مجتمع < الرئيسية

"عتبة" جامعات المسنين عالية

: مشاركة
2021-01-06 12:29:00 الصين اليوم:Source تشانغ بي هاو:Author

"حين تهرمين، يشيب شَعْرُك ويثقلك النعاس." هذا هو مشهد خريف العمر كما صوره الشاعر الأيرلندي ويليم بتلر ييتس. في عام 2050، ستصبح الصين أكبر مجتمع شيخوخة في العالم. كل إنسان يتطلع إلى حياة كريمة في خريف العمر.

في أيامنا الحالية، يتطلع المزيد والمزيد من المسنين إلى الاندماج بشكل أفضل في المجتمع من خلال جامعات المسنين، وأمسى طلبهم على التعليم أشد من أي وقت مضى. فهم أكثر ميلا إلى "كرامة المسنين" ، لتلبية احتياجاتهم الروحية من خلال التعلم.

وحدة لا توصف

في ظل انتشار وباء كوفيد- 19، تثير الصحة النفسية للمسنين قلقا اجتماعيا واسعا. تشير الإحصاءات إلى أن بعض المسنين الذين تزيد أعمارهم عن 55 عاما في الصين يعانون من مشكلات نفسية، وتبلغ نسبة الإصابة بالاكتئاب بينهم حوالي 6ر23%. وأدى تطور الوباء وصعوبة الحياة في هذه الفترة إلى تفاقم المشكلات النفسية لكبار السن، وخاصة الذين تزوج أبناؤهم واستقلوا بحياتهم.

في حديث معنا، قال الطبيب النفسي تشو هونغ إن العديد من المسنين يعانون من ظروف معيشية سيئة، وإن من يعيشون بمفردهم وذوي الاحتياجات الخاصة معرضون بشدة للاكتئاب، خاصة في فترة الوباء، فالعزلة تجعل المسن أكثر ضعفا نفسيا، ويحتاج إلى الاستشارة النفسية والرفقة الروحية من قبل المتخصصين. قيل إن هناك مئات من الشعور بالوحدة في "جزيرة المسنين" هذه. يحاول كل مسن التعايش مع الشعور بالوحدة كما يتمنى أن لا يُنسى.

من خلال المقابلات معهم، وجدنا أن معظم المسنين ليسوا متشائمين، وحياتهم مليئة بالبهجة، ولكن هل يعني هذا أنهم لا يشعرون بالوحدة؟

يقول البروفيسور لي، وهو أستاذ في جامعة للمسنين: "بالطبع وحيد، وكيف لي ألا أشعر بالوحدة، فقط لا أريد أن أقول ذلك أو ربما لا أستطيع التعبير عن ذلك." وأضاف: "ولكن يمكن لكبار السن التخفيف من الشعور بالوحدة من خلال الالتحاق بجامعات المسنين."

 

وقال ليو يوان لي، عميد معهد الصحة العامة التابع لكلية الاتحاد الطبية "مستشفى شِيخَه" في بكين: "لا ينبغي أن يقتصر الأمر على إنشاء جامعات للمسنين. أعتقد أننا يمكننا تفعيل دور المفكرين والكوادر والإداريين المتقاعدين، وإنشاء عدد كبير من معاهد البحوث للمسنين. بهذه الطريقة لن نساعد في رعاية المسنين رعاية متكاملة ونهتم بصحتهم فحسب، وإنما أيضا نساعدهم في تحقيق آمالهم في نفس الوقت. هذا مفيد جدا لصحتهم النفسية."

حياة جامعية غنية

العم تشي، البالغ من العمر سبعة وستين عاما، يدرس بالسنة الأولى في جامعة للمسنين. الملاحظ أن الإقبال على جامعات المسنين كبير جدا، والإلتحاق بها أمر صعب. في العام الماضي، تحققت أخيرا الأمنية التي انتظرها طويلا العم تشي والتحق بفصل الكتابة في جامعة للمسنين. العم تشي عاشق للقراءة والإلقاء منذ الصغر، ويريد أن يقوم بتسجيل مسيرة حياته في جامعة المسنين بأسلوب الكتابة، ليشجع المزيد من كبار السن على المشاركة.

العمة تشاو، والبالغة من العمر اثنتين وستين سنة، طالبة في جامعة شيجياتشوانغ للمسنين، التحقت بالجامعة قبل عشر سنوات، قالت إنها ستظل تدرس بالجامعة طالما سمحت صحتها بذلك. وقد درست العديد من التخصصات خلال السنوات العشر؛ مثل الرقص والتصوير الفوتوغرافي واللغة الإنجليزية، والتخصص الذي اختارته هذا العام هو فن الخط الصيني.

في سنة 2017، كان وانغ جيان معلما بدوام جزئي في قسم التصوير الفوتوغرافي بجامعة للمسنين. بدأ هذا الطريق كنوع من المشاركة في عمل خيري. ما لم يكن يتوقعه هو أنه أحب هذا العمل بمجرد أن انخرط فيه. قال وانغ جيان متأثرا: "هناك العديد من الأمور المؤثرة على طول الطريق. أصغر طالب بهذه المجموعة يبلغ من العمر خمسة وخمسين عاما، ويبلغ عمر أكبرهم ثلاثة وثمانين عاما، جميعهم يحبون الحياة ويعشقون كل جميل ويحبون التصوير للغاية، لقد تأثرت بهم جدا."

قال الأستاذ لي، معلم الخط الصيني بإحدى جامعات المسنين في شيجياتشوانغ: "سواء من يتعلم منهم رسم الزهور أو الطيور أو المناظر الطبيعية، هؤلاء الطلبة المبتدئون الذين لا يعرفون شيئا عن أساسيات الرسم ولم يقوموا بتجهيز أدوات الرسم الأساسية من الفرش والحبر والورق والمحابر، ليس لدى أي منهم شكوى. هم يتفاعلون بشكل جيد مع دروسنا عبر الإنترنت." السيد لي لديه رؤية مختلفة في التطور السريع لجامعات المسنين. قال: "هؤلاء المسنون كانوا إما منشغلين في جمع المال أو قابعين في بيوتهم. ولكن تغير أفكارهم في السنوات الأخيرة، فأصبحوا يهتمون بالحياة الثقافية. هذا شيء جيد."

في الواقع، يقبل المسنون على الدراسة من أجل بهجة الاندماج مع الآخرين. قالت العمة تشاو: "بالرغم من أننا لن نستطيع أن نساهم في المجتمع بعد الدراسة مثل الشباب، فإن تعلم الأشياء الجديدة وقضاء الوقت مع بعضنا البعض يجعلنا سعداء. على الأقل لن يقلق أبناؤنا بشأننا." عندما كانت العمة تشاو تدرس التصوير الفوتوغرافي، شاركت مع الجامعة في العديد من الأنشطة الخيرية، وقامت بتصوير الأشخاص والأشياء المختلفة في المجتمع، كما قامت بتسجيل حياتها الشخصية.

تدريجيا، صار المسنون أصدقاء، ويجتمعون دائما لتناول الطعام معا، وفي كل مرة يبدو وكأنهم زملاء قدامى. يعود بهم الزمن إلى عقود مضت. يراعي المسنون بعضهم البعض، فعندما يواجه من منهم صعوبات، قام الجميع يساعدونه قدر المستطاع. إن للشباب حياة غنية، فيها الحب، وفيها عائلة دافئة، وأصدقاء كثيرون. أما بعد أن يشيب المرء، يخسر عمله ويجف شعور الأصدقاء، بل وقد يرحل الحبيب. ولكن ولحسن الحظ أنه يوجد الآن هؤلاء الأصدقاء المسنون.

"الرعاية الثقافية" الكريمة

تعليم المسنين هو تعليم شامل يسعى لتلبية احتياجات كبار السن الروحية والثقافية، ويحسن من جودة حياتهم. ويسمى أيضا بـ"تعليم المرحلة الثالثة من العمر". حاليا، صار إقبال المسنين على التعليم أكثر من ذي قبل، وأصبحت "الرعاية الثقافية" طريقة رفيعة المستوى لرعاية المسنين.

في إحدى جامعات المسنين في حي دونغتشنغ ببكين، وصل عدد الطلاب إلى أكثر من أربعة آلاف طالب، وبالرغم أن عدد الفصول المفتوحة كل عام قد زاد إلى أكثر من 100 ، لا تزال الأماكن المتاحة غير كافية. من الصعب الحصول على مكان في جامعات المسنين، ويتهافت كبار السن على التسجيل في تلك الجامعات، حتى ينتظر من منهم في طابور طويل في الليل لتسجيل اسمه في الجامعة.

المشكلات التي يشكو منها كبار السن متشابهة. تعمل بعض جامعات كبار السن منذ سنوات عديدة، وفي السنوات القليلة الماضية صار لبعضها حرم جامعي، ولكنها لا تزال غير قادرة على تلبية احتياجات كبار السن المحليين، وتحديدا في التخصصات التي تحظى بشعبية كبيرة مثل التصوير الفوتوغرافي ودروس الرقص الزوجي ودروس الحاسب الآلي وغيرها، فعدد المعلمين والفصول، وكذلك عدد الدروس، غير كاف.

فشلت العمة تشانغ، من مدينة تسانغتشو في مقاطعة خبي، في التسجيل في فصل التصوير الفوتوغرافي لعامين على التوالي، واضطرت في النهاية للتسجيل في فصل لعبة "غو" الذي لا يحظى بشعبية كبيرة. وقد حققت العمة تشانغ بعض النجاح في دراسة اللعبة. هذا العام، فشلت أيضا في التسجيل في الدورات التدريبية التي تريدها، لذلك اختارت دورة في لعبة "غو" مرة أخرى، ولكنها وجدت أن المعلم يدرس الطلاب المبتدئين أساسيا، وتشعر الآن أنها لا تستطيع الاستمرار معهم في التعلم.

يريد كبار السن إثراء أنفسهم ثقافيا، ولكن قدرة استيعاب جامعات المسنين الحكومية محدودة، ويشتد الأمر سوءا يومًا بعد يوم. قال دياو هاي فنغ، نائب الرئيس التنفيذي للجمعية الصينية لجامعات المسنين: "تظهر الإحصاءات الأولية أن هناك مقعد واحد بجامعات المسنين لكل 8 إلى 10 أفراد على الأقل في كافة أرجاء البلاد." هذا يعني أن العديد من المسنين الذين يتطلعون إلى الدراسة لا يستطيعون الالتحاق بالجامعات، وأنه لا يزال هناك مجال كبير لتطوير تعليم المسنين في الصين.

قال ليو يوان لي: "يجب أن نعلم أن العديد من المسنين يريدون المساهمة في المجتمع. بالإضافة إلى مطالب المأكل والملبس، لدى كل منهم احتياجات أعلى كفرد من أفراد المجتمع، لذلك اقترحت إنشاء المزيد من جامعات المسنين، وتحويل مرافق ومؤسسات خدمة كبار السن إلى جامعات أيضا. بذلك يمكن أن تتحول رعاية المسنين إلى رعاية هادئة دون قلق. وحتى بالنسبة للمسنين من الفئة العمرية الأكبر سنا الذين أوشكوا على توديع عالمنا، يمكنهم التمتع بحياة ذات جودة عالية بكرامة وأمل، فيمكنهم أخيرا أن يرحلوا حاملين أمالهم في قلوبهم."

قد تكون في جامعة المسنين فرص عمل

شياو وانغ رائد أعمال من مواليد تسعينات القرن العشرين. قبل بضع سنوات، تقاعدت والدته وأصبحت على المعاش، وكان لديها الكثير من وقت الفراغ، لذلك أرادت أن تتعلم شيئا كانت مهتمة به ولكن لم يكن لديها الوقت الكافي لتتعلمه في الماضي. أثناء مساعدة والدته في العثور على جامعة للمسنين، وجد فرصة عمل.

في العام الماضي، افتتح شياو وانغ مشروعه الخاص به، وهو مشروع يخدم كبار السن الذين تتراوح أعمارهم بين 45 و65 عاما، ويوفر لهم دورات تدريبية عالية الجودة ويقدم خدمات اجتماعية ليثري حياتهم بعد التقاعد.

سأل شياو وانغ نفسه أكثر من مرة: "ما المنتجات التي يحتاجها الأشخاص الذين في منتصف العمر وكبار السن؟ وما نوع الخدمات التي يرغبون في التمتع بها؟" من الواضح تماما أنهم مختلفون عن الشباب، ولكي تحظى المنتجات بترحيبهم، يجب أن تلبي تلك المنتجات عادات التواصل واحتياجات الاستهلاك لديهم، بالإضافة إلى المنتجات التعليمية. ابتكر شياو وانغ وفريقه طريقة تعليمية تجمع بين الدورات التدريبية والعرض العملي من أجل تلبية احتياجات كبار السن.

 عندما تأثر مشروع شياو وانغ في فترة الوباء، قام بإطلاق الدورات التعليمية عبر الإنترنت. بالإضافة إلى الدورات المنتظمة، قام هو وفريقه بإطلاق دورات تعليم تصوير مقاطع الفيديو القصيرة. يقوم المعلم بتعليمهم كيفية عمل مقاطع الفيديو القصيرة المنتشرة حاليا والتي تحظى بشعبية كبيرة، كما قاموا بتطوير بعض النماذج التي يمكن تقليدها بسهولة، حتى يتمكن المسنون من البدء بسرعة وعمل مقاطع الفيديو المختلفة.

قال شياو وانغ: "يتجه المجتمع برمته نحو الشيخوخة، ولكن المسنين يتصابون ويتعلمون أمور الشباب، فالتعليم والأزياء والسياحة هي مجرد مشهد اجتماعي واحد من بين مشاهد حياة كبار السن."

بالإضافة إلى أصحاب المشروعات مثل شياو وانغ، بدأت بعض مدارس التدريب المحلية تتعاون مع التجمعات السكنية المحلية لإنشاء وحدات "نقاط التعليم الاجتماعي للمسنين"، وتقديم دورات تدريبية عامة خاصة بكبار السن.

وحول القيمة التنموية لمجال تعليم كبار السن، قال ليو يوان لي: "عندما نتحدث عن العائد الديموغرافي، فنحن نشير عادة إلى العوائد الديموغرافية للشباب، ولا يؤخذ في الاعتبار السكان من كبار السن، خاصة النشيطين منهم. في الوقت الحاضر، يحتل اقتصاد المعرفة المزيد من الأهمية، وخبرات كبار السن النشيطين وحكمتهم ومعلوماتهم لا يضاهيها ما لدى الشباب. هناك مثل صيني يقول: "الزنجبيل القديم حار أكثر"، فالاستفادة الكاملة من تجارب ومعلومات المسنين وتسليط الضوء على أهميتها موضوع كبير جدا."

في المستقبل، ربما سيكون هناك المزيد والمزيد من الطرق لتطوير مجال تعليم المسنين، حتى يتمكنوا من تكوين صداقات مع بعضهم البعض والتمتع بحياة أكثر إرضاء وسعادة لهم في الأمتار الأخيرة من مارثون حياتهم.

--

تشانغ بي هاو، مراسل صحيفة ((الشعب الأسبوعية)) الصينية.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4