مجتمع < الرئيسية

بناء نظام خدمات عالية الجودة لرعاية المسنين

: مشاركة
2023-02-21 12:11:00 الصين اليوم:Source لو تشيوان:Author

تشهد الصين تسارعا في شيخوخة سكانها، وهذا يؤثر على نظام تأمين معاشات التقاعد الممول من قبل المشتركين. كما تواجه الصين، التي يوجد بها أكبر عدد من المسنين في العالم، تحديات فيما يتعلق بنظام خدمات رعاية المسنين. قد تستطيع الصين التعاطي مع تأثير زيادة نسبة المسنين على نظام تأمين معاشات التقاعد عن طريق تسريع التنمية الاقتصادية، لكن الطلب الهائل على خدمات رعاية المسنين أمر مُلح للغاية. أشار التقرير المقدم إلى المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني، إلى أنه من الضروري تطوير قطاع رعاية المسنين لجعل جميع المسنين يتمتعون بخدمات رعاية المسنين الأساسية. إن هذا جزء لا يتجزأ من بناء الصين دولة اشتراكية حديثة. وقد حققت الصين، منذ دخول العصر الجديد، إنجازات مهمة في بناء نظام خدمات رعاية المسنين، ولكنها أيضا تواجه تحديات جديدة في البيئة الجديدة.

نظام رعاية المسنين ذو الخصائص الصينية

تطور نظام خدمات رعاية المسنين في الصين من مرحلة إفادة قلة من المسنين إلى مرحلة تغطية جميع كبار السن، ولفترة طويلة، متأثرا بمستوى التنمية الاقتصادية والمفهوم التقليدي للمعاشات التقاعدية العائلية. يركز هذا النظام على دعم الفئات الضعيفة من كبار السن الذين لا تتمكن أسرهم من رعايتهم، مثل المسنين في الأرياف الصينية الذين تقدم لهم المنظمات الاقتصادية الجماعية "الضمانات الخمس" (المأكل والملبس والمسكن والرعاية الطبية والدفن)، والمسنين في المناطق الحضرية الذين تزيد أعمارهم عن ستين عاما وليست لديهم القدرة على العمل وليس لهم مصدر رزق ولا معيل، أو أن يكون معيلهم غير قادر على إعالتهم. كانت دور رعاية المسنين في الأرياف الصينية ومؤسسات الرعاية الاجتماعية في المناطق الحضرية هي مؤسسات رعاية المسنين الأكثر انتشارا، شكلت نموذجا لرعاية المسنين يعتمد على الدعم المركزي مع استكماله بالدعم غير المركزي، مما يعكس مبدأ ضمان ظروف العيش الأساسية لكبار السن.

حاليا، مع صغر حجم الأسرة الصينية وانخفاض قدرتها على الإعالة، أصبحت قضية رعاية المسنين قضية اجتماعية مهمة، فطرحت الصين نموذجا للمعاشات التقاعدية بخصائص صينية وفقا للظروف الوطنية، يجمع بين المعاشات التقاعدية المؤسسية والمعاشات التقاعدية المجتمعية والرعاية المنزلية يجمع بين خدمات المؤسسات مع التجمعات السكنية والعائلات.

ومع ذلك، خلال عملية الاستكشاف، سلكت الصين طريقا خاطئا في تحديد نظام رعاية المسنين، إذ بالغت في البداية في التأكيد على دور مؤسسات رعاية المسنين، واستخدمت عدد الأسرّة فيها كمعيار لتقييم خدمات رعاية المسنين، مما أدى إلى زيادة العدد الإجمالي للأسرّة في بعض مؤسسات رعاية المسنين الصينية، بينما عانت بعض مؤسسات رعاية المسنين الأخرى من نقص الأسرّة، فظهرت مشكلات هيكلية، مثل شغور الأسرّة في بعض المؤسسات وصعوبة العثور على أسرّة شاغرة في مؤسسات أخرى. من أجل مواجهة هذه المشكلة، قامت الصين بتعديل إستراتيجيتها في الوقت المناسب، وحددت إستراتيجية لتطوير خدمات رعاية المسنين مناسبة للثقافة الصينية التقليدية واحتياجات كبار السن، حيث تقدم خدمات رعاية المسنين "المنزلية والمجتمعية والمكملة بالمؤسسات"، أي تقديم الخدمات على أساس أسرهم وتحت دعم التجمعات السكنية ومساعدة المؤسسات. طرح الأمين العام شي جين بينغ، في التقرير المقدم إلى المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، بشكل مبتكر بناء نظام السياسات والبيئة الاجتماعية لرعاية المسنين والبرّ بهم واحترامهم، ودمج الثقافة التقليدية والمتطلبات الأخلاقية للأمة الصينية في بناء نظام حديث لخدمات رعاية المسنين، مما يعكس الخصائص الصينية خلال عملية بناء نظام خدمات رعاية المسنين.

بحلول نهاية عام 2021، بلغ عدد مؤسسات رعاية المسنين في الصين 358 ألف مؤسسة، بإمكانها توفير 159ر8 ملايين سرير لرعاية المسنين. من بينها، بلغ عدد مؤسسات رعاية المسنين على مستوى التجمعات السكنية 318 ألف مؤسسة، يوجد فيها 123ر3 ملايين سرير. في الوقت الحاضر، يتمتع 947ر39 مليون شخص من كبار السن بإعانات المسنين، من بينهم 466ر32 مليون يتمتعون بإعانات الشيخوخة، و903 آلاف شخص بإعانات التمريض، و736ر5 ملايين بإعانات خدمات رعاية المسنين، و842 ألف شخص بالإعانات الشاملة. وأنفقت الدولة 62ر38 مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي 7ر6 يوانات تقريبا حاليا) في صناديق رعاية المسنين، و49ر14 مليار يوان في صناديق خدمات رعاية المسنين. اليوم، يجري بناء نظام لخدمة جميع المسنين في الصين.

رعاية المسنين والإصلاح الهيكلي لجانب العرض

جوهر خدمات رعاية المسنين هو تلبية احتياجات كبار السن، من خلال توفير خدمات رعاية المسنين. ومفتاح تحسين جودة خدمات رعاية المسنين هو تعزيز الإصلاح الهيكلي لجانب العرض، خاصة استكشاف طرق التوريد الفعالة التي تلبي احتياجات كبار السن. منذ دخول العصر الجديد، تعمل الكيانات الاجتماعية المختلفة بنشاط على استكشاف الأشكال المختلفة لتقديم خدمات رعاية المسنين.

أولا، تم توجيه خدمات رعاية المسنين إلى التجمعات السكنية والوحدات القاعدية. بعد أن طرحت الصين المخطط العام المتعلق برعاية المسنين بمؤسسات رعاية المسنين والتجمعات السكنية والمنازل، وضعت المدن الصينية المختلفة مخططات عامة لذلك، مثل المخطط "9073" والمخطط "9064"، أي أن 90% من كبار السن يتمتعون بخدمات رعاية المسنين في منازلهم، ويتمتع 7% من كبار السن بالخدمات في التجمعات السكنية، بينما تقدم مؤسسات رعاية المسنين الخدمات لـ3% من كبار السن. هذا يعني أن خدمات رعاية المسنين بحاجة إلى الانتقال إلى التجمعات السكنية والوحدات القاعدية، مما أدى إلى ازدهار خدمات رعاية المسنين، سواء أكانت خدمات الرعاية المنزلية أو الرعاية النهارية في التجمعات السكنية. على سبيل المثال، أنشأت بكين محطات رعاية مسنين نهارية في الشوارع والتجمعات السكنية من أجل تقديم الرعاية لكبار السن خلال فترة النهار، فيمكن للمسنين الذهاب إلى التجمعات السكنية للتمتع بالرعاية النهارية المتخصصة والعودة إلى منازلهم ليلا، مما يشكل نموذجا لرعاية المسنين يدمج الرعاية المنزلية مع رعاية التجمعات السكنية.

ثانيا، أن شركات التأمين تدمج دفع معاشات التقاعد وتقديم خدمات رعاية المسنين. عموما، تقدم شركات التأمين خدمات تأمين المعاشات التجارية نقدا فقط، لكن إذا كان لا يمكنها تقديم الخدمات الكافية لرعاية المسنين، فلا يمكن لكبار السن التمتع بحياة عالية الجودة حتى وإن زادت قيمة معاشات التقاعد. لذلك، تحاول بعض شركات التأمين دفع معاشات التقاعد وتقديم خدمات رعاية المسنين في نفس الوقت. يمكن للمؤمن عليه الحصول على معاش التقاعد كل شهر وفقا لعقد التأمين والعيش في منزله، كما يمكن له العيش في مؤسسة لرعاية المسنين، لتحويل دفع المعاش التقاعدي مباشرة إلى مدفوعات خدمة رعاية المسنين. وهذا يربط بشكل فعال بين الصناديق والخدمات، ويمكّن شركات التأمين من توسيع نطاق أعمالها وزيادة القيمة المضافة.

كما أن هناك أشكالا جديدة لرعاية المسنين، بناء على أساس ممتلكات المسنين. على سبيل المثال، هناك ما يسمى معاش "الطيور المهاجرة"، إذ يفضل بعض المسنين، الذين تقاعدوا للتو ويتمتعون بصحة جيدة نسبيا أن يعيشوا في أماكن مختلفة وفقا لتغير الفصول الأربعة، و"معاش السكن"، إذ يفضل بعض المسنين أن يأخذوا الرهن العقاري العكسي في المعيشة، و"العيش الجماعي"، لأن بعض المسنين يفضلون العيش معا بعد التقاعد.

صعوبات تحتاج إلى حلول

برغم أن الصين حققت تقدما مهما في بناء نظام خدمات رعاية المسنين، لا تزال تواجه مشكلات مثل التنمية غير الكافية وغير المتوازنة. ولا تزال هناك مشكلات تؤثر على جودة خدمات رعاية المسنين على المدى الطويل، ولم يتم حلها بعد.

يُعد نقص الأكفاء المتخصصين والاعتراف الاجتماعي المنخفض في خدمات رعاية المسنين، من المشكلات الأساسية التي تواجه الصين لفترة طويلة. على عكس القطاعات الإنتاجية حيث يمكن للآلات أن تحل محل العمالة، فإن قطاع رعاية المسنين ينتمي إلى صناعة خدمات، وتعتمد جودته على الكفاءة المهنية لمقدم الرعاية. صحيح أن الصين عززت تدريب مقدمي الرعاية، وعملت على زيادة رواتبهم في السنوات الأخيرة، ولكن لا يزال عدد مقدمي الرعاية ذوي المستوى الرفيع قليلا في الصين. كما أن الاعتراف الاجتماعي المنخفض، يؤدي إلى عدم الاستقرار في عمالة هذا المجال. لذا، أصبح طلب السوق على رعاية المسنين والعرض الفعال غير الكافي أصبحا العامل الأساسي الذي يقيد تطوير صناعة وخدمات رعاية المسنين.

كما أن هناك فجوة كبيرة بين المناطق الحضرية والريفية في توزيع موارد رعاية المسنين. تبرز قضية الشيخوخة في المناطق الريفية الصينية أكثر من المناطق الحضرية الصينية، وهي سمة مهمة للشيخوخة في الصين. وهذا ليس بسبب ارتفاع متوسط العمر المتوقع لكبار السن في المناطق الريفية، ولكن بسبب بقاء كبار السن في القرى بعد هجرة عدد كبير من الشباب فيها إلى المدن. علاوة على ذلك، فإن المستوى الطبي في المناطق الريفية ضعيف نسبيا، والطلب على خدمات رعاية المسنين أكبر وأكثر إلحاحا. بالمقارنة مع الطلب على رعاية المسنين، تواجه المناطق الريفية الصينية نقصا حادا في تقديم خدمات رعاية المسنين الفعالة. في السنوات الأخيرة، اتخذت بعض المناطق الريفية نموذج "بيت السعادة" لتقديم أماكن الطعام والترفيه للمسنين، أما الخدمات للمسنين الذين يعجزون عن رعاية أنفسهم والمسنين شبه العاجزين، فتعتمد على أسرهم بشكل رئيسي.

يبادر مقدمو الرعاية بالذهاب إلى منازل المسنين ليتلقى كبار السن خدمات الرعاية المتخصصة في بيئتهم العائلية المألوفة، وسيكون ذلك الطريقة المثلى لرعاية المسنين. تشير البيانات إلى أن السقوط الناجم عن رطوبة الأرضية في المنازل هي السبب الرئيسي لإصابة كبار السن. لذلك، يوصى بإجراء تجديدات في منازل كبار السن لتكون خالية من العوائق ومانعة للانزلاق. أما في التجمعات السكنية القديمة غير المزودة بمصاعد كهربائية، فينبغي لجميع الأطراف التوصل إلى اتفاق تحت قيادة المجتمع لتركيب المصاعد في أسرع وقت ممكن لتسهيل صعود ونزول كبار السن. باختصار، لا يزال أمام الصين طريق طويل لتقطعه في بناء مجتمع صديق لكبار السن وبناء بيئة خالية من العوائق لهم.

تحسين جانبي العرض والطلب في نفس الوقت

ينبغي تحقيق التوازن الديناميكي بين تحسين خدمات رعاية المسنين وتطوير قطاع رعاية المسنين. إن العرض الفعال لخدمات رعاية المسنين هو السبيل الوحيد لتلبية الطلب المتزايد على خدمات رعاية المسنين العالية الجودة. في نفس الوقت، القدرة الشرائية لجانب الطلب هي العامل الرئيسي الذي يؤثر على جانب العرض. لذلك، يتطلب بناء نظام رعاية المسنين العالية الجودة أن يعمل جانبا العرض والطلب معا.

من ناحية جانب الطلب، يجب تعزيز نظام تأمين الرعاية الطويلة الأجل، من أجل تحسين قدرة الدفع لجانب الطلب باستمرار. فقد شرعت الصين في تحديد النقاط التجريبية لتنفيذ نظام تأمين الرعاية الطويلة الأجل منذ عام 2016، وزاد عدد النقاط التجريبية بحلول عام 2020. وفقا لتجارب الدول الأجنبية، أصبح نظام تأمين الرعاية الطويلة الأجل نظاما مهما للتأمين الاجتماعي الأساسي، مما سيعزز قدرة الدفع في جانب الطلب ككل، ويقلل من أعباء تكاليف التمريض للأفراد والعائلات، ومن ثم يحفز زيادة العرض الفعال. كما ينبغي تصنيف احتياجات رعاية المسنين وتحديدها وتلبية الطلبات بدقة. مع زيادة متوسط العمر المتوقع للصينيين، يتم توسيع الفترة الزمنية لمرحلة الشيخوخة، وهناك اختلافات بارزة في هياكل الطلب لمختلف مراحل الشيخوخة. فعندما يدخل كبار السن في مرحلة الشيخوخة، تكون الحالة الاقتصادية والصحية لهم جيدة نسبيا، فيحتاجون إلى المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والاندماج في المجتمع بعد التقاعد. ثم، بعد بلوغ سن السبعين، يواجه كبار السن تدهورا في صحتهم بشكل ملحوظ، فتكون الحياة الصحية هي مطلبهم الأساسي؛ وبعد بلوغ سن الثمانين، تزداد نسبة المسنين الذين يعجزون عن رعاية أنفسهم والمسنين شبه العاجزين، وتصبح الرعاية التمريضية هي المطلب الرئيسي لهم.

إن مفتاح تحقيق التنمية العالية الجودة لخدمات رعاية المسنين هو تعميق الإصلاح الهيكلي لجانب العرض، وأحد الطرق الأساسية لتحقيق ذلك هو كسر الحدود بين رعاية المسنين في التجمعات السكنية والرعاية المنزلية من أجل إنشاء آلية جديدة مختلطة للخدمات الشاملة لرعاية المسنين. مثلا، يجب على مؤسسات رعاية المسنين تشكيل سلسلة خدمات رعاية في التجمعات السكنية لتقديم الخدمات المنزلية المتخصصة العالية الجودة، مما يوسع نطاق الخدمات من المسنين في دور رعاية المسنين إلى جميع المسنين في التجمعات السكنية. إن أحد أوجه القصور التي يجب التغلب عليه في عملنا، هو توفير مقدمي الرعاية، فينبغي الاستفادة الكاملة من دور آلية السوق بشكل فعال، بحيث يتمتع مقدمو الرعاية بدخل لائق وكرامة مهنية، كما يجب مراعاة حقوق مقدمي الرعاية ومتلقي الرعاية وتقديم الرعاية المؤقتة والدعم النفسي لمقدمي الرعاية.

تواجه الصين، باعتبارها الدولة التي تضم أكبر عدد من المسنين في العالم، تحديات كبيرة في بناء نظام خدمات رعاية المسنين. ومع ذلك، لدى الصين تقاليد ثقافية ممتازة متمثلة في احترام كبار السن وأساس الرعاية المنزلية المرن، فلا شك أن الصين قادرة على بناء وتحسين نظام خدمات رعاية المسنين ذي الخصائص الصينية، مما يمكّن جميع المسنين من التمتع بالحياة السعيدة بعد التقاعد.

ــــ

لو تشيوان، أستاذ بجامعة رنمين الصينية والأمين العام للجمعية الصينية للضمان الاجتماعي.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4