تجاوز عدد زيارتي للصين خمسين مرة. قمت بزيارة الصين مرة كل سنة من عام 2008 حتى عام 2015، وأقمت فيها من عام 2015 حتى عام 2022. ومن بين الأربع والثلاثين مقاطعة ومنطقة وبلدية في الصين، زرت حتى الآن 25.
اليوم، وبعد مرور خمس عشرة سنة منذ وطأت قدماي الصين لأول مرة، تغيرت أشياء كثيرة، ومنها التطورات المذهلة في البنية التحتية. عندما جئت إلى الصين لأول مرة، لم يكن فيها قطارات عالية السرعة. الآن تغطي السكك الحديدية العالية السرعة جميع أنحاء البلاد، ناهيك عن تطور الطرق السريعة ومترو الأنفاق والمطارات ومرافق البنية التحتية الأخرى. في زيارتي الأولى للصين، لم تكن مرافق البلاد السياحية مكتملة. اليوم، تشهد صناعة السياحة في الصين ازدهارا مدهشا، وتستقبل البلاد مئات الملايين من السياح كل عام.
لا بد أيضا من الإشارة إلى السيطرة على التلوث وتحسين البيئة، فجهود الصين وإنجازاتها في مجال الحماية الإيكولوجية والبيئية تثير الإعجاب. بالمقارنة مع أي بقعة على وجه الأرض، ترى نسبة عالية من المركبات التي تعمل بالطاقة الجديدة، والعديد من المشروعات البيئية التي أُنجزت بسرعة مذهلة وعلى نطاق واسع، مثل توليد الكهرباء بطاقة الرياح والطاقة الشمسية ومكافحة التصحر، وغير ذلك.
مصيري مع الطب الصيني
بدأ اهتمامي بالطب الصيني التقليدي من خلال التجريب. كنت أعاني من الصداع الذي أثر بشكل خطير على حياتي، وقد جربت كل أنواع العلاج للطب الحديث من دون جدوى. في وقت لاحق، استشرت أحد المتخصصين في الطب الصيني التقليدي في الصين فوصف لي خليطا عشبيا تناولته لمدة أسبوع تقريبا، وبعدها ذهب عني الصداع إلى غير رجعة. هنا، أدركت أن ثمة أمراضا عديدة وبخاصة الأمراض المزمنة مثل الألم المزمن والأرق والأكزيما وأمراض النساء يصعب علاجها بالطب الحديث، ولكن يمكن تشخيصها وعلاجها بالطب الصيني. فكرت في إنشاء موقع إلكتروني بعنوانMe&Qi ، لمساعدة الناس على فهم أنه إذا لم يجدوا علاجا لمشكلاتهم الصحية في الطب الحديث، يمكنهم اللجوء إلى الطب الصيني لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم الحصول على المساعدة.
قادني بحثي حول الطب الصيني التقليدي إلى دراسة الفلسفة الصينية القديمة، لأن العديد من مفاهيم الطب الصيني التقليدي مثل "ين ويانغ" و"تشي"، إلخ، مستوحاة منها مباشرة. في الواقع، بالإضافة إلى الطب، أنا مهتم أيضا بالعديد من الجوانب الأخرى المتعلقة بالصين. على سبيل المثال، من خلال السفر والإقامة في الصين، بدأت أهتم كثيرا بتاريخ هذا البلد العريق، وعرفت كثيرا من المعلومات عن المواقع التاريخية التي زرتها في أنحاء متفرقة من الصين. كما أنني مهتم بنظام الحكم في الصين وماضي الصين وحاضرها وعلاقاتها الدولية. ربما هذا هو السبب في أن العديد من القراء الصينيين يعرفونني، لأنني كتبت الكثير عن ذلك.
الصين تستثمر أموالها من أجل شعبها
في الفترة من سنة 2014 إلى سنة 2021، أنفقت الصين ما يقرب من 14 تريليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 2ر7يوانات حاليا)، كاستثمارات مباشرة لمساعدة الناس على التخلص من الفقر. هذا المبلغ يساوي تقريبا الذي أنفقته الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط وأفغانستان بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر، وهذا مثال جيد على الأولويات المختلفة للبلدين.
في الواقع، تنفق الصين كل أموالها تقريبا على الاستثمار في تنميتها وشعبها لجعل البلاد أكثر ازدهارا. وهذا أمر مثير للإعجاب وضمانة أساسية لحقوق الإنسان. في نهاية المطاف، فإن معنى حقوق الإنسان كما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو "الإيمان بحقوق الإنسان الأساسية وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية والعزم على دفع الرقي الاجتماعي قدما ورفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح". وهذا بالضبط ما حدث في الصين على مدى السنوات الأربعين الماضية. لقد وفرت الصين لمئات الملايين من الناس حياة كريمة، ويتمتع الرجال والنساء بحقوق متساوية. وغني عن القول إننا نشهد في الصين تقدما اجتماعيا غير مسبوق على الإطلاق، ومساحة حرية أكبر بكثير مما كانت عليه قبل أربعين عاما.
ويمكن القول إنه في العقود الأخيرة، لم يقم أي بلد آخر في العالم بهذا الحجم من الأعمال التي أنجزتها الصين لتحقيق التطلعات العظيمة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
الغرب الذي يجهل الصين
في شهر مايو عام 2023، شاركت في مناظرة بجامعة هارفارد الأمريكية، برعاية معهد الدراسات بين الكليات ومعهد أبيجيل آدامز، وهما منظمتان أمريكيتان محافظتان. كان الطرف الآخر في المناظرة هو أدريان زينز، المعروف بإلقاء اللوم على الصين في بعض قضاياها الأكثر إثارة للجدل، وخاصة ما يسمى بقضية شينجيانغ.
كان موضوع المناظرة يدور حول أي من النظامين، الصيني أم الغربي، أكثر قدرة على تحقيق الاستقرار والازدهار والحرية للشعوب. استمرت المناظرة حوالي ساعة ونصف، وفي النهاية تم التصويت لاختيار الفائز في المناظرة، وكانت المفاجأة أنني الفائز. يجب الاعتراف بأن هذا أمر غير عادي، فمن خلال الدفاع عن الموقف القائل بأن النظام الصيني متفوق على النظام الأمريكي، خاصة فيما يتعلق بقضية الحريات، فزت في مناظرة بجامعة هارفارد الأمريكية.
بعد المناظرة، تحدثت إلى الحضور وظهرت الكثير من التعليقات على يوتيوب، وكانت الأغلبية الساحقة من الناس لديهم نظرة إيجابية لما قلته في المناظرة.
هذا جعلني أدرك أن الموقف السلبي الحالي للشعوب الغربية تجاه الصين يرجع إلى عدم فهمهم للصين أكثر من رفضهم الأساسي للصين. بعضهم لا يتعرض لوجهات نظر مختلفة، فقط كيف ينظر الغرب إلى الصين. من تعليقات يوتيوب التي ناقشتها وقرأتها مع الناس، أعتقد أن الغربيين الآن أكثر انفتاحا مما نعتقد، وهم قادرون على رؤية وجهات نظر مختلفة، ويمكنهم أن يدركوا أن ما يسمعونه عن الصين والشيوعية ليس كل شيء، هناك قصة أخرى.
ظهور نظام عالمي جديد متعدد الأطراف
أنظر إلى هذا من منظور السياسيين الغربيين من مختلف الأجيال. لدينا جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، ثم الجيل الحالي. طرح عالم السياسة الأمريكي فرانسيس فوكوياما ذات مرة "نهاية التاريخ"، وكان يعتقد أن الديمقراطية الليبرالية للدول الغربية قد تكون الشكل النهائي للتطور التاريخي السياسي البشري، وأفضل الأنظمة في تاريخ البشرية، وكل هذا سينتهي بتحول العالم إلى "ديمقراطية ليبرالية كبيرة". يؤمن معظم السياسيين المعاصرين أيضا بفكرة الهيمنة الليبرالية وأن هدف الغرب هو توحيد العالم في ديمقراطية ليبرالية عظيمة.
بدأنا نفهم أن هذا كان حلما بعيد المنال. شيئا فشيئا، سنرى ظهور نظام عالمي جديد متعدد الأطراف، وسرعان ما سيدرك السياسيون الغربيون الأخطاء التي ارتكبها الجيل السابق. سوف يدركون أنه خارج الغرب هناك حضارات أخرى وثقافات أخرى وأنظمة حكم أخرى، ولها مزاياها الخاصة. بطبيعة الحال، سوف يستغرق الأمر بعض الوقت لتحقيق ذلك، لأن الجيل (في الغرب) الذي يؤكد على الهيمنة الليبرالية لا يزال في السلطة. لكنهم سرعان ما سيدركون أن رغبتهم في الهيمنة وفكرة الرغبة في جعل العالم مثاليهم، لا تتفق مع الواقع. وكلما زاد الوعي بهذا، كلما انتخب المزيد من الساسة ذوي الأفكار الجديدة، وسوف تتغير عقلية الغرب في التعامل مع قضايا مثل الحرية ببطء.
حوكمة الصين مصدر إلهام للغرب
وفيما يتعلق بالحوكمة، يمكن للصين أن تكون مصدر إلهام للولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الأخرى. ليس هذا ما أعتقده فحسب، وإنما هو كذلك بالفعل. إذا درسنا الاتجاه الجديد للولايات المتحدة الأمريكية الذي كشف عنه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي في إدارة بايدن، في العديد من الخطابات، ويعتقد أن المبادئ النيوليبرالية التي وجهت الولايات المتحدة الأمريكية في العقود الأخيرة- وخاصة دور الدولة الضعيف في الاقتصاد وهيمنة السوق- خاطئة، وأن الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن تتبنى "إجماعا" جديدا مشابها جدا لما تفعله الصين. وهذا يعني تعزيز دور الدولة في الاقتصاد، واعتماد سياسة صناعية مخططة، وضمان توظيف العمال، وإضعاف دور رأس المال في الاقتصاد. وبهذا المعدل، أعتقد أنهم سيتبنون قريبا خطة خمسية على الطريقة الصينية.
ومن ثم، حتى وإن لم يرغبوا أبدا في الاعتراف بذلك، فقد أثرت الصين بالفعل على القادة الغربيين إلى حد كبير.
--
أرنو برتراند، رجل أعمال فرنسي مؤسس موقعHouseTrip ، أكبر منصة لحجز أماكن الإقامة خلال العطلات في أوروبا، وموقع Me&Qi للطب الصيني التقليدي، هو أيضا من المؤثرين ولديه عدد كبير من المتابعين على تويتر.