مجتمع < الرئيسية

البيت يكون حيث يطمئن القلب

: مشاركة
2018-09-03 12:46:00 الصين اليوم:Source بنغ شيون ون:Author

كيف يتأقلم العديد من المسنين الصينيين مع الحياة الجديدة، عندما يضطرون لمغادرة مسقط رأسهم والانتقال إلى المدن ليعيشوا مع أبنائهم حيث مكان إقامتهم وعملهم؟

في الصين، حيث لا تنتشر الحافلات المدرسية، وفي ظل انشغال الوالدين الشباب بالعمل، أصبحت رؤية الجد والجدة وهم يصطحبون أحفادهم الصغار من وإلى روضاتهم ومدارسهم يوميا مشهدا شائعا في كل مكان من المدن الصينية. نسمعهم يتحدثون بلهجات مناطقهم المختلفة، وهم يقفون أمام بوابات المدارس بانتظار خروج أحفادهم لمرافقتهم إلى المنزل، أو لحضور دروس خارج المنهج الدراسي في بعض الأحيان.

عندما يتوافد العديد من الشباب الصينيين الطموحين إلى المدن الكبرى للعمل وكسب المال والحصول على حياة أفضل، غالبا ما ينتقل معهم والداهم لتقديم المساعدة في تولي أمور الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال. وفقا لإحصاءات لجنة الصحة الوطنية، بلغ عدد المهاجرين في سياق هذا النوع من الهجرة حوالي 18 مليون شخص، وهو ما يمثل 2ر7% من إجمالي عدد المهاجرين البالغ 247 مليون نسمة. من بين هؤلاء حوالي 43% يهاجرون للقيام برعاية أولادهم وأحفادهم. لكن كيف يتكيف هؤلاء مع حياتهم الجديدة في أماكن إقامتهم الجديدة؟

"السكان غير المرئيين"

تشهد مدينة قوييانغ بمقاطعة قويتشو في جنوب غربي الصين تطورا سريعا. انتقلت السيدة تشن إلى قوييانغ من مدينة أخرى في المقاطعة قبل ثلاث سنوات بعد تقاعدها من عملها. ترافق تشن حفيدها للذهاب إلى روضة الأطفال والعودة إلى المنزل كل يوم، وتذهب إلى السوق لشراء المستلزمات المنزلية في الصباح الباكر، وتقوم بإعداد وجبات الفطور والعشاء للعائلة بأكملها. قالت: "أشعر بالتعب، ولكنني سعيدة في الوقت نفسه لتواجدي مع عائلتي ومشاهدة حفيدي يكبر يوما بعد يوم."

في المقابل، قالت السيدة ما، التي انتقلت للسكن في حي تشاويانغ في بكين، بأنها لا تشعر بالسعادة، فهي لا تتحدث باللغة الصينية السائدة (بوتونغهوا) ولا تستطيع القراءة والكتابة، الأمر الذي يجعلها تشعر بالغربة على الرغم من أن التجمع السكني الذي تقطن فيه مكتظ بآلاف السكان، فعائق اللغة يجعلهم جميعا غرباء بالنسبة لها، وهي نادرا ما تتحدث مع الجيران أو تتجول في الخارج، فليس لها أصدقاء غير ابنها وزوجته. أقرت السيدة ما بأن الأمر الوحيد الذي يجعلها تشعر بحاجتهم لها هو توليها رعاية حفيدتها البالغة من العمر ثمانية أشهر. تشعر السيدة ما بالفراغ عندما يرجع أولادها إلى المنزل من العمل. قالت: "هم يقضون معظم وقتهم في مشاهدة التلفزيون، أو قراءة الأخبار على هواتفهم المحمولة، أو اللعب مع طفلتهم، أو القيام بعمل إضافي في بعض الأحيان. بعد قضاء معظم وقتهم في العمل يشعرون بالتعب ولا يرغبون في الحديث، وأنا أتفهم ذلك."

يعاني هؤلاء المهاجرون المسنون غالبا من قلة الأصدقاء في أماكن إقامتهم الجديدة، والشعور بالوحدة والحنين إلى مسقط رأسهم وصعوبة التكيف مع حياتهم الجديدة في المدن. وحيث أنهم لا يتمتعون بالإقامة الدائمة المسجلة المحلية في أماكن الإقامة الجديدة، فهم غير مشمولين بالتأمين الطبي المحلي، مما يجعلهم يترددون في الذهاب إلى المستشفيات عندما يمرضون. كشف ((تقرير 2016-2017 عن تطور الحوكمة الاجتماعية في بكين)) أنه نظرا لاختلاف لهجاتهم وأسلوب حياتهم وعاداتهم عن السكان المحليين في المدن الجديدة، وكونهم بعيدين عن عائلاتهم الأوسع وأقاربهم وأصدقائهم، فإن العديد من كبار السن المهاجرين يشعرون بوجود جدار غير مرئي يحيل بينهم وبين التكيف مع البيئة الجديدة. وينتج عن هذا أن البعض منهم يفضلون عدم الخروج من المنزل، ويصبحون سكانا "غير مرئيين".

وقال مو قوانغ تسونغ، الأستاذ في معهد أبحاث السكان التابع لجامعة بكين: "العديد من المسنين المهاجرين هم في طور التكيف مع الحياة الحضرية، وهذا يشبه عملية التحول الحضري في المناطق المحيطة بالمدن." منذ انتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح، انتقل العديد من الناس واستقروا في مدن أكثر تطورا، مما أدى إلى ازدياد عدد كبار السن من المهاجرين الذين يرغبون أو يكون عليهم الانتقال للسكن مع أبنائهم. إنها علامة لتطور عملية التحول الحضري في الصين، فضلا عن أنها تعد انعكاسا لعقلانية نموذج المعاش التقاعدي العائلي الصيني وواقع رعاية الجدين للأحفاد.

صعوبة التأقلم

قبل ثلاث سنوات، أجرت مياو يان مي، الأستاذة المساعدة بقسم الإدارة العامة في جامعة المدينة ببكين، دراسة استقصائية حول حياة المسنين المهاجرين في تجمع سكني في حي تشانغبينغ في بكين. أشار المسح الذي أجرته مياو إلى أن نصف هؤلاء المهاجرين المسنين يأتون من بلدات وقرى ريفية في مقاطعات ومدن أخرى، وأن حوالي 70% منهم ينتقلون إلى بكين مع أبنائهم لرعاية أحفادهم. وأشار هؤلاء إلى أنهم راضون عن وسائل المعيشة المريحة التي توفرها البنية التحتية المتطورة في العاصمة وأن تواجدهم مع أبنائهم وأحفادهم يجعلهم يشعرون بالسعادة، إلا أنهم أشاروا إلى إحساسهم بعدم الارتياح تجاه البيئة المناخية الجديدة، واختلاف اللهجات وأسلوب الحياة، والعوائق التي تحول دون تمكنهم من تكوين صداقات جديدة في بيئة جديدة في هذه السن المتقدمة.

من وجهة نظر مياو، تعد عدم القدرة على التواصل الاجتماعي سببا هاما لشعور المهاجرين المسنين بالحنين والاشتياق إلى مسقط رأسهم. اشتكت إحدى المسنات من أن سكان المدن يقضون عادة أوقاتهم في منازلهم خلف أبوابهم المغلقة، بخلاف الناس في منطقتها الذين يزورون بعضهم البعض دائما.

لعل العبارة الشهيرة للكاتب الروسي ليو تولستوي التي تقول إن "العائلات السعيدة كلها متشابهة؛ أما العائلات التعيسة فلكل منها مصائب خاصة بها."، تصف تماما حالة كبار السن المهاجرين. تعتبر مشاركة المسنين والشباب العيش معا وسيلة فعالة لدمج موارد الأسرة وللاستجابة للتحديات المزدوجة في رعاية كل من كبار السن والأبناء. إلا أن اضطرار كبار السن لمغادرة مسقط رأسهم والتكيف مع حياة جديدة يسبب أحيانا احتكاكات بين أفراد الأسرة.

الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أنه بسبب الصعوبة التي يواجهها كبار السن في تكوين صداقات جديدة والتكيف مع البيئة الجديدة، قد ينتهي بهم الحال إلى المعاناة من بعض الاضطرابات الذهنية أو النفسية مثل الاكتئاب. أظهرت الإحصائيات أن المهاجرين من كبار السن يشكلون النسبة الأعلى ضمن فئة المسنين الذين يعانون من الاكتئاب.

إحدى السيدات اللواتي قابلتهن مياو امرأة مسنة من مدينة تانغشان بمقاطعة خبي، وهي تعاني من اضطرابات حادة تتعلق بصحتها العقلية. بعد أن انتقلت ابنتها الوحيدة إلى شقة قريبة من المدرسة الابتدائية التي يردس فيها حفيدها، بقيت هي وزوجها يعيشان بمفردهما في تجمعهما السكني، إلا أنه بعد أن توفي زوجها، شعرت بأنها أصبحت عبئا على ابنتها وبأنها مُهْمَلة.

بحسب البروفيسور مو، إن المخاطر التي قد يتعرض لها كبار السن الذين يغادرون مسقط رأسهم تتعلق في المقام الأول بضمان الشيخوخة والرعاية الصحية والتواصل الاجتماعي. حيث أنهم معتادون على طريقة تفكير معينة وأسلوب حياة محدد، ويعتمدون إلى حد كبير على التواصل مع المعارف في محيطهم المألوف، فهم معرضون للشعور بالعزلة وأن يساء فهمهم عند انتقالهم خارج بيئتهم المألوفة، مما يؤثر على نوعية حياتهم.

مساعدة المهاجرين المسنين على تحقيق السعادة

تكرس الأستاذة مياو جهدها لاستكشاف طرق لمساعدة كبار السن المهاجرين على إيجاد السعادة. وتبذل جهودا لتعزيز تواصل المهاجرين المسنين فيما بينهم ومع جيرانهم المسنين، وتعمل مع أخصائيين اجتماعيين في التجمعات السكنية لإطلاق سلسلة من الأنشطة لدمج كبار السن المهاجرين في بيئتهم الجديدة. تتضمن هذه الأنشطة، تنظيم محاضرات حول القانون والحفاظ على الصحة، بالإضافة إلى تنظيم مسابقات فنية وغنائية. إن المشاركة في هذه الأنشطة والتفاعل بشكل أكبر مع الجيران والعاملين الاجتماعيين تساعد المهاجرين المسنين على اكتساب الثقة للاندماج في الحياة الحضرية.

على سبيل المثال، كانت السيدة هان لا تطيق أسلوب الحياة الذي تتبعه زوجة ابنها التي تحب التسوق كثيرا، إلا أنه بعد الخضوع لجلسات التشاور مع خبراء نفسيين في مجموعة عمل الأستاذة مياو، أصبحت السيدة هان أكثر تفهما وتقبلا لنمط حياة ابنها وزوجته، وهما بالمقابل أصبحا يبديان المزيد من الاهتمام بمشاعر السيدة هان. كما شجعت الأستاذة مياو السيدة هان على المشاركة في أنشطة التجمع السكني لتكوين صداقات خاصة بها. الآن، لدى السيدة هان عديد من الأصدقاء في التجمع السكني الذي تقطن فيه، وقالت إنها تشعر بحال أفضل الآن، وتعتقد أن إقامتها على المدى الطويل أصبحت ممتعة أكثر.

قالت الأستاذة مياو في وصفها لمشاعر المهاجرين المسنين: "البيت يكون حيث يطمئن القلب". يساعد تعزيز الشعور بالطمأنينة والانتماء كبار السن المهاجرين على تحقيق الشعور بالطمأنينة والسعادة. يضطر العديد منهم للإقامة مع أبنائهم طول العمر، لذلك من الأفضل لهم التكيف مع البيئة الجديدة في أسرع وقت ممكن.

أشارت الأستاذة مياو إلى أن مساعدة المهاجرين المسنين على تحقيق السعادة تتطلب جهودا منسقة من قبل الأبناء والحكومة والمجتمع ككل. يجب على الأبناء أن يظهروا احتراما لكبار السن في المنزل والاعتناء بهم، في حين يجب إنشاء نظام رعاية لكبار السن يدمج بين الخدمات الطبية ورعاية المسنين.

يقول يوان تشي فا، مؤلف كتاب ((الشيخوخة السعيدة))، إن هناك عدة أمور تجلب السعادة لكبار السن المهاجرين وتمكنهم من الاستمتاع بحياتهم، منها تواجدهم مع الأبناء والأحفاد، وتكوين صداقات في التجمع السكني ومشاطرة لحظات السعادة والحزن معهم، بالإضافة إلى ممارسة التمارين الرياضية بانتظام والحفاظ على اللياقة البدنية والصحة الجيدة، والمواظبة على الاطلاع والقراءة بشكل يومي لإثراء وتطوير الذات، وتنمية وممارسة النشاطات كالغناء والرقص والرسم والخط والطهي.

أكد السيد يوان على ضرورة أن يتعامل الأبناء مع والديهم المسنين بنفس الطريقة التي يتعاملون بها مع أطفالهم وإيلائهم المزيد من الوقت والاهتمام والصحبة والتفهم. على الأبناء أن يقضوا وقتا أطول مع والديهم من خلال الدردشة معهم أو اصطحابهم للتسلية خارج المنزل. قال السيد يوان: "كبار السن يشعرون بسعادة أكبر عندما يقوم أبناؤهم بمرافقتهم لزيارة مسقط رأسهم خلال أيام العطلة."

 علاوة على ذلك، ينبغي للحكومة والمنظمات الاجتماعية تقديم خدمات اجتماعية أفضل. في حي فانغشان ببكين، نظم اتحاد العاملين الاجتماعيين بالحي سلسلة من الأنشطة لمساعدة أكثر من 500 من المسنين المهاجرين على التكيف بشكل أفضل مع حياتهم الجديدة، مثل أنشطة تبادل خبرات الطهي وحفلات أعياد الميلاد ومسابقات الغناء. كما تعمل بعض مؤسسات رعاية المسنين مع العاملين الاجتماعيين لدعم تنظيم هذه الأنشطة.

ترى الأستاذة مياو أن الحكومة عليها أن تقيم نظاما متقدما للعناية بالمسنين على مستوى البلاد لإيلاء الاهتمام بهذه الفئة بشكل خاص. هذا يعني تغطية جوانب مختلفة، مثل مزايا الدعم الاجتماعي والتأمين الطبي. كما يجب إنشاء شبكة رعاية للمسنين في التجمعات السكنية. على سبيل المثال، يمكن إنشاء مراكز رعاية لكبار السن للتعامل مع احتياجات المسنين.

يرى البروفيسور مو أن توفير مزايا الدعم الاجتماعي للمهاجرين المسنين مثل السكان المحليين سيساعدهم على الاستقرار في المدن والشعور بالانتماء.

--

بنغ شون ون، مراسل الطبعة الخارجية لـصحيفة(( الشعب اليومية)).

 

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4