مجتمع < الرئيسية

التعلم عبر الطريق السهل

: مشاركة
2018-10-26 13:18:00 الصين اليوم:Source شي شيون:Author

في ظل ما يسمى بالعصر الإلكتروني الذي أصبح جزءا من كافة مجالات حياتنا، ليس من المستغرب أن تشهد مبيعات الإصدارات الورقية تراجعا قياسيا في السنوات الأخيرة. تحول الناس من شراء الصحف والكتب، إلى شراء الكتب الإلكترونية والتصفح عبر الإنترنت، كما صار التعلم عبر الإنترنت اختيارا أكثر ملاءمة وكفاءة. بيد أن هذه التغيرات تفرض تحديات كبيرة على مستخدمي المعلومات عبر شبكة الإنترنت؛ فقد أصبح المستهلكون أكثر حذرا عند الدفع مقابل الحصول على المعرفة. ولتحقيق أكبر استفادة ممكنة من هذا التيار الجارف، فإن بعض دور النشر المشهورة ومنصات المعلومات المعروفة بإصداراتها العالية الجودة اتجهت إلى النشر الإلكتروني.

في الخامس عشر من شهر يونيو سنة 2018، ومن قلب سوق سانيوانلي للخضراوات في حي تشاويانغ في بكين، أعلن الباحث الاقتصادي المشهور شيويه تشاو فنغ إصدار كتابه الجديد الذي يحمل عنوان "نشرة شيويه تشاو فنغ في الاقتصاد". خلال مراسم الإصدار، أشار السيد شيويه إلى أمثلة من الواقع، ربط خلالها الاقتصاد بالحياة اليومية للناس. هذا الكتاب الجديد عبارة عن محاضرات قدمها شيويه تشاو فنغ في دورات اقتصادية عبر تطبيق آيغت "iget"، وقد اشترك في هذه الخدمة أكثر من 27 ألف مستخدم مقابل 199 يوانا (الدولار الأمريكي يساوي 9ر6 يوانات) للمستخدم الواحد. وقد ساهمت هذه الحالة في زيادة كبيرة للمدفوعات من أجل التعلم والمعرفة عبر الإنترنت في المجال العام.

الدفع مقابل المعرفة

حسب تعريف مركز المعلومات الحكومية للاقتصاد التشاركي، يمكن اعتبار الدفع مقابل المعرفة بمثابة عملية تحول المعرفة إلى منتجات أو خدمات تجارية. على وجه التحديد، يمكن لمن لديه فوائض معرفية مشاركة معارفهم مع آخرين عبر منصات الإنترنت، فيحقق لنفسه دخلا إضافيا، كما تحقق تلك المنصات أرباحا.

شهدت الصين في عام 2016 بداية تيار الدفع من أجل المعرفة. وحسب استطلاع أجرته عبر الإنترنت كل من شبكة Guokr وشبكة Netease، فإن 70% من الذين شملهم الاستطلاع دفعوا تكاليف التعلم عبر الإنترنت، مقارنة مع 26% فقط في عام 2015.

في مايو 2016، أطلق موقع تشيهو الصيني للسؤال والجواب، منصة تشيهو المباشرة لـ"المشاركة المدفوعة" وأقسام الأسئلة والأجوبة. في ثلاثة أيام فقط، جذبت هذه المنصات الجديدة أكثر من مليون مستخدم. في يونيو 2016، أطلق لوه تشن يوي، مؤسس شبكة "Luogic Talk Show"، المراجع التجارية للباحث لي شيانغ على منصة iget، وخلال يومين فقط، حصل على أكثر من أربعة ملايين مشترك؛ وفي أغسطس من ذلك العام، بدأ تشغيل منصات Zhihu’s approval & tip function, snowball Q&A, Lenovo’s “Zhiliao Q&A”  على شبكة الإنترنت، وفي سبتمبر، بدأت شبكة Huxiu تقديم تقارير متعمقة للأعضاء الـVIP. كما شهدت منصات المعرفة المدفوعة الأخرى مثل Ximalaya FM وDouban وQingting FM وXiaomi Circle وQianliao و Lizhi Microclass، تطورا كبيرا.

الأشخاص الذين لديهم ثروة من المعارف والخبرات في مجالات محددة هم الأكثر استفادة من الدفع مقابل المعرفة. يمكن لأصحاب الكفاءة وذوي الخبرة جني الأرباح والاستفادة من هذه المنصات المنتشرة على الإنترنت ومنهم، كبار المديرين في الشركات الكبيرة المتعددة الجنسيات مثل غوغل، والمتميزون في المجالات المالية الذين يحملون أفضل الشهادات الجامعية والأطباء النفسيون المعروفون. لكن هذه الفرص يمكن أن تخدم أيضا شرائح مختلفة من المجتمع؛ ومنهم مثلا نادل مقهى محترف، أو فتاة تسافر حول العالم، أو مدرب رياضة بدنية، أو طالب اجتاز امتحان القبول للدراسات العليا، كل منهم يمكنه أن يفتح موقع "الأستاذ الحي" على الإنترنت، بعد تسجيل اسمه وتتحقق منه هذه المواقع. المثير أن المشاركة الصوتية لمدة مائة دقيقة في هذه المنصات تكلف المستخدم 9ر19 يوانا، وقد ينضم آلاف المستخدمين إلى الدورة الدراسية الواحدة، وبذلك يحقق أصحاب المعرفة والعلم والخبرة دخلا وربحا مميزا.

حسب تقرير حول تنمية الاقتصاد التشاركي بالصين لعام 2017، أعده مركز المعلومات الوطني، بلغ حجم معاملات سوق المعرفة في الصين حوالي 61 مليار يوان، بزيادة بلغت نسبتها 205٪ عن عام 2016؛ وبلغ عدد من يدفعون من أجل المعرفة 300 مليون شخص، أي حوالي نصف مستخدمي الإنترنت في الصين. وحسب التقرير، يمثل الذكور غالبية المستخدمين، بنسبة 60% تقريبا؛ ويشكل ممن تتراوح أعمارهم بين 25 و35 عاما، 3ر59%، ويمثل خريجو الجامعات 63%، في حين أن 9ر53% من الذين يدفعون مقابل المعرفة تتراوح دخولهم بين ثلاثة آلاف وثمانية آلاف يوان، ومعظمهم من الموظفين وصغار الإداريين.

تجدر الإشارة إلى أبناء المدن المتطورة نسبيا يمثلون 63٪ من مستخدمي المنصات الإلكترونية، فمن بين المستخدمين، 47٪ منهم من مدن الدرجة الأولى مثل بكين وشانغهاي، و26٪ منهم من مدن الدرجة الثانية مثل داليان وشيامن.

تقليديا، كان نشر محتويات المعارف الرائعة مقتصرا على النخبة الاجتماعية وفي نطاق ضيق، ولكن مع ظهور الإنترنت والتسويق عبر الإنترنت، تغير الأمر وضاقت الفجوة المعرفية بين أفراد المجتمع. قال لوه تشن يوي إن أفراد فريق عمله كانوا في الماضي عندما يبيعون الكتب عبر الإنترنت، يشعرون بفخر أكبر عندما يرون طلب شراء من شخص عادي يعيش في مكان بسيط أو مدينة فقيرة، من ذلك أن قرويا من مقاطعة قويتشو طلب شراء نسخة من كتاب حول الاقتصاد العام.

قال لوه: "لولا إصداراتنا، ما كان لهذا القروي أن يعرف ما هو الاقتصاد. من خلال عملي، يبدو كما لو أنني وقفت عند بوابة الاقتصاد، وأظهرت له الصورة والفكرة التي لامست مخيلته وأثارت اهتمامه، فأراد معرفة المزيد عن الاقتصاد. قد لا يقرأ الكتاب كله، وربما بعض الكلمات في الكتاب لا تعني له شيئا، ولكن بهذه الطريقة ربما أصبحت حياته أكثر إشراقا. هذا الشعور بالإنجاز هو ما يدفعنا إلى الأمام."

من الواضح أن قدرة التسويق على الإنترنت وتأثيرها الذي لا يقاوم على الناس في جميع مناحي الحياة، تقدم إمكانيات عديدة في تقاسم المعرفة.

في يونيو 2016، قامت إذاعة "Ximalaya FM" الشهيرة بفتح تطبيق قناة الدفع. في ديسمبر 2017، نظم موقع "Ximalaya FM" مهرجان "كرنفال المعرفة 123"، الذي جذب ثمانمائة وخمسين شخصا من مشاهير الإنترنت وأكثر من ألفي دورة صوتية مدفوعة لمشاركته. كان هذا الحدث بمثابة مهرجان التسوق "11/11"، لموقع تاوباو، وأثبت أنه إستراتيجية تسويقية رائعة عززت منصة المعرفة المدفوعة. في ذلك اليوم وحده، بلغت المبيعات أكثر من خمسين مليون يوان.

على الرغم من التسويق الناجح، لكن ليس من السهل إقناع الناس بالدفع في ظل توفر العديد من المصادر والمعروضات المجانية على الإنترنت. نظرا لبيئة الإنترنت المريحة والحرة والمفتوحة، يجب التفكير جديا في الدافع الذي يجعل الفرد مستعدا لدفع ثمن شيء غير ممتع.

لا قلق على تحصيل المعرفة

خلال التحول الاجتماعي، تجعل التنمية الاقتصادية السريعة والكم الهائل من المعلومات الجديدة الناس متلهفين لمعرفة المزيد عن العالم من حولهم. وهذا يخلق مسارا مباشرا للمعرفة المدفوعة عبر الإنترنت. والأكثر من ذلك، ليس كل المعلومات المتوفرة بحرية على الإنترنت مطلوبة، مما يجعل اختيار المعلومات مهما للغاية. يفضل الناس الدفع للحصول على ما يريدونه ويحتاجونه بالضبط. بالمقارنة مع الرسوم الدراسية الباهظة وتكاليف النقل وقيود الوقت، يعد اكتساب المعرفة عبر الإنترنت أكثر كفاءة وسهولة. تكلفة هذه الدورات التشاركية عبر الإنترنت تعادل تكلفة شرب بضعة فناجين من القهوة، إضافة إلى أن أسلوب التعلم أكثر متعة وإثارة للاهتمام من الأساليب التقليدية. باستخدام الإنترنت كمنصة، يمكن للأشخاص البدء في التعلم أو التوقف عنه في أي وقت، مما يتيح لهم تدبير أوقاتهم كما يشاءون.

الدفع من أجل المعرفة جذاب بشكل خاص لمن يدخلون سوق العمل لأول مرة. فالتعليم المدرسي التقليدي نادرا ما يعلمهم كيفية التعامل مع ضغوط العمل وضغوط الحياة الشخصية، وعادة ما يكونون في حاجة ماسة إلى مشورة المتخصصين. هذا هو السبب في أن الدورات العملية مثل إدارة الأعمال والاستثمار وعلم النفس والمسيرة المهنية ورعاية الوالدين ونمط الحياة، شائعة ومنتشرة على نطاق واسع. ترتبط هذه الدورات التشاركية ارتباطا وثيقا بالحياة الاقتصادية والاجتماعية، ويعتقد الناس أن مثل هذه الدورات ذات الأسعار المعقولة، يمكن أن تحسن قاعدة معارفهم، وبناء قدراتهم التنافسية. هناك سبب آخر لنجاح الدورات التدريبية عبر الإنترنت يكمن في الاحترام المتزايد لحقوق النشر. ومن الملاحظ اختفاء ألبومات الموسيقى والفيديوهات المقرصنة في الغالب في ظل اللوائح الحكومية الصارمة، وبدأ الناس يعتادون على فكرة دفع ثمن المنتجات المصرح بها. وعلاوة على ذلك، فإن الدفع الإلكتروني عبر التطبيقات مثل "ويتشات" و"آليباي" جعل الدفع مقابل المنتجات عبر الإنترنت أمرا يسيرا ومناسبا للغاية. في ديسمبر 2017، أصدرت مؤسسة ييقوان لتحليل البيانات، "الكتاب الأبيض لصناعة المعرفة المدفوعة في الصين" الذي يشير إلى أن رأي الناس تجاه "المحتوى" و"المعرفة" آخذ في التغير. الآن يفضل  الناس دفع ثمن المنتجات أو الخدمات الأفضل. ويفضل مستخدمو المعلومات أيضا البحث عما يريدون بدلا من مجرد تصفح الإنترنت دون هدف.

التقدم والتحديات

على الرغم من شعبية وشهرة هذا التطبيق، فإن المعرفة المدفوعة على الإنترنت تواجه تحديات. هناك مستخدمون يقولون إنهم دفعوا مبالغ كبيرة لهذا التطبيق سنويا، لكن دون الاستفادة منه بشكل كبير. وتأتي الكثير من الشكاوى حول طريقة التعلم هذه بأنها مجزأة ونفعية ومفرطة في التسلية. تكشف هذه الشكاوى أن هذه الطريقة يجب أن تجد الوسيلة المناسبة لضمان جودة المحتويات.

أساليب التعليم في نظام المعرفة المدفوعة تشمل المحاضرات وبرامج الفيديو أو السمعية المدفوعة حول بعض الموضوعات، والخبرات التشاركية المدفوعة والأسئلة والأجوبة، والقراءة السريعة لملخصات الأعمال الكلاسيكية.

بالنسبة للدورات المدفوعة، فإن قدرة المشارك وتفانيه تقرر الجودة، في حين أن القراءة السريعة للملخصات تعكس تلهف المتعلم للنجاح السريع والاستفادة العاجلة. من خلال شراء المعرفة عبر الإنترنت، يمكن للناس التركيز على ملخص من خمسة آلاف كلمة بدلا من الكتاب الأصلي الذي يتكون من مائتي ألف كلمة، مما يساعد على استيعاب العديد من الكتب في وقت قصير. رغم أن هذه الطريقة متوفرة ومريحة وفعالة، فإن نسبة كبيرة من هذا النوع من التعلم يتعرض للتجزئة والفشل. وهذا يشكل مفارقة: حيث يدفع الناس عبر الإنترنت من أجل الحد من قلقهم بشأن العجز وقلة المعلومات في بعض المعارف والعلوم، مقابل الحصول على بعض المنهجيات والأفكار التي قد تربكهم. قال الباحث يانغ تشاو: "أعتقد أن معظم القلق غير ضروري. ليس من المفترض أن يعرف الناس مقدار المعرفة التي يحتاجونها. المطلوب فعلا هو معرفة أي نوع من الحياة يريدونها، وكيف يعيشون مثل هذه الحياة." يتم تقاسم وجهات نظره هذه من قبل الكثيرين.

قال يانغ تشاو إن القراءة في حد ذاتها عملية ممتعة، وفي اكتساب المعرفة  لا ينبغي أن يكون الناس نفعيين: لا تسأل فقط "لماذا أقرأ" و"ما فائدة القراءة". عملية القراءة أكثر من ذلك، تعطيك القدرة على تطوير نمط حياتك.

وفقا للسيد يانغ، يجب على الناس التفكير في كيفية "تحويل المعلومات إلى معارف". فقط عندما يقضي الناس المزيد من الوقت للتفكير في الفهم الحقيقي يمكنهم تطوير نظم المعرفة الشخصية الخاصة بهم.

وحسب رأي يانغ، فإن الدفع لمنصات المعرفة يعد في جوهره وسيلة تشمل بالتأكيد أجزاء من المعلومات، التي لها تأثير متباين على مختلف الناس. وقال: "منصات المعرفة المدفوعة توسع أفق الناس، وتفتح جوانب جديدة من الحياة. على سبيل المثال، قد لا يعرف الكثيرون ما هي السيمفونية الغربية إذا لم يستخدموا هذه المنصات."

يعتقد ليانغ ون داو، أحد الباحثين المعروفين، أن هذه المنصات "تقوم بتفسير وتبسيط المعارف الصعبة للجماهير"، مما يمهد الطريق أمام المستخدمين لمعرفة المزيد وتوسيع مداركهم.

ربما تمر المعرفة المدفوعة بمرحلة تطور. فبعد أن يحقق الناس احتياجاتهم العملية مثل اجتياز الامتحانات أو العثور على وظيفة، سيتحولون إلى الحصول على المعرفة من أجل الوفرة والمتعة الروحية. في هذه الحالة، ستوفر شبكة الإنترنت بلا شك المزيد من الإمكانيات لتضييق فجوة المعرفة، وتوسيع الآفاق وإثراء الحياة الروحية للناس.

الآن، كل من المنصات والمستخدمين يكيفون أنفسهم، بحيث يمكن لمنصة المعرفة المدفوعة أن تتطور نحو خدمة أفضل، وتوفر المزيد من المحتويات المتنوعة ليكتشف الناس من خلال ذلك إمكانيات أكثر للحياة.

--

شي شيون، إعلامي صيني كبير.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4