مجتمع < الرئيسية

علم الفيزياء في الصين القديمة

: مشاركة
2025-11-21 13:28:00 الصين اليوم:Source قوه هوان ياو:Author

شهدت الصين، في فترة الربيع والخريف وفترة الممالك المتحاربة (770- 221 ق.م)، انتقالا تدريجيا من العصر البرونزي إلى العصر الحديدي. كما دخل علم الفيزياء في الصين مرحلته التأسيسية، وذلك بفعل تطور تقنيات صهر الحديد واستخدام الأدوات الحديدية على نطاق واسع، وازدهار مشروعات الري وتقدم الهندسة المعمارية والتخطيط الحضري، فضلا عن الحروب التوسعية بين الدويلات. في هذه المرحلة، تم تأليف كتابي ((موه جينغ)) و((سجل الصناعات " كاوقونغ جي"))، وهما من من أهم المصادر التي تسجل تطور علم الفيزياء في تلك الحقبة.

بلغ علم الفيزياء في الصين القديمة أوجه في فترة أسرتي سونغ ويوان (960- 1368م). وعلى الرغم من ظهور الأشكال البدائية للبارود والبوصلة منذ أسرتي سوي وتانغ (581- 907م) أو ما قبلهما، فإن هذين الاختراعين لم يصلا إلى مرحلة النضج الحقيقي ولم يستخدما على نطاق واسع إلا في فترة أسرتي سونغ ويوان. بالإضافة إلى ذلك، اخترع الصينيون في هذه الفترة العديد من الآلات الضخمة والمعقدة، وتم تأليف بعض المؤلفات العلمية التي احتوت على قدر هائل من الخبرات والنظريات الفيزيائية، مثل كتاب ((منغشي بيتان)).

قال داي نيان تسو، الباحث في معهد تاريخ العلوم الطبيعية بالأكاديمية الصينية للعلوم: "لم يتوقف تطور علم الفيزياء في الصين القديمة، وقد تميز بمحتوى غني جدا، حيث شهدت مجالات كثيرة، مثل الحرارة والقوة والصوت والضوء والكهرومغناطيسية وبنية المادة، تطورا كبيرا."

علم الحرارة في الصين القديمة

تضمن كتاب ((سجل الصناعات))، الذي تم تأليفه في فترة الربيع والخريف (770- 476 ق.م)، ملاحظات الصينيين القدماء في مجال علم الحرارة. وقد جاء في الكتاب: "عند صهر البرونز، تظهر ألوان اللهب تباعا بالترتيب: الأسود، والأبيض المائل إلى الأصفر، والأبيض المائل إلى الأزرق، ثم الأزرق، ولا يمكن سبك الأدوات إلا عند ظهور اللهب الأزرق." ويعود ذلك إلى أن المواد المستخدمة في السبك لم تكن نحاسا خالصا، فمع ارتفاع درجة الحرارة تتطاير الشوائب المختلفة وتتفاعل مع اللهب، ثم تنتج الألوان المختلفة. كان القدماء يعتمدون على هذه المعرفة لتقدير درجة الحرارة عند صناعة الفخار وصهر المعادن.

بالإضافة إلى ذلك، وفقا لما جاء في كتاب ((تاريخ منطقة هوايانغ "هوايانغ قوتشي"))، فقد استغل لي بينغ، مهندس مشروع دوجيانغيان للري، قانون "التمدد بالحرارة والانكماش بالبرودة" لتفتيت الصخور الضخمة التي كانت تعترض الطريق، وذلك في عام 250 قبل الميلاد تقريبا.

منذ فترة أسرة هان (206 ق.م- 220م)، عرف الصينيون ظاهرة صعود الهواء الساخن. وقد صنعوا بناء على ذلك فوانيس تطفو في السماء كإشارات عسكرية. وذكر كتاب ((يويانغ تساتسو)) الذي ألفه دوان تشنغ شي في فترة أسرة تانغ (618- 907م)، أنه في عام 206 قبل الميلاد، وجد ليو بانغ، مؤسس أسرة هان الغربية (206 ق.م- 24م)، في قصر شيانيانغ القديم تحفة يبلغ ارتفاعها حوالي 73ر1 متر، قاعدتها على شكل تنين ملتف يمسك فانوسا بفمه. كلما يشتعل الفانوس، تتحرك حراشف التنين وتضيء كنجوم مصفوفة. استخدم هذا النوع من الفوانيس، وكذلك فوانيس "الخيل الدوار" التي ظهرت لاحقا، الحرارة الناجمة عن الاحتراق لتشكيل تيارات هوائية يمكنها تحريك الأجسام الخفيفة، مثل الخيل الورقي.

ولاحظ الصينيون تغيرات حالات المادة عند درجات الحرارة المختلفة، من خلال مراقبة الطقس. درس وانغ تشونغ، العالم في فترة أسرة هان الشرقية (25- 220م) هذا الموضوع بالتفصيل، مشيرا إلى أن "المطر ينشأ من الأرض لا من السماء"، "السحاب يتكون من مياه الجبال، ومن ثم يتحول إلى مطر لينزل." كما أشار إلى أن "الغيوم والضباب علامات المطر، ففي الصيف تتحول إلى ندى، وفي الشتاء إلى صقيع، وعندما يكون الجو دافئا تتحول إلى مطر، وعندما يكون باردا تتحول إلى ثلج." وكذلك سجل القدماء أمثلة عديدة من واقع حياتهم لتغير الماء بين الحالات الصلبة والسائلة والغازية.

في فترة أسرة هان، بدأ الصينيون يكتشفون ويستخدمون الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز الطبيعي. وقد جاء في كتاب ((هان شو)): "في محافظة قاونو، سائل قابل للاشتعال." ثم أطلق تشانغ هوا، الأديب في فترة أسرة جين الغربية (265- 317م)، في كتابه ((موسوعة الموجودات "بووو تشي")) على هذا النوع من المادة اسم "فيّْ"، وأشار إلى أنه لا يعد وقودا فحسب، وإنما أيضا "يستخدم في تشحيم العربات وطواحين الماء". ووفقا لكتاب ((الخلاصة في العلوم العسكرية "ووجينغ تسونغياو")) الذي تم تأليفه في فترة أسرة سونغ الشمالية (960- 1127م)، استخدم الصينيون القدماء الأسفلت في صنع القنابل السامة وكرات النار المزودة بالشوك، كالمواد اللاصقة والمواد المعززة للاحتراق، بغية جعل البارود يحترق بثبات ولفترة أطول.

انطلاقا من اختراع البارود، ظهرت أسلحة متعددة تعتمد على قوته، بما في ذلك الصواريخ التي تعمل بطاقة البارود. تم اختراع هذا النوع من الصواريخ في أوائل القرن الثالث عشر واستخدمت في المعارك. مع وصول هذه التقنيات إلى أوروبا، كان لها تأثير بالغ على تطور مجتمعاتها وعلومها وتقنياتها.

علم الصوتيات في الصين القديمة

حقق الباحثون في الصين القديمة اكتشافات وابتكارات كثيرة في مجال الصوتيات، شملت نشأة الصوت وانتشاره وظاهرة الرنين الصوتي وانتشار الصوت داخل البنايات. تضمن كتاب ((منغشي بيتان)) الذي ألفه شن كوه (1031- 1095م)، ملاحظات كثيرة حول هذه الظواهر.

بدأ علم الصوتيات من الموسيقى، إذ كان الناس في البداية يغنون، ثم شرعوا في صناعة الآلات الموسيقية. وكان من الضروري أن تصدر الآلات الموسيقية نغمات متناسقة، وإلا فإن العزف الجماعي سيصبح فوضويا، كما اكتشف الناس أن هناك علاقة معينة بين التردد العالي والتردد المنخفض لكي تبدو الموسيقى متناغمة وجميلة، ومن هنا ظهرت قواعد النغمات الموسيقية. ولضمان أن تصدر الآلات الموسيقية الأصوات المطلوبة، كان من الضروري فهم قانون الاهتزاز.

لقد أدرك الصينيون منذ زمن بعيد، من خلال صناعة الآلات الموسيقية، أن انبعاث الصوت مرتبط باهتزاز الأجسام. أشار كتاب ((مختارات في علم الموسيقى "يويشو ياولو")) الذي تم تأليفه في فترة أسرة تانغ، إلى أنه عندما يتحرك الجسم أو يهتز، يرتج الهواء من حوله، وهكذا ينشأ الصوت، وكذلك تؤثر سرعة حركة الهواء في نغمات الصوت. وفقا لما جاء في كتاب ((سجل الصناعات))، فإن اختلاف سمك الجسم المهتز يؤدي إلى اختلاف في نغمات الصوت.

قدم وانغ تشونغ، العالم في فترة أسرة هان الشرقية، وصفا بديعا للصوت، إذ قال: "الحشرات الضئيلة الجسد، لو كان لها صوت، فلا يسمع إلا في مسافة محدودة." وأشار إلى أن حالة حركة الهواء التي تنشأ بسبب حركات الإنسان تشبه حالة تموج الماء بسبب حركات السمك، حيث ينتشر الصوت أو التموج على المدى المحدود. شبه وانغ تشونغ موجة الصوت بموجة الماء، ويعد ذلك من أقدم الإشارات في تاريخ البشر إلى مفهوم الموجة الصوتية، وله أهمية بالغة في مسار تطور علم الصوتيات في الصين.

في مجال علم النغمات، حقق تشو تساي يوي، وهو من أحفاد تشو يوان تشانغ مؤسس أسرة مينغ (1368- 1644م)، إنجازات مهمة. ابتكر تشو تساي يوي نظرية جديدة لتناغم المزاجية المتساوية المكون من اثنتي عشرة نغمة، وصمم مجموعة قياسية من آلات النفخ (أنابيب تشبه المزمار) على أساس هذه النظرية. أثناء صناعة تلك الأنابيب، تخلى تشو تساي يوي عن أساليب السابقين، واختار تقليل حجم قطر الأنبوب لتعديل الصوت استنادا إلى نتائج التجارب والحسابات الرياضية، وهي طريقة علمية أكثر دقة.

أشاد عالم الفيزياء الألماني الشهير هرمان فون هلمهولتز بدراسة تشو تساي يوي في علم النغمات، قائلا: "من بين الصينيين أمير يدعى تساي يوي، دعا إلى استخدام السلم السباعي رغم معارضة الموسيقيين التقليديين. وكانت فكرة تقسيم الأوكتاف (الجواب) إلى اثنتي عشرة نصف نغمة نشأت في ذلك البلد العبقري أيضا."

علم البصريات في الصين القديمة

أحرز العلماء في الصين القديمة إنجازات لافتة في علم البصريات؛ فقد درسوا بدقة ظواهر الانتشار المستقيم للضوء وانعكاسه وانكساره، وبحثوا في مبادئ تكوين الصور على المرايا المستوية والمقعرة والمحدبة. كما أجروا سلسلة من التجارب لدراسة ظاهرة تشتت الضوء، ولاكتشاف آلية التصوير بالثقب الصغير. الجدير بالذكر أنه على أساس هذه الأبحاث، ظهر فن خيال الظل، الذي ساهم في إثراء الحياة الروحية والثقافية للإنسان في العصور القديمة، وأصبح تراثا ثقافيا نفيسا ظل محفوظا إلى يومنا هذا.

إذا وضعنا حاجزا يحمل ثقبا صغيرا بين جسم مضيء وشاشة، ستظهر على الشاشة صورة حقيقية مقلوبة لذلك الجسم. تعرف هذه الظاهرة باسم التصوير بالثقب الصغير، وكانت من أهم الأدلة على أن الضوء ينتشر في خطوط مستقيمة، وهي الأساس الفيزيائي الذي بنيت عليه فيما بعد تقنيات التصوير الفوتوغرافي والعرض الضوئي.

يعد كتاب ((موه جينغ))، الذي تم تأليفه في منتصف فترة الممالك المتحاربة، أقدم مؤلف يتناول علم البصريات، حيث يتضمن فصلين باسم "جينغ شيا" و"جينغ شوه شيا"، يتحدثان عن ظواهر الضوء والظل وقانون تكوين الصور على المرايا. يوضح الكتاب ظاهرة التصوير بالثقب الصغير، ويؤكد أن السبب الجذري في ذلك هو الانتشار المستقيم للضوء.

وبعد ذلك، قام العلماء اللاحقون، مثل شن كوه وتشاو يو تشين (من منتصف القرن الثالث عشر إلى منتصف القرن الرابع عشر تقريبا) بدراسات معمقة في مسألة التصوير بالثقب الصغير. أجرى تشاو يو تشين تجربة كبيرة، حيث استخدم أكثر من ألف شمعة كمصدر للضوء، كما حفر في أرض الغرفة بئرا بلغ عمقها ثماني تشي (نحو 6ر2 متر) ووضع الشموع فيها، ثم غطى البئر بحاجز يحمل ثقبا صغيرا، وبذلك ظهرت صورة الشموع على سقف الغرفة عبر ثقب الحاجز. هكذا قام تشاو بدراسة دقيقة حول تأثير عوامل، مثل حجم الثقب وشكله وشدة الإضاءة والمسافة بين الشموع والثقب والمسافة بين الصور والثقب، على حالات تكوين الصور. وبذلك، قدم أكثر بحث انتظاما واكتمالا في الصين القديمة في مسألة التصوير بالثقب الصغير.

ابتداء من الاكتشافات المبكرة في فترتي الربيع والخريف والممالك المتحاربة، وصولا إلى العصر الذهبي في فترة أسرتي سونغ ويوان، بذل العلماء الصينيون جهودا متواصلة في الملاحظة والاستنتاج والتجربة والتطبيق، وحققوا إنجازات بارزة في مجالات السبك والصهر وصناعة الآلات والبارود، كما اكتشفوا أسرار القوانين الطبيعية وتركوا بصمات لا تمحى في مجالات الحرارة والصوتيات والبصريات وغيرها.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

互联网新闻信息服务许可证10120240024 | 京ICP备10041721号-4