سياحة < الرئيسية

قرية سونغلينغ.. لوحة حبر في شمال شرقي الصين

: مشاركة
2020-12-03 14:45:00 الصين اليوم:Source رن تشاو شيا:Author

قرية سونغلينغ المغطاة بالثلوج هي في الحقيقة قريتان صغيرتان تقعان بين جبال مكسوة بالثلوج في شمال شرقي الصين. تشكل سونغلينغ والجبال المحيطة بها منظرا طبيعيا جميلا لتبدو مثل لوحة حبر صينية. مقارنة مع القرى الأخرى التي تتخذ من الجليد والثلوج مصدرا للجذب السياحي في شمال شرقي الصين، لا تزال سونغلينغ محتفظة بمناظرها الطبيعية الأصلية، مما يجعل مزاياها الطبيعية أكثر بروزا من السمات التجارية في نشاطها السياحي. لعشاق المناظر الطبيعية بشمال شرقي الصين والثقافة المحلية الخاصة، تعد قرية سونغلينغ الاختيار الأمثل.

قرية مخبأة في الجبال النائية

تتكون قرية سونغلينغ المغطاة بالثلوج من قريتي قانغدينغتون وسونغلينغتون التابعتين لقرية تشنتشومن في بلدة هواشان بمقاطعة جيلين، وتقع في جنوب منطقة داشينغآنلينغ للغابات على الضفة اليسرى لأعالى نهر ننجيانغ، وعلى بُعد 37 كيلومترا من مدينة بايشان.

تبلغ مساحة قرية سونغلينغ المغطاة بالثلوج 11 كيلومترا مربعا. يصل متوسط ارتفاع الجبال المحيطة بالقرية بين تسعمائة متر وألف ومائة متر، ويبلغ ارتفاع أعلى جبل فيها 1420 مترا. يستمر موسم الثلوج في قرية سونغلينغ خمسة أشهر خلال الشتاء الطويل، بينما لا يذوب الثلج في جانب الجبل الذي لا تصل إليه الشمس، وهو عادة الجانب الشمالي من الجبال في الصين. بالإضافة إلى ركوب الحافلة، يمكن للزوار الوصول إلى قرية سونغلينغ بالقطار الأخضر، الذي يُعتبر أبطأ قطار في الصين حاليا.

 يمر قطار واحد فقط بمحطة سونغلينغ كل يوم. يتحرك القطار الأخضر للوصول إلى قرية سونغلينغ، ثم يتوقف ببطء في محطة القرية، فيحمل المسافرون أمتعتهم وينزلون، قبل أن يواصل القطار رحلته بعد بضع دقائق، ثم يختفي ببطء أمام الأعين، في مشهد يعود بالناس إلى الحياة في القرن العشرين.

لا شك أن المنظر الطبيعي الجميل في قرية سونغلينغ هو الميزة الأكثر جاذبية. تقع قرية سونغلينغ في واد بين جبلين، مما يمنحها بيئة طبيعية جيدة وساحرة والعلامات الفريدة للفصول الأربعة، مثل الكمثرى في الربيع والفطر في الصيف والقيقب في الخريف والثلج في الشتاء. عندما يأتي الربيع، تتفتح أزهار البرقوق والكمثرى والأجاص في قرية سونغلينغ أمام منازل القرى، ويجر المحليون زلاجاتهم في الطرق المزيّنة بالأزهار المزدهرة، تتبعهم كلابهم، مما يشكل لوحة رسم رائعة.

تقع المنازل في قرية سونغلينغ على الجبال أو في الوديان. تلك الجبال هي امتداد لجبال تشانغباي، وتسمى بجبال لولينغ. في الشتاء، تتساقط الثلوج، التي تصل في الغالب إلى منتصف جسم الإنسان، وأحيانا تغطي أسطح منازل القرية. بالوقوف على منحدر مرتفع، يمكن رؤية المنازل المكسوة بالثلوج متراصة والأسوار من حولها والغابات الخضراء البعيدة، مما يخلق مشهدا مشابها للوحات الحبر الصينية. عندما تطبخ العائلات في القرية، يتصاعد الدخان من مداخن مطابخ البيوت المزينة بالفوانيس الحمراء أمام الأبواب، مما يضقي مزيدا من الجمال على تلك اللوحة. تحمل سونغلينغ اسم "لوحة الحبر في شمال شرقي الصين". تجذب تلك المناظر الطبيعية الجميلة المزيد من المصورين وعشاق الفن لزيارة قرية سونغلينغ بين ديسمبر وفبراير. في 25 ديسمبر 2012، أسست الجمعية الصينية للتصوير الفوتوغرافي قاعدة تصوير في قرية سونغلينغ، وأطلقت عليها اسم "قرية سونغلينغ المغطاة بالثلوج في الصين". منذ ذلك الوقت، أصبحت هذه القرية مشهورة تدريجيا.

بالإضافة إلى منظر الثلوج في قرية سونغلينغ، يمكنك التمتع بالضباب المتجمد والأشجار المغطاة بالثلوج في جبل لوتودينغتسي، الذي يقع على بُعد عشرة كيلومترات من جنوب غرب قرية سونغلينغ. يبلغ ارتفاع جبل لوتودينغتسي 1420 مترا فوق سطح البحر. تيارات الهواء القادمة من نهر يالوجيانغ تندمج مع تيارات الهواء القادمة من جبل لولينغ، مما يشكل "بحرا من الغيوم" يحيط بقمة جبل لولينغ المغطاة بالثلوج.

ثقافة إقليمية خاصة

يعيش في قرية سونغليغ 125 عائلة، وهم ليسوا من سكان شمال شرقي الصين الأصليين، وإنما جاءوا مهاجرين من مقاطعة شاندونغ للعمل في بناء السكك الحديدية في القرية خلال فترة الاحتلال الياباني، لذا، تُلقب قرية سونغلينغ بـ"قرية شاندونغ" أيضا.

نظرا لأن ممر شانهاي يقع بين شمال شرقي الصين ومنطقة السهول الوسطى، تسمى منطقة شمال شرق الصين بـ"قواندونغ"، في إشارة إلى المنطقة التي تقع في شرق ممر شانهاي. وكذلك تسمى المنطقة في غرب ممر شانهاي بـ"قوانلي"، أي المنطقة التي تقع داخل ممر شانهاي. كان السكان، الذين يعيشون داخل ممر شانهاي، ينتقلون إلى شمال شرقي الصين لكسب العيش، وهو ما يُسمى "تشوانغ قواندونغ"، أي الخروج إلى قواندونغ في اللغة الصينية. يشير تعبير "تشوانغ قواندونغ" أيضا إلى الحقبة التاريخية التي  هاجر فيها السكان من السهول الوسطى إلى شمال شرقي الصين خلال فترة الإمبراطور تونغ تشي في أسرة تشينغ (1644- 1911) وفترة جمهورية الصين (1912- 1949).

كانت المناطق الواقعة في الحوض الأسفل للنهر الأصفر تعاني من الفيضانات والحروب لعدة سنوات بين أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين، فانتقل العديد من السكان في مقاطعات شاندونغ وخنان وغيرها إلى شمال شرقي الصين، مشكلين أكبر عملية هجرة في التاريخ الصيني.  ((تشوانغ قواندونغ)) هو المسلسل التلفزيوني الأكثر شعبية في الصين، يصف تاريخ سكان شاندونغ، الذين انتقلوا إلى شمال شرقي الصين واستقروا هناك بعد تسلّق الجبال وعبور الأنهار والتغلب على صعوبات شتى. توجد أرض خصبة شاسعة في شمال شرقي الصين، لكن كان قليل من الناس يعيشون فيها. ينتمي معظم المحليين إلى قومية مان (منشوريا)، التي كانت تعيش حياة بدوية. فجاء سكان شاندونغ المنتقلون إلى هنا، بالتقنيات الزراعية، حيث بذلوا جهودهم لاستصلاح الأراضي، مما حوّل المنطقة من منطقة تعاني من نقص الغذاء إلى منطقة لإنتاج أغذية متنوعة. بسبب هجرة سكان شاندونغ، اندمجت الثقافة التقليدية للسهول الوسطى، التي تمثلها ثقافة شاندونغ، مع ثقافة الصيد والثقافة البدوية وثقافات قوميتي مان ومنغوليا وغيرهما، كما تأثرت الثقافة المحلية بالثقافتين الروسية واليابانية وغيرهما من الثقافات الأجنبية، مما شكل في نهاية المطاف الثقافة الحديثة الفريدة لشمال شرقي الصين.

بسبب الاحتلال الياباني لهذه المنطقة، شهدت انخفاض عدد السكان المنتقلين إلى شمال شرقي الصين منذ عام 1931. خلال أربعة عشر عاما من الاحتلال، قام اليابانيون بتجنيد العديد من العمال من مقاطعة شاندونغ وأماكن أخرى من أجل نهب الموارد المعدنية والأخشاب وبناء السكة الحديدية التي تبدأ من محطة يايوان إلى محطة داليتسي على ضفاف نهر يالو وتمر بمدن تونغهوا وبايشان ولينجيانغ. تم بناء هذه السكة الحديدية في عام 1940. فاستقرّ أولئك العمال مع بعض المهاجرين من شاندونغ في قرية سونغلينغ، مما شكل قرية خاصة تتميز بثقافة شاندونغ.

حياة سعيدة في قرية سونغلينغ

لا يزال أبناء قرية سونغلينغ يحافظون على الثقافة والتقاليد والعادات الغذائية في شاندونغ، كما بنيت منازل القرية على الطراز القديم للبناء في شاندونغ. بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، صارت قرية سونغلينغ موقع التصوير لأستوديو تشانغتشون للأفلام. حاليا، يمكن رؤية اللوحات الإعلانية بجانب موقف السيارات، التي تقدم مواقع تم فيها تصوير بعض الأفلام. لقد صور أستوديو تشيانغتشون للأفلام في القرية أكثر من عشرين فيلما مثل ((المسارات في الغابة الثلجية)) و((الزهور الذهبية الخمس)) وغيرهما. في عام 2014، أدرجت وزارة الإسكان والتنمية الحضرية والريفية وإدارة السياحة وغيرها من سبع وزارات ولجان وزارية صينية قرية سونغلينغ ضمن قائمة الدفعة الثالثة من القرى الصينية التقليدية.

يمكن للزوار التمتع بالثقافة الزراعية القديمة التي تعود لمائة سنة ورؤية الذرة معلقة على أبواب البيوت في قرية سونغلينغ. في الوقت الحالي، لا يزال المحليون يحرثون حقولهم بالثيران ويستخدمون العربات التي تجرها الثيران.

وكذلك، يوجد الكثير من نباتات الفطر وأشجار الصنوبر والبندق وغيرها من النباتات البرية في الجبال المحيطة بقرية سونغلينغ، فيعتمد معظم المحليين في الحياة على الزراعة وجمع الخضراوات والنباتات البرية في الجبال.

حاليا، يزور المزيد من الزوار قرية سونغلينغ من أجل التمتع بالمناظر الطبيعية الجميلة والثقافة المحلية الفريدة، مما يوفر فرصا جيدة غير مسبوقة لتنمية القرية. يفضل معظم الزوار، الذين يسافرون إلى قرية سونغلينغ، البقاء ليلة واحدة في قرية سونغلينغ للتمتع بالمناظر والحياة اليومية في شمال شرقي الصين، مثل مشاهدة الفوانيس الحمراء وشروق الشمس وغروبها والجلوس على الأسرّة الدافئة المصنوعة من الطوب  وتناول الأطباق المحلية وعصيدة الذرة.

حاليا، يوجد في قرية سونغلينغ أكثر من سبعين نُزلا عائليا، مما يوفر دخلا إضافيا للمحليين. تحدد لجنة القرية تحديد أسعار الإقامة في كل نُزل. يدفع الزائر بين 120 يوانا و200 يوان (الدولار الأمريكي يساوي 6ر6 يوانات) فقط لقضاء ليلة سعيدة في القرية وتذوق الأطباق الشهية.

كما يشارك الكثير من الفنانين في تنمية قرية سونغلينغ بسبب عشقهم للمناظر الفريدة الخلابة والثقافة المحلية والموارد الغنية فيها. في العامين الماضيين، تم افتتاح العديد من أستوديوهات التصوير وصالونات وقاعات الفنون وقواعد الطب الصيني التقليدي في القرية. وكذلك، انتقل الكثير من ورثة التراث الثقافي غير المادي بمقاطعة جيلين إلى قرية سونغلينغ للقيام بأعمالهم الفنية مثل التصوير والرسم ونحت الخشب وغيرها.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4