تقع مقاطعة قانسو في شمال غربي الصين، عند الروافد العليا للنهر الأصفر، النهر الأم للأمة الصينية، وعند ملتقى هضبة هوانغتو (هضبة اللوس) وهضبة تشينغتسانغ (تشينغهاي- شيتسانغ) وهضبة منغوليا الداخلية. يعيش في قانسو أبناء خمسة وخمسين أقلية قومية، وتتجمع فيها ثقافة الأسلاف وثقافة طريق الحرير وثقافة النهر الأصفر وثقافة سور الصين العظيم و"الثقافة الحمراء"، وغيرها من الثقافات المتعددة. تحتضن قانسو أيضا "جزءا ذهبيا" من طريق الحرير القديم يمتد لمسافة 1600 كيلومتر، فهي شاهدة على التبادل التجاري والثقافي بين مختلف الحضارات القديمة.
يقع متحف مقاطعة قانسو في مدينة لانتشو حاضرة المقاطعة، ويبلغ إجمالي مساحة العرض له 5ر28 ألف متر مربع، ويضم 18 قاعة عرض، وخمسة معارض دائمة. يحتضن المتحف أكثر من ثمانين ألف قطعة (مجموعة) أثرية تاريخية وعينات طبيعية، من بينها 16 كنزا وطنيا. من أبرز المعروضات حصان برونزي راكض (حصان يدوس على طائر محلق)، ولوحة دائرية الشكل مزخرفة بنقش النمر ومكتوبة بخط باسيبا، وطبق فضي مذهب للإمبراطورية البيزنطية، ومزهرية فخارية مزخرفة ذات فتحة على شكل رأس الإنسان.
الحصان البرونزي الراكض
يعود تاريخ الحصان البرونزي الراكض إلى فترة أسرة هان (206 ق.م- 220م)، ويعد من أبرز الآثار التاريخية في قانسو. يبلغ ارتفاعه 5ر34 سنتيمترا، وطوله 45 سنتيمترا، ووزنه 3ر7 كيلوغرامات. يتميز بالرشاقة والعضلات القوية، فمه وعيناه وأنفه جميعها مفتوحة، وثلاثة من أرجله الأربعة مرفوعة في الهواء، أما رجله الرابعة فتدوس على طائر محلق، كأن الطائر الذي حلق مسرعا كالشهاب يدير رأسه مندهشا في اللحظة التي مر فيها الحصان به، ما يظهر روح التقدم إلى الأمام بعواطف وتطلعات سامية. في عام 1983، اختارت الهيئة الوطنية للسياحة (وزارة الثقافة والسياحة الصينية حاليا) الحصان البرونزي الراكض رمزا رسميا للسياحة الصينية.
قال بان روي، مدير متحف مقاطعة قانسو: "كانت القطع الأثرية التي تحمل طابع الخيول شائعة في أسرة هان، لكن هذه هي القطعة الوحيدة التي تصور حصانا يدوس على طائر محلق، رمزا لسرعة الحصان الخارقة." والجدير بالملاحظة أن ثقل الحصان الراكض مرتكز بالكامل على الطائر المحلق، مستخدما ببراعة جسم الطائر والجناحين الممدودين للطائر لتوسيع مساحة تلامسه بالأرض وتثبيت مركز ثقله. وفي الوقت نفسه، هناك نوى حديدية في أرجل الحصان لتعزيز دعم ومتانة هيكله، مما ضمن ثباته وعدم وقوعه لآلاف السنين.
ترتفع قدما الحصان البرونزي الراكض على نفس الجانب في نفس الاتجاه. قال بان روي: "إن هذه الحالة من الخطى تشبه حركة ترويض الخيل في الفروسية الحديثة، ونادرا ما ترى في الخيول الراكضة." اكتشف الحصان البرونزي الراكض في عام 1969 في مقبرة ليتاي لأسرة هان بمدينة وووي في مقاطعة قانسو، الواقعة على طول ممر خشي. تعكس هذه الحالة من الخطى خصائص الخيول التي كانت تركض على طول ممر خشي، فعلى هذه الأرض الرملية غير المستوية، ساعدت طريقة ركض هذه الخيول على التخفيف من وعورة الطريق للمسافرين على طول طريق الحرير.
اللوحة الدائرية المكتوبة بخط باسيبا
تعد اللوحة الدائرية الشكل والمزخرفة بنقش النمر والمكتوبة بخط باسيبا لأسرة يوان (1271- 1368م)، من الكنوز الوطنية المعروضة بالمتحف. يطلق عليها الباحثون اسم "جواز السفر الدولي"، إذ لم تكن تتيح لحاملها السفر في جميع أنحاء البلاد فحسب، وإنما أيضا إلى خانات المغول الأربع الممتدة عبر أوراسيا أيضا. صُنعت اللوحة من سبيكة من الحديد والرصاص، ويبلغ ارتفاعها 18 سنتيمترا، وقطرها 7ر11 سنتيمترا، ووزنها 247 غراما. وكانت تستخدم كرمز من قبل الأمراء والنبلاء أو البلاط الإمبراطوري عند إرسال المبعوثين في المهمات العسكرية العاجلة.
اللوحة منقوشة من كلا الجانبين بنقوش بارزة بخط "باسيبا"، وهو اللغة الرسمية لأسرة يوان. أوضح لي لي، الباحث المساعد في متحف مقاطعة قانسو، أن خط "باسيبا" الموجود على اللوحة هو خط رسمي جديد أُنشئ ونفذ في عهد قوبلاي خان لأسرة يوان. كانت أراضي قوبلاي خان تمتد على مساحة شاسعة، وتضم قوميات متعددة، ونظاما معقدا من اللغات والخطوط، مما جعل إصدار القرارات الحكومية أمرا صعبا للغاية. ولذلك، احتاج قوبلاي خان بشدة إلى إعادة صياغة الخط المنغولي لاستخدامه في الوثائق واللوحات الرمزية الرسمية.
تشير الأبحاث إلى أن استخدام هذا الخط اقتصر على الوثائق واللوحات الرمزية الرسمية، بينما ظلت مقاطع الكتابة الصينية سائدة في المجتمع. لم يستخدم مسؤولو أسرة يوان خط باسيبا إلا لحوالي مائة وعشرة أعوام، واندثر نظام استخدام اللوحات الرمزية تدريجيا مع سقوط أسرة يوان. لم يجبر حكام أسرة يوان الناس على استخدام هذا الخط، بل احترموا التقاليد التاريخية والثقافية لمختلف المناطق والقوميات، وعززوا التعلم المتبادل والازدهار المشترك، مما ساهم إلى حد ما في تطور الصين كأمة موحدة متعددة القوميات.
الطبق الفضي المذهب للإمبراطورية البيزنطية
يعد الطبق الفضي المذهب للإمبراطورية البيزنطية، الذي يعود تاريخه إلى القرنين الرابع والخامس الميلاديين، قطعة أثرية ثمينة نقلت إلى الصين عبر طريق الحرير، ويعد دليلا ملموسا مهما على التبادل التجاري على طريق الحرير القديم. يتميز هذا الطبق الفضي بثلاث طبقات من الزخارف؛ الطبقة الخارجية منقوشة بزخارف كروم العنب والحيوانات، والطبقة الوسطى منقوشة بالأولمبيين الاثني عشر، في مركز الطبق الفضي نقش لديونيسوس، إله الخمر، ممتطيا وحشا. أما قاعدته فنقشت باللغة البخترية، التي قام بعض العلماء بفك شفراتها ووجدوا أنها تعني "قيمة الطبق تساوي أربعمائة وتسعين عملة ذهبية". وتتضمن سجلات ((كتاب وي))، وهو نص تاريخي صيني كلاسيكي، سجل زيارات البعثات من الإمبراطورية البيزنطية للصين في الفترة بين عام 551 وعام 554، لذلك يرجح أن هذا الطبق الفضي كان جزية.
يتميز الجزء الخارجي من هذا الطبق الفضي المذهب بنقوش كروم العنب، وهو نمط شائع في الفنون الصينية والغربية القديمة. في الأساطير اليونانية، اخترع ديونيسوس صناعة النبيذ ونشر تقنيات زراعة العنب في جميع أنحاء العالم، مما أكسبه لقب إله الخمر والمرح.
في القرن الرابع قبل الميلاد، بدأت حملات الإسكندر الأكبر إلى الشرق، فدخلت الثقافة اليونانية إلى آسيا الوسطى، جالبة معها تقنيات زراعة العنب وصناعة النبيذ وعبادة ديونيسوس. ثم انتقلت هذه التقنيات والعادات إلى الصين عبر طريق الحرير. وبحلول القرن الرابع الميلادي، انتشرت زراعة العنب على نطاق واسع في العديد من مناطق شينجيانغ. وبحلول فترة أسرتي سوي (581- 618م) وتانغ (618- 907م)، انتشرت تقنيات صناعة النبيذ أيضا في السهول الوسطى للصين. ويعد هذا الطبق الفضي أيضا شاهدا على انتشار الحرف اليدوية والزراعة عبر المناطق.
المزهرية الفخارية المزخرفة ذات الفتحة على شكل رأس الإنسان
اكتشفت المزهرية الفخارية المزخرفة ذات الفتحة على شكل رأس الإنسان في موقع داديوان بمقاطعة قانسو، وهي من أهم كنوز متحف مقاطعة قانسو. يبلغ ارتفاعها 8ر31 سنتيمترا، وقطرها 5ر4 سنتيمترات، وقطر قاعدتها 8ر6 سنتيمترات. تصور المزهرية امرأة قصيرة الشعر، وجهها هادئ وساكن، وتعد من أوائل الصور الفنية المبكرة لـ"أم النهر الأصفر". في عام 2013، أدرجت هذه القطعة الأثرية التاريخية ضمن الدفعة الثالثة من الآثار التاريخية المحظور إخراجها من البلاد.
المزهرية عبارة عن وعاء أسطواني طويل ذي طرفين مدببين، مزخرفة بمزيج من رسوم بتلات الزهور والأسماك، كما لو كانت فتاة ترتدي فستانا زهريا جميلا. هناك ثقبان صغيران في جهة الأذنين، يرجح أنهما كانا يستخدمان لتعليق حلي تشبه الأقراط، مما يشير إلى أن النساء في ذلك الوقت كن يدركن المفاهيم الجمالية ويسعين إلى الجمال.
أوضح لي يونغ بينغ، مدير قسم الأبحاث والباحث في متحف مقاطعة قانسو، أن الثقب الموجود فوق رأس المزهرية الفخارية كان يستخدم لإدخال وإخراج أشياء، من المحتمل أن تكون منتجات زراعية، مما يجعل هذه القطعة الأثرية التاريخية ذات فائدة عملية. الحضارة الصينية حضارة زراعية، والإنتاج الزراعي يتطلب جهدا بشريا، لذلك، يعكس الانتفاخ الموجود على بطن المزهرية، والذي يشبه بطن امرأة حامل، تبجيل القدماء للخصوبة ويعبر عن تطلع المجتمع البشري القديم إلى استمرار الحياة.
يعود تاريخ هذه المزهرية الفخارية إلى ما قبل نحو 5500 إلى 6000 عام، خلال فترة أواسط وأواخر ثقافة يانغشاو. خلال هذه الفترة، كانت الصين تعيش في مجتمع أمومي، حيث اعتمد الإنتاج الاجتماعي بشكل أساسي على المحاصيل التي تجمعها النساء. تعد الأعمال الفخارية المزخرفة لثقافة داديوان من أقدم الفخاريات الصينية المزخرفة المعروفة حتى الآن، وقد لعبت هذه القطعة الأثرية التاريخية، إلى جانب مثيلاتها الأخرى، دورا مهما في فهمنا لظروف الإنتاج والمعيشة في المجتمعات القديمة.
التعليم الاجتماعي
دائما ما ينظم متحف مقاطعة قانسو أنشطة التعليم الاجتماعي في المدارس الابتدائية والمتوسطة والجامعات، والجهات الحكومية أيضا، بغية تعزيز المعرفة بتاريخ وثقافة الصين. كما ينظم المتحف فعاليات ثقافية خاصة خلال يوم المتاحف العالمي في الثامن عشر من مايو من كل عام والأعياد الأخرى، كما يجري تعاونا بحثيا وتعليميا، وأنشطة للتراث الثقافي غير المادي والعادات الشعبية.
في عام 2025، أطلق متحف مقاطعة قانسو برنامجا ثقافيا غامرا خاصا للزوار الشباب، حيث اختار المشاركون "صناديق عمياء" تصور شخصيات مثل "تاجر من أسرة هان" و"موسيقي من أسرة تانغ"، وارتدوا ملابس الأسرة المختارة، ثم شاركوا في أنشطة تمثيلية وقرأوا النص المسرحي بناء على الشخصية التي اختاروها. تضمن النشاط ثلاث مهام رئيسية: في مهمة "أسرة هان- أجراس الجمال على طريق الحرير"، جمع الأطفال أجزاء خريطة المناطق الغربية وكتبوا تصاريح سفر على ألواح مصنوعة من الخيزران أو الخشب؛ في مهمة "أسرة تانغ- سوق دونهوانغ"، تعلم الأطفال كيفية التحية بأسلوب أسرة تانغ، ورسموا على الفخار، وعاشوا تجربة التجارة بين أبناء قومية هان والقوميات الأخرى في المناطق الغربية؛ في مهمة "أسرة مينغ- مشاهد رائعة"، حل الأطفال ألغازا جغرافية بالبحث عن الأختام للحصان البرونزي الراكض وغيره من الآثار التاريخية في المتحف. ومن خلال الألعاب التفاعلية، تعرف الأطفال على تاريخ وثقافة الصين.
