مجتمع < الرئيسية

وانغ دا هنغ.. أبو علم البصريات في الصين

: مشاركة
2019-11-29 09:21:00 الصين اليوم:Source دانغ شياو في:Author

عندما تأسست الصين الجديدة في سنة 1949، كانت البلاد في حالة شبه فراغ في مجال علم البصريات التطبيقية، ولكن بدون علم البصريات والزجاج البصري، يستحيل بحث وتطوير أجهزة القياس البالغة الدقة والعالية المستوى، ولا مجال للحدبث عن تعزيز قوة الدولة، فأولت الحكومة الصينية اهتماما بالغا بأعمال بناء حقل علم البصريات.

كان "غرس جذور علم البصريات في الصين" حلم وانغ دا هنغ (1915- 2011)؛ ذاك العالم الفذ في مجال البصريات بالصين وعضو الأكاديمية الصينية للهندسة. كرس السيد وانغ حياته لتطوير علم البصريات، فولدت على يديه أول قطعة من الزجاج البصري وأول مجهر إلكتروني وأول ليزر في الصين، وقاد صنع أول جهاز قياس بصري كبير الحجم وتأسيس الأكاديمية الصينية للهندسة.

أول فرن من الزجاج البصري في الصين

ولد وانغ دا هنغ في اليابان سنة  1915، وموطن أجداده في محافظة ووشيان بمقاطعة جيانغسو. كان وانغ ينغ وي، والد وانغ دا هنغ، عالم فلك وخبير أرصاد جوية درس في اليابان وعندما عاد إلى الصين عمل في محطة الرصد الجوي في بكين أولا، قبل أن ينتقل إلى محطة الرصد الجوي في تشينغداو بمقاطعة شاندونغ.

عندما كان وانغ دا هنغ طالبا في المرحلة الثانوية، كان يرافق والده أحيانا إلى محطة الرصد الجوي، حيث بدأ شغفه بالأجهزة العلمية. هذه التجارب في المرحلة المبكرة من حياته، كان لها تاثير عميق على دراسته لعلم البصريات التطبيقية والزجاج البصري، وانكبابه على قضية علم البصريات وصناعة وإنتاج الأجهزة العلمية في الصين.

في سنة ألف وتسعمائة وست وثلاثين، تخرج وانغ دا هنغ في قسم الفيزياء بجامعة تشينغهوا الصينية. وبعد سنتين من تخرجه، سافر إلى بريطانيا لدراسة تخصص علم البصريات التطبيقية في كلية لندن الإمبراطورية (الكلية الامبريالية للعلوم والتكنولوجيا والطب) بمنحة كاملة من الحكومة الصينية. انتقل بعد ذلك إلى جامعة شفيلد في بريطانيا حيث درس فيزياء وتكنولوجيا الزجاج البصري على يد البروفيسور وليام إرنست ستيفن ترنر، الكيميائي البريطاني ورائد علم الزجاج في العالم. في عام 1942، وبينما كان يدرس للحصول على درجة الدكتوراه، عرف أن تطوير العلوم والتكنولوجيا في الصين يحتاج بإلحاح إلى تقنيات الزجاج البصري، توقف عن الدراسة للحصول على الدكتوراه، والتحق بشركة بريطانية ليدرس تقنيات صنع الزجاج البصري.

قبيل تأسيس الصين الجديدة، وتحديدا في عام 1948، تخلى وانغ دا هنغ عن الحياة المنعمة وظروف البحث الممتازة خارج الصين، وعاد إلى بلاده حاملا حلمه بتعزيز قوة البلاد من خلال العلوم والتكنولوجيا.

عندما تأسست الصين الجديدة، لم يكن بها تقريبا جهاز واحد للقياس البصري. وعلى هذه الخلفية، تم تكليف وانغ دا هنغ باتخاذ الاستعدادات لإنشاء مركز الأجهزة للأكاديمية الصينية للهندسة (تغير اسمها لاحقا إلى معهد تشانغتشون للبصريات والميكانيكا الدقيقة للأكاديمية الصينية للهندسة) عام 1951، وتأسس هذا المركز في تشانغتشون في السنة التالية، وعُين السيد وانغ مديرا لها.

في نهاية عام 1953، ولم يكن قد مضى على تأسيس مركز الأجهزة للأكاديمية الصينية للهندسة إلا أقل من سنتين، نجح وانغ دا هنغ العاملين وفريقه من العاملين في مجال العلوم والتكنولوجيا بهذا المركز في إنتاج أول دفعة من الزجاج البصري الصيني الصنع باستخدام تجهيزات بسيطة ومتخلفة، مما أنهى تاريخ افتقار الصين إلى قدرات تصنيع الزجاج البصري وفتح الباب لتطوير الصناعة البصرية في الصين الجديدة.

في السنوات الست التالية، قاد وانغ دا هنغ فريقه في بحث وتطوير أول مجهر إلكتروني ومزواة قياس عالية الدقة وأول جهاز لتحديد المدى الكهروضوئي، وسلسلة من الأجهزة البصرية الأخرى، فسد الفراغ الذي كانت تعاني منه الصين في هذا المجال، وأرسى أساس الأجهزة البصرية البالغة الدقة المصنوعة في الصين. بعد ذلك، نجح فريق وانغ دا هنغ في بحث وإنتاج أول ليزر ياقوتي في الصين، وذلك بعد إنتاج أول ليزر ياقوتي في العالم بعشرة أشهر فقط.

بالإضافة إلى ذلك، عمل وانغ دا هنغ على إنشاء تخصص الأجهزة البصرية في الجامعات الصينية بعد عودته إلى البلاد، حيث أنشأ معهد تشانغتشون للبصريات والميكانيكا الدقيقة (جامعة تشانغتشون للعلوم والتكنولوجيا حاليا) في عام 1958، لإعداد متخصصين في علم البصريات والهندسة البصرية، وتولى منصب رئيس المعهد وألقى المحاضرات على الطلاب بنفسه. وبعد ذلك، أنشأ أو ساعد في إنشاء معاهد البصريات والميكانيكا الدقيقة في شيآن وشانغهاي وخفي وتشنغدو ومعهد شانغهاي للفيزياء التقنية، فأنجز بذلك بناء قاعدة قوية لأبحاث علم البصريات في الصين الجديدة.

التطبيق الناجح لأبحاث علم البصريات

منذ ستينات القرن العشرين، قاد وانغ دا هنغ فريقه للمشاركة في كل مهمات الأبحاث البصرية لمشروع "القنبلة الذرية والصواريخ الموجهة والأقمار الاصطناعية"، ونجحوا في بحث وصنع مختلف الأجهزة الضخمة للبصريات والميكانيكا الدقيقة، وقدموا مساهمات عظيمة في اختبار تفجير القنبلة الذرية وإطلاق الصاروخ الموجه واختبار القنبلة الهيدروجينية وإرسال قمر اصطناعي إلى الفضاء.

في عام 1964، نجحت الصين في تجربة تفجير قنبلتها الذرية الأولى، وقد شاهد جم غفير من الناس صورة سحابة الفطر المنتفخة لانفجار القنبلة الذرية. إن الكاميرا التي صنعت خصيصا لمنطقة التفجير النووي تم بحثها وصنعها تحت قيادة وانغ دا هنغ.

في عام 1970، نجحت الصين في إرسال القمر الاصطناعي "دونغفانغهونغ رقم 1" إلى الفضاء، وشارك وانغ دا هنغ في أعمال التصميم العام للقمر، وتولى منصب نائب رئيس فريق التصميم، حيث قاد فريقه للتغلب على الصعوبات التقنية ليلا ونهارا، حتى أنجزوا مهمة بحث وصنع كاميرا رصد الأرض التي زودها القمر الاصطناعي القابل للاستعادة.

كانت المهمات الفضائية تحتاج إلى أجهزة بصرية أكثر تطورا، بما في ذلك كاميرات مراقبة الأرض والأنظمة البصرية العالية الدقة التي يمكن أن تعمل لفترة طويلة في بيئة شديدة التنوع. عندما عاد القمر الاصطناعي إلى الأرض، نجح الصينيون في رؤية صور الأرض الواضحة لأول مرة من خلال الصور الفوتوغرافية التي التقطتها الكاميرا.

حتى اليوم، ما زالت المزواة الضوئية التي قاد وانغ دا هنغ فريقه في بحثها وصنعها، تلعب دورا هاما في إطلاق سلسلة مركبات الفضاء الصينية المعروفة باسم "شنتشو".

كما أنجز السيد وانغ اختراعات أخرى لها أهمية كبرى في الدفاع الوطني الصيني، وتعتبر إنجازات مبتكرة في تقنيات الليزر وتصنيع أجهزة التلفزيون الملون وقطاع المعدات البصرية.

"أبو علم البصريات في الصين" هو اللقب الذي ناله عن جدارة وانغ دا هنغ، الذي كرمه الاتحاد الدولي للفلك في عام 2010 بإطلاق اسمه على الكويكب رقم 17693، تقديرا لإنجازاته ومساهماته في مجال العلوم.

تضييق الفجوة بين الصين والعالم

في عام 1983، غادر وانغ دا هنغ معهد تشانغتشون للبصريات والميكانيكا الدقيقة الذي عمل فيه لمدة ثلاثين سنة، وانتقل إلى بكين لتولي منصب مدير قسم العلوم التقنية في الأكاديمية الصينية للعلوم. هنا، لم يعد اهتمامه مقتصرا على مجال علم البصريات، وإنما امتد إلى تطوير العلوم والتكنولوجيا الصينية كلها.

من أجل تضييق الفجوة بين الصين ودول العالم المتقدمة، تقدم وانغ دا هنغ مع ثلاثة علماء بمقترح لوضع ((منهاج الخطة الوطنية لأبحاث وتطوير التكنولوجيا العالية))، ووافق مجلس الدولة الصيني واللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني على المقترح، الذي صار لاحقا يحمل اسم خطة "863" المشهورة.

إن تنفيذ خطة "863" ضيّق الفجوة بين المستوى العلمي للصين والمستوى العلمي العالمي بشكل ملحوظ، وتطور 60% من التقنيات من العدم إلى الوجود وبلغت تلك التقنيات المستوى المتقدم الدولي، وحققت عوائد اقتصادية تقدر بمئات المليارات يوان (الدولار الأمريكي يساوي 7 يوانات حاليا).

في عام 1992، دعا وانغ دا هنغ وأعضاء آخرون بالأكاديمية الصينية للعلوم إلى إنشاء الأكاديمية الصينية للهندسة، وهي أعلى هيئة أكاديمية واستشارية في مجالي الهندسة والتكنولوجيا في الصين. بعد ذلك، حصل وانغ دا هنغ على جائزة وطنية خاصة لتقدم العلوم والتكنولوجيا ووسام الخدمات الجليلة لـ"القنبلة الذرية والصواريخ الموجهة والأقمار الاصطناعية" والدورة الأولى لـ"الجائزة الممتازة لصندوق هو ليونغ هو لي" (صندوق أسسه أربعة علماء من هونغ كونغ لمكافأة الصينيين العاملين في مجال العلوم الذين يقدمون مساهمات في تقدم العلوم والتكنولوجيا).

حمل وانغ دا هنغ بين جوانحه قضية تطوير العلوم والتكنولوجيا في الصين، حتى وهو مريض راقد في فراش شيخوخته، حيث واصل صياغة التقارير حول المصطلحات البصرية وكتابة رسائل إلى قادة الدولة لتقديم المقترحات.

في الحادي والعشرين من شهر يوليو سنة 2011، توفي وانغ دا هنغ في بكين عن عمر ناهز ست وتسعين سنة أمضاها في خدمة ومحبة بلاده.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4