سياحة < الرئيسية

هاربين.. هبة السماء في شمال شرقي الصين

: مشاركة
2019-12-31 17:33:00 الصين اليوم:Source شيوي يانغ:Author

في نهايات حكم أسرة تشينغ في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كان القطار وسيلة مواصلات متقدمة ربطت منطقة شمال شرقي آسيا وأوروبا. دفع هذا النوع من وسائل النقل الجديدة آنذاك، نمو وتطور شمال شرقي الصين، فازدهرت مدينة  هاربين حاضرة مقاطعة هيلونغجيانغ.

دخول أسلوب الحياة الغربي إلى هاربين

في عام 1896، أنشأت روسيا القيصرية، "خط سكك حديد سيبيريا"، الذي امتد من موسكو إلى هايشينوي (فلاديفوستوك) وغطى القارة الأوراسية. وبوصفها جزءا لامتداد خط سكك حديد سيبيريا إلى الصين، نظمت سلطة أسرة تشينغ بناء خط السكك الحديدية في شمال شرقي الصين، التي كانت مهد نفوذ أسرة تشينغ، والمسمى بخط تشونغدونغ أو خط دونغتشينغ.

في التاسع من يونيو عام 1898، دخلت أول دفعة من العمال الروس من فلاديفوستوك الروسية إلى قرية تيانجياشاوقوه التي تقع على الضفة الجنوبية لنهر سونغهوا وتعتبر منبع أسرة تشينغ. لذا، يعتبر الروس ذلك اليوم عيد ميلاد هاربين.

زيارة شارع تشونغيانغ واجبة لكل من يزور هاربين. يبدأ هذا الشارع من البرج التذكاري للوقاية من الفيضانات على ضفة نهر سونغهوا شمالا، ويمتد إلى ميدان شينيانغ جنوبا. هذا الشارع كان في الأصل منطقة سكنية للصينيين حددتها إدارة السكك الحديدية الروسية لخط تشونغدونغ، وقد أطلقت عليها في البداية اسم "الشارع الصيني"، ثم تغير هذا الاسم وأصبح شارع تشونغيانغ (الشارع المركزي في اللغة الصينية). على جانبي هذا الشارع الشهير الذي يرجع تاريخه إلى مائة سنة ونيف ويبلغ طوله كيلومترا، يربض أكثر من سبعين بناية قديمة مشيدة بطرز العمارة الغربية المختلفة مثل العمارة الباروكية، وعمارة عصر النهضة، والعمارة الانتقائية وعمارة  الفن الحديث.

فندق مودرن، الذي ينتمي لطراز عمارة الفن الحديث، أشهر بناية في تشونغيانغ. اشتهر هذا الفندق بفضل قصصه الرائعة والمسلسلات التلفزيونية المشهورة المتعلقة به مثل ((صوت إطلاق النار في فندق مودرن)). فضلا عن ذلك، تعتبر "مثلجات وآيس كريمِ مودرن" من المنتجات المشهورة التابعة لعلامة مودرن التجارية. أما مطعم هوامي الغربي فهو مطعم روسي أصيل ويحظى بتقدير كبير من أبناء هاربين. بعد نحو مائة سنة من التطور، صار واحدا من أشهر المطاعم الروسية في هاربين في الوقت الحالي. شهدت هذه البناية القديمة تطورا وتغيرا على مدى حوالي مائة سنة فتحولت إلى أحد رموز هذه المدينة.

مع مجيء العمال الروس إلى الصين لبناء السكك الحديدية، دخل معهم الأسلوب الروسي في الطعام والملبس والحياة، بل وطراز البناء. حاليا، لا يزال أبناء هاربين يتناولون بعض الأطباق الروسية التقليدية مثل خبز داليبا والحساء الروسي والمشروبات الروسية الشهيرة.

يحب أبناء هاربين الأنواع والطرز الجديدة من الملابس ويسعون إلى الموضة الجديدة، بل إنهم بارزون في هذه الناحية في الصين كلها. لا شك أن هذا يتعلق بالملابس الغربية التي دخلت مع الروس إلى هاربين في القرن الماضي مثل البدلة الرسمية والفستان وغيرها. بالإضافة إلى ذلك، فإن طرز العمارة الغربية، من البيزنطية إلى الكلاسيكية، ومن عصر النهضة إلى الفن الحديث، بما في ذلك "الباروك الصيني"، تؤثر أيضا في عملية البناء في هاربين، حيث يمكننا مشاهدة مزيج من الطرازين الغربي والصيني في نفس العمارة بهاربين. بفضل هذه التأثيرات الروسية، يحب أبناء هاربين زخرفة بيوتهم على الطريقة الغربية، وينتشر هذا النوع من الزخرفة في المدن الأخرى بشمال شرقي الصين. فلا نبالغ إذا قلنا إن الروس الذين عاشوا في هذه المدينة لعدة عقود، تركوا انطباعا وتأثيرا عميقا في حياة سكان هاربين.

كاتدرائية القديسة صوفيا

انتهت الحرب الروسية- اليابانية في عام 1905. بسبب هزيمة روسيا في هذه الحرب، ساد التشاؤم بين الجنود الروس المقيمين في هاربين، فقد كانوا يشعرون بالخوف وبحاجة ماسة إلى إحياء الأمل في نفوسهم. بعد عامين من انتهاء الحرب اليابانية- الروسية، بدأت فرقة المشاة الرابعة التابعة للإمبراطورية الروسية في هاربين في بناء كنيسة للجنود الأرثوذكس. وبعد أكثر من عشرين سنة من التوسع، اكتمل أعمال بناء أكبر كنيسة للأرثوذكسية الشرقية في الشرق الأقصى وهي كاتدرائية القديسة صوفيا.

كاتدرائية القديسة صوفيا بناية على طراز العمارة البيزنطية الكلاسيكية، لها قبة باللون الأخضر الداكن ويقع برج الساعة في البناية الجانبية لها. تتميز هذه البناية بهندسة الطوب والخشب، وتتكون من بنايات بارتفاعات مختلفة مما يزيد من جمالها وألقها إلى حد كبير. عند التجول في داخلها أو عند الوقوف في الميدان الكبير أمام البناية، يشعر المرء بقدسية المكان والمهابة من أعماق قلبه. أحيانا، يمكن رؤية أسراب من الحمام تستريح في سقف البناية. وإذا حمل الزائر حبوب الذرة في يده، يطير الحمام نحوه ويقف على كفه لتناول تلك الحبوب بدون خوف.

على مدى القرن الماضي، احتفظت كاتدرائية القديسة صوفيا بهيئتها دون تغيير، وقد استخدمت بنايتها كمخزن لمتجر هاربين رقم 1. أما الآن، فقد أصبحت معرضا لفنون العمارة في هاربين ولم تعد تؤدي وظيفتها الدينية.

كنيسة القديسة إيفيل، كنيسة أرثوذكسية شرقية قيصرية أخرى تقع في أعماق زقاق بشارع جيهونغ، جنوب كاتدرائية القديسة صوفيا. لكن، بسبب ما لحق بها من أضرار جسيمة لأسباب طبيعية وغير طبيعية، تعرضت خمس قباب فوق بنايتها لتدمير خطير، وأصبحت مجهولة مع ملجأ الأيتام التابع لها الذي يقع بجانبها. ومع ذلك، مازلنا نشعر بجمال البنايات وازدهارها الذي تميزت به على مدار أكثر من مائة عام بفضل آثار الصور الرائعة المنقوشة أو المصورة على الجدران. لا ينبغي أن تبقى هذه الكنيسة على حالتها البائسة، وتنتهي روعة بنايتها بمثل هذا الشكل. ربما لها حياة أيضا، في انتظار يد الإنسان ليرد إليها شبابها.

كنيسة بينغ منغ الأرثوذكسية الواقعة في شارع دونغداتشي القريب من ساحة المتحف، هي الكنيسة الفعلية الوحيدة التي تعمل حتى اليوم بعد خروج الروس من هاربين وتراجع نفوذ الأرثوذكسية الشرقية في هذه المدينة. فقد تحولت كنيسة سيدة السلام إلى قاعة عروض لأحد الملاهي. وفضلا عن ذلك، صارت كنيسة أليكسييف الأرثوذكسية كنيسة كاثوليكية في ثمانينات القرن الماضي.

جدير بالذكر أن في طرف شارع دونغداتشي معبدا بوذيا، يدعى معبد جيله، ظل عامرا بالزوار منذ بُني في عشرينات القرن الماضي. يعتقد أبناء هاربين المسنون أن موقع هذا المعبد مكان مقدس ومبارك. إنه يختلف تماما عن الكنائس الغربية في هذه المنطقة، ويعكس ثبات معتقدات الصينيين.

باريس الشرق في الصين

في ركن بين شارعي تشونغيانغ وتوداو، يقع "المطعم والمقهى الروسي" داخل بناية قديمة باللون الأصفر وبطراز غربي. يضع صاحب المطعم بعض الكراسي أمام البناية لزيادة جاذبية المطعم. ويمكن رؤية بعض الأوعية الروسية المعروضة في نافذة العرض. ومع بزوغ القمر ليلا، يذهب الزبائن إلى هذا المطعم للتمتع بالأطعمة الروسية. في هذا المطعم، بإمكانك رؤية أنواع مختلفة من الأثاث والصور والكاميرات القديمة التي تجعلك تشعر بالحنين إلى الماضي.

في هاربين أيضا شارع هوايوان (أي الحديقة باللغة الصينية)، حيث كان يقيم العمال الروس العاملون ببناء خط تشونغدونغ، وسبب تسميته بهذا الاسم هو أن معظم بيوت الشارع تحتوي على حديقة الزهور، تحتفظ الكثير من البنايات في هذه المنطقة بهذا النمط من الطراز حتى اليوم.

هاربين مدينة ملائمة للمشي والتجول، وينصح من يزورها لأول مرة المشي والتجول بروية وببطء للتعرف عليها وعلى كل تفاصيلها بشكل شامل وواف، والتفكر والتأمل بماضيها وتاريخها. بهذه الطريقة، بالإمكان معرفة تاريخ هذه المدينة ومسيرة تطورها على مدى العقود المنصرمة. أحيانا يمكن سماع أصوات أنغام البيانو وجوقة الكنيسة الرنانة، التي تجذب المرء لاكتشاف مزيد من الأشياء.

من منظور تاريخ المدينة، مازلت هاربين مدينة شابة وجديدة، فتاريخها يرجع إلى أكثر من مائة سنة فقط. تاريخيا، لا يوجد أسوار في هذه المدينة، الأمر الذي يعكس ميزة الانفتاح والتسامح. هاربين مدينة مفتوحة للصينيين والأجانب الذين قدموا ولا زالوا يأتون إليها للعمل والتجارة والحياة، حيث يشهدون تطور هذه المدينة ويحكون قصصهم الخاصة.

لا يهم إن كانت هاربين تستحق فعلا  لقب "باريس الشرق" أو لا، ولكن لا يمكننا أن ننكر الطابع الفريد لهذه المدينة الرومانسية التي تبدو أنها هبة من السماء. علينا أن نسهم في نهوض هذه المدينة الشابة لتعزيز انفتاحها وتسامحها وشبابها.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4