جياشينغ مدينة على مستوى الولاية تقع في شرقي مقاطعة تشجيانغ، مشهورة بازدهارها وثرائها منذ قديم الزمان. تحتضن المدينة بلدتي ووتشن وشيتانغ القديمتين اللتين تتميزان بالبيئة الهادئة، كما أنهما محفوظتان بشكل جيد، وتحظيان بشعبية كبيرة بين الزوار.
ووتشن
تقع ووتشن في شمالي مدينة تونغشيانغ التابعة لإدارة مدينة جياشينغ. هذه البلدة التي يرجع تاريخ إنشائها إلى عام 872، كانت مزدهرة تجاريا عبر التاريخ بفضل اتصالها بقناة بكين- هانغتشو الكبرى وهي الآن واحدة من أشهر البلدات الصينية القديمة.
النقل المائي هو وسيلة النقل الرئيسية في ووتشن، بفضل قنوات الماء المتشابكة فيها. وقد بات تجديف القوارب الخشبية، التي كانت تُستخدم في السابق كوسيلة مواصلات، متعة الزوار للانغماس في أجواء هذه البلدة المائية. هنا، يمكنك أن تختار قاربا وتقوم بجولة وسط مناظر البلدة، وأنت تستمع إلى الملاحين وهم يتحدثون عن حياة بلدتهم.
وإذا أردت فهم وتجربة الحياة اليومية لسكان ووتشن، فلا بد أن تشرب الشاي وتتناول المأكولات الخفيفة التقليدية في الصباح وتتنزه في الأسواق المائية. الشاي والمأكولات الخفيفة في الصباح جزء لا غنى عنه في حياة المحليين، فقد اعتادوا على تجديف القوارب الخشبية في الصباح الباكر والخروج لشرب الشاي وتناول المأكولات الخفيفة التقليدية، قبل الذهاب إلى السوق الصباحية لبيع وشراء الخضراوات التي يزرعونها والماشية التي يربونها في منازلهم للمساعدة في إعالة أسرهم، مما شكل تدريجيا سوقا مفعمة بالحيوية. حاليا، يمكن للزوار أيضا مشاركة المحليين وتجربة متعة حياة سكان البلدة المائية في منطقة جنوبي نهر اليانغتسي.
يعج دكان شيويتشانغ لصلصلة فول الصويا في ووتشن بالزوار كل يوم. هذه الصلصة التي تصنع وتباع فيه مالحة وحلوة وحارة، وكانت من بين الجزية التي تقدم للبلاط الإمبراطوري في فترة أسرة تشينغ (1644- 1911م). افتتح هذا الدكان في عام 1859، أي العام التاسع من فترة حكم الإمبراطور شيان فنغ لأسرة تشينغ، وهو أقدم دكان للصلصة في ووتشن. أمام الدكان متاجر وخلفه ورشة، حيث يمكن للزوار الآن شراء مختلف منتجات الصلصة المخمرة والمعدة بالطرق التقليدية، كما أن ساحة التجفيف بالشمس خلف المتاجر مفتوحة أيضا للزوار. تبلغ مساحة ساحة التجفيف حوالي 360 مترا مربعا، وبها حوالي 200 جرة مختلفة الأحجام للصلصة، وتخمر صلصة فول الصويا المصنوعة يدويا بشكل طبيعي تحت أشعة الشمس لمدة تصل لنصف عام تقريبا.
في ورشة تساوموبنسه لصباغة القماش، يمكن للزوار التعرف على عملية "تشاران" التقليدية (صباغة الأقمشة المربوطة باللون الأزرق) في ووتشن، كما يمكنهم تجربة متعة الصباغة بأنفسهم. ترفرف صفوف الأقمشة المصبوغة المعلقة في ساحة التجفيف الكبيرة بأشعة الشمس لورشة الصباغة مع النسيم، وهي مكان شهير لالتقاط الصور. وبالإضافة إلى ورشة الصباغة، هناك العديد من متاجر المشغولات اليدوية التقليدية، مثل المشغولات الخيزرانية وحل شرانق الحرير وصنع الأحذية في المنطقة السياحية، والتي تعرض مظاهر الحياة المختلفة في البلدة القديمة.
تشجيانغ ذات تاريخ ثقافي عريق، وتُعد أكاديمية تشاو مينغ التقليدية للعلوم وبيت ماو دون السابق ومتحف مو شين للفنون من أشهر المعالم في ووتشن.
أخذت أكاديمية تشاو مينغ التقليدية للعلوم اسمها من مؤسسها شياو تونغ، الذي كان ولي العهد في أسرة ليانغ (502- 557م) وأطلق عليه اسم تشاو مينغ بعد وفاته. أنشأ شياو تونغ دارا للدراسة في ووتشن، ويُعد كتاب ((المؤلفات المختارة)) الذي حرره وجمعه أول كتاب لمختارات الشعر والنثر في الصين. والآن عند المدخل الرئيسي للأكاديمية نصب حجري يعود تاريخه إلى فترة حكم الإمبراطور وان لي لأسرة مينغ (1368- 1644م). المكتبة هي البناية الرئيسية للأكاديمية، وعلى الطاولات في الممر المجاور للمكتبة، توجد فرش الكتابة والأحبار والورق والمحابر الحجرية، لكي يستخدمها الزوار في الكتابة والرسم إذا أرادوا.
الأديب الصيني المشهور ماو دون من أبناء ووتشن، فقد ولد وترعرع فيها، ولا يزال بيته السابق محفوظا بشكل جيد، وهو من الوحدات الرئيسية لحفظ الآثار التاريخية على المستوى الوطني. بُني هذا البيت في منتصف القرن التاسع عشر، وتبلغ مساحته الإجمالية حوالي خمسمائة متر مربع، ووُلد ماو دون فيه في يوليو عام 1896. هنا، يمكن للزوار العودة بالزمن وتتبع آثار أقدام عملاق الأدب وتجربة مشاعره والتمتع بأعماله.
مو شين، رسام وشاعر من أبناء ووتشن. وتخليدا لذكرى هذا الفنان، تم بناء متحف للفنون للتعريف بقصة حياته الرائعة وعرض أعماله الأدبية والفنية. يتباين المظهر البسيط والحديث لهذا المتحف بصورة حادة مع الملامح العامة للبلدة القديمة. هذا الشعور بالتباين يأخذ الزوار إلى العالم الحديث ومعايشة تجربة فريدة من نوعها.
في كل عيد تقليدي، تقيم ووتشن سلسلة من الفعاليات الاحتفالية. فعلى سبيل المثال، خلال عيد الربيع، تكون السوق المائية وعروض عيد الربيع المائية والبرية وفوانيس البلدة المائية وغيرها من الأنشطة مفعمة بالحيوية، مما يشعر الزوار بالأجواء الكثيفة للسنة الجديدة. وخلال عيد قوارب التنين، تجلب أنشطة عرض قوارب التنين المزخرفة بالفوانيس وسوق تسونغتسي (الأرز اللزج الملفوف في أوراق الخيزران والقصب)، تجربة جديدة فريدة للزوار إلى جانب دوره في حفظ الثقافة التقليدية.
شيتانغ القديمة
شيتانغ بلدة قديمة أخرى في مدينة جياشينغ، تشتهر بأنها البلدة القديمة الحية، فعمرها ألف عام. وهي منطقة سياحية بدرجة 5A على المستوى الوطني. وتشتهر شيتانغ، التي يرجع تاريخها إلى فترة أسرة تانغ (618- 907م)، بالجسور والأزقة والممرات ذات الأسقف، وأنهارها الكثيرة وبيئتها الهادئة والجميلة، فضلا عن أن جميع بيوتها تطل على المياه.
منذ فترة أسرة سونغ (960- 1279م)، شُيد في شيتانغ 11 جسرا، من بينها جسر ووفو وجسر يونغنينغ. وفي فترة أسرة تشينغ، تم بناء جسر وهلونغ وجسر لايفنغ. معظم هذه الجسور القديمة عبارة عن جسور ذات عوارض خشبية أحادية الفتحة أو ثلاثية الفتحات ذات أعمدة حجرية، وهي محفوظة بشكل كامل حتى يومنا هذا. جسر هوانشيو وجسر لايفنغ هما الأكثر شهرة. يربط جسر هوانشيو بين ممر يانيوي (الضباب والمطر) والشارع الغربي الصاخب، ويتيح موقعه المرتفع نسبيا إمكانية الإطلال على البلدة المائية من مسافة بعيدة، وهو منظر جميل فريد من نوعه، لذلك يتوقف كثير من الناس هنا لالتقاط الصور على الجسر. أما جسر لايفنغ، فيتمتع بشكل فريد، فعرض الجسر عشرة أمتار، ويقسم جدار قصير ذو تصميم زخرفي مجوف في المنتصف الجسر إلى جانبين، أحدهما سلم والآخر منحدر، ويمكن للمشاة السير على كلا الجانبين.
يُعد ممر يانيوي، الذي يبلغ طوله ألفي متر، أكثر الملامح المميزة للبنايات في شيتانغ. معظم الشوارع في شيتانغ مغطاة بأسقف مصنوعة من القرميد ولها أطر خشبية، ويتراوح عرضها من مترين إلى مترين ونصف متر، وهي تقي المارة من الشمس والمطر. على طول جانبه المجاور للنهر، بضعة مقاعد ذات مساند ظهر ليستريح عليها الناس ويستمتعوا بالمناظر الطبيعية بجانب المياه بهدوء.
الأزقة الطويلة بين البيوت الواسعة من المناظر المميزة الأخرى لبلدة شيتانغ القديمة، ويعيش فيها ما بين عشرين إلى ثلاثين عائلة. من بينها، زقاق شيبي الذي يُعد أعمق وأضيق وأطول زقاق في البلدة القديمة بأكملها. يبلغ عرضه مترا واحدا فقط، وأضيق نقطة فيه عرضها ثمانون سنتيمترا فقط، وهو فريد للغاية وأصبح مقصدا سياحيا رائجا.
تبلغ مساحة البنايات التي يرجع تاريخها إلى فترة أسرتي مينغ وتشينغ في شيتانغ حوالي مائتين وخمسين ألف متر مربع، من بينها حديقة تسوييوان والحديقة الغربية ودار عائلة وانغ ودار عائلة ني المحفوظة بشكل جيد، وهي مفتوحة أمام الزوار.
تم بناء حديقة تسوييوان لأول مرة في فترة أسرة مينغ، وهي قاعة جانبية لدار عائلة وانغ التي كانت تتمتع بسمعة طيبة في شيتانغ. لا يزال فيها أربعة صفوف من الغرف حتى الآن، وفي فناء الدار جسر تسوييان الذي يتسع لمرور شخص واحد فقط. تبرز دار عائلة وانغ أسلوب بناء البيوت النموذجي لفترة أسرتي مينغ وتشينغ، وهو مكون من سبعة صفوف من الغرف وفناء خلفي. أما الحديقة الغربية فهي مسكن خاص لأسرة مينغ، داخلها أجنحة ومقصورات وجبال اصطناعية وبرك أسماك. كانت أجمل دار في البلدة في ذلك الوقت. ويرجع تاريخ دار عائلة ني إلى فترة جمهورية الصين (1912- 1949م)، وبها خمسة صفوف من الغرف وممر مسقوف وحديقة خلفية. هذه الدار تعود إلى عائلة محبة للعلم، وكانت تقام فيها صالونات خلال فترة جمهورية الصين.
في متحف الأزرار، يمكن للزوار أيضا التعرف على التاريخ الطويل لثقافة صناعة الأزرار في شيتانغ. شيتانغ هي مهد الأزرار في الصين، ويمثل حجم إنتاجها من الأزرار حاليا 50% من الحجم الإجمالي الوطني. يجمع متحف الأزرار أكثر من ألف زر من مختلف الأشكال والأنواع من فترة أسرة هان (206 ق.م- 220م) إلى العصر الحديث، وفي المتحف حرفيون متخصصون يقدمون عروضا حية في الموقع لعملية إنتاج الأزرار المصنوعة من الصدف.
حاليا، حوّل العديد من سكان البلدة القديمة منازلهم القديمة إلى أنزال لاستقبال الزوار، حتى أن بعض الزوار الذين يترددون عليها كثيرا صاروا أصدقاء لأصحاب الأنزال، ويأتون كل عام للإقامة في ووتشن لفترة من الوقت، والتمتع بالحياة الهادئة في البلدة.