تشير استطلاعات الرأي حول أكثر الرياضات شعبية في الصين في السنوات الأخيرة، إلى أن الصينيين لديهم أجوبة متنوعة، فمنهم من يختار الرياضات الشتوية التي باتت تحظى بإقبال متزايد بفضل إقامة أولمبياد بكين الشتوية عام 2022، ومنهم من يفضل لعبة القرص أو الصحن الطائر "فريسبي"، التي أضحت تستهوي كثيرا من الصينيين. لم يعد غريبا أن نشاهد مجموعات من الشباب والشابات يمارسون هذه اللعبة بحماسة خلال عطلات نهاية الأسبوع والأعياد بالملاعب والحدائق في كثير من المدن الصينية. فما هو السحر الذي يميز هذه الرياضة الجماعية عن الرياضات الأخرى؟ ولماذا وكيف تتطور في الصين بسرعة؟

مزايا متميزة

رياضة القرص الطائر يرجع أصلها إلى لعبة رمي الصحن المعدني للفطائر في سبعينات القرن التاسع عشر في ولاية كونيتيكت بالولايات المتحدة الأمريكية. مع زيادة عدد عشاق لعبة الصحن الطائر، انتشرت هذه للعبة إلى الولايات الأخرى، إلى أن صنع الأمريكي والتر فريدريك موريسون أول قرص بلاستيكي في عام 1948، مما جعل وزن الصحن أخف وقلل احتمال الإصابة عند تلقي وتمرير الصحن، ومن هنا بدأت هذه اللعبة في الانتشار حول العالم تدريجيا.

بحسب المعلومات المعنية، دخل القرص الطائر إلى الصين في ثمانيات القرن العشرين. في تلك الفترة، بدأ بعض الشباب في بكين وشانغهاي في لعب القرص الطائر في الساحات العامة والحدائق، وكان الناس يتجمعون حولهم لمشاهدتهم. في تسعينات القرن الماضي، شرع طلاب الجامعات في تشكيل فرق للعبة القرص الطائر، وأخذوا يتدربون ويشاركون في مسابقات خارج الصين، مما عزز انتشار هذه الرياضة داخل البلاد. لكن، بسبب قلة المعلومات وحجم المشاركين الصغير نسبيا لهذه الرياضة، ظل القرص الطائر رياضية غير شعبية.

منذ تفشي جائحة كوفيد- 19 في عام 2020، زاد اهتمام الصينيين بصحتهم بصورة غير مسبوقة، فأقبلوا على ممارسة ألعاب مثيرة وذات قيود قليلة لتقوية أجسادهم وتعزيز التبادل بينهم. هكذا، استقبلت لعبة القرص الطائر موجة جديدة من التطور في الصين

اختلافا عن كرة الطاولة وكرة الريشة الطائرة وكرة القدم والتزلج على الجليد أو على الثلوج وغيرها من الرياضات العادية، يتميز القرص الطائر بمزايا خاصة تتفق مع احتياجات الناس العاديين المتباينة.

 أولا، الحركات سهلة التعلم. مقارنة مع الرياضات الأخرى التي تتطلب مهارات عالية وتدريبات كثيفة، القرص الطائر رياضة صديقة للمبتدئين ويمكن للراغبين فهم قوانين اللعب وإتقان الحركات الأساسية بسرعة. يقسم المشاركون إلى فريقين، فريق الهجوم الذي يقوم أفراده بتمرير القرص من شخص إلى آخر حتى الوصول إلى مرمى الفريق المنافس وتحقيق نقطة؛ وفريق الدفاع الذي تكون مهمة أفراده قطع تمرير القرص للفريق الخصم بدون احتكاك جسدي. وبالنسبة لحركات هذه الرياضة، فيعد رمي القرص الطائر حركة أساسية. يجب على من يمسك بالقرص رميه إما بوجه اليد أو بظهر اليد، ومن دون أن يتحرك. تتطلب حركة الرمي بوجه اليد وضع ثلاثة أصابع على طرف القرص وضغط الجانب الآخر بالإبهام، وبالتالي، يرمي اللاعب القرص إلى زميله باستخدام قوة الخصر والبطن، ثم بقوة الجزء العلوي من جسمه. وتتطلب حركة الرمي بظهر اليد وضع الإصبع الأوسط على طرف الطبق، وقلبه مع الضغط على الجانب الآخر بالإبهام. ومن أجل تمرير القرص أو قطعه، لا بد للمشاركين الآخرين الركض والقفز. بعد تعلم تلك الحركات الأساسية وإجراء تدريبات لفترة قصيرة، يمكن للمبتدئ المشاركة في اللعب مع زملائه والتمتع بهذه الرياضة الرائعة.

ثانيا، التكلفة المعقولة. ينفق الناس مبالغ كبيرة لشراء الملابس الرياضية المتخصصة ومعدات الوقاية من الإصابات المحتملة قبل ممارسة بعض الألعاب الرياضية. وأحيانا، لا بد لهم من الذهاب إلى أماكن بعيدة لممارسة الرياضة، وهذا يكلف أموالا كثيرة وأوقاتا طويلة، مما يقلل حماسة البعض لممارسة الرياضة البدنية. أما القرص الطائر، فتكلفته معقولة جدا، فسعر القرص الطائر بالجودة العالية ليس غاليا كثيرا ويمكن للمشاركين ارتداء ملابس رياضية مناسبة ومعدات الوقاية الضرورية. فضلا عن ذلك، ليس من الضروري أن يذهبوا إلى ضاحية المدينة أو أماكن بعيدة للعب، بل يمكنهم اللعب في حديقة أو ملعب أو مكان خال.

ثالثا، القرص الطائر وسيلة جديدة للتعرف على أصدقاء جدد. لأن القرص الطائر رياضة جماعية وسهلة التعلم وليس فيها احتكاك جسدي أو قيود كثيرة بشأن العمر والجنس، يمكن لكل الراغبين والقادرين أن يلعبوا معا ويتعاونوا في تمرير القرص ويناقشوا تكتيكات أكثر فعالية ويتشاورون إذا حدث اختلاف حتى وإن لم يكن بينهم سابق معرفة. هكذا، يمكنهم رفع اللياقة البدنية والتخلص من الضغوط الناتجة عن الأعمال الشاقة والتعرف على أصدقاء جدد في نفس الوقت. كل هذا يجسد روح رياضة القرص الطائر المتمثلة في "معرفة قوانين اللعب، تجنب مخالفة قوانين اللعب والاحتكاك الجسدي، المنافسة العادلة، الموقف الإيجابي والتبادل المستفيض".

التطور السريع للقرص الطائر في الصين

اليوم، يعي المزيد والمزيد من الصينيين أهمية المحافظة على صحتهم الجسدية والذهنية، وطفقوا يمارسون ألعابا رياضية متنوعة بعد انتهاء الدوام أو في العطلات، فتراهم يلعبون القرص الطائر بحماسة في الملاعب والحدائق. ومن أجل دفع التطور السليم والمستدام لهذه الرياضة، تعمل الأجهزة الحكومية الصينية ورواد رياضة القرص الطائر ووسائل الإعلام على دعم هذا الاتجاه وتعزيز انتشار تلك اللعبة الرياضية.

حتى عام 2020، لم يكن في الصين جهاز متخصص للتخطيط والتنسيق الشامل لما يتعلق بشؤون القرص الطائر في الصين، ولكن في ذاك العام، أعلن المركز التوجيهي للرياضات الاجتماعية التابع للإدارة الوطنية للرياضة العامة عن إنشاء اللجنة الوطنية لتعميم رياضة القرص الطائر في الصين، من خلال وضع اللوائح المعنية وتنظم الفعاليات والمسابقات الرياضية والتعاون مع الاتحاد العالمي للقرص الطائر واتحاد آسيا وأوقيانوسيا للقرص الطائر. في نوفمبر عام 2021، قامت اللجنة الوطنية لتعميم القرص الطائر بمراجعة المشروع التجريبي لـ((قوانين القرص الطائر في الصين)) على أساس قوانين القرص الطائر الصادرة عن الاتحاد العالمي للقرص الطائر ومسيرة تطور هذه الرياضة ووضعها الحالي في الصين. تحدد هذه القوانين طول وعرض الملعب وعدد المشاركين في اللعب والمعدات اللازمة وأنواع المسابقات، وحركات الممارسة بصورة كاملة. وقد أرسى ذلك قاعدة راسخة لانتشار وتطور القرص الطائر في الصين. بالإضافة إلى ذلك، من أجل رفع مستوى الصين في هذه الرياضة، أطلقت اللجنة الوطنية لتعميم القرص الطائر حلقات وبرامج لتدريب المعلمين والمدربين، وتم حتى الآن تدريب أكثر من خمسة آلاف معلم وستمائة مدرب في كل أنحاء البلاد.

 ومن أجل نشر لعبة القرص الطائر بين الطلاب، تضمن ((الجدول الدراسي ومعاييره في مرحلة التعليم الإلزامي)) الذي أصدرته وزارة التعليم الصينية في إبريل عام 2022، إدراج لعبة القرص الطائر في دروس التربية البدنية بالمدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية، بما يثري محتويات حياة الطلاب في الحرم المدرسي ويقوي البنية الجسدية وروح التضامن والتعاون بينهم.

مع دعم وتشجيع الأجهزة الحكومية الصينية، عزز رواد لعبة القرص الطائر جهودهم في نشرهذه الرياضة الرائعة بكل السبل. على سبيل المثال، شيوي ينغ فنغ الذي لعب القرص الطائر لأول مرة في عام 2004 مع معلمه الأجنبي في الجامعة، شغف بهذه الرياضة تدريجيا، وأسس شركة لإنتاج الأقراص المحلية العالية الجودة، كمشروع رائد. ومع تزايد إقبال الصينيين العاديين على لعبة القرص الطائر، وبالاستفادة من خبراته في هذا المجال، تعاون شيوي ينغ فنغ مع المركز التوجيهي للرياضات الاجتماعية التابع للإدارة الوطنية للرياضة العامة وتعمل شركته كمؤسسة تشغيل للجنة الوطنية لتعميم القرص الطائر، من أجل تنظيم الفعاليات وتطوير هذه الرياضة في الصين. في يونيو عام 2020، استضافت شركة شيوي ينغ فنغ، اجتماع تقاسم خبرات ترويج رياضة القرص الطائر في هانغتشو بمقاطعة تشجيانغ، حيث بحث مدربو القرص الطائر وممثلو الشركات الرياضية من إحدى وعشرين مقاطعة ومدينة صينية سبل تعزيز انتشار هذه الرياضة المميزة وإبداع أنماط جديدة للتدريب عليها وبحث تطورها في المستقبل. وفي أغسطس عام 2022، ذهب مدربو الشركة إلى ولاية قانتسي الذاتية الحكم لقومية التبت بمقاطعة سيتشوان لتعليم أطفال محليين الحركات الأساسية للقرص الطائر.

تشانغ كون، الذي يمارس رياضة القرص الطائر منذ نحو ست عشرة سنة، أسس مع صديق له نادي القرص الطائر. لترويج هذه الرياضة بين الشباب الصينيين، يعمل تشانغ كون كمدرب كل أسبوع ويعلم المتدربين المهارات الأساسية للقرص الطائر وفقا لظروفهم المختلفة ويتقاسم معهم قصصا رائعة في هذا المجال، وأنشأ عدة فرق للهواة للمشاركة في فعاليات ومسابقات الرياضة. بالإضافة إلى شيوي ينغ فنغ وتشانغ كون، شارك كثير من رواد رياضة القرص الطائر في نشر هذه الرياضة بين الصينيين من خلال إنشاء أندية القرص الطائر وتنظيم فعاليات رياضية وعقد حلقات تدريبية، بما يجذب كثيرا من الشباب الشغوفين بهذه الرياضية.

فضلا عن تشجيع الأجهزة الرسمية وجهود رواد القرص الطائر، تساهم وسائل التواصل الاجتماعي الصينية في ترويج هذه الرياضة أيضا، الأمر الذي يزيد شعبيتها بسرعة. وعلى سبيل المثال، فإن تطبيق شياوهونغشو وتطبيق دوين اللذين يستخدمهما الشباب لتسجيل حياتهم اليومية وتقاسم خبراتهم الممتعة، أطلقا موضوعات حول القرص الطائر، الحركات الأساسية للقرص الطائر والتمتع بالقرص الطائر وآخر أخبار أندية القرص الطائر، إلخ، ودعوا بعض مشاهير الإنترنت والمدربين المتخصصين لنشر الملاحظات والصور ومقاطع الفيديو على التطبيقين، مما يثير اهتماما كبيرا بين المستخدمين الصينيين ويدفعهم لتجربة هذه الرياضة مع أصدقائهم. وبالتالي، يحقق القرص الطائر انتشار أكبر في الصين.

بفضل مساهمات الأطراف المشاركة في نشر وترويج القرص الطائر، تشهد هذه الرياضة تطورا بارزا في الصين. بحسب الإحصاءات من اللجنة الوطنية لتعميم القرص الطائر، بلغ عدد الممارسين الدائمين لهذه الرياضة أكثر من خمسمائة ألف شخص، وعدد الفرق الاجتماعية المنتظمة والمجموعات الجامعية لها أكثر من خمسمائة، وفتحت أكثر من ألف مدرسة ابتدائية وإعدادية وثانوية دروس القرص الطائر في عام 2021، في حين كان عدد إجمالي المشاركين الناشطين في هذه الرياضة حوالي ثلاثة آلاف شخص وعدد الأندية أقل من خمسين فقط في عام 2019. فلا مبالغة إذا قلنا إن لعب القرص الطائر قد أصبح "موضة" بين الصينيين.

مسابقات القرص الطائر

مع انتشار القرص الطائر في الصين بشكل أكبر في السنوات الأخيرة وزيادة عدد المشاركين، تقام مسابقات على كافة المستويات، مما يعزز حب الناس لهذه الرياضة ويضفي حيوية دافعة لتطورها.

قال خه يي، نائب مدير قسم شؤون الرياضات الجماهرية بالمركز التوجيهي للرياضات الاجتماعية التابع للإدارة الوطنية للرياضة العامة، إن القرص الطائر تحول إلى رياضة شعبية حاليا. في هذا السياق، تلعب المسابقات الوطنية دورا مميزا في تعزيز تطور هذه الرياضة في الصين وإثراء الحياة الرياضية للصينيين أيضا. في يوليو عام 2022، أصدر المركز ‏إعلانا عن إقامة الدورة الأولى لدوري القرص الطائر في الصين، الأمر جذب كثيرا من هواة هذه الرياضة في كل أنحاء البلاد للمتابعة والمشاركة. وفي الشهر التالي، بمناسبة اليوم الوطني الرابع عشر لتعزيز اللياقة البدنية، استضافت شيآن بمقاطعة شنشي أول بطولة لدوري القرص الطائر، بمشاركة 336 لاعبا من 12 فريقا، ومنهم طلاب جامعيون وموظفو شركات وباحثون أكاديميون، وغيرهم، وتتراوح أعمارهم بين سبعة عشر عاما وخمسين عاما، فذلك يؤكد على تسامح هذه الرياضة وانفتاحها. بعد بطولة شيآن، ستقام بطولات دوري القرص الطائر في هانغتشو وبكين وشانغهاي وتشنغدو وووهان على التوالي، فلا بد لتلك المسابقات أن تقود تيارا جديدا للقرص الطائر في الصين.

بالإضافة إلى المسابقات الوطنية، تقيم كثير من المدن والمقاطعات مسابقات القرص الطائر المتنوعة وذلك يزيد انتشار هذه الرياضة بين المزيد من الناس. على سبيل المثال، في نوفمبر عام 2020، استضافت شانغهاي الدورة الأولى لبطولة كأس ييكون للقرص الطائر، التي تعد حدثا مهما في مسيرة انتشار القرص الطائر في الصين. وشارك فيها 164 لاعب محليا من تسع فرق وأظهروا أداءهم الجيد وحبهم الكبير لهذه الرياضة خلال المنافسات. وفي أغسطس عام 2022، أقامت ووهان بمقاطعة هوبي، مسابقة القرص الطائر للشباب، حيث شارك فيها الشباب من كافة المجالات وتعاونوا وأظهروا حيوية الشباب وروح القرص الطائر. وفي الشهر التالي، نجحت بكين في إقامة الدورة الأولى لبطولة بكين المفتوحة للقرص الطائر، وشارك ألفا لاعب من مائة وعشرين فريقا، في منافسات المحترفين ومنافسات الهواة، الأمر الذي يؤكد التطور السريع لهذه الرياضة. وفي أكتوبر نفس العام، استضافت فوتشو بمقاطعة فوجيان، مسابقة الدعوة للقرص الطائر للسيدات، حيث جذبت أكثر من مائتي لاعبة من أنحاء البلاد للمشاركة في المنافسات، أظهرن جميعا مهارات جيدة وتعاونا ممتازا.

رياضة القرص الطائر التي دخلت إلى الصين في القرن الماضي، حققت انتشارا بارزا بدعم الأجهزة الرسمية ومساهمات الرواد وتغطية وسائل التواصل الاجتماعي، فصارت إحدى أكثر الرياضات شعبية. مع زيادة عدد ممارسي هذه الرياضة والمسابقات المعنية، تحدونا الثقة بأن رياضة القرص الطائر ستشهد تطورا أكبر في الصين في المستقبل القريب.