سياحة < الرئيسية

غابة قمة الكارست الفريدة في قويتشو

: مشاركة
2021-09-26 10:59:00 الصين اليوم:Source تشاو يان تشينغ:Author

كتب الرحالة والجغرافي الصيني المشهور في فترة أسرة مينغ (1368-1644) شيوي شيا كه، السطور التالية لوصف منطقة جميلة في جنوبي الصين، "العالم مليء بقمم الجبال، ولكن هذا المكان وحده يفخر بوجود غابة فوق قمة جبل." الموقع الطبيعي الفريد الذي وصفه السيد شيوي هو منطقة وانفنغلين، التي يعني اسمها حرفيا في اللغة الصينية "الغابة ذات العشرة آلاف قمة".  تقع وانفنغلين ذات المناظر الخلابة في منطقة مدينة شينغيي بمقاطعة قويتشو في جنوب غربي الصين. تحتضن هذه التحفة الطبيعية الفريدة من نوعها أجمل غابة لقمة كارستية مدببة في العالم، وأطلق عليها اسم "أعجوبة الدنيا".

حقول باقوا

في وانفنغلين، تحتضن غابة القمة ذات الجمال الطبيعي سلسلة من قمم الجبال المحاطة بحقول ذهبية اللون وأنهار متدفقة وقرى جذابة وأشجار مورقة وطرق متعرجة. يمكن أيضا فيها رؤية خيوط الدخان المتصاعدة من مداخن المطابخ أثناء الصباح الضبابي.

الحقول عند سفح وانفنغلين ليس لها تصميم تقليدي، وتشبه في شكلها صحنا واسعا مسطوحا، وفي وسطها حفرة عميقة تجعل الحقل مثل القمع، وتبدو قطع الأرض المزروعة حوله وكأنها رموز باقوا في الفلسفة الصينية القديمة.

تحتل رموز باقوا مكانة هامة في الثقافة الصينية القديمة، لكن أصلها يظل لغزا لم يتمكن أحد من فكه بأدلة علمية حتى الآن. ومع مرور الوقت تزداد تخيلات الناس حول باقوا، بل إنهم يرون أن ظهور شكل باقوا هنا يشير إلى أن هذه الأرض محمية بشكل غامض بالقوة الموجودة في الرموز الثمانية.

يرجع تصور حقول وانفنغلين، التي تضم الزهور والعشب والماء والضوء، على شكل رموز باقوا، إلى أسطورة طاوية تقول إن راهبا طاويا يدعى لي، خاض معركة ذهنية وجسدية مع شيطان الجبل الشرس الذي كان يزعج المحليين ويؤذيهم. تغلب الراهب على الشيطان باستخدام قرص رموز باقوا، في حين سطعت أشعة الضوء الغامضة في جميع الاتجاهات، ونتج عنها كائنات لا تحصى، تحولت إلى التنين والعنقاء والبقر والغنم، إلخ. أما "ين" و"يانغ" اللذان في وسط باقوا فأصبحا العين السماوية، وعندما نزل قرص رموز باقوا هذا على الأرض، ازداد حجمه شيئا فشيئا حتى غطى كل هذه الأرض. ومنذ ذلك الحين، تمتع السكان المحليون بحياة سعيدة محاطة بالغابات الجميلة، وهطول الأمطار التي تروي الزرع وقطعان الماشية.

مجموعة قُمع ناهوي

هناك ما يقرب من 40 قطعة أرض زراعية على شكل القمع في قرية ناهوي يشار إليها باسم "مجموعة القمع"، التي تشكلت نتيجة الانهيار الجزئي للأنهار الجوفية والتآكل الناجم عن المياه السطحية. تُظهر مجموعة قُمع ناهوي توزيعا منطقيا منظما، ونهرا تحت الأرض مغطى بالنباتات، حيث نهر ناهوي الذي يظهر فوق سطح الأرض، ونهر غير مرئي تحت الأرض. يبدو وكأن نهر ناهوي يتدفق بطريقة سحرية على سطح الأرض لمسافة، ثم يختفي فجأة وبشكل غير مفهوم تحت الأرض دون أن يترك أثرا، ليظهر مرة أخرى على بعد أكثر من عشرين كيلومترا. يزرع المحليون الحقول بالمحاصيل في جميع الأنحاء حول القمع الذي يكون في الوسط. معظم الحقول تتخذ شكلا يشبه القوس. بالإضافة إلى ذلك، قام المحليون أيضا بشق قنوات منحنية لجلب المياه من تحت الأرض لري الحقول. خلال مواسم الأمطار، تصب مياه الفيضانات بسرعة في القمع، بينما في أوقات الجفاف، يمكن تحويل المياه من النهر الجوفي لري الأراضي الزراعية. قال أحد الفلاحين المحليين: "تضمن وانفنغلين غلة مستقرة ومحاصيل جيدة على الرغم من الجفاف. لم نشهد كارثة فيضانات هنا من قبل."

في الحقول القريبة من قرية شياناهوي توجد أرض على شكل القمع أيضا، يشبه القمع عين الإنسان، ويُعرف باسم "عين الأرض". إنها عين الأرض الأم التي تراقب عددا لا يحصى من أطفالها ببصرها القوي، حيث يعملون بجد لحرث الحقول وزرعها. يعتقد المحليون أن عين الأرض هذه مرتبطة بالسماء، وتفهم وتتذكر كل أفراحهم وأحزانهم وتنهداتهم، وتنقلها إلى السماء، كما تسمع شكواهم وتحميهم. تشبه هذه "العين الأرضية" الأقماع الأخرى من حيث أن الجزء السفلي منها متصل بالنهر الجوفي، والذي يمر عبر تضاريس معقدة للغاية، فلا يمكن حتى اليوم اكتشاف عمقها بدقة، ولا عرض النهر الجوفي وسرعة تدفق مياهه. إن مجموعة القمع المرتبط بالنهر الجوفي تنتشر في كل أنحاء منطقة وانفنغلين الغامضة والمذهلة.

قرى قومية بويي

تقع قرى قومية بويي في منطقة وانفنغلين بين الجبال والأنهار. وتسمية كل منها مرتبطة بنهر ناهوي. فتوجد قرية شانغ ناهوي الواقعة أعلى نهر ناهوي وقرية تشونغ ناهوي في منتصف نهر ناهوي وقرية شيا ناهوي الواقعة أسفل نهر ناهوي. وهناك أيضا قرية تدعى "يويليانغ تشاي (قرية القمر)" لأن شكلها يشبه الهلال، بالإضافة إلى القرى الطبيعية الصغيرة الأخرى، مثل قرية وانفو وقرية شوانغشنغ، وغيرهما.

أسلاف قومية بويي لهم تاريخ طويل في زراعة الأرز، فهذه القومية تحمل لقب "قومية الأرز"، وينتشر أبناؤها في جميع أنحاء مقاطعات الصين الجنوبية الغربية، لكن معظمهم يقطن مقاطعة قويتشو. يتحدث أبناء قومية بويي لغتهم الأم. وكانت لديهم أيضا كتاباتهم الخاصة، لكنها اختفت ببطء فيما بعد عبر الصفحات الطويلة من التاريخ المضطرب. كلمة "ناهوي" في لغة بويي تعني حقول الأرز الجميلة. يحب أبناء قومية بويي الماء. ينبع نهر ناهوي من المنطقة الشمالية الغربية من غابة القمة، مرورا بالقرى عبر الجسور الحجرية. على طول ضفة النهر، توجد غابات من الخيزران الطويل تتمايل مع الريح وموز أخضر وأزهار صفراء صغيرة ودرجات حجرية رمادية وطوافات من الخيزران مخبأة بين جذوع الأشجار الضخمة، وكبار السن من الرجال والنساء يحملون سلالا من الأشياء لغسلها في النهر. يعيش أبناء قومية بويي هنا حياة زراعية مكتفية ذاتيا ويتوارثون ثقافتهم منذ أجيال. وفي السنوات العديدة الماضية جاء إلى المنطقة عدد متزايد من السياح الذين جلبوا فرصا تجارية لأبناء قومية بويي، فأخذوا يمارسون خدمات الطعام والإقامة للسياح. حتى أن العديد من القرى قد استبدلت بالفعل منازلها القديمة ببنايات من الخرسانة المسلحة.

يبلغ طول نهر ناهوي أكثر من عشرين كيلومترا، حيث تتدفق المياه الصافية من الشمال إلى الجنوب عبر متاهة غابات قمم وانفنغلين، وبجانب النهر تنمو الأشجار القديمة في جميع أنحاء قرية شياناهوي. يحترم أبناء قومية بويي الطبيعة، فلا يقطعون الأشجار التي تنمو منذ عشرات السنين، بل يغطونها بالقماش الحريري الأحمر المبارك ويشعلون البخور، تعبيرا عن احترامهم وحبهم وتقديسهم لها. كما يوجد سوق في الهواء الطلق في قرية شياناهوي، في أيام العطلات، يأتيها أبناء قومية بويي من القرى المجاورة للتجارة في المنتجات الزراعية والمنتجات الثانوية. حيث تجد، في ظلال أشجار الموز على جانب الطريق، باعة مسنين لزهور السحلبية أو العقاقير الطبية البرية، يستمتعون بتدخين الغليون الطويل منتظرين الزبائن، والناس يتحدثون ويضحكون ويساومون في الأسعار، وقلما تجد منهم من يرتدي ملابس قومية بويي التقليدية، باستثناء بعض النساء اللاتي يرتدين غطاء الرأس الأسود.

قرية قاودانغ في مدينة آنشون، واحدة من قرى قومية بويي القديمة المحفوظة جيدا في مقاطعة قويتشو. ومساكنها التقليدية القائمة على الركائز، والتي يرجع تاريخها إلى فترة أسرتي مينغ وتشينغ (1644-1911)، لا تزال ملاذا لسكانها حتى اليوم، كما لا تزال هناك قلاع قديمة من فترة أسرة تشينغ منتصبة في أعالي قمم الجبال المحيطة بالقرية لحماية سكان القرية، رغم أنهم يعيشون اليوم حياة سعيدة آمنة.

مازالت الأزياء والهندسة المعمارية وعادات الحياة في قرى بويي محتفظة بخصائصها القومية القديمة، دون أن تتحول إلى ما يشبه ثقافة قومية هان. عند دخول القرية، يجد الزوار أن كل شيء تقريبا مصنوع من الحجر، بما في ذلك القناطر والشوارع والجدران والأسقف والمنازل والمداخن والطواحين والطاولات والمقاعد والجِرار. المنازل الحجرية المحلية هي هياكل مقاومة للعوامل الجوية وبسيطة وجميلة ودائمة، تم توارثها من جيل إلى جيل. إذا نظرت إلى القرية من أعلى، تجد الأسطح الحجرية مرتبة بدقة بأشكال مثل الماس أو منتشرة على نمط قشور السمك، وتحيط المنازل بالحقول الخضراء، مع تدفق نهر سولوه. وتجد المسنين في مجموعات من فردين أو ثلاثة يجلسون بجانب جسر أو بئر، أو يبيعون سلعهم، والقطط والكلاب تتجول في القرية بهدوء واطمئنان. فقط صياح الديوك يكسر الصمت الهادئ من وقت لآخر. توجد في القرية خمس بوابات حجرية مقوسة، مما يقسمها إلى قرى فرعية مستقلة في داخلها. في شرقي القرية، توجد قلعة قديمة على صخرة عالية، تقابلها قلاع آخر على الجبل أمام القرية، مما وفر تحصينا كاملا للقرية. كانت قويتشو، خلال منتصف وأواخر فترة أسرة تشينغ، تعاني من الاضطرابات الاجتماعية باستمرار، وكثيرا ما تعرضت لهجوم من قبل قطاع الطرق. فقامت العديد من القرى ببناء حصون عسكرية على مر التاريخ، لكن القليل منها فقط نجا حتى يومنا هذا.

تشكيلات صخرية شاهقة

من بين قمم وانفنغلين، هناك قمة شاهقة تسمى تشكيلات جيانغجيون الصخرية.

وفقا لإحدى الأساطير، تغلب الإله الصيني القديم المسمى أرلانغ على الشياطين في المنطقة. يُعتقد أنه الإله الذي شارك في المحافظة على المياه والزراعة والوقاية من الفيضانات. بعد أن دحر الإله أرلانغ وحش الماء في منطقة وانفنغلين، ولخشتيه من أن يؤذي السكان المحليين مرة أخرى، تجسد في قمة الصخور الكارستية. بعيدا عن الحكاية الخيالية، فإن تكوين تشكيلات جيانغجيون الصخرية، من منظور جيولوجي، هو نصب من فترة ما قبل التاريخ وتعرض في آلاف السنين للتقلبات الجيولوجية التي يمكن رؤيتها بوضوح على واجهته الرائعة. لقد كان سجلا للتاريخ الكامل للتغيرات الجيولوجية الكارستية لآلاف السنين.

منذ حوالي 360 مليون سنة، كانت هناك مساحة شاسعة من المياه هنا في موقع مدينة شينغيي. ثم منذ حوالي 280 مليون سنة، بدأت الأرض الجافة تتشكل خلال فترة العصر الكربوني. نتيجة للحركات الأوروجينية المتعددة، بدأت قشرة الأرض في الارتفاع أعلى وأعلى، مما أدى إلى تكوين قمم جبلية. في وقت لاحق بعد فترة طويلة من التآكل المستمر، ظهرت السمات الجيومورفولوجية الفريدة لقمم وانفنغلين التي نراها اليوم.

هناك جمال وفير يمكن مشاهدته في منطقة وانفنغلين خلال كل موسم. ففي فصل الربيع، يحدث تحول في العالم الطبيعي من الأصفر إلى الأخضر مع ظهور حياة جديدة. ومع حلول فصل الصيف، تكون الجبال خضراء مورقة. وفي الخريف، هناك حصاد بهيج، وخلال أشهر الشتاء ينشغل الناس بزراعة المحاصيل في الأيام الدافئة. خلال الطقس الممطر، يتألق جمال الضباب والغيوم والجبال الشاهقة، وتنبض الأشجار الخضراء والزهور الصفراء والحقول البنية بالحياة. في الطقس الضبابي، تتوارى القمم الصخرية، وتصبح التلال البعيدة ضبابية، وتبدو البيوت وكأنها صور من القصص الخيالية. عندما تمتلئ السماء بالغيوم، فإنها تطفو عبر السماء مثل كرات القطن تداعب الجبال وتتعرج عبر قمم الأشجار وعبر الأنهار وتطارد المزارعين. عندما تكون السماء زرقاء صافية وتمتد الرؤية بعيدا في الأفق، يمكن للمرء أن يرى الآلاف من القمم والقرى الرائعة والفلاحين يواصلون حياتهم اليومية الهادئة.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4