تقع مقاطعة خنان في قلب السهول الوسطى، مما جعلها موقعا مثاليا لإقامة العاصمة في الصين القديمة. وعلى مر التاريخ، أنشأت أكثر من عشرين أسرة عواصمها بها، من مدينة أرليتو أقدم عاصمة لأسرة شيا (القرن 21- 16 ق.م) إلى مدينة شانغتشيو العاصمة في أواخر أسرة جين (1115- 1234م)، الأمر الذي وضع الأساس لمكانة خنان الخاصة كمركز سياسي واقتصادي وثقافي في التاريخ الصيني لأكثر من ثلاثة آلاف عام.
بفضل الموارد الأثرية التاريخية المحلية الغنية، أنشأت مقاطعة خنان "متحف خنان" في مدينة تشنغتشو في عام 1927. تبلغ مساحة المتحف، وهو من أقدم المتاحف في الصين، 55 ألف متر مربع، ويضم حاليا أكثر من مائة وسبعين ألف قطعة (مجموعة) من الآثار التاريخية، وخاصة الآثار من عصور ما قبل التاريخ، والأواني البرونزية لأسرتي شانغ (القرن 16- 11 ق.م) وتشو (القرن 11- 256 ق.م)، والأواني الخزفية واليشمية والمنحوتات الحجرية من مختلف الأسرات. الآثار التاريخية الرائعة بالمتحف عديدة ومتنوعة وأنيقة وذات قيمة كبيرة، وجميعها تعد كنوزا ثقافية وفنية تشهد على مسار تطور الحضارة الصينية والتاريخ الصيني. ومن أبرز هذه القطع إبريق مربع مزخرف بشكل زهرة اللوتس وطائر الكركي، ومزمار جياهو العظمي، ومزهرية عنق الإوزة باللون الأزرق السماوي، والسيف الحديدي ذو المقبض اليشمي، واللوح الذهبي للإمبراطورة وو تسه تيان، وإبريق الخمر على شكل البومة للسيدة فو هاو، وإناء دولينغ المستطيل، وطاولة جين البرونزية المزخرفة برسوم السحب، وجدارية الآلهة الأربعة، وكلها تعرف باسم "كنوز المتحف التسعة".
يحتضن المتحف عددا من المعارض المفتوحة، ومنها المعرض الأساسي "نهضة عظيمة مع تأسيس العواصم في السهول الوسطى" والمعارض الخاصة مثل "خنان في أسرتي مينغ (1368- 1644م) وتشينغ (1644- 1911م)"، و"معرض فن المنحوتات الحجرية القديمة في السهول الوسطى"، و"فن البرونز في مملكة تشو في السهول الوسطى"، و"الحرف اليدوية الرائعة- معرض كنوز أسرتي مينغ وتشينغ"، و"السهول الوسطى المتميزة.. معرض ثقافة خنان الحمراء"، و"معرض الكنوز الوطنية الخاص". كما توجد فيه "قاعة تجربة التعليم الاجتماعي" و"قاعة هواشيا للموسيقى القديمة".
مزمار جياهو العظمي
صُنع مزمار جياهو العظمي منذ أكثر من ثمانية آلاف عام، ويُعد أقدم آلة نفخ موسيقية والأفضل حفظا بعد اكتشافها في الصين حتى الآن، ويُعرف باسم "المزمار الأول في الصين". وقد أدى اكتشافه إلى إعادة زمن وتاريخ أصل الموسيقى الصينية إلى وقت أبكر، وحدد نقطة بداية تاريخ الموسيقى الصينية.
عثر على مزمار جياهو العظمي في أطلال جياهو التي يعود تاريخها إلى العصر الحجري الحديث، في قرية جياهو بمحافظة وويانغ على الروافد العليا لنهر هوايخه في وسط مقاطعة خنان. المزمار مصنوع من قطع مفاصل أجنحة طائر الكركي مع حفر ثقوب في العظم الأجوف بدقة واحترافية كبيرة. ومن خلال تحليل رموز التقسيم المتساوية الموجودة على العظم، يمكننا أن نرى أن الصينيين القدماء أجروا حسابات دقيقة لطول وقطر المزمار العظمي والمسافة بين الفتحات الصوتية فيه. إنه آلة النفخ الأكثر اكتمالا وثراء والأعلى من حيث التفوق الموسيقي من نفس الفترة في العالم.
يبلغ طول هذا المزمار العظمي 1ر23 سنتيمترا ويحتوي على سبع فتحات صوتية. وقد حدد الخبراء أن هذه الآلة الموسيقية القديمة يمكنها عزف سلم موسيقي شبه كامل من سبع نغمات. يتميز المزمار العظمي بنغمات عذبة ورائعة وسلم موسيقي كامل. وأثبت اكتشافه أن الاعتقاد السائد بأن السلم الموسيقي ذا النغمات السبع نشأ في الغرب غير صحيح، إذ أظهر أن الصينيين القدماء كانوا على دراية به منذ أكثر من ثمانية آلاف عام وكانوا يمتلكون فهما متقدما للنظريات الموسيقية.
طاولة جين البرونزية المزخرفة برسوم السحب
تُعد طاولة جين البرونزية المزخرفة برسوم السحب من الآثار التاريخية لفترة الربيع والخريف (770- 476 ق.م). يبلغ طولها 131 سنتيمترا وعرضها 68 سنتيمترا وارتفاعها 28 سنتيمترا وتزن 95 كيلوغراما. تم اكتشافها في عام 1978 في مقبرة تشو رقم 2 في محافظة شيتشوان بالمقاطعة.
ظهرت طاولة جين البرونزية لأول مرة في أوائل أسرة تشو الغربية (القرن 11- 771 ق.م) واختفت بشكل أساسي بعد فترة الممالك المتحاربة (475- 221 ق.م)، وهي عبارة عن طاولة يستخدمها النبلاء لوضع أواني النبيذ أثناء تقديم القرابين والمآدب. تم نحت الجسم الرئيسي لهذه الطاولة البرونزية المزخرفة برسوم السحب المعقدة، وعلى الجزء العلوي منها 12 وحشا على شكل تنانين وفي الجزء السفلي 12 وحشا على شكل نمور، كما لو كان لعابها يسيل من لذة النبيذ الفاخر. يسلط التصميم الفريد والرسوم الرائعة الضوء على سحر أسلوب تشو الغامض والرومانسي.
سميت هذه الطاولة الجميلة بـ"جين" (أي الحظر والمنع في اللغة الصينية)، لأن النبلاء في أسرة شانغ كانوا مدمنين على النبيذ، ورأى ملك مملكة تشو أن سبب زوال أسرة شانغ هو الإفراط في احتساء النبيذ، ومن أجل المحافظة على حكمه، أصدر أول أمر بحظر احتساء النبيذ في الصين، حيث نص على أن الملوك والأمراء غير مسموح لهم بالشرب إلا أثناء تقديم القرابين، ومن يتجمع للشرب من عامة الشعب يحكم عليه بالقتل. لذلك سميت الطاولات التي توضع عليها أواني النبيذ باسم "جين" لتكون بمثابة تحذير بعدم الإفراط في شرب الخمر.
تم صب طاولة جين البرونزية المزخرفة برسوم السحب باستخدام طريقة الشمع المفقود، وهي إحدى تقنيات الصب الرئيسية الثلاث في الصين القديمة. وقد أثبت اكتشاف طاولة جين أن تقنيات صب الشمع المفقود في منطقة السهول الوسطى وصلت إلى مستوى متقدم للغاية في منتصف وأواخر فترة الربيع والخريف. ومع ذلك، فقدت تقنية الشمع المفقود منذ فترة طويلة، وكانت طاولة جين البرونزية في حالة سيئة للغاية عندما تم اكتشافها، ونظرا لعدم وجود حالات ترميم مماثلة يمكن الاستناد إليها، انخرط عمال ترميم الآثار التاريخية في متحف خنان في أعمال بحث شاقة في مجال الترميم، وبعد 26 خطوة ترميم، استغرقت عامين وأحد عشر شهرا، رممت طاولة جين البرونزية المزخرفة برسوم السحب المعقدة وأعيدت لحالتها الأصلية أخيرا.
اللوح الذهبي للإمبراطورة وو تسه تيان
في مايو عام 1982، عثر مزارع في محافظة دنغفنغ بمقاطعة خنان بالمصادفة على قطعة ذهبية لامعة في شق بقمة جيونجي في جبل سونغشان. وبعد المعاينة، تبين أنها أحد الألواح الذهبية للإمبراطورة وو تسه تيان، والتي تقدم لمحات عن الإمبراطورة في تاريخ الصين في سنواتها الأخيرة.
اللوح الذهبي عبارة عن قطعة أثرية تاريخية من أسرة تانغ (618- 907م)، يبلغ طوله 2ر36 سنتيمترا وعرضه ثمانية سنتيمترات ويزن 5ر223 غراما، محفور عليه 63 مقطعا من مقاطع الكتابة الصينية، مفادها أن الإمبراطورة وو تسه تيان العظيمة كانت تؤمن بالطاوية وتتمنى أن تكون شابة دائما وتتوق إلى الخلود، فأمرت مبعوثها هو تشاو بتسليم اللوح الذهبي إلى جبل سونغشان، للصلاة إلى آلهة الطاوية نيابة عنها، والتوسل إليهم أن يديموا عليها صحتها وبهائها. وكان التوقيع المدون على اللوح هو اليوم السابع من الشهر السابع من عام 700.
وو تسه تيان هي الإمبراطورة الوحيدة في تاريخ الصين، وعلى الرغم من أنها حكمت لأكثر من أربعين عاما، فإن الآثار التاريخية التي خلفتها هذه الشخصية التاريخية المهمة، باستثناء النقوش الحجرية المتناثرة، لا تزال مدفونة في قبرها المشترك مع الإمبراطور لي تشي لأسرة تانغ في ضريح تشيانلينغ في مقاطعة شنشي. لذلك فإن هذا اللوح الذهبي هو الأثر التاريخي المتحرك الوحيد الموجود حتى الآن والذي يرتبط بشكل مباشر بالإمبراطورة وو تسه تيان، كما يُعد مادة تاريخية قيمة لفهم ودراسة حياة وأعمال وو تسه تيان وفكرها في سنواتها الأخيرة.
فرقة هواشيا للموسيقى القديمة
اكتشفت العديد من القطع الأثرية للآلات الموسيقية من مختلف العصور التاريخية في خنان. لا تتميز هذه الآلات بشكلها الفريد فحسب، وإنما أيضا تتمتع بنطاقات صوتية ونغمات موسيقية قريبة جدا من الموسيقى الحديثة. من أجل جعل الجمهور يتمتع بتجربة المفاهيم الفنية الرائعة والغامضة لثقافة الموسيقى القديمة، أنشأ متحف خنان فرقة هواشيا للموسيقى القديمة في عام 2000. وتُعد هذه الفرقة مجموعة أداء احترافية تركز على إعادة إحياء الآثار الموسيقية القديمة، من خلال تقليد العشرات من الآلات الموسيقية الأكثر تمثيلا في السهول الوسطى القديمة، مثل الأجراس الموسيقية وطبول الفينيق والمزمار العظمي، والجمع بين نتائج البحوث الأثرية الموسيقية، لإعادة إحياء ثقافة الموسيقى التقليدية في السهول الوسطى من عصور ما قبل التاريخ إلى أسرتي مينغ وتشينغ.
منذ إنشائها في الأول من إبريل عام 2000، حظيت فرقة هواشيا للموسيقى القديمة في متحف خنان بشعبية كبيرة بين الجمهور، وتقدم عرضين ثابتين يوميا، أي أكثر من ستمائة عرض على مدار العام. وخلال العطلات الأسبوعية والأعياد، تكون قاعة الحفلات الموسيقية في الطابق الأول لقاعة العرض الرئيسية في متحف خنان مزدحمة دائما، حتى أنه يصعب الحصول على تذاكر لها في أغلب الأحيان.
في قاعة الحفلات الموسيقية، يوظف متحف خنان التقنيات الرقمية، مثل الإسقاط الهولوغرافي الثلاثي الأبعاد وشاشات الوسائط المتعددة LED، لعرض كمية كبيرة من البيانات الأثرية والتاريخية ونتائج الأبحاث بطريقة متعددة الأبعاد من خلال الوسائل العلمية والتكنولوجية، مما يتيح للجمهور تجربة الآثار التاريخية والمشاهد التاريخية من العصور المختلفة أثناء الاستمتاع بالعرض. علاوة على ذلك، تستخدم فرقة هواشيا للموسيقى القديمة أيضا التصوير والإنتاج الرقميين والوسائط المتعددة الجديدة عبر الإنترنت وغيرها من الوسائل التقنية، لنشر نتائج البحوث الأثرية والمعارض المحاكية الحالية رقميا، كما أنشأت "قاعة الموسيقى القديمة السحابية" لجعل "صوت الموسيقى القديمة الجديد" ينتشر على نطاق أوسع.