سياحة < الرئيسية

لوشان.. مناظر طبيعية وثقافية عمرها آلاف السنين

: مشاركة
2022-08-29 16:15:00 الصين اليوم:Source :Author

تقع منطقة لوشان للمناظر الطبيعية في شمالي مقاطعة جيانغشي، يحدها من الشمال نهر اليانغتسي ومن الشرق بحيرة بويانغ. تبلغ مساحتها حوالي 302 كيلومتر مربع، ويبلغ متوسط ارتفاع قمة الجبل 1200 متر عن سطح البحر. هناك العديد من الأبيات الشعرية الصينية التي يصور فيها الأدباء القدامى المناظر الطبيعية الخلابة في منطقة لوشان. من بينها قصيدة للشاعر لي باي من أسرة تانغ (618- 907)، بعنوان ((مشاهدة شلال جبل لوشان)) يقول فيها: "سيل ينقض من ثلاثة آلاف ذراع، يخيل إليّ أن نهر المجرة يتدفق من السماوات العلا." وقصيدة للشاعر سو شي لأسرة سونغ (960- 1279) بعنوان ((كتابة على حائط معبد شيلين))، يقول فيها: "لا يمكنني تحديد الوجه الحقيقي لجبل لوشان، لأنني هائم في وسط هذا الجبل". في عام 126 قبل الميلاد، سافر المؤرخ سيما تشيان من أسرة هان (202 ق.م- 220م) إلى جبل لوشان. وبعد التفقد والبحث الميداني، كتب في ((سجلات التاريخ)): "سافرت ذات مرة جنوبا إلى جبل لوشان لرؤية آثار أنهار جيوجيانغ، التي قام بتنظيفها يوي"، تسجيلا لرحلته السياحية إلى جبل لوشان، وكان هذا أول ذكر لجبل لوشان في كتب التاريخ. منذ آلاف السنين، اجتذبت المناظر الطبيعية الجميلة والمعالم الإنسانية الثقافية التي تراكمت على مدار السنين دون انقطاع لجبل لوشان عددا لا يحصى من الأدباء والزوار.

في عام 1982، أصدر مجلس الدولة الصيني قرارا بإدراج جبل لوشان في أول دفعة من المواقع السياحية على المستوى الوطني. في عام 1996، تم إدراجه كتراث ثقافي عالمي. وفي عام 2004، صار من أعضاء الشبكة العالمية للحدائق الجيولوجية (Geopark) التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو). وفي عام 2013، تم تصنيفه كمحمية طبيعية على المستوى الوطني.

يتمتع جبل لوشان بالمناظر الخلابة، مثل الغابات الكثيفة وجداول المياه المتدفقة والوديان وقمم الجبال والشلالات والينابيع وغيرها، ويُعرف هذا الجبل باسم "الجبل الثقافي المقدس". هنا، تندمج الطبيعة والثقافة، مما يعكس الطبيعة والثقافة الفريدة لهذا المكان.

المناظر الطبيعية الساحرة للبحيرات والجبال

تقع قمم وولاو الخمس المتجاورة في جنوب شرقي جبل لوشان، وهي تشبه خمسة رجال مسنين جالسين على الأرض، فأُطلِق عليها اسم قمم "وولاو" (خمسة رجال مسنين). يمتد الجرف في جنوب شرقي القمم إلى آلاف الأميال، وهو شديد الانحدار ولا يمكن تسلقه، أما المنحدر في شمالها الغربي، فهو أقل انحدارا نسبيا، ويمكن للزوار تسلق الجبل عبر درب صغير. يمكن للزوار ذوي القوة البدنية الضعيفة ركوب التلفريك للصعود والهبوط من الجبل. عند تسلق قمم وولاو، يمكنك رؤية الصخور الخطيرة الحادة والمنتصبة. عند الوقوف على القمم، يمكنك رؤية القمم والتلال في أسفل الجبل ترتفع تارة وتنخفض تارة كأنها أمواج بحر مضطربة. وبالنظر إلى الأفق البعيد، يمكن أن ترى بحيرة بويانغ الهادئة ومعالم المدينة البعيدة.

عندما يكون هناك بحر من السحب، يبدو أن الزوار يعتلون السحاب ويمتطون الضباب، وأجسادهم في موقع ساحر في السماء، تحيط بهم السحب من جميع الاتجاهات، وتُدفن أجسادهم وسط الضباب الكثيف، وتختفي المناظر في أسفل الجبل عن أعينهم، حتى الأشجار على قمة الجبل تكون كلها مخبأة وسط السحب والضباب، في مشهد ساحر يثير الغرابة والدهشة؛ أما في الأيام المشمسة، فتكون بحيرة بويانغ تحت السماء الزرقاء كالمرآة الضخمة، تعكس ظل السفن الشراعية بوضوح، والسحب البيضاء التي تتخللها أشعة الشمس تُظهر قمم وولاو بشكل أكثر روعة، فتجعلها تعبق بالنفحات الشاعرية. فيمكنك الشعور بأن قمم وولاو التي وصفها الشاعر لي باي بقوله: "تقع قمم وولاو في جنوب شرقي جبل لوشان، وتشمخ عاليا تحت أشعة الشمس، فتبدو كأنها زهرة اللوتس الذهبي" ساحرة بالفعل.

"من لا يزور ينابيع سانديه، لم يذهب إلى جبل لوشان". تقع ينابيع سانديه (ينابيع الثلاث درجات) في أسفل قمم وولاو، وهي معروفة باسم "أفضل عجائب جبل لوشان"، وهي أيضا مكان لا بد من زيارته. المنحدرات التي يتدفق من خلالها الشلال لها ثلاثة مستويات، وتتدفق المياه إلى أسفل على ثلاث درجات، بإجمالي فرق انحدار يصل إلى 155 مترا. مناظرها رائعة ومذهلة تهتز لها أرواح مشاهديها. كل درجة من ينابيع سانديه لها خصائصها الفريدة. فالدرجة الأولى تهبط عموديا، ومياهها تتدفق من الجزء الخلفي من رأس الجبل الذي يبلغ طوله 20 مترا؛ الدرجة الثانية متعرجة، وتتدفق مباشرة في بركة مياه خضراء زمردية هادئة. أما في موسم الأمطار في أواخر الربيع وأوائل الصيف، إذا وقفت عند الدرجة الثالثة ونظرت لأعلى، فستجد أن الشلال يشبه تنينا يشميا غاضبا، يخترق السماء الزرقاء، ويطير لأسفل، وتعلو أصوات الرعد، في مشهد مذهل للغاية.

لكن ينابيع سانديه ظلت مختفية بين الجبال القاحلة والوديان العميقة لفترة طويلة، ولم يكتشفها لي باي الذي عاش منعزلا عند منبعها العلوي، ولا حتى تشو شي لأسرة سونغ، الذي كان يعيش ويلقي دروسا على طلابه في كهف بايلو عند الروافد الدنيا للينابيع، ولم يتم اكتشافها حتى أسرة سونغ الجنوبية (1127- 1279)، وفازت تدريجيا بلقب أفضل منظر طبيعي في جبل لوشان. منذ ذلك الوقت، توافد إليها شعراء ومشاهير الأسر التالية لزيارتها والاستمتاع بجمالها، وخلَّفوا وراءهم العديد من الأعمال الرائعة الشهيرة بإلهام من هذا المكان.

في مكان غير بعيد عن قمم وولاو، هناك موقع آخر للمناظر الطبيعية- هانبوكو، حيث تقع قمة هرمية حادة ناجمة عن التآكل الجليدي، يطلق عليها "المحراث الحاد"، في الجانب الغربي من هانبوكو، والتي تشبه أداة حرث حادة تحرث في بحر السحب الشاسعة. ومقابل هانبوكو توجد أعلى قمة لجبل لوشان، "قمة هانيانغ". وعند سفح هذه القمة بحيرة بويانغ، أكبر بحيرة للمياه العذبة في الصين. الجبال والبحيرات هنا كلها أجمل من بعضها البعض.

على جبل هانبو جوسق وانغبو، وهو أفضل مكان لمشاهدة شروق الشمس في جبل لوشان. حيث يأتي عدد لا حصر له يوميا من الزوار لمشاهدة شروق الشمس، ويصل العديد منهم قبل موعد شروق الشمس بساعة أو ساعتين لينتظروا في أفضل مكان للمشاهدة. عندما تملأ السحب السماء، ينعكس لون الشمس الأحمر الذهبي على سطح السحب؛ وفي الأيام المشمسة، يمكن رؤية بحيرة بويانغ عند سفح الجبل، حيث تنعكس أشعة الشمس على مياه البحيرة الشاسعة كما لو كانت تنبثق منها.

بعد مشاهدة شروق الشمس، يمكنك النزول من الجوسق واتباع مسار الطريق الجبلي الصغير لتصل إلى حديقة لوشان النباتية، وتُعد هذه الحديقة التابعة للأكاديمية الصينية للعلوم أقدم حديقة نباتية في الصين وأول حديقة نباتية في الصين للبحث العلمي النباتي، وتشتمل على سبع عشرة فئة خاصة، يُحفظ فيها أكثر من 5500 نوع من النباتات المنقولة من الأماكن الأخرى، بما في ذلك 157 نوعا من النباتات النادرة والمهددة بالانقراض. في العالم حوالي ستمائة نوع من نباتات الصنوبر والسرو، يوجد منها أكثر من 240 نوعا هنا، لذلك تُعرف باسم حديقة العينات الحية من الصنوبر والسرو والتنوب في الصين والعالم. تُعد حديقة لوشان النباتية قاعدة مهمة للمحافظة على التنوع البيولوجي في الصين.

أرض الطاوية المقدسة

في غربي منطقة لوشان للمناظر الطبيعية وادي جينشيو الذي تم افتتاحه في عام 1980، ويبلغ طوله حوالي كيلومتر ونصف. وفقا للأسطورة، فإن الوادي هو المكان الذي كان الراهب الشرقي الشهير هوي يوان من فترة أسرة جين (266- 420) يقتطف منه الزهور والأعشاب الطبية. عندما تتفتح الزهور هنا، يبدو المكان رائع الجمال، ومن هنا يأتي اسم الوادي "جينشيو"، أي وادي الجمال والسحر في اللغة الصينية.

كهف شيانرن (الخالدين)، هو أحد المواقع السياحية الشهيرة في وادي جينشيو، ومكان مقدس للطاوية. يقال إن لو دونغ بين، أحد الثمانية الخالدين في الطاوية، قد تعبد هنا وأصبح خالدا. لا زال بإمكاننا رؤية المنحوتات الحجرية من الأسر المختلفة هنا بوضوح. شيانرن كهف طبيعي يبلغ ارتفاعة سبعة أمتار، ويصل عمقه إلى حوالي أربعة عشر مترا. هناك مفترقان من مياه الينابيع في أعماق كهف شيانرن ينحدران على طول الصخور وينزلان في القبو الصخري الطبيعي، يصدر عنهما أصوات كالأجراس تطرب لها الآذان، هذا هو "ينبوع القطرات" الشهير المسجل في الكتب التاريخية.

يفضل العديد من الأدباء والزوار والرهبان المشهورين، المناظر الطبيعية الهادئة الجميلة لجبل لوشان منذ العصور القديمة. قام وانغ شي تشي، الخطاط المشهور من أسرة جين الشرقية (317- 420)، بالتبرع بمنزله على جبل لوشان ليصبح معبدا؛ وبنى الراهب الشهير هوي يوان من فترة أسرة جين الشرقية معبد دونغلين، وفي الألف وستمائة سنة التالية، ظهر ما يقرب من سبعمائة معبد في جبل لوشان؛ وبعد أن بنى لو شيو جينغ، من أتباع الديانة الطاوية من الأسر الجنوبية والشمالية (420- 589)، معبدا طاويا في جبل لوشان، ظهر أكثر من ثمانية عشر معبدا طاويا شهيرا في جبل لوشان، ووصل عدد أتباع الديانة الطاوية إلى ثلاثة آلاف فرد في أوج عصورها. يحتضن كهف بايلو معهد العلوم التقليدي الذي ازدهر لأكثر من ألف عام منذ تأسيسه في أسرة تانغ الجنوبية (937- 975) حتى أسرة تشينغ (1616- 1911)، ووصل عدد طلابه إلى خمسمائة طالب لفترة طويلة.

بحر وشلالات السحب

في عام 2022، أعلنت جمعية الصين لخدمات الأرصاد الجوية عن الدفعة الأولى من 15 "مكانا لمشاهدة المناظر الطبيعية للطقس والمناخ" في الصين، وقد أُدرجت منطقة لوشان بمقاطعة جيانغشي بينها بسبب ظاهرة بحر السحب.

بحر السحب على جبل لوشان مذهل ورائع للغاية. يرتبط تكوين بحر السحب بالتغيرات المناخية المنتظمة. جبل لوشان غني بالغطاء النباتي، وتحيط به بحيرة بويانغ ونهر اليانغتسي من أسفل الجبل، مع هطول الأمطار الغزيرة وتكوّن الضباب، خاصة عندما ينتقل الهواء البارد الضعيف جنوبا إلى حوض نهر اليانغتسي ويقابل الهواء الدافئ، فيتشكل بحر السحب النموذجي من طبقات السحب الركامية، وهذا المنظر هو الأكثر شيوعا في سماء لوشان.

وفقا لسجلات مراقبة الأرصاد الجوية، يبلغ متوسط عدد ​​الأيام الضبابية في جبل لوشان حوالي مائتي يوم في العام، والفترة من مايو إلى سبتمبر من كل عام هي فترة ظهور بحر وشلالات السحب في جبل لوشان، ويكون أفضل وقت لمشاهدة بحر السحب في اليوم هو بعد هطول الأمطار وتحوّل الطقس إلى مشمس.

بالإضافة إلى بحر السحب، يمكن للزوار المحظوظين أيضا مشاهدة المناظر الطبيعية النادرة لشلالات السحب في لوشان. حيث تصعد السحب البيضاء السميكة فوق قمة الجبل وتندفع للأسفل، وتغطس سريعا في قاع الوادي، مثل موجات البحر الضخمة التي تتدفق إلى الأمام بشراسة، وتشبه أيضا طبقا فضيا مقلوبا، مشهدها خيالي كالحلم وقوي وحازم في الوقت نفسه. جذب هذا أيضا العديد من المصورين الذين يجلسون القرفصاء على قمة الجبل، ويُعدّون كاميراتهم منتظرين لحظة التقاط المشهد العجيب لشلالات السحب.

شاهد على التاريخ

شهد جبل لوشان العديد من الأحداث التاريخية المهمة في الصين الحديثة. ففي نهاية فترة أسرة تشينغ، كان 2840 مبشرا وتاجرا من سبع عشرة دولة يعيشون في جبل لوشان، وبنوا عليه فيلات، حتى وصل عدد الفيلات عليه إلى 147 فيلا عام 1905 و712 فيلا عام 1927، حتى أصبح لوشان منتجعا صيفيا شهيرا داخل الصين وخارجها.

في القرن العشرين، شهد جبل لوشان أيضا العديد من اللحظات المهمة في تاريخ الصين الحديثة. فخلال فترة معينة من جمهورية الصين، كان جبل لوشان "العاصمة الصيفية" لحكومة جمهورية الصين (1925- 1948). وفي صيف عام 1937، ذهب تشو أن لاي إلى لوشان مرتين للتفاوض مع تشيانغ كاي شيك، وطرح ((إعلان اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بشأن إعلان التعاون بين حزب الكومينتانغ والحزب الشيوعي الصيني))، الأمر الذي سهل التعاون بين حزب الكومينتانغ والحزب الشيوعي الصيني في مقاومة الغزو الياباني وفتح واحدة من ساحات المعارك الرئيسية ضد الفاشيّة في العالم- ساحة المعركة الصينية؛ وفي أعوام 1959 و1960 و1970، عقدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ثلاثة مؤتمرات ذات تأثيرات بعيدة المدى في جبل لوشان. وفي عامي 1959 و1961، كتب ماو تسي تونغ قصيدتين رائعتين، من بينهما ((تسلق جبل لوشان))، خصيصا للإشادة بالجمال المهيب والتاريخ والثقافة لجبل لوشان.

تربط علاقة قوية للغاية بين جبل لوشان والأفكار والمعتقدات والأحداث والشخصيات ذات التأثير القوي في التاريخ الصيني، كما أنه يرتبط ارتباطا وثيقا بالتاريخ الصيني الحديث. اليوم، يمكن للزوار زيارة معهد العلوم التقليدي في كهف بايلو الذي تم ترميمه، والمنازل القديمة للمشاهير التي تمت المحافظة عليها بشكل جيد وكامل، والموقع السابق للمؤتمرات المنعقدة في جبل لوشان، ليخلّدوا ذكرى الأجداد ويسترجعوا التاريخ.

 

لدى الأمة الصينية تقليد في حماية الطبيعة وحب المناظر الطبيعية. جاء الأدباء والكتاب من جميع الأسرات إلى جبل لوشان للتمتع بجماله، وأبدعوا عددا كبيرا من الأعمال الأدبية وتركوا ثروة ثقافية ثمينة مستوحاة من جمال المناظر الطبيعية هنا. وفي الوقت نفسه، سجل جبل لوشان مراحل التاريخ الصيني بصمت وكان شاهدا على خطى تقدم الأجيال.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4