في الآونة الأخيرة، أصبحت مقاطع الفيديو الخاصة بمنتجات الذكاء الاصطناعي مثل تحرير الصور بالذكاء الاصطناعي والرسم بالذكاء الاصطناعي شائعة على منصة دوين، حيث يستخدم بعض الأشخاص أدوات الذكاء الاصطناعي لتجميل أو تغيير الصور لتحقيق نتائج  مبهرة، أو جعل بعض الصور ذات تأثير مخيف. على سبيل المثال، استخدم الذكاء الاصطناعي لتحويل صورة فتاة قصة غابة الأحلام إلى أميرة في قلعة، وتحويل شخص يرتدي معطفا من الفرو الأسود إلى دب أسود كبير، وتحويل شن هوان المحظية الإمبراطورية في مسلسل تلفزيزني صيني، من سيدة وقورة تقف في المدينة المحرمة إلى لاعبة كرة سلة. هذه الصور التي يتم تحريرها بواسطة الذكاء الاصطناعي تأتي بمفاجآت ومتعة غير متوقعة لمشاهديها.

تحرير الصور بالذكاء الاصطناعي مجرد عرض بسيط لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وقد عُرف الذكاء الاصطناعي كإحدى التقنيات الثلاث المتطورة في العالم (تكنولوجيا الفضاء، تكنولوجيا الطاقة، الذكاء الاصطناعي) منذ سبعينات القرن العشرين، ويعتبر أيضا من التقنيات الثلاث المتطورة (الهندسة الوراثية، وعلم النانو، والذكاء الاصطناعي) في القرن الحادي والعشرين. الذكاء الاصطناعي هو نتاج التنمية الاجتماعية والابتكار التكنولوجي، وقد تطور بسرعة في السنوات الثلاثين الماضية، فهو ليس القوة الدافعة الجوهرية لجولة جديدة من الثورة العلمية والتكنولوجية والتغير الصناعي فحسب، وإنما أيضا يحدث تأثيرا كبيرا وعميقا على طريقة حياة وعمل الناس.

تطور صناعة الذكاء الاصطناعي في الصين

في مجال الابتكار التكنولوجي والتنمية الصناعية للذكاء الاصطناعي، اغتنمت الصين الفرصة الإستراتيجية للابتكار التكنولوجي وتسير في طليعة العالم، حيث تطورت تقنيات الذكاء الاصطناعي بسرعة، وتوفرت موارد البيانات والقدرات الحاسوبية بشكل متزايد، واستمر توسع سيناريوهات التطبيق. يظهر تقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي الصادر عن جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة الأمريكية، أن الصين تمتلك بالفعل أفضل خبراء في الذكاء الاصطناعي في العالم، وتمثل المؤسسات الصينية تسعا من أكبر عشر مؤسسات في العالم من حيث إجمالي عدد الأوراق المنشورة المعنية. وقد أصبحت الشركات الصينية مثل تنسنت وعلي بابا وهواوي من بين الشركات العشر الأولى في العالم في مجال أبحاث الذكاء الاصطناعي.

تشكل مؤسسات الذكاء الاصطناعي وأنشطتها المبتكرة أساس تطوير مجموعات صناعة الذكاء الاصطناعي في الصين. وفقا لإحصائيات وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية، فإنه بحلول يونيو 2022، تجاوز عدد شركات الذكاء الاصطناعي في الصين 3000، واحتلت المرتبة الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وتجاوز حجم الصناعات الرئيسية للذكاء الاصطناعي 400 مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي 2ر7 يوانات تقريبا حاليا). يشير ((تقرير تطور صناعة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للجيل الجديد في الصين 2023))، إلى أن الأنشطة المبتكرة لمؤسسات الذكاء الاصطناعي الصينية في مجالات الرقائق الذكية والهيكل الأساسي وأنظمة التشغيل وسلاسل الأدوات والشبكات الأساسية والنهايات الطرفية الذكية ومنصات التعلم العميق والنماذج الكبيرة والتطبيقات الصناعية، ترفع القدرة التنافسية الدولية للصناعة. تتعاون شركات المنصات وشركات يونيكورن والشركات المتوسطة والصغيرة الحجم والشركات المبتكرة الناشئة والجامعات البحثية ومعاهد البحث العلمي والمستثمرون مع بعضهم البعض لبناء نظام الابتكار الصناعي الديناميكي بشكل مشترك.

ويشير التقرير إلى أنه على أساس تحليل البيانات من 2200 شركة ذكاء اصطناعي رئيسية، يستخدم الذكاء الاصطناعي في الصين على نطاق واسع في إدارة المؤسسات الذكية، والتسويق الذكي وتجارة التجزئة الجديدة، والتمويل الذكي، والمدن الذكية، والرعاية الطبية الذكية، ووسائل الإعلام الجديدة والمحتوى الرقمي، والتصنيع الذكي، والتعليم الذكي، والنقل الذكي، وأمن الشبكات، والخدمات اللوجستية الذكية، والثقافة والسياحة الذكية، والشؤون الحكومية الذكية، والطاقة الذكية، والأجهزة الذكية، والمركبات الذكية المتصلة، والمنازل الذكية، والزراعة الذكية، ونظام حماية الأمن الذكي وغيرها من 19 مجالا تطبيقيا. من بينها، تشكل المدن الذكية 16ر12%، وتحتل المركز الأول؛ وتشكل إدارة المؤسسات الذكية 1ر12%، وتحتل المركز الثاني؛ وجاء في المركز من الثالث إلى الخامس، التصنيع الذكي، والتسويق الذكي وتجارة التجزئة الجديدة، والمركبات الذكية المتصلة، بنسبة 89ر8% و41ر8% و07ر8% كل على حدة.

حتى الآن، طور الذكاء الاصطناعي في الصين نظاما تكنولوجيا معقدا يتضمن 17 تقنية، بما في ذلك البيانات الضخمة والحوسبة السحابية، وإنترنت الأشياء، والروبوتات الذكية، والتوصيات الذكية، والجيل الخامس، وسلسلة الكتل، والتعرف على الكلام، والواقع الافتراضي/ المعزز، والرقائق الذكية، والرؤية الحاسوبية، ومعالجة اللغات الطبيعية، وتكنولوجيا تحديد الهوية البيولوجية، وتكنولوجيا الفضاء، والتكنولوجيا الكهروضوئية، والقيادة الذاتية، والتفاعل بين الإنسان والحاسوب والأطلس المعرفي.

الذكاء الاصطناعي والحياة

في عام 2022، أصبح الذكاء الاصطناعي، وأبرز تطبيقاته "تشات جي بي تي" (ChatGPT)، معروفا وشائعا في جميع أنحاء العالم، وحظي باهتمام متزايد. يعتقد ليو سي بينغ، مؤسس شركة  AI94، أن إطلاق "تشات جي بي تي" قد مكن الذكاء المعرفي للذكاء الاصطناعي من تحقيق قفزة نوعية. وقال وانغ تشانغ شنغ، مدير عام مركز التسليم لشركة تشونغكه ونقه: "إن المحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء من خلال ’تشات جي بي تي‘ يساعد على تقليل تكاليف الإبداع، ويحل مشكلة الإبداع والإنتاج جزئيا في صناعة المحتوى، مما يؤدي إلى تغيير وإثراء المنتجات المتعلقة بالشخص الرقمي والمشاهد الافتراضية والمحتوى الرقمي والرسومات والنصوص والمواد السمعية والبصرية." وعُرض في المؤتمر العالمي للذكاء الاصطناعي لعام 2023 الذي عقد في شانغهاي، أكثر من 30 منتجا نموذجيا كبيرا للذكاء الاصطناعي تم بحثها وتطويرها في الصين، ومنها نموذج "الشرارة" لشركة آي فلايتك، و"فوشي" لشركة نت إيز، و"ونشين ييان" لشركة بايدو.

لقد تطور الذكاء الاصطناعي بسرعة في السنوات الأخيرة ودخل إلى كل جانب من جوانب المجتمع والحياة، وأضحت البشرية تتجه إلى عالم الذكاء تدريجيا.

يستخدم نظام المنازل الذكية الذكاء الاصطناعي للتحكم في الإضاءة ودرجة الحرارة وأنظمة الأمان، لتحسين الراحة المنزلية وكفاءة الطاقة. على سبيل المثال، يمكن رفع معامل الأمان من خلال الأقفال الذكية وأجهزة المراقبة الذكية، ويمكن التحكم في المصابيح وتغيير ألوانها واختيار برامج التلفزيون وتغيير درجة حرارة مكيفات الهواء من خلال التطبيقات أو الصوت، وتُغلق الستائر والنوافذ الذكية تلقائيا عند هطول الأمطار أو هبوب الرياح من خلال جهاز الاستشعار، مما يجعل المنازل أكثر راحة وملاءمة.

المواصلات الذكية. يمكن لإدارة المرور الذكية مراقبة حالة المرور في الوقت الفعلي، والتحكم الذكي في إشارات المرور، وتحديد المخالفات المرورية تلقائيا، وتقليل حوادث المرور بشكل فعال وتحسين ظروف المرور في المناطق الحضرية. وتجعل تقنية القيادة الذاتية المركبات قادرة على استشعار البيئة المحيطة، بما في ذلك معلومات الطرق ومواقع السيارات وحواجز الطريق، وتحدد خط السير تلقائيا، وتسيطر على توجيه السيارة والسرعة من خلال خرائط عالية الدقة وأجهزة الاستشعار والرؤية الحاسوبية والتقنيات الأخرى، الأمر الذي حسّن سلامة وكفاءة المرور. كما يمكن مراقبة الحافلة ومعرفة موقعها ووقت وصولها إلى المحطات وتدفق الركاب من خلال تطبيق الحافلات الذكية في الوقت الفعلي، لتحسين كفاءة السفر. الذكاء الاصطناعي يجعل السفر أكثر ملاءمة وكفاءة.

التوصيات الذكية. تستخدم منصات التجارة الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي الذكاء الاصطناعي لتحليل تفضيلات المستخدمين والتوصية بالمنتجات والموسيقى والأفلام ومقاطع الفيديو والإعلانات المناسبة للمستخدمين، لتحسين تجارب التسوق وتجارب شبكة الإنترنت.

توفر تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تقنيات وأفكارا جديدة للحوكمة الاجتماعية، ويُعد تطبيق الذكاء الاصطناعي في الحوكمة الاجتماعية طريقة مباشرة وفعالة لخفض تكاليف الحوكمة ورفع كفاءتها وتقليل تداخلها. ويتم استخدام تقنيات التعرف على الصور والتعرف على الكلام وغيرها من تقنيات الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع في الحياة اليومية. وفي المستقبل، ستلعب تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي دورا أكثر أهمية في المجالات المرتبطة ارتباطا وثيقا بحياة الناس، لتوفر للأشخاص العاديين خدمات حياتية بتغطية أوسع وتجربة أفضل وتسهيلات أكبر.

نقطة بارزة جديدة في التعاون الصيني- العربي

الذكاء الاصطناعي تكنولوجيا إستراتيجية تقود المستقبل، وتتخذ الدول والمناطق الرئيسية في العالم تطوير الذكاء الاصطناعي كإستراتيجية مهمة لرفع القدرة التنافسية الوطنية وتعزيز النمو الاقتصادي الوطني. وقد وضعت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي سياسات مستهدفة للذكاء الاصطناعي، مثل ((الخطة الإستراتيجية الوطنية للبحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي)) و((قانون الذكاء الاصطناعي)). كما أصدرت الصين ((خطة تطوير الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي)) في عام 2017، وأصدرت ((آراء توجيهية بشأن تسريع ابتكار السيناريوهات وتعزيز التنمية الاقتصادية العالية الجودة مع تطبيق الذكاء الاصطناعي الرفيع المستوى)) في أغسطس 2022، ثم أعلنت ((إشعار بشأن دعم بناء الجيل الجديد من السيناريوهات النموذجية لتطبيق الذكاء الاصطناعي)). ومن بين الدول العربية، أطلقت الإمارات ((إستراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي)) في أكتوبر 2017، وأصدرت السعودية ((الإستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي)) في أكتوبر 2020.

تحتل تكنولوجيا وصناعة الذكاء الاصطناعي صدارة المنافسة العالمية، ومع التطور السريع لصناعة الذكاء الاصطناعي، أصبح التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي نقطة بارزة جديدة للتعاون بين الصين ودول الشرق الأوسط. في أكتوبر 2020، وقع المركز الوطني السعودي للبيانات والذكاء الاصطناعي مذكرة تفاهم بشأن الخطة الوطنية لتنمية قدرات الذكاء الاصطناعي مع شركة هواويِ، في القمة العالمية للذكاء الاصطناعي، سعيا لتنفيذ إستراتيجية التنمية الاقتصادية الجديدة في مجال الذكاء الاصطناعي في السعودية من خلال التعاون مع هواوي. باعتبارها شركة عالمية لبرمجيات الذكاء الاصطناعي العالمية، دخلت شركة سنس تايم (SenseTime) السوق السعودية في عام 2018، وفي عام 2021 تم تأسيس شركة SenseTime MEA في السعودية باستثمارات مشتركة من شركة سنس تايم وصندوق الاستثمارات العامة السعودي، لتوفير حلول الذكاء الاصطناعي المبتكرة لمنطقة الشرق الأوسط وبناء نظام محلي للذكاء الاصطناعي. بالإضافة إلى ذلك، قامت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية وجامعة هونغ كونغ الصينية (شنتشن) ومعهد شنتشن لأبحاث البيانات الضخمة، بتطوير نموذج لغوي كبير للغات العربية والصينية والإنجليزية ACEGPT، بهدف حل مشكلة الدعم غير الكافي للغة العربية بواسطة النماذج اللغوية الكبيرة الموجودة. كان أداء ACEGPT جيدا في اختبارات القدرة على توليد النص وقاعدة بيانات المعرفة والقدرة على حل المشكلات. أنشأت هواوي مختبرا مفتوحا في دبي، تركز أعماله على مجالات مبتكرة مثل الشبكة الكهربائية الذكية والمدن الذكية والحكومة الذكية والتعليم الذكي. وأطلقت شركة علي بابا مشروع "مدينة التكنولوجيا" في دبي، لتعزيز المستوى التكنولوجي للإمارات في مجال الذكاء الاصطناعي الرقمي. وأنشأت شركة خيوي تسيبن (MSA Capital) الصينية وبنك السلام البحريني صندوق السلام- MSA البحرين للذكاء الاصطناعي، المعروف باسم "MEC Ventures" لدفع التبادل والتعاون في الإنجازات العلمية والتكنولوجية بين الصين والشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، واستخدام رأس المال لتحويل وتطبيق الممارسات التكنولوجية الصينية المتقدمة، التي تشمل تقنيات البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية وغيرها من التقنيات المفتاحية.

الذكاء الاصطناعي هو محرك الابتكار نحو عالم ذكي، والتعاون العلمي والتكنولوجي بين الصين والدول العربية يقوم على تكامل الطرفين في هذا المجال والتقاء المصالح المشتركة للطرفين، والتعاون الصيني- العربي في الذكاء الاصطناعي هو طريق المستقبل.