تعد انبعاثات عوادم مركبات النقل، أحد المصادر الرئيسية لغازات الاحتباس الحراري. تنتج المركبات، كالسيارات ومترو الأنفاق والدراجات النارية، انبعاثات كربونية بدرجات مختلفة. الدراجة، التي اخترعت قبل أكثر من 230 عاما، هي وسيلة النقل الوحيدة التي لا تنتج أي انبعاثات كربونية أثناء ركوبها.
أسس جيا تشيونغ وتشانغ تشي تشاو، وهما من هواة ركوب الدراجات، أستوديو باسم "Free U Nature" متخصص في تصنيع دراجات من الخيزران، بهدف تعزيز النقل الأخضر لمكافحة الاحتباس الحراري. يساعد جيا وتشانغ الأشخاص ذوي الاهتمامات المشتركة على صنع الهيكل الرئيسي للدراجات الخضراء يدويا من الخيزران، كما ينظمان أنشطة ركوب دراجات لتشجيع عشاق الدراجات على السفر الأخضر.
الوعي بحماية البيئة
يرجع وعي جيا تشيونغ بحماية البيئة إلى فترة طفولته. نشأ جيا في شمال شرقي الصين، حيث التقلبات الجوية القاسية كالعواصف الرملية والضباب الدخاني، وكثيرا ما كان يشاهد في البرامج التلفزيونية تقارير عن التلوث الأبيض والطقس القاسي، والدعوات إلى تقليل استخدام البلاستيك، والشوارع الموحلة والأكياس البلاستيكية التي تطفو على الأشجار. ورغبة منه في القيام بعمل إيجابي للحد من التلوث، بدأ وهو طالب بالمدرسة الإعدادية في تنظيم نشاطات مع زملائه لجمع القارورات البلاستيكية وإعادة تدويرها، كما بادر بجمع النفايات المتناثرة في المنطقة التي كان يلعب فيها. وخلال سنوات دراسته الجامعية، قرأ جيا تشيونغ قصة في مجلة ((الطالب الجامعي)) عن طالبة جامعية صينية نالت إشادة المجتمع الدولي لعملها في مجال حماية البيئة. ألهمه التأثير الواسع النطاق لجهودها الفردية، وحفزه على القيام بشيء مماثل.
في ذلك الوقت، كان هناك توجه لإعادة تدوير البطاريات المستعملة. أقنع جيا تشيونغ اثنين من زملائه بجمع المواد القابلة لإعادة التدوير من البطاريات واستخراجها. ومع ذلك، بعد إجراء المزيد من الأبحاث حول هذا الموضوع، اكتشفوا أنهم لا يمتلكون الخبرة اللازمة للتخلص من المواد الكيميائية الموجودة في البطاريات، فتخلوا عن هذه الخطة لاحقا.
بعد تخرجه في الجامعة، انتقل جيا تشيونغ إلى بكين حيث اكتشف بالمصادفة أستوديو الدراجات الخيزرانية "Bamboo Bicycles Beijing" في أحد أزقة المدينة. مؤسس الأستوديو شاب أمريكي اسمه ديفيد وانغ، يدعو المشاركين لصنع الهيكل الرئيسي للدراجات من الخيزران لتمكين الناس من التواصل مع المواد المستدامة مباشرة والانخراط في نمط حياة جديد من ركوب الدراجات الصديقة للبيئة. بدأ جيا تشيونغ العمل التطوعي في الأستوديو، ثم صار في النهاية موظفا بدوام وكون العديد من الأصدقاء خلال مسيرته المهنية، وشارك في العديد من أنشطة النفع العام ومشروعات التعاون التعليمي ومسابقات الابتكار، ووجد المسار المهني الذي أراد أن يكرس حياته له. ولكن، ولأسباب شخصية، أغلق ديفيد وانغ ورشته في عام 2018. بحث جيا تشيونغ عن وظائف أخرى في قطاع التعليم، لكنه وجد أنها غير مرضية له.
أما تشانغ تشي تشاو، فقد بدأ اهتمامه بحماية البيئة منذ أيام دراسته. عندما كان في المدرسة الثانوية انتقل مع زملائه إلى بناية تعليمية جديدة، وهناك لم يجد سلة مهملات لرمي القمامة، فعرض الأمر على مدير المدرسة واقترح القيام بعمل لحل هذه المشكلة. بعد تخرجه في الجامعة، انتقل إلى بكين وعمل في مجال الرعاية العامة.
خلال مشروع دراسة جماعية مع زملائه، عرف تشانغ تشي تشاو المزيد حول قضايا المناخ، حيث أدرك أن بعض المفاهيم مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحياة اليومية للناس، مما دفعه إلى تبني أسلوب حياة مستدام. بدأ يتناول الطعام في قاعة الطعام بدلا من اختيار الوجبات الجاهزة، ويشترى الملابس المستعملة وليست الجديدة. وفي مكان عمله، أخذ يشجع زملاءه على وضع نفاياتهم، مثل الورق المهمل والتغليف السريع والقارورات البلاستيكية، في محطات إعادة التدوير المخصصة في الأماكن العامة. قال تشانغ: "في ذلك الوقت، عندما كنت أخرج لتناول الطعام في المطاعم، كنت أحمل معي الأغلفة البلاستيكية والتغليف الورقي لعيدان تناول الطعام وأتخلص منها في المكتب، مما ساهم في تكوين عادة إعادة التدوير."
التقى الشابان جيا وتشانغ خلال مبادرة تعاونية للنفع العام، وقرّب بينهما شغفهما بركوب الدراجات والحرف اليدوية. بعد أن علما أن ديفيد وانغ قد أعاد افتتاح الأستوديو الخاص به في شانغهاي عام ٢٠٢١، خططا أيضا لإحياء مشروع الدراجات الخيزرانية في بكين. قال تشانغ: "ركوب الدراجة وسيلة للتواصل مع الطبيعة. أتذكر أول وعي لي بالبيئة خلال رحلتي الأولى على دراجة خيزرانية من بكين إلى تشينغداو. كما نأمل أن نلهم المزيد من الناس للمشاركة في هذه التجربة الفريدة."
الترويج لركوب الدراجات الصديقة للبيئة
خلال جولة في المدينة، تعرف جيا تشيونغ على مشروع "لينغ- لونغ" الذي أطلقته منظمة أصدقاء الطبيعة، وهي منظمة غير حكومية غير ربحية لحماية البيئة، تهدف إلى دعم المواطنين الصينيين لرفع مستوى الوعي بأهمية العمل المناخي. انجذب جيا لفكرة المشروع، ورأى أنها فرصة رائعة لاستكشاف كيف يمكن لجهوده الشخصية أن تحدث تأثيرا أكبر على المجتمع.
في عام 2022، انضم جيا إلى المرحلة الثالثة من مشروع "لينغ- لونغ"، وخطط لإطلاق مبادرة "ركوب الدراجات لمسافة 690 كيلومترا" لتشجيع الناس على ركوب الدراجات الخيزرانية. أوضح جيا تشيونغ أن الدراجة المصنوعة من سبائك الألومنيوم تطلق حوالي 174 كيلوغراما من مكافئ ثاني أكسيد الكربون من المواد الخام والتصنيع والنقل، وهو ما يعادل انبعاثات الكربون من سيارة تقطع مسافة 690 كيلومترا. إذا قطعت 690 كيلومترا، ستجعل الدراجة محايدة الكربون. بالإضافة إلى ذلك، فإن الهيكل الوعائي للخيزران يمنحه قوة شد مشابهة للصلب وقوة ضغط شبيهة بالخرسانة، وعمره الافتراضي يقترب من عمر الهياكل المصنوعة من سبائك التيتانيوم أو الفولاذ. بعد قطع نبات الخيزران، يمكن أن يستمر في النمو وامتصاص ثاني أكسيد الكربون، مما يجعله مادة عملية ومستدامة للغاية.
في ذلك الوقت، تعلم جيا تشيونغ معرفة متخصصة وتطوير خطة العمل في بكين، بينما تعلم تشانغ تشي تشاو مع ديفيد وانغ في شانغهاي تصنيع الخيزران ونموذج الأعمال. قال جيا: "استلهمت من الدراجات الخيزرانية، ودمجتها في الحياة الصديقة للبيئة. آمل أن تساعد جهودي المزيد من الناس على اكتشاف متعة ركوب الدراجات وقيمتها."
قال تشانغ تشي تشاو إن صنع دراجة من الخيزران يستغرق حوالي ثلاثة أيام. في اليوم الأول، يتم بناء الهيكل الرئيسي. بعد اختيار الخيزران، يتم تعريف الدراجين بكيفية تقطيعه إلى أجزاء بأطوال مناسبة وربطها معا. في اليوم التالي، يتعلم الدراجون كيفية تقوية كل وصلة بألياف الكربون لجعل الهيكل أقوى وأكثر ثباتا. في اليوم الثالث، يتعلم الدراجون طريقة ربط الهيكل الرئيسي بالمكونات الأخرى، وبعد ذلك يتم تلميع الدراجة بالكامل.
في إبريل عام 2023، أسس جيا تشيونغ وتشانغ تشي تشاو أستوديو "Free U Nature" للدراجات الهوائية المصنوعة من الخيزران، بهدف الترويج لطرق عملية تخفيف العبء عن الطبيعة، واستقطاب هواة ركوب الدراجات من خلال الأصدقاء والمنصات الإلكترونية. في غضون ستة أشهر، نظما 37 فعالية لركوب الدراجات وسبع ورش عمل يدوية لتصنيع الدراجات، وحشدا أكثر من مائة وخمسين شخصا لتسجيل مسافة ركوب كل منهم للدراجات. في النهاية، تم الوصول إلى المسافة الإجمالية البالغة 35880 كيلومترا، محققين الحياد الكربوني لحوالي 52 دراجة وتقليل انبعاثات الكربون بمقدار 08ر93 طنا.
بالإضافة إلى فعاليات ركوب الدراجات، خطط جيا وتشانغ أيضا لأنشطة إبداعية أخرى. استلهما من مطعم مستدام في السويد يستخدم الدراجات لتوصيل الطلبات الخارجية، وأطلقا مشروع "التوصيل البطيء لساعي البريد" الذي يجمع بين ركوب الدراجات وخدمات التوصيل. يدعو المشروع الناس إلى تسليم الأكياس الورقية المستعملة غير المستخدمة إلى صناديق إعادة التدوير في متاجر محددة، ثم يقومان بتوظيف سعاة بريد لإرسال الأكياس المجمعة إلى تجار التجزئة لإعادة استخدامها.
أُطلقت الفعالية الأولى للمشروع في بكين في العشرين من إبريل 2025، عندما حمل ثلاثة وعشرون ساعي بريد أكثر من أربعمائة كيس ورقي مستعمل جُمعت خلال اثني عشر يوما من فندق "جين بكين". لقد قطعوا مسافة أحد عشر كيلومترا لتوصيل الأكياس إلى موقعين في سوق المزارعين في بكين، مما أعطى هذه الأكياس الورقية حياة جديدة مرة أخرى. قال تشانغ تشي تشاو: "كان من المقرر إنشاء محطات إعادة التدوير في الفندق خلال فعالية إبريل فقط، ولكن بعد ذلك، قرر المنظمون تحويلها إلى محطات ثابتة. وهذا يظهر لنا أيضا أنه قد يكون هناك المزيد من المتاجر ومراكز التسوق التي يمكنها استضافة محطات إعادة تدوير ثابتة في المستقبل. ولتسهيل العملية أكثر، يمكن للناس أيضا إرسال الأكياس إلى محطات إعادة التدوير أسفل البنايات، مما يسهّل على المزيد من الناس إعادة تدويرها والاستفادة منها." كأحد ممثلي هذا المشروع، حصل تشانغ تشي تشاو على دعم من مشروع "لينغ- لونغ"، وقال إنه سيتواصل مع المزيد من المتاجر وسعاة البريد الذين يركبون الدراجات، وينظم المزيد من الفعاليات شهريا.
على مدار عامين منذ تأسيسه، استقطب أستوديو "Free U Nature" المئات من هواة ركوب الدراجات للانضمام إلى فريقه، حيث قطعوا مسافة إجمالية تزيد عن ستين ألف كيلومتر، بمشاركة ما يقرب من مائة دراجة هوائية حققت الحياد الكربوني. وبينما يواصل جيا تشيونغ وتشانغ تشي تشاو رحلتهما لدعم البيئة والمحافظة على سلامة الكوكب، يطمحان أن تصبح بكين بأكملها مدينة دراجات يسودها أسلوب حياة مستدام.