"تترعرع أشجار الشاي على جبل آيلنغ،

أشجار الشاي منتشية،

أشجار الشاي نفيسة مثل الذهب،

قريتنا بقعة مباركة نعيش فيها حياة سعيدة."

جلست العجوز يوي لوه في القرية القديمة، مرتدية الملابس التقليدية لقومية بولانغ، وراحت تشدو بهذه الأغنية الجميلة لقومية بولانغ، مفعمة بالمحبة العميقة لتمجيد غابة الشاي العتيقة التي يعيش أبناء القرية فيها جيلا بعد جيل.

قالت: "منذ ألف عام ونيف، يعيش الناس في غابة الشاي. أوراق الشاي الصغيرة كنز وهبته الطبيعة لنا."

يقع جبل جينغماي في محافظة لانتسانغ الذاتية الحكم لقومية لاهو بمدينة بوأر في مقاطعة يوننان. في الفترة من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر الميلادي، عندما جاء أسلاف قوميتي داي وبولانغ إلى الجبل، وجدوا أشجار الشاي البرية، فبنوا بيوتا صارت قرية لهم واستوطنوا هذا المكان، وقاموا باستئناس أشجار الشاي البرية وعاشوا اعتمادا عليها. خلال أكثر من ألف سنة، تتطور قصة التعايش المتناغم بين الإنسان وأشجار الشاي.

التناغم الإيكولوجي الطبيعي

تقع غابة الشاي في وسط غابات عذراء، يبلغ متوسط ارتفاعها فوق سطح البحر 1500 متر، ومن أسفلها قرى يحيط بها حزام حراجي، بينما تقع حقول الأرز بالقرب من وادي النهر المنخفض نسبيا عن سطح البحر. تجسد هذه الطريقة لاستغلال الأرض حكمة الحضارة الزراعية للصينيين القدماء، لأنها ضمنت عدم تأثر غابة الشاي بحركة الإنتاج وحياة الناس خلال أكثر من ألف سنة.

تنمو الغابات العذراء الخضراء النضرة على الجبال. تحت أشجار الأثأب والكافور الطويلة الضخمة التي يخيم عليها السحاب والضباب، غابة الشاي العتيقة التي تغطي 1180 هكتارا. وتحت أشجار الشاي، تنمو النباتات الهوائية والنباتات الطفيلية. يتعايش في غابة الشاي العتيقة أكثر من 1500 نوع من النباتات البذرية المحلية وأكثر من 200 نوع من الحيوانات البرية.

قال العجوز سو قوه ون، ابن قومية بولانغ الذي ناهز عمره واحدا وثمانين حولا: "هذه الأشجار الطويلة الضخمة تحمي أشجار الشاي العتيقة من الرياح والأمطار والصقيع. وتأكل الحشرات بعضها بعضا وتأكل الطيور الحشرات، مما يضمن التوازن الإيكولوجي للبيئة."

غابة الشاي العتيقة هي مصدر رزق لما يربو على ستة آلاف فرد يعيشون في ثلاث قرى على جبل جينغماي. من أجل حماية غابة الشاي العتيقة، قامت حكومة مدينة بوأر وحكومة محافظة لانتسانغ بتعديل أكثر من عشرين لائحة لحماية غابة الشاي العتيقة وإكمالها في السنوات الأخيرة، لإدراج إدارة أشجار الشاي العتيقة في مواثيق القرية، وتضمنت اللوائح النص على حظر قطف أوراق الشاي إلا في فصلي الربيع والخريف، لتتاح لأشجار الشاي فترة للنقاهة واستعادة القوة في فصلي الصيف والشتاء. بالإضافة إلى ذلك، لم تدخر حكومتا بوأر ولانتسانغ جهدا في أعمال التوعية، لجعل القرويين يدركون على نحو عميق علاقة التعايش بين "الغابات وغابة الشاي العتيقة والقرى". يقوم القرويون بإزالة الأعشاب الضارة يدويا، ولا يستخدمون الأسمدة والمبيدات الكيماوية، ولا يصيدون الطيور، ولا يجمعون الأعشاب الطبية البرية، فصارت "حماية غابة الشاي العتيقة مثل حماية العيون" توافقا بين السكان المحليين.

"المناظر الثقافية لغابة الشاي العتيقة في جبل جينغماي بمدينة بوأر" المكونة من خمس غابات واسعة عتيقة للشاي وتسع قرى قديمة لقومية بولانغ وقومية داي وثلاثة أحزمة خضراء واقية تفصل بينها، صارت نموذجا لغابات الشاي العتيقة المستزرعة والمحفوظة بشكل كامل في العالم.

في السابع عشر من سبتمبر عام 2023، أجازت الدورة الخامسة والأربعون الموسعة للجنة التراث العالمي بمنظمة اليونسكو، والتي عُقدت في الرياض عاصمة السعودية، قرارا بإدراج "المناظر الثقافية لغابة الشاي العتيقة في جبل جينغماي بمدينة بوأر" في ((قائمة التراث العالمي))، مما جعل جبل جينغماي يجذب اهتمام العالم.

قبل أكثر من ثلاثين سنة، كان جبل جينغماي مكانا منعزلا، وكان إنتاج حقول الأرز فيه لا يسد حاجة السكان والقوى الإنتاجية للقرويين المحليين غير متطورة. تمتد غابات الشاي في جبل جينغماي على مساحة واسعة، ولكن مرافق البنية التحتية كانت متخلفة والمواصلات صعبة. لكل ذلك، لم يكن يأتي إلى هذا المكان إلا عدد قليل من تجار الشاي، وكان سعر الكيلوغرام من الشاي أقل من يوان (الدولار الأمريكي يساوي 1ر7 يوانات تقريبا حاليا)، فكان الدخل السنوي للأسرة القروية مئات اليوانات فقط. من أجل كسب الرزق، تحول مزارعو الشاي إلى زراعة قصب السكر والذرة والأرز وغيرها من المحاصيل، فضلا عن تربية الدواجن والمواشي، وغادر كثير من الشباب مسقط رأسهم بحثا عن مصدر رزق أفضل في المدن.

مرافق حديثة وحديقة شاي خضراء

شن فا يونغ، هو أول مدير لمحطة جينغماي لمصلحة الإمداد الكهربائي لمحافظة لانتسانغ الذاتية الحكم لقومية لاهو بمدينة بوأر التابعة لشركة شبكة الطاقة الكهربائية المحدودة بمقاطعة يوننان، والتي تتبع شركة شبكة الطاقة الكهربائية لجنوبي الصين. قال السيد شن: "في تسعينات القرن الماضي، كان الناس في القرية يطبخون في الكانون ويضيئون بيوتهم بحرق خشب الصنوبر. وفي بلدة هويمين التي يقع جبل جينغماي فيها، ثلاثة محولات كهرباء فقط. ولاحقا، جمع أبناء القرى الأموال لبناء محطة كهرباء صغيرة، ولكن لم تُحل مشكلة نقص الكهرباء."

في عام 2002، تأسست محطة للإمداد الكهربائي في بلدة هويمين تابعة لشركة الطاقة الكهربائية بمحافظة لانتسانغ الذاتية الحكم لقومية لاهو (محطة جينغماي لمصلحة الإمداد الكهربائي لمحافظة لانتسانغ الذاتية الحكم لقومية لاهو بمدينة بوأر التابعة لشركة شبكة الطاقة الكهربائية المحدودة بمقاطعة يوننان حاليا). وفقا للإحصاءات، بلغت الاستثمارات المتراكمة لشركة شبكة الطاقة الكهربائية المحدودة بمقاطعة يوننان في جبل جينغماي 0288ر67 مليون يوان في الفترة من عام 2002 إلى عام 2010، لبناء شبكة الطاقة الكهربائية وشبكة توزيع الطاقة الكهربائية ومشروعات الطاقة الكهربائية في المناطق التي لم تكن الكهرباء تصل إليها، فصارت الكهرباء تصل إلى كل قرية وكل بيت.

السيد ليو جين رونغ، وهو موظف بشركة شبكة الطاقة الكهربائية المحدودة بمقاطعة يوننان، شارك في هذا المشروع. قال السيد ليو: "بدأ تنفيذ مشروع إصلاح الشبكة الكهربائية في جبل جينغماي في عام 2005، وأنجز في عام 2007. كانت الطرق على الجبل موحلة ويصعب أن تسير عليها السيارات، وفي الأيام الممطرة كانت الأحذية تغوص في الطين. وكان العمال يحملون أعمدة الكهرباء والمستلزمات والأدوات لنقلها إلى الجبل. فهم السكان المحليون مزايا وصول الكهرباء، فبادروا متطوعين للمشاركة في أعمل نقل المواد.

في عام 2010، وصلت الكهرباء إلى كل قرية وكل بيت في جبل جينغماي. عندما تم إطلاق التيار الكهربائي في القرية، قال العجوز سو قوه ون متأثرا: "أصبح الليل مضيئا مثل النهار."

منذ عام 2010، استثمرت شركة شبكة الطاقة الكهربائية المحدودة بمقاطعة يوننان في عدد كبير من مشروعات بناء وإصلاح الطاقة الكهربائية، ومنها تركيب كابلات كهرباء عازلة بسعة 10 كيلوفولت وإصلاح وتحسين شبكة الطاقة الكهربائية في الريف ودفن الكابلات الكهربائية تحت الأرض في القرى القديمة الرئيسية، لتعزيز إنجاح مشروع طلب إدراج جبل جينغماي في قائمة التراث العالمي.

من أجل تطوير جبل جينغماي مع حمايته والمحافظة على الملامح المحلية الأصلية، تلتف كابلات الكهرباء حول غابات الشاي العتيقة والأحزمة الخضراء الواقية المنفصلة، وكلها مدفونة تحت الأرض. في الوقت نفسه، تم فتح ممر أخضر لتبسيط إجراءات استخدام الكهرباء لتقليل انقطاع الكهرباء عن المستخدمين، ودفع التنمية الخضراء لجبل جينغماي من خلال دفن كابلات الكهرباء تحت الأرض وبناء شبكة لشحن البطاريات وغيرهما من المشروعات. ثانيا، أنشأت محطة الإمداد الكهربائي مجموعة محادثة جماعية على تطبيق "ويتشات"، والتي تضم كل كوادر القري ونحو مائة شركة صغيرة ومتناهية الصغر، ويتحمل كل مدير المسؤولية عن 2675 مستخدما في 60 فريقا، فيتجولون في القرى لتعميم طريقة الدفع عبر الهاتف النقال في جبل جينغماي.

بعد أن شهدت مرافق البنية التحتية تحسنا كبيرا، تحسنت فنون معالجة الشاي أيضا. في عام 2015، بلغت رسوم الكهرباء لتصنيع طن واحد من الشاي أكثر من 150 يوانا، بينما كانت تكلفة تصنيعه بحرق الحطب ألف يوان. من أجل حماية البيئة الإيكولوجية لجبل جينغماي، بدأت الحكومة المحلية تعميم معالجة الشاي باستخدام الكهرباء. بفضل استخدام الطاقة الكهربائية المتوفرة والموثوق بها بدلا من حرق الحطب، مما يوفر 800 ألف يوان من تكلفة معالجة الشاي في جبل جينغماي سنويا، ويحقق حماية البيئة الإيكولوجية في الوقت نفسه.

قال السيد نان كانغ المدير السابق للجنة أبناء قرية مانغجينغ وأمين لجنة الحزب الشيوعي الصيني بالقرية، إن معالجة الشاي دخلت عصر الطاقة النظيفة منذ تشغيل الأجهزة. وأضاف: "معالجة الشاي باستخدام الطاقة الكهربائية عملية نظيفة وصديقة للبيئة، وتوفر ثلثي الوقت وتقلل التكلفة. تتميز أوراق شاي الأشجار العتيقة المعالجة باستخدام الطاقة الكهربائية بأنها أكثر نظافة وتناسقا وعطرا، مقارنة مع أوراق الشاي المعالجة بالطريقة التقليدية."

بالإضافة إلى ذلك، من أجل تقليل تلوث الهواء وحماية البيئة الإيكولوجية البدائية في جبل جينغماي، بدأ تشغيل أربع محطات شحن وثمانية مسدسات للشحن في محطة جينغماي للإمداد الكهربائي والساحة السياحية الصغيرة في مدينة هويمين بمحافظة لانتسانغ، للتيسير على أبناء القرى والسياح في شحن السيارات الكهربائية.

عودة الشباب

خلال السنوات العديدة المنصرمة، تتمسك منطقة جبل جينغماي بالتنمية المستدامة المتمثلة في "تنمية وحماية المنطقة في آن واحد واستغلال الموارد الطبيعية المحلية بالطرق العلمية". الآن، أصبحت البيئة جميلة ويتطور الاقتصاد سريعا. ومما يثلج الصدور أن الشباب الذين غادروا مسقط رأسهم باتوا يرغبون في العودة إلى قراهم لممارسة تجارة الشاي بعد إكمال دراستهم.

يان كان، شاب مولود بعد عام 1995 في قرية مانغجينغ بجبل جينغماي، وخرج من الجبل في عام 2015 عندما التحق بكلية علوم الكمبيوتر التابعة لجامعة القوميات المركزية الصينية. قال: "عشت في هذا الجبل منذ صغري. في ذلك الوقت، لم تصل الكهرباء إلى قريتنا، وكانت المواصلات صعبة، فكان حلمي هو الخروج من هذا الجبل. خرجت من الجبل لأول مرة لأدرس في مدرسة بمركز المحافظة، وخرجت للمرة الثانية لأدرس بالجامعة في بكين. أعتقد أن العلوم غيرت مصيري."

خلال دراسته في بكين، حاول يان كان ترويج الخصائص والعناصر الثقافية لمسقط رأسه، ليجعل مزيدا من الناس يعرفون جبل جينغماي ويزورونه ويتذوقون الشاي المحلي هناك. في عام 2018، جاءت اللحظة الحاسمة لطلب إدراج جبل جينغماي في قائمة التراث العالمي، بدأ يفكر في العودة إلى مسقط رأسه لريادة المشروعات بعد تخرجه في الجامعة. وبعد عودته إلى جبل جينغماي، فتح نزلا ومقهى ذا خصائص الأقليات القومية المحلية، حيث تمتزج الثقافة التقليدية لقومية بولانغ والخصائص الطبيعية لجبل جينغماي في الأطباق الحديثة والموضة، مما وفّر تجربة فريدة للسياح.

قال يان كان: "التراث العالمي يتطلب منا أن نتوارثه جيلا بعد جيل. باعتباري شابا عاد إلى مسقط رأسه لريادة المشروعات، أعتقد أن حماية وتوارث وتطوير الثقافة والبيئة الإيكولوجية والتاريخ لجبل جينغماي مسؤوليتنا نحن الشباب ولا يمكن التهرب منها." في جبل جينغماي عدد غير قليل من الشباب الذين عادوا إلى قراهم لريادة المشروعات.

الآن، يعمل أبناء جبل جينغماي بخطى ثابتة في بناء حديقة للشاي العضوي، ورفع جودة الشاي والقيمة الاقتصادية للشاي بشكل مطرد. وبفضل مساعدة الشباب الذين عادوا إلى قراهم لريادة المشروعات، بنت الحكومة المحلية كثيرا من الأنزال التي تجسد ثقافة الشاي وخصائص القوميات، وتجمع بين زراعة وإنتاج وتسويق الشاي والسياحة، الأمر الذي يعزز تنمية سياحة الترفيه الريفية.

ساهمت عودة الشباب إلى جبل جينغماي في تطوير الصناعات المحلية، حيث وسّعوا مبيعات المنتجات المحلية عبر استخدام منصات التجارة الإلكترونية، فتحسنت معيشة مزارعي الشاي، وارتفع شعور أبناء القرى بالسعادة بشكل كبير.