تأسس المتحف الوطني الصيني في بكين عام 1912، على مساحة إنشائية مائتي ألف متر مربع تقريبا، ويضم 48 قاعة عرض، وهو أكبر مجمع متاحف حديث شامل في العالم، ويُعد من أكثر المتاحف شعبية في الصين. يضم المتحف حاليا مجموعة مكونة من أكثر من 43ر1 مليون قطعة أثرية من مختلف الفئات، بما في ذلك الآثار التاريخية القديمة والأعمال الفنية الحديثة والمعاصرة. وتقام فيه ثلاثة معارض دائمة، وهي "الصين القديمة"، و"طريق النهضة"، و"طريق النهضة.. العصر الجديد"، والتي تبرز استمرارية وروعة الحضارة الصينية الممتدة لأكثر من خمسة آلاف عام. بالإضافة إلى ذلك، يستضيف المتحف حوالي خمسين معرضا مؤقتا ومتجولا كل عام.

من بين مقتنيات المتحف، أكثر من ستة آلاف قطعة (مجموعة) مصنفة كآثار تاريخية من الدرجة الأولى على المستوى الوطني، وأشهرها الجرة الفخارية المنقوشة برسم طير اللقلق والسمك والفأس الحجري، والإناء الفخاري على شكل النسر، والتنين اليشمي في ثقافة هونغشان من العصر الحجري الحديث، وإناء هوموو المستطيل والإناء البرونزي المربع المنقوش بأربعة كباش للقرابين من فترة أسرة شانغ (القرن 16- 11 ق.م)، والتمثال الخزفي لراوي قصص يقرع الطبل وملبس اليشم المحاك بخيوط من الذهب من فترة أسرة هان (206 ق.م- 220م)، والجمل الفخاري المزجج الثلاثي الألوان يحمل موسيقيين من فترة أسرة تانغ (618- 907م)، وتاج العنقاء للإمبراطورة شياو دوان من فترة أسرة مينغ (1368- 1644م).

معرض آثار قائم على التكنولوجيا

بالإضافة إلى المعارض التقليدية، يوظف المتحف الوطني الصيني حاليا التقنيات الحديثة لعرض مقتنياته التراثية للزوار. في الثلاثين من مايو 2023، افتتح المتحف الوطني الصيني أمام الجمهور معرض "العالم الرقمي للإناء على شكل وحيد القرن" المستوحى تصميمه من الإناء البرونزي على شكل وحيد القرن، المزخرف بنقوش ذهبية وفضية على شكل السحاب من فترة أسرة هان الغربية (206 ق.م- 24م)، والمعروض في المعرض الدائم للمتحف. يقدم المعرض الرقمي هذا الأثر التاريخي من زوايا مختلفة، بدءا من اكتشافه ووظائفه وخصائصه، وصولا إلى تقنيات الصب والزخرفة والتصميمات الجمالية، فضلا على تفاصيل هذا الأثر التاريخي وأحدث نتائج الأبحاث العلمية عنه، من خلال تقنيات رقمية.

قالت تشو شياو يون، الباحثة في المتحف الوطني الصيني ومخططة معرض "العالم الرقمي للإناء على شكل وحيد القرن"، إن هذا المعرض يُعد أول معرض ذكي في المتحف، ويستفيد بصورة مستفيضة من تقنيات متنوعة، مثل الإنترنت والبيانات الضخمة والحوسبة السحابية والتصوير الثلاثي الأبعاد والعالي الدقة والرصد البيئي والذكاء الاصطناعي والواقع المعزز. يقدم المعرض للزوار تجربة جديدة تماما من خلال دعوتهم إلى ما وراء الكواليس، لفهم التقنيات الذكية المستخدمة وأحدث النتائج البحثية للمتحف بشكل أفضل.

رواج المنتجات الثقافية والإبداعية

خلال السنوات الأخيرة، زادت شعبية المنتجات الثقافية والإبداعية للمتحف الوطني الصيني، إذ تلقى الهدايا التذكارية التي تُباع في متجر المتحف رواجا كبيرا بين الزوار. وعلى وجه الخصوص، ومنذ إطلاقها في عام 2024، تم بيع أكثر من مليون قطعة من مغناطيسات الثلاجة المصنوعة من الخشب والمعدن بإتقان، والمصممة على شكل تاج العنقاء للإمبراطورة شياو دوان من فترة أسرة مينغ، فهي المنتج الأكثر مبيعا في المتحف منذ ما يقرب من عقدين.

كما أثار هذا الشغف بالمغناطيسات رواجا واسعا لصور "السيلفي"، حيث استقطبت العديد من الزوار الذين ينتظرون في طوابير أمام التاج الأثري لالتقاط الصور مع المغناطيسات المصغرة وهذا الأثر التاريخي الأصلي. قال لياو في، نائب مدير قسم تطوير الأعمال في المتحف: "رواج المنتجات الثقافية والإبداعية يجتذب المزيد من الزوار لزيارة المتحف. آمل أن يولي الجميع، إلى جانب إعجابهم بالمنتجات الثقافية والإبداعية، اهتماما أيضا بالآثار التاريخية وتاريخها."

في مايو عام 2023، أطلق المتحف، بالتعاون مع جامعة الاتصالات الصينية، مسرحية بعنوان "الغناء الطروب في أوقات الرخاء"، مستوحاة من التمثال الخزفي لراوي قصص يقرع الطبل، الذي يعد من أبرز الآثار التاريخية في معرض "الصين القديمة" بالمتحف، وأعاد إحياء حياة الفنانين الشعبيين في فترة أسرة هان من خلال أشكال فنية متنوعة، مثل الدراما الحديثة والغناء والرقص والأوبرا التقليدية والشعر، إلى جانب الموسيقى الصينية التقليدية. وقد تألق راوي القصص، الذي يرتدي عمامة ويحتضن طبلا مسطحا بذراعه اليسرى ويحمل مطرقة الطبل بيده اليمنى، على مسرح المتحف، ليعيد إحياء التاريخ للجمهور في مسرح المتحف.

الأنشطة التعليمية

تشير الإحصائيات إلى أن مرشدي المتحف قدموا خدمات لحوالي ثلاثمائة وخمسين ألف زائر/ مرة في عام 2024. ولتلبية احتياجات عشاق التراث الثقافي والتاريخ الراغبين في معرفة أعمق من الشروح في الجولات الإرشادية التقليدية، يقدم المتحف برامج تعليمية أكثر تخصصا، تشمل محاضرات وجولات دراسية ومعسكرات حول الآثار التاريخية، تتيح فرصا لتجارب عملية أكثر.

خلال عام 2024، دعا المتحف خمسة وأربعين خبيرا من داخل المتحف وخارجه لحضور حوالي مائة فعالية ضمن "أسبوع المرشد الخبير" ركزت على خمسين موضوعا مرتبطا بمعارض المتحف. بالإضافة إلى ذلك، قدم المتحف خدمات تعليمية بشأن "الصين القديمة" أكثر من ألف مرة لأكثر من أربعين ألف طالب من المدارس الإعدادية والثانوية في بكين. قالت تشانغ جينغ ون، من المدرسة الإعدادية رقم 8 بحي شونيي في بكين والتي حضرت أحد الدروس التعليمية: "هذه أول زيارة لي لهذا المتحف. هنا، تمكنت من الاقتراب من الآثار التاريخية المعروضة في صور الكتب المدرسية، إنه أمر مثير حقا، شعرت كما لو أنني أتحدث مع آثار من الماضي البعيد".

على الرغم من أن المتاحف ثابتة، يمكن نشر مواردها التاريخية والثقافية الغنية في جميع أنحاء البلاد، بل والعالم. في العام الماضي، نظم المتحف أربعة عشر معرضا متجولا في إحدى عشرة مقاطعة وبلدية صينية وخارج البلاد، لعرض قصص الآثار التاريخية المثيرة أمام الجماهير من جميع أنحاء العالم. ووفقا لإحصاءات المتحف، كان أكثر من 60% من زوار المتحف دون سن الخامسة والثلاثين عاما في عام 2024، وهذا يظهر الاهتمام المتزايد من قبل الشباب بزيارة المتاحف للاطلاع على التراث الثقافي الغني للصين.

التبادلات الدولية

يحافظ المتحف الوطني الصيني على تبادل وتعاون وثيقين مع المتاحف والمؤسسات الثقافية حول العالم.

 في عام 2018، وبالتعاون مع سبعة عشر متحفا محليا وواحد وعشرين متحفا إيطاليا، نظم المتحف الوطني الصيني معرض "عناق الشرق والغرب.. من طريق الحرير إلى عصر النهضة". استعرض هذا المعرض قصص التبادلات الثقافية والفنية بين الصين وإيطاليا من القرن الثالث عشر إلى القرن السادس عشر، مظهرا تاريخ تكامل الثقافات المتنوعة وتعايشها معا، بما يسهم في البناء المشترك للحضارة الإنسانية.

في الفترة من العاشر من يوليو إلى التاسع من أكتوبر 2022، أُقيم معرض "أصل إيطاليا.. الحضارة الرومانية القديمة" في المتحف الوطني الصيني. حول هذه التجرية، قالت مخططة هذا المعرض بان تشينغ: "جاءت الآثار التاريخية من ستة وعشرين متحفا إيطاليا، وقمنا بجردها كلها عبر مكالمات الفيديو." ونظرا لفارق التوقيت بين الصين وإيطاليا، أكملت فرق العمل في كلا البلدين عملية التسليم عبر اجتماعات على الإنترنت من الساعة الثالثة عصرا حتى منتصف الليل بتوقيت بكين لمدة ثمانية أيام متتالية.

في إطار مشروعات التبادل الثقافي الرسمية التي أقيمت بمناسبة الذكرى السنوية الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وفرنسا، افتتح معرض "النهوض من الرماد.. معرض الواقع المعزز لكاتدرائية نوتردام في باريس" بالتعاون بين المتحف الوطني الصيني والمؤسسة العامة المسؤولة عن حفظ وترميم كاتدرائية نوتردام في باريس، في الثاني عشر من سبتمبر 2024. أعاد المعرض صورة العمارة الرائعة من خلال بناء "التوأم الرقمي" لكاتدرائية نوتردام في باريس باستخدام تقنية الواقع المعزز، كما كشف المعرض عن آخر التطورات في مشروع ترميم الكاتدرائية، بمشاركة خبراء من مختلف الدول، بما فيها الصين، في مجالات مختلفة.

احتفالا بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين للعلاقات الدبلوماسية بين الصين وروسيا، أقيم معرض "المأدبة الروسية.. كنوز الطعام من مجموعة متاحف الكرملين بموسكو" في المتحف الوطني الصيني في الحادي والعشرين من نوفمبر 2024. ضم المعرض 138 قطعة (مجموعة) رائعة من التحف الفنية، بما في ذلك متعلقات شخصية لقياصرة روسيا وهدايا دبلوماسية وأدوات مائدة كانت تستخدمها العائلة المالكة، وأواني فخمة مخصصة لمآدب البلاط والحكومة. قدم المعرض عرضا مبهرا لثقافة المطبخ الروسي بجوانبه المتنوعة، مثل المكونات وأدوات المطبخ وتقاليد الطهي، مما أتاح لمحة غنية عن التاريخ والفن والحياة اليومية في روسيا. وحول ذلك، قالت تشنغ يه الباحثة المساعدة في قسم الاتصالات الدولية بالمتحف الوطني الصيني ومخططة هذا المعرض: "بعض المعروضات لم تُعرض من قبل حتى في متاحف الكرملين، لذا كانت هذه فرصة نادرة حقا لرؤيتها".

يتمحور معرض "جوانب الجمال العديدة في الفن القديم" حول موضوع الجمال، من خلال عرض 279 قطعة (مجموعة) من الآثار التاريخية من متحف أثينا الوطني الأثري في اليونان، تشمل أواني الفخار والبرونز والذهب والفضة والزجاج واللوحات الجدارية وأعمال النحت. من الأدوات اليومية الفنية المبتكرة، ومستحضرات التجميل والملابس المصنوعة بإتقان، إلى أعمال النحت المذهلة التي تجسد شكل الإنسان، يسلط المعرض الضوء على سعي الإغريق القدماء الدائم وراء الجمال وابتكاراتهم المتعددة، من أواخر العصر الحجري الحديث إلى القرن الأول قبل الميلاد.