في الرابع من فبراير عام 2017، وقفت عازفة السونا الصينية ليو ون ون، على مسرح دار أوبرا سيدني، وهي ترتدي فستانا أبيض طويلا من دون أكمام، وعزفت مقطوعة موسيقية تنبض بالقوة وتحاكي أصوات الطيور، بمرافقة أوركسترا ملبورن السيمفوني، فنالت إعجاب المشاهدين.
ليو ون ون هي أول طالب دكتوراه في الصين متخصص في السونا، وهي آلة موسيقية صينية تقليدية تشبه البوق أو المزمار. كان طموحها هو أن تخرج هذه الآلة الموسيقية إلى المسرح الدولي. وبالفعل، عزفت ليو ون ون السونا في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وبدأت تظهر مواهبها في أوساط الموسيقى العالمية.
دخلت آلة سونا الموسيقية الصين من شرقي أوروبا وغربي آسيا عبر طريق الحرير، وتطورت واندمجت مع الثقافة الصينية على مدى ما يقرب من ألفي سنة، حتى صارت من الآلات الموسيقية التقليدية الصينية النموذجية. استطاعت ليو ون ون تحقيق الشهرة العالمية لهذه الآلة الموسيقية التقليدية. على موقع يوتيوب لمقاطع الفيديو القصيرة، جذب جزء من مقطوعتها ((كل الطيور تبجل العنقاء)) أنظار كثير من الأصدقاء الأجانب على شبكة الإنترنت، الذين أعربوا عن إعجابهم بهذه الأصوات الرائعة "والتي لا يمكن تصورها"، وهذا الحوار الموسيقي النادر بين الشرق والغرب. قالت ليو ون ون، إن السونا ليست آلة موسيقية صينية فحسب، وإنما أيضا آلة موسيقية عالمية، فيجب أن تخرج من بوابة البلاد لجعل المزيد من الناس يتذوقون سحرها.
السونا مثل "الدم" يجري داخل الجسم
ليو ون ون من الجيل الذي ولد بعد تسعينات القرن العشرين، وثمة ارتباط وثيق بين أسرتها وآلة السونا، فوالدها هو وريث من الجيل السابع لآلة سونا شياوتونغ التي نشأت في جنوب غربي مقاطعة شاندونغ، كما أن لأسرة أمها تاريخا طويلا لتوارث فن الموسيقى التناظرية لآلة السونا يرجع إلى فترة أسرتي مينغ وتشينغ (1368- 1911 م). وتأثرا بالبيئة الفنية في الأسرة، بدأت ليو ون ون "تعزف" السونا منذ صغرها.
إتقان عزف الآلات الموسيقية ليس أمرا سهلا. كانت ليو ون ون تتمرن على العزف من الصباح حتى المساء، سواء في الشتاء القارس أو الصيف الحار. كان تعلم العزف واجبا يوميا. طلبت أمها منها أن ترافقها آلة السونا أينما تذهب، وبحثت لها عن مختلف الفرص لتقديم العروض، منذ التحاقها بالمدرسة الابتدائية، وكانت تنتقدها وترشدها كلما خطأت في التمرينات والعروض. وقد حددت ليو ون ون هدفا طموحا منذ صغرها، ألا وهو الالتحاق بأكاديمية موسيقية، فثابرت على الاجتهاد لتحقيق هدفها.
لم تذهب جهودها عبثا، فقد قررت عازفة السونا المشهورة الأستاذة ليو ينغ تعليم ليو ون ون العزف من دون مقابل. كانت الفتاة طالبة في المدرسة الإعدادية، وتسافر برفقة أمها إلى شانغهاي بالقطار في نهاية كل أسبوع للتعلم على يدي الأستاذة ليو. الطريق طويل والسفر مشقة، ومع ذلك كانا يختاران أرخص درجة من المقاعد للاقتصاد في نفقات المواصلات. وفي بعض المرات، كانت أمها تضع بعض الصحف على الأرضية تحت المقعد لكي تنام ليو ون ون خلال رحلة السفر.
قالت ليو ون ون: "كلما تذكرت أيام تعلمي لعزف السونا في طفولتي، تذكرت الشقاء حينذاك. ولكن يبدو أن السونا مثل دم يجري داخل جسمي، يعطيني الإيمان وقوة المثابرة، ولم أفكر في التخلي عن عزف السونا وتغيير مساري المهني." بعد بضع عشرة سنة من التمرينات الجادة، التحقت ليو ون ون في عام 2009 بمعهد شانغهاي للموسيقى، وتخصصت في السونا، وأصبحت البروفيسورة ليو ينغ مرشدتها.
توجيه الموسيقى التقليدية نحو الخارج
بعد الوصول إلى شانغهاي، توسع أفق ليو ون ون، فهذه المدينة المتسامحة والتعددية تعطي مختلف الفنون والثقافات مجالا مستفيضا للتعبير، وحفزت ليو ون ون على التفكير والخيال في موسيقى السونا. أنشأت ليو ون ون وأصدقاؤها "فرقة الموسيقى التقليدية الجديدة" للإبداع والتأليف الموسيقي وتقديم العروض في مهرجانات الموسيقى في الحدائق خارج الصين. قالت ليو ون ون: "كان المستمعون يرقصون مع الموسيقى التقليدية الصينية، وذلك المشهد هزني وتأثرت به كثيرا. لم أتوقع أن الموسيقى التقليدية التي تقدم بجدية ووقار في الصين، يكون لها هذا التأثير في خارج الصين. أثارت الموسيقى مشاعر المتفرجين، وقد أضافت ردود أفعالهم ولغة أجسادهم معنى جديدا لعزف الموسيقى."
في السنوات اللاحقة من الدراسة، سافرت ليو ون ون إلى دول أوروبا للمشاركة في الدراسة البحثية والعروض في إطار مشروعات التبادلات الأكاديمية لمعهد شانغهاي للموسيقى، حيث فكرت في كيفية نشر موسيقى السونا التقليدية الصينية خارج الصين بشكل أفضل، مع التمتع في نفس الوقت بالأساليب الموسيقية الغربية الحديثة واستيعابها.
في عام 2015، قابلت ليو ون ون مصادفة الموسيقار العالم المعروف تان دون، وهو أمريكي من أصل صيني. كان أحد أعمال تان دون يحتاج إلى قطعة من عزف السوتا، فرشح صديق له ليو ون ون. عندما بدأت عزف السونا، أثارت القوة التي انبثقت من الموسيقى إعجابه، وقال تان دون لها على الفور: "ما رأيك في أن نبدع طبعة دولية للحن التقليدي ((كل الطيور تبجل العنقاء))؟"
مقطوعة ((كل الطيور تبجل العنقاء)) لحن كلاسيكي للسونا. وفي اللحن الأصلي أصوات تحاكي تغريد البلبل وحومان السنونو وصياح الديك وبيض الدجاجة وبكاء وحتى عويل الأطفال وغيرها، تبرز قوة تعبير آلة السونا، ولكن هيكل اللحن غير متماسك وينقصه المد الأعلى. لاحقا، قام عازف السونا المشهور رن تونغ شيانغ بصياغة هذا اللحن، حيث حذف صياح الديك وقلل تغريد الطيور وصمم عبارات موسيقية رائعة، لجعل اللحن أكثر نشاطا وحرية وبهجة. ومع تأثير فيلم ((كل الطيور تبجل العنقاء))، انتقل هذا اللحن من الحقول الريفية إلى مسرح الجماهير لأول مرة، وتحولت السونا من آلة موسيقية يعرفها قليل من الناس إلى آلة معروفة لدى الجماهير وتحظى بإعجابهم.
وقد قام تان دون بتوزيع هذا اللحن على ذلك الأساس، حيث ألف كنشرتو بالجمع بين السونا وموسيقى الأوركسترا. بعد سنتين، أنجز تان دون إعادة توزيع مقطوعة ((كل الطيور تبجل العنقاء))، وصعد على مسرح دار أوبرا سيدني مع ليو ون ون. عندما أنهت ليو عزف قطعة من اللحن استمرت أربعين ثانية في "تنفس واحد"، دوت عاصفة من التصفيق والهتاف من المشاهدين.
الإبداع من خلال التمسك بالتقاليد
بعد ذلك، قامت ليو ون ون وتان دون بجولة حول العالم لتقديم أكثر من ثلاثين عرضا، مما جعل آلة السونا تدخل مجال رؤية مزيد من الأجانب. قالت ليو ون ون: "الأوركسترا الغربية مألوفة للأجانب، وعزف الموسيقى الشعبية التقليدية الصينية من خلال الأوركسترا طريقة جيدة لنشر الموسيقى التقليدية الصينية." حاولت ليو ون ون دمج مختلف أساليب الموسيقى في الإبداع بشجاعة وتوسيع مجالات أعمالها خلال توارث التقاليد، لتكتسب السونا قوة حيوية جديدة. يندمج عزفها للحن التقليدي مع موسيقى الجاز الرومانسية وموسيقى الروك آند رول المفعمة بالقوة والحرية والموسيقى الإلكترونية الإيقاعية.
قالت ليو ون ون: "الدمج والإبداع ليسا تخليا عن التقاليد، والتدرب الجدي على المهارات الأساسية والتمسك بجذور التقاليد هما الشرط المسبق، وإلا سيصبح ما يسمى بالإبداع غريبا." في عام 2020، بدأت ليو ون ون دراسة الدكتوراه في تخصص السونا بمعهد شانغهاي للموسيقى. رغم أن بعض الجامعات والمعاهد الصينية أنشأت برامج الدكتوراه لتخصص السونا، لم يستطع أحد اجتياز الامتحان الصعب حتى ذلك الوقت. أحد موضوعات الامتحان هو عزف السونا لمدة ستين دقيقة، ويُعتبر ذلك امتحانا كبيرا للقوة الجسدية والمهارة. لذلك، كانت ليو ون ون تتمرن على عزف بوق السونا لبضع عشرة ساعة كل يوم لمدة شهرين، لضمان امتلاك القوة الكافية خلال الساعة الأولى للعزف. اجتازت الامتحان، وأصبحت أول طالبة دكتوراه في السونا. ما زالت ليو ون ون تثابر على التمرن على عزف السونا لست ساعات كل يوم حتى الآن.
وبينما تدرس للحصول على درجة الدكتوراه، تعلم ليو ون ون طلاب تخصص السونا الجامعيين، ووجدت أن كثيرا من الشباب لديهم آراء عميقة وأفكار إبداعية في الموسيقى، وتهتم بحماستهم لآلة السونا. أما في التدريس، فهي صارمة ولا تسمح للطلاب بدمج الأساليب الموسيقية الأخرى في ألحان السونا، قبل أن تترسخ أقدامهم في هذا المجال. تقود ليو ون ون طلابها لجمع الأغاني الشعبية والأشعار الشعبية في المناطق النائية وزيارة الفنانين الشعبيين. وقد أعجب الطلاب بعروض عزف السونا في الحقول. قالت ليو ون ون: "إذا لم يتم جمع وتوارث هذه الأصوات، فسيكون ذلك أسفا شديدا. منذ أقدم العصور حتى اليوم، يظل إبداع أسلوبنا الخاص رسالة الموسيقيين الشباب."
بالإضافة إلى الدراسة والتدريس، أقامت ليو ون ون حفل عزف منفرد للسونا، حيث قادت طلابها ودعت الفنانين الشعبيين وتعاونت مع الفرق الموسيقية ذات الأساليب الأخرى، للقيام بجولة في أكثر من عشرين مدينة داخل الصين. الخطة التالية للفنانة ليو ون ون هي القيام بجولة عالمية لعرض موسيقى السونا التقليدية والتي تتغير أشكال عرضها، أمام مزيد من الناس.