقاء محاضرات عبر الإنترنت وبث مقاطع الفيديو القصيرة لكي يشاهدها المتابعون بسهولة وسلامة في المنزل. هكذا، تعود كثير من الصينيين على ممارسة هذه الرياضة الممتعة.

مع تحسين وتعديل إجراءات الوقاية من كوفيد- 19 في الصين، انتعشت صناعة اللياقة البدنية مجددا. أدرجت كثير من الصالات الرياضية البيلاتس في جدول التدريب واشترت المعدات والأجهزة المتخصصة للبيلاتس وعينت مدربين محترفين. فضلا عن ذلك، افتتحت أندية جديدة خاصة للبلاتس، تمكّن محبي الرياضة من الحصول على دروس البيلاتس العالية الجودة. كان عدد الشركات في صناعة البيلاتس 1831 شركة بحلول نهاية عام 2021 وتجاوز هذا العدد 2821 بعد عام واحد. بسبب زيادة عدد مواقع التدريب والممارسة في الصين، لم تعد البيلاتس رياضة تمارسها مجموعة صغيرة من الناس، بل صارت رياضة مقبولة عموما في الصين.

ومن ناحية أخرى، منذ تنفيذ الحكومة الصينية سياسة بناء الصين الصحية، وخاصة بعد انتهاء جائحة كوفيد- 19، يولي مزيد من الصينيين اهتماما بممارسة الرياضة للمحافظة على ليقاتهم البدنية والنفسية. في هذا السياق، تعتبر البيلاتس رياضة مثاليا لهم. يرى بعض الصينيين أن رياضة البيلاتس مفيدة لتقليل الإرهاق الناجم عن العمل. يؤدي التركيز في العمل والجلوس لساعات طويلة أمام الكمبيوتر وعدم الحركة إلى أضرار صحية وأمراض مزمنة مثل الصداع وآلام الرقبة والظهر أو انخفاض جودة حركة المفاصل. من أجل تخفيف الآلام وتعزيز الصحة لأداء الأعمال اليومية، يذهب بعض الناس وخاصة الشباب إلى الصالات الرياضية وأندية البيلاتس للقيام بالتدريبات كل أسبوع بعد الدوام. هكذا، يمكنهم تحقيق الاسترخاء الجسدي بصورة كاملة والتمتع بالمتعة الخاصة للبيلاتس في نفس الوقت. وبالنسية لمن هم مشغولون للغاية في العمل، يمكنهم مشاهدة مقاطع الفيديو في التطبيقات الرياضية باستعمال الهاتف المحمول ومحاكاة الحركات المعنية في المكتب أو في المنزل، من دون أن تتأثر في أعمالهم كثيرا.

يرى بعض الشباب الصينيين أن رياضة البيلاتس وسيلة جديدة لقضاء وقت الفراغ وتوسيع دائرة المعارف لهم. يفضلون ممارسة البيلاتس في الأندية الحقيقية تحت إرشاد المدربين وتبادل الآراء والخبرات مع المتدربين الآخرين بعد التدريب. قال كثير منهم إنهم يمارسون البيلاتس في نهاية الأسبوع والعطلات، وهذا أفضل من لعب الألعاب الإلكترونية طول اليوم. وبفضل هذه الرياضة، يتعرفون على أصدقاء جدد ذوي هوايات رياضية مشتركة. بالإضافة إلى ذلك، بدلا من التوقف عن التدريبات عبر الإنترنت لأسباب مختلفة، يشجع المتدربون بعضهم بعضا على مواصلة التدريب والتغلب على الخوف والإرهاق.

مع زيادة عدد المواقع الرياضية لتدريب البيلاتس وزيادة عدد ممارسي هذه الرياضة، أقيمت في الصين كثير من الأنشطة والمسابقات في السنوات الأخيرة لدفع تطور البيلاتس. في أكتوبر عام 2021، عقد مركز تنمية الثقافة الرياضية بالإدارة الصينية للرياضة العامة والشركات الرياضية والمؤسسات الإعلامية المعنية مؤتمر الصين للبيلاتس في هانغتشو بمقاطعة تشجيانغ، حيث ناقش المسؤولون من الشركات الرياضية كيفية نشر البيلاتس في الصين وتحسين جودة التدريب ورفع القيمة التجارية لصناعة البيلاتس في الصين. فضلا عن ذلك، قدم المدربون المحترفون الإرشاد للزوار الذين جربوا البيلاتس على المسرح. وفي سبتمبر عام 2022، أقامت إدارة الرياضة في مدينة تشانغشا بمقاطعة هونان وشركة لينغشيان للرياضة الدورة الأولى من مسابقة البيلاتس في تشانغشا التي جذبت مئات المشاركين لعرض مهارات البيلاتس الرائعة وأثارت اهتماما واسعا بين محبي الرياضية.

نجوم البيلاتس

حققت رياضة البيلاتس تطورا سريعا في السنوات الأخيرة وتحولت من رياضية غير معروفة إلى رياضية شعبية في الصين. وفي هذه العملية، ظهرت مجموعة من نجوم البيلاتس الممتازين الذين بذلوا الجهود في التدرب على هذه الرياضة ونشرها في المجتمع الصيني. على سبيل المثال، لي شين، المولود في أواخر سبعينات القرن العشرين، بدأ ممارسة اللياقة البدنية منذ أن كان طالبا في المدرسة الثانوية وتلقى التدريبات النظامية خلال دراسته في الجامعة. في عام 2003، أخذ يقوم بتمرين البيلاتس، فهو من الرواد الصينيين في هذا المجال. بفضل ممارسة البيلاتس، خف شعوره بالألم الناجم عن فتق القرص القطني. وفي نفس الوقت، عمل في نشر هذه الرياضة بين المزيد من الصينيين. في عام 2008، أُنشأ شركة لي شين للبيلاتس وفتح حوالي مائة وعشرين صالة في بكين وشانغهاي وتشانغشا وجينان وغيرها من المدن الصينية، وحتى في ماليزيا وسنغافورة في السنوات الأخيرة.

وخلال فترة الجائحة، قام لي شين وزملاؤه بإلقاء محاضرات البيلاتس المفتوحة عبر الإنترنت، وتقديم الإرشاد العلمي للمشاهدين أثناء ممارستهم. يرى لي شين أن ممارسة البيلاتس هامة جدا لتخفيف القلق وتعزيز الصحة. ومن أجل رفع جودة المحاضرات، استخدم عدة كاميرات فيديو لعرض الحركات الصحيحة من الاتجاهات المختلفة، ليتمكن المتدربون من إتقان الحركات الصحيحة والتمتع بفوائد البيلاتس المتميزة بشكل آمن.

يعمل لي شين على رفع تأثير الصين في مجال البيلاتس أيضا. شارك هو وشركته في تنظيم دورات من المؤتمر الآسيوي للبيلاتس والعلوم الرياضية، حيث تبادل خبراته في تدريب البيلاتس مع شركات من الدول الأخرى وناقش معهم كيفية تطوير صناعة البيلاتس في آسيا في المستقبل وأقام العروض الفنية لإظهار مهارات البيلاتس. بعد عشرين عاما من ممارسة البيلاتس وتقديم الإرشادات المستهدفة للمتدربين ونشر البيلاتس، قدم لي شين مساهمات كبيرة في تطوير رياضة البيلاتس في الصين وصار شخصية شهيرة في هذا المجال.

ليو جيا، مدربة البيلاتس الشابة في شيآن بمقاطعة شنشي، نجم صيني آخر في هذا المجال. مارست ليو جيا البيلاتس لمدة ثماني سنوات وكسبت خبرات وافرة في تدريب اليافعين والطلاب والموظفين وغيرهم من الناس في المجالات المخلفة، وتمكنت من وضع خطة تدريب حسب حالات المتدربين ومتطلباتهم المختلفة، وساعدت عددا كبيرا من الناس على تشكيل عادة الرياضة العلمية وتعزيز قدرة مفاصلهم على الحركة وتحسين وضعية الجسم لهم. خلال فترة استعداد الرياضيين الصينيين لأولمبياد بكين الشتوية عام 2022، قامت ليو جيا بتدريب الرياضيين من الفريق الصيني للتزلج السريع. قالت إن البيلاتس رياضة مهمة لتعزيز المرونة والتوازن للرياضيين وتقوية عضلاتهم ومفاصلهم، وهذا يساعدهم على معالجة الأضرار الرياضية وتحسين أدائهم في المسابقات. من أجل رفع جودة تدريبات البيلاتس، وضعت ليو جيا خطة التدريب المستهدفة وفقا لحالات الرياضيين ومحتوى تدريباتهم الروتينية. مثلا إذا أجرى الرياضيون التدريبات البدنية في النهار، كانت ليو جيا تقدم لهم تمارين تمدد العمود الفقري، وإذا قاموا بالتدريب لزيادة القوة المتفجرة في النهار، كانت ترشدهم لتدريب العضلات العميقة ومجموعة العضلات الصغيرة. بفضل إرشاد ليو جيا والتدريبات المجتهدة من الرياضيين، رفعوا قوتهم وقدرتهم على التنسيق بين الحركات لأجزاء الجسم المختلة وتحسن أداؤهم التنافسي في المسابقات الأولمبية وحققوا نتائج مرموقة فيها.

 رياضة البيلاتس، باعتبارها رياضة تدمج حركات تمرينات اللياقة البدنية المختلفة، حققت تطورا ملموسا منذ دخولها إلى الصين قبل نحو عشرين سنة. مع زيادة عدد ممارسيها والصالات والأندية المتخصصة لها وتوسيع انتشارها، من المتوقع أن تحقق هذه الرياضة تطورا أكبر بين الصينيين من كافة المجالات وأن يتمتع المزيد منهم بمتعتها وفوائدها في المستقبل القريب.