مجتمع < الرئيسية

علم الفلك في الصين القديمة (الجزء الثاني)

: مشاركة
2025-04-14 17:29:00 الصين اليوم:Source تشانغ منغ فان:Author

في الصين القديمة، لم يكن علم الفلك مجرد استكشاف للكون الشاسع فحسب، وإنما أيضا كان علما مرتبطا ارتباطا وثيقا بالحياة الاجتماعية والإنتاج الزراعي والقرارات السياسية. من المراقبة الفلكية إلى وضع التقاويم، كشف علماء الفلك الصينيون القدماء أسرار الكون باستخدام أدوات دقيقة وحسابات صارمة، مما قدم إطارا زمنيا وإرشادات مهمة لتطور المجتمع البشري.

أدوات القياس.. عيون المراقبة في استكشاف الكون

يعد علم قياس الأجرام السماوية أحد أقدم الفروع الأساسية في علم الفلك، حيث يركز بشكل رئيسي على تحديد مواقع النجوم والوقت الذي تصل فيه النجوم إلى مواقع معينة. وقد صمم وصنع علماء الفلك الصينيون القدماء مجموعة متنوعة من الأدوات الدقيقة والمتقدمة لقياس الأجرام السماوية، بالإضافة إلى المراصد الفلكية، وحققوا إنجازات هائلة في مجال قياس الأجرام السماوية.

"نظرية هونتيان" نظرية كونية مهمة في الصين القديمة، ووفقا لها فإن "السماء تشبه بيضة، والأجرام السماوية مستديرة ككرات صغيرة، بينما الأرض تشبه صفار البيضة". وفقا لهذه النظرية، فإن السماء ممتلئة بالماء، وتُدعم بالهواء، بينما الأرض تطفو على سطح الماء. تقسم السماء إلى 25ر365 درجة، ويُطلق على طرفي محور دوران السماء اسمي القطب الجنوبي والقطب الشمالي، وخط الاستواء عمودي على القطبين، وزاوية ميل دائرة البروج عند تقاطعها مع خط الاستواء هي 26ر23 درجة. "أداة هونيي" هي أداة قياس الأجرام السماوية بناء على "نظرية هونتيان"، ويرجع اختراعها إلى الفترة ما بين القرن الرابع قبل الميلاد والقرن الأول قبل الميلاد. ومع تحسينات متتالية من قبل علماء الفلك عبر العصور، صمم عالم الفلك لي تشون فنغ في فترة أسرة تانغ (618- 907م) نسخة أكثر دقة وكمالا من "أداة هونيي". تتكون الأداة الجديدة من ثلاث طبقات؛ الطبقة الخارجية تتكون من دائرة الأفق ودائرة الزوال ودائرة خط الاستواء؛ والطبقة الوسطى تتكون من حلقة مسار القمر وحلقة دائرة البروج وحلقة خط الاستواء؛ والطبقة الداخلية تتكون من حلقة مزدوجة وأنبوب للرصد. يمكن رصد إحداثيات الأجرام السماوية وحركاتها من خلال هذه الأداة.

من أجل تلافي تعقيد حلقات "أداة هونيي" التي كانت تحجب أجزاء من السماء وتعيق الرصد، قام عالم الفلك الصيني في فترة أسرة يوان (1271- 1368م)، قوه شو جينغ، بتبسيطها وابتكار "أداة جيانيي" (أداة التبسيط). تتكون "أداة جيانيي" من جزأين مستقلين؛ جهاز خط الاستواء وجهاز الأفق. يُستخدم جهاز خط الاستواء لقياس الإحداثيات الاستوائية للأجرام السماوية، وهو يشبه في هيكله الأساسي جهاز خط الاستواء باستخدام طريقة الإسقاط السماوي في أجهزة التلسكوب الحديثة. يشبه جهاز الأفق إلى حد كبير جهاز الأفق الحديث لقياس الزوايا الأفقية والعمودية، ويستخدم لقياس الارتفاعات والجهات الأفقية للأجرام السماوية. اتخذ قوه شو جينغ عديدا من التقنيات المتقدمة في "أداة جيانيي"، مثلا، أنبوب الرصد مزود بخيوط متقاطعة، وهي تعتبر الأصل التاريخي لخيوط التصويب المتقاطعة في التلسكوب؛ ووضع أربعة أسطوانات صغيرة مبدأها يشبه فكرة "محامل الأسطوانات" الحديثة لتقليل الاحتكاك؛ وتم تركيب جهاز لضبط الاتجاه الشمالي- الجنوبي للأداة. مثل اختراع "أداة جيانيي" قفزة كبيرة في تاريخ تصنيع الأدوات الفلكية في الصين، وكانت تقنية متقدمة على مستوى العالم في ذلك الوقت.

"أداة هونشيانغ" (الكرة السماوية) هي أداة تستخدم لعرض الحركة الظاهرية للأجرام السماوية. وابتكر العالم الصيني قنغ شو تشانغ أول نسخة من هذه الأداة في الصين بين عامي 70- 50 قبل الميلاد. تصور هذه الأداة الشمس والقمر والنجوم (الأبراج الثمانية والعشرين) بالإضافة إلى خط الاستواء ودائرة البروج على سطح كرة، مما يتيح للأفراد معرفة الظواهر الفلكية في أي وقت. يمكن رؤية النجوم والقمر في مواقعها خلال النهار، ويمكن رؤية موقع الشمس في الأيام الغائمة أو أثناء الليل. تستخدم هذه الآلة لعرض حركة شروق وغروب الشمس والقمر والنجوم، بالإضافة إلى توضيح ظواهر مثل طول النهار في الصيف وطول الليل في الشتاء بشكل مرئي وواضح.

يقف الشخص خارج كرة "أداة هونشيانغ" لرؤية الظواهر الفلكية، وهو أمر كان مفيدا لحساب الإحداثيات الفلكية ومراقبة النجوم، ولكنها لم تكن واقعية بما يكفي لترمز إلى السماء. في فترة أسرة سونغ (960- 1279م)، ابتكر العالمان سو سونغ وهان قونغ ليان أداة جديدة تتيح للشخص النظر إلى السماء من داخل الكرة، وهي "أداة جياتيان" (أداة السماء الوهمية). تم تصميم ثقوب صغيرة تتوافق مع مواقع النجوم في السماء على الكرة، عند دخول الشخص إلى داخل الكرة، يرى نقاطا مضيئة تشبه النجوم الحقيقية. وبتحريك الكرة، يمكن رؤية النجوم الثابتة المختلفة. كانت هذه الأداة بمثابة "سلف" القبة الفلكية الحديثة.

محطة الرصد المدفوعة بالماء هي ساعة فلكية تعمل بالماء، صممها العالمان سو سونغ وهان قونغ ليان في عام 1086، واستغرق بناؤها سبع سنوات. يبلغ ارتفاع المحطة حوالي 12 مترا وعرضها 7 أمتار، وقد كانت نموذجا مبكرا للمرصد الفلكي الحديث. تتكون المحطة من ثلاثة أجزاء؛ الطبقة العليا، وهي أداة هونيي، والطبقة الوسطى، وهي أداة هونشيانغ، والطبقة السفلى، وهي نظام لإعلان الوقت. اشتمل نظام إعلان الوقت على أكثر من 160 دمية خشبية صغيرة وأربع آلات موسيقية، يمكنها عرض الوقت، بالإضافة إلى الإعلان عن لحظات الغسق والفجر وكل ساعة كاملة من الليل. تعمل الأجزاء الثلاثة معا بواسطة نظام ميكانيكي يعتمد على تدفق الماء. يحرك الماء العجلات والتروس، مما يجعل الأجزاء الثلاثة تتحرك بشكل متزامن مع حركة الأجرام السماوية. وقد وصفها العالم البريطاني جوزيف نيدهام بأنها "قد تكون ’سلف‘ الساعة الفلكية الأوروبية في العصور الوسطى".

مرصد النجوم هو مرصد فلكي قديم يقع في مدينة دنغفنغ بمقاطعة خنان، وقد صممه وأنشأه قوه شو جينغ في عام 1279. المرصد مصمم على مساحة مربعة طول ضلعها 16 مترا، ويبلغ ارتفاع المرصد 4ر9 أمتار. في الجانب الشمالي من المرصد يوجد حجر القياس (يعرف باسم "مقياس السماء") طوله 19ر31 مترا. يشكل حجر القياس والمرصد مزولة كبيرة، يحتوي مركز الحجر وجوانبه على علامات لقياس طول الظل، فحسب التغير في طول ظل العارضة العلوية في المرصد على حجر القياس، يمكن تحديد الانقلاب الشتوي والانقلاب الصيفي والاعتدال الربيعي والاعتدال الخريفي، بالإضافة إلى تحديد فترة السنة الشمسية، الأمر الذي وفر أساسا موثوقا لصياغة التقويم.

التقويم القديم.. القياس الدقيق في نهر الزمن الطويل

في مسيرة الحضارة الصينية الطويلة، لم يكن التقويم القديم نظاما دقيقا لقياس الزمن فحسب، وإنما أيضا عنصر رئيسي متشابك مع جوانب الحياة الاجتماعية والإنتاج الزراعي والتراث الثقافي وغيرها من المجالات، وقد أثر بشكل عميق على مسار تطور الأمة الصينية. يجسد هذا التقويم مراقبة القدماء الدقيقة للظواهر الفلكية، وفهمهم العميق لقوانين الطبيعة، وسعيهم المستمر نحو تنظيم الزمن.

التقويم هو القواعد الطبيعية المستندة إلى تغيرات الظواهر الفلكية، والذي يستخدم لقياس الفترات الزمنية الطويلة، وتقدير تغيرات المناخ، والتنبؤ بقدوم الفصول. التقويم الذي يحدد بناء على دورة اكتمال ونقصان القمر يسمى بالتقويم القمري؛ أما التقويم الذي يعتمد على دورة دوران الأرض حول الشمس فيسمى بالتقويم الشمسي. كان التقويم القديم في الصين يعتمد على السنة الشمسية كوحدة للعام، وعلى الشهر القمري كوحدة للشهر، فهو يجمع بين التقويمين الشمسي والقمري. ومن أجل تنسيق الفروق بين هاتين الدورتين، استخدم القدماء طريقة إضافة شهر كبيس، بمعنى إضافة شهر في سنة مناسبة، لتتوافق الأشهر مع الفصول. ومن ذلك، نظام "إدخال 7 أشهر كبيسة خلال 19 عاما" في التقويم القديم، الذي حل بشكل ذكي التناقض بين التقويمين الشمسي والقمري. هذا الإطار الزمني الفريد يعد أحد أبرز خصائص التقويم الصيني القديم.

في السنة الأولى من تايتشو لفترة حكم هان وو دي (104 ق.م)، تم تنفيذ ((تقويم تايتشو))، الذي ابتكره عالم الفلك الشعبي لوه شيا هونغ في فترة أسرة هان الغربية (206 ق.م- 24م). هذا هو أول تقويم علمي كامل البيانات يصل إلينا، حيث حدد الشهر الأول القمري بداية العام، والذي لا يزال مستخدما حتى اليوم؛ وحدد لأول مرة المواسم الأربعة والعشرين، مما جعل التقويم أكثر ارتباطا بالإنتاج الزراعي. في فترة الأسر الجنوبية والشمالية (420- 589م)، صاغ عالم الفلك والرياضيات البارع تسو تشونغ تشي ((تقويم دامينغ))، حيث أدخل لأول مرة مفهوم التقدم المحوري، واتخذ دورة كبيسة جديدة أكثر دقة، تتمثل في إضافة 144 شهرا كبيسا خلال 391 عاما. إضافة إلى ذلك، حدد طول السنة الشمسية بأنه 24281ر365 يوما، وطول الشهر القمري بأنه 21223ر27 يوما، وهذان الرقمان قريبان جدا من الرقم الحديث لكل منهما. في فترة أسرة تانغ، وضع الراهب وعالم الفلك البارع يي شينغ ((تقويم دايان))، حيث استوعب قانون الحركة السنوية الظاهرية للشمس بشكل صحيح، وأصلح الخطأ في التقاويم السابقة التي كان تقسم السنة بشكل متساو إلى أربعة وعشرين موسما. ومن أجل وضع التقويم، أشرف يي شينغ في عام 724 على أول مسح فلكي ضخم في تاريخ الصين، مما جعل الصين تتقدم عالميا في قياس طول خط الزوال. استخدم ((تقويم دايان)) على نطاق واسع داخل الصين، وكان له تأثير على تقاويم الدول المجاورة، وبات أحد أكثر التقاويم تقدما في شرقي آسيا آنذاك. في فترة أسرة يوان، وضع عالم الفلك الكبير قوه شو جينغ ((تقويم شوشي))، الذي يعد قمة التقاويم الصينية القديمة، حيث حول جميع البيانات في التقويم من الكسور الاعتيادية إلى الكسور العشرية، وحدد طول السنة بأنه 2425ر365 يوما، وهو قريب للغاية من التقويم الميلادي الحديث. بدأ تنفيذ ((تقويم شوشي)) من عام 1281 واستمر لأكثر من ثلاثمائة عام، مما كان له تأثير عميق على تطور المجتمع الصيني القديم.

ارتبطت التقاويم القديمة ارتباطا وثيقا بجميع جوانب الحياة الاجتماعية. في مجال الزراعة، كانت المواسم الأربعة والعشرون مرجعا مهما للمزارعين لتنظيم الأنشطة الزراعية، حيث قام المزارعون بالبذر والحصاد وغيرها من العمليات الزراعية وفقا لتغيرات المواسم، لضمان حصاد وفير. من الناحية الثقافية، حدد التقويم تواريخ الأعياد المختلفة مثل عيد الربيع وعيد منتصف الخريف وعيد قوارب التنين، وتحمل هذه الأعياد مضامين ثقافية غنية، وأصبحت لحظات مهمة للتواصل العاطفي وتراثا ثقافيا للأمة الصينية. بالإضافة إلى ذلك، لعبت التقاويم دورا مهما في السياسة القديمة. كان البلاط الإمبراطوري يصدر كتاب التقويم السنوي بشكل موحد، وعلى جميع المناطق الالتزام بالكتاب في الإنتاج والحياة والأنشطة الاجتماعية. كان هذا الكتاب يحتوي على معلومات أساسية مثل التواريخ والمراسم، وكان يشمل مجالات عديدة مثل علم الفلك والطقس والأنشطة الزراعية والمحظورات، فقد كان دليلا شاملا للحياة.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

互联网新闻信息服务许可证10120240024 | 京ICP备10041721号-4