يقع جبل تايشان في وسط مقاطعة شاندونغ، ويمتد لأكثر من مائتي كيلومتر من الشرق إلى الغرب وخمسين كيلومترا من الشمال إلى الجنوب، وتبلغ مساحته الإجمالية حوالي 426 كيلومترا مربعا ويبلغ أقصى ارتفاع له 1545 مترا عن سطح البحر. في التاريخ القديم، اعتقد الصينيون القدماء أن السماء والأرض تدعمهما خمسة جبال، وقد كرم الناس هذه الجبال الخمسة باسم وويويه (الجبال الشامخة الخمسة)، ومن بينها جبل تايشان الذي يخترق عنان السماء ويرمز إلى الأمة الصينية. يقع جبل تايشان في أقصى الطرف الشرقي من أرض شاسعة، وهو أول ما يستقبل أشعة الشمس في الصباح الباكر، ويؤمن الناس أن الحياة بدأت من هنا، لذلك يعتبرون جبل تايشان أعظم الجبال الخمسة.
منذ زمن الإمبراطورين ياو وشون في التاريخ القديم، إلى الإمبراطور تشين شي هوانغ لأسرة تشين (221- 207 ق.م)، والإمبراطور وو دي (ليو تشه)، الداهية البعيد النظر لأسرة هان (206 ق.م- 220م)، وأول إمبراطورة صينية وو تسه تيان لأسرة تانغ (618- 907م)، ثم إلى الإمبراطورين كانغ شي وتشيان لونغ لأسرة تشينغ (1644- 1911م)، ظل جبل تايشان مكانا لتقديم الأباطرة القرابين للسماء والأرض، كما أن تاريخ جبل تايشان البشري الطويل ومناظره الطبيعية الرائعة جعلته أول مكان لكل من التراث الثقافي والتراث الطبيعي في العالم، وحديقة جيولوجية عالمية، وحديقة غابات وطنية، وموقع جذب سياحي بدرجة
معبد دايمياو
يقع معبد دايمياو عند سفح جبل تايشان، وهو مخصص لتقديم القرابين لـ"آلهة جبل تايشان الشرقي"، وهو المكان الرئيسي الذي كان الأباطرة من مختلف الأسرات الصينية يقدمون فيه القرابين لآلهة الجبل. المعبد بأكمله مستطيل الشكل ويغطي مساحة 96000 متر مربع. وله تاريخ طويل، فقد جاء في السجلات التاريخية لأسرة هان الغربية (206 ق.م- 24م) أن "هذا المكان أصبح المكان الذي يقدم فيه الأباطرة القرابين للسماء والأرض منذ فترة أسرتي تشين وهان". بعد العديد من الإصلاحات خلال آلاف السنين، تم تشكيل مجمع معماري ضخم تدريجيا، يضم 186 بناية قديمة وبنايات شُيدت على غرار البنايات الأثرية، و184 نصبا تذكاريا، و48 صورة حجرية من أسرة هان، مع وجود 212 شجرة من أشجار العرعر الصيني القديمة والتوبا الشرقية و292 نوعا من نباتات الزينة.
تتسم عمارة معبد دايمياو بأسلوب توسع الجانبين الرأسي والأفقي في العمارة الصينية التقليدية، ويمتد التصميم العام للمعبد من الشمال إلى الجنوب، وينقسم إلى ثلاثة محاور من الشرق إلى الغرب. البناية بأكمله مهيبة ورائعة تماما كما لو كانت قصرا إمبراطوريا. ويُعتبر معبد دايمياو أيضا من الحدائق الكلاسيكية، فأشجار السرو القديمة تحيط به كالتنين، وأشجار الجنكة التي تحجب السماء، والمناظر المؤصصة الجميلة، والزهور الملونة، كل هذا يضفي على البنايات القديمة الأنيقة مناظر طبيعية خلابة. مناظر معبد دايمياو رائعة طوال العام، وتجتذب العديد من الزوار الصينيين والأجانب.
الطريق الإمبراطوري لتسلق الجبال
طريق هونغمن (البوابة الحمراء) السياحي هو الطريق الرئيسي لتسلق الجبل، وهو الطريق الإمبراطوري الذي سار عليه الأباطرة الصينيون من مختلف الأسرات لتسلق الجبل، وهو أيضا المحور المركزي لجبل تايشان. على طول هذا الطريق العديد من المنحوتات الحجرية، حيث يمكن للزوار تجربة تاريخ الصين الممتد لآلاف السنين. بعد المرور عبر بوابة هونغمن وبوابة تشونغتيان وبوابة نانتيان وصولا إلى قمة يويهوانغ (الإمبراطور اليشمي)، تتألف الرحلة بأكملها من 6366 درجة سلم، بمسافة 9ر8 كيلومترات، ويحتاج الناس العاديون إلى نحو أربع إلى خمس ساعات للتسلق حتى القمة. المناظر الطبيعية خلابة، وهناك العديد من الآثار التاريخية، تشمل ثمانية معابد وأكثر من مائتي نصب تذكاري وأكثر من ثلاثمائة منحوتة حجرية على الجروف.
عند نقطة البداية للطريق المتعرج لتسلق جبل تايشان، يقع معبد قواندي في الشمال ويواجه الجنوب. من غير المعروف في زمن أي أسرة بُني هذا المعبد، لكن الأربعة مقاطع الصينية بمعنى "الحصن المقدس الكبير"، على الجدار الحاجب لبوابة المعبد كتبها الإمبراطور تشيان لونغ لأسرة تشينغ عندما تسلق الجبل. الأشجار القديمة في معبد قواندي وافرة ونضرة، وعند الدخول للفناء الخلفي من الجانب الأيمن للقاعة الرئيسية، تجد شجرة سرو قديمة غريبة الشكل، جذع الشجرة وأغصانها ملتوية، وتنمو على جذع الشجرة ثلاثة فروع منفصلة. يبلغ ارتفاع الجذع 8ر0 متر فقط وقطره 1ر1 متر، ويشبه شكله تنينا ملتويا، مما يمنح مشاهدي الشجرة شعورا بطولها وقدمها. تم إدراج هذه الشجرة "أول شجرة سرو من أسرة هان" في قائمة التراث العالمي.
بالصعود لأعلى، تجد بوابة تذكارية حجرية مكتوب عليها "مكان تسلق كونفوشيوس"، إذ يقال إن كونفوشيوس بدأ من هنا تسلق جبل تايشان. وفي شمال البوابة التذكارية الحجرية قصر هونغمن، الذي سمي بهذا الاسم لوجود جدران حمراء تشبه البوابات على الجبل.
وبالصعود مرة أخرى، ستصل إلى بوابة تشونغتيان التي تُعد نقطة التقاطع للطرق الشرقية والغربية لتسلق جبل تايشان، وهي في منتصف الطريق إلى قمة الجبل، وبُنيت في زمن أسرة تشينغ. بصعود الدرج تصل لصنوبر وانغرن (استقبال الضيوف) الذي يُعد أحد المواقع الممثلة لجبل تايشان، حيث تقف هذه الشجرة شامخة على جرف الجبل. يبلغ ارتفاعها ثمانية أمتار، حجمها ضخم وتتدلى فروعها الطويلة منها، يشبه شكلها شخصا يلوح بذراعيه لاستقبال الزوار. على الرغم من أن تاريخها يعود لأكثر من 500 عام، ما زالت تفيض نشاطا وحيوية، لذلك يمكن تسميتها بأعجوبة جبل تايشان.
يُعد الطريق المتعرج لتسلق جبل تايشان أحد أقدم الطرق المتعرجة لتسلق الجبال بأكبر حجم هندسي في الصين، ويعد قطاع شيبابان (المنحنيات الثمانية عشر) منه أخطر جزء في الطريق، وهو المنظر السياحي الرئيسي لجبل تايشان. يبلغ طول قطاع شيبابان 800 متر فقط، ويتكون من حوالي 1800 درجة سلم حجرية، ويبلغ ارتفاعه الرأسي أكثر من 400 متر. منذ فترة أسرة هان، كان يوجد تحت بوابة نانتيان طريق رئيسي لتسلق جبل تايشان، ووفقا لتحليل الخبراء، ظهر الدرج الحجري منذ أسرة تانغ. وتشكلت تدريجيا من الشرائط الحجرية ذات اللون الأزرق والرمادي طبقات من الدرجات الحجرية. على مدى آلاف السنين، تسلق الأباطرة جبل تايشان لتقديم القرابين للسماء والأرض، وشكلوا طريقا يؤدي إلى قمة الجبل في وسطه. تبدو منحدرات الجبلين كما لو كانت مقطوعة، يرصعها الطريق المتعرج الشديد الانحدار، ويبدو من بعيد كما لو كان سلم الجبل يصل إلى بوابة السماء.
تقع بوابة نانتيان، المعروفة أيضا باسم بوابة سانتيان، عند المدخل العلوي لوادي شيبي، على ارتفاع يبلغ 1460 مترا عن سطح البحر، موقعها خطير، ولأنها تقع في الطرف العلوي للطريق المتعرج لتسلق الجبل بأكمله، يمكن للزوار أن يشاهدوا صورتها المهيبة من سفح الجبل. في كل مرة تغمر السحب والضباب الجبل، تظهر بوابة نانتيان وتختفي بين حين وآخر، ويظهر طريق شيبابان عالقا في السماء رأسا على عقب، مما يجعل منظر قمة جبل تايشان الرئيسية أكثر عظمة وروعة. بُنيت بوابة نانتيان في أوائل فترة أسرة يوان (1271- 1368م)، وكان رئيس الطاويين في معبد دايمياو يجمع الأموال لبنائها. عندما يصل الزوار لهذا المكان، يمكنهم رؤية جميع الجبال في الأفق، وكل ما يظهر أمام أعينهم هو اللون الأخضر الزمردي، فينسون متاعبهم في ثوان معدودة.
في نهاية الطريق يقع معبد يويهوانغ، في قمة جبل يويهوانغ بارتفاع 1545 مترا، أعلى قمة لجبل تايشان، وهو أحد المواقع التي لا بد من زيارتها في جبل تايشان. قمة يويهوانغ هي أيضا أعلى قمة في مقاطعة شاندونغ بأكملها. تتشابك أشجار الصنوبر والأحجار الضخمة والسحب مع جبل تايشان لتخلق مشهدا مذهلا للغاية.
شروق الشمس والجسر الحجري
يُعد شروق الشمس رمزا لجبل تايشان أيضا، ويجتذب مشهده الرائع عددا لا يحصى من الزوار لرؤيته. على قمة ريقوان (مشاهدة الشمس) على الجانب الشرقي لقمة يويهوانغ، صخرة ضخمة من الغرانيت بطول 5ر6 أمتار، مائلة لأعلى باتجاه الشمال بزاوية 30 درجة أفقيا، تشبه سيفا حادا، لذا سُميت بـ"صخرة قونغبي" (حدبة الشمال)، ونظرا لأن وضعها يشبه الوقوف لاستكشاف البحر فتُعرف أيضا باسم "صخرة تانهاي" (استكشاف البحر). تقف الصخرة على الجرف وتظهر القوة والانحدار الغامض والخطير لجبل تايشان. عندما تتسلقها، يمكنك النظر إلى أسفل، لتشاهد أنواعا عديدة مختلفة من الأشياء. وعندما يكون الجو مشمسا، يمكنك رؤية المناظر الجبلية الجميلة، وعندما يكون الجو غائما، يمكنك رؤية بحر السحب.
ظل المشهد الرائع للشمس وهي تشرق على جبل تايشان، صورة رائعة في قلوب الصينيين في العصور القديمة والحديثة. المكان على قمة الجبل هنا صغير نسبيا لكنه مشهور للغاية، لذلك يأتي الكثير من الزوار لمشاهدة شروق الشمس يوميا على مدار العام.
جسر شيانرن (الخالدين)، منطقة للمناظر الطبيعية الحجرية أخرى مشهورة في جبل تايشان. على حافة الجرف، هناك ثلاثة أحجار كبيرة تدعم بعضها البعض بشكل ماهر، مشكلة جسرا يبدو وكأنه على وشك الانهيار، ولكنه في الحقيقة ثابت للغاية. تحت الحجر الأوسط دعامة حجرية، تشبه ركيزة الجسور، فلولا هذا الحجر لسقطت الأحجار الثلاثة أعلاه منذ فترة طويلة. اعتقد القدماء أن هذا بفعل الخالدين، لذلك أطلقوا عليه اسم جسر شيانرن. ولكن من منظور علم الجيولوجيا الحديثة، هذه ظاهرة نموذجية لانهيار الصخور وتراكمها.
المنحوتات الحجرية
بالإضافة إلى المناظر الطبيعية الحجرية، ترك الأدباء الصينيون من عهود الأسرات العديد من القصائد والمنحوتات على الأنصاب الحجرية عندما تسلقوا الجبل، مما منح الأحجار هنا حيوية كبيرة. لا تعرض هذه الأنصاب الحجرية فن الخط الصيني الرائع فحسب، وإنما أيضا سجلت مشاعر المثقفين الصينيين تجاه جبل تايشان في فترات مختلفة.
وادي جينغشي (حجر الكتاب المقدس) بقعة سياحية مشهورة أخرى، وهو من أكبر منحوتات الجروف للكتب البوذية المقدسة في الصين. على أرض حجرية قليلة الانحدار تبلغ مساحتها حوالي 2000 متر مربع، يوجد نقش لـ((السوترا الماسية)) مكون من أكثر من 1000 مقطع صيني، كل مقطع يبلغ حجمه حوالي 50 سنتيمترا، ولأنه منقوش عليه أحد الكتب المقدسة البوذية، فسمي بهذا الاسم. بعد تعرضه للتآكل وعوامل التعرية بفعل الرياح والأمطار لمدة ألف عام، لم يبق منه سوى 41 سطرا من نصوص الكتب المقدسة الآن.
يعد تانغمويا (النقوش على الجروف في أسرة تانغ) على قمة داقوان لجبل تايشان، المكان الذي يتركز فيه أكبر عدد من الأنصاب التذكارية المنحوتة على الجروف. والأشهر منها هو ((سجل جبل تايشان)) الذي كتبه الإمبراطور شيوان تسونغ لأسرة تانغ في العام الثالث عشر من فترة كاييوان (عام 725) عندما تسلق جبل تايشان، ويُعرف أيضا باسم "تانغمويا". النص المنقوش على الجروف يبلغ طوله 1320 سنتيمترا، وعرضه 530 سنتيمترا. النص المنقوش الموجود حاليا يتكون من 1008 مقاطع، يبلغ قطر المقطع الواحد 25 سنتيمترا. كتب النص المنقوش بالخط الصيني ليشو (الخط الديواني الصيني القديم) بشكل قويم وبسيط وقوي، شكل المقاطع رائع.
يصل جبل تايشان إلى عنان السماء، ويُعد رمزا للأمة الصينية، إذ إنه يدمج الثقافة البشرية مع المناظر الطبيعية. يتسلق الزوار الجبل عبر الطريق الجبلي، وكأنهم يسيرون في ممر الزمان، ويستشعرون التغيرات التاريخية للحضارة الصينية منذ آلاف السنين على طول هذا الطريق.
