سياحة < الرئيسية

لاسا.. درة هضبة التبت

: مشاركة
2018-02-04 15:00:00 الصين اليوم:Source جياو فنغ:Author

    

مدينة لاسا، في جنوب شرقي التبت، يرجع تاريخها إلى ألف وأربعمائة سنة. لاسا هي حاضرة منطقة التبت الذاتية الحكم، ومركز المواصلات في التبت، وواحدة من أكثر المدن ارتفاعا عن سطح البحر في العالم. كلمة "لاسا" تعني في اللغة التبتية "الأرض المقدسة" والأرض البوذية". كانت لاسا في الماضي، ومازالت حتى الآن، المركز السياسي والاقتصادي والثقافي والديني للتبت. حاليا، صارت لاسا مدينة حديثة يقصد إليها جم غفير من السائحين. تتميز المدينة بجبال الثلوج الممتدة والمروج الشاسعة وأشعة الشمس النظيفة والهواء المنعش، فضلا عن أجوائها الدينية الكثيفة وشعبها الودود. لاسا، بالنسبة لكثيرين، هي السحر والجمال، فهي تفتن زائرها بمعالمها المميزة: هناك العديد من المواقع السياحية في لاسا، مثل قصر بوتالا ومعبد جوكهانغ وشارع باركور وقصر نوربولينكا،  وغيرها  من المقاصد السياحية.

سونغتسان قانبو والأميرة ون تشنغ

وفقا لما جاء في السجلات التاريخية، كان يعيش في هضبة التبت في القرن الأول الميلادي قبائل كثيرة. وبعد سنوات طويلة من الاندماج والاستحواذ من خلال الحروب، تشكل تحالف قبلي في التبت. في سنة 632 م تقريبا، أسس الزعيم التبتي سونغتسان قانبو، إمبراطورية قوية في التبت، وبنى الحصون والمعابد وشق الممرات المائية في أرض كانت قفارا، وهكذا تشكلت المعالم الأساسية للمدينة التي تحمل اليوم اسم "لاسا".

من أجل توطيد سلطته، سعى سونغتسان قانبو إلى توثيق علاقته مع بلاط أسرة تانغ المسيطرة على مناطق وسط الصين، من خلال مصاهرتها. تزوج سونغتسان واحدة من أميرات تانغ، هي الأميرة ون تشنغ، وأمر ببناء قصر لها في جبل هونغشان، وهو القصر الذي يحمل حاليا اسم "قصر بوتالا". بعد اضمحلال إمبراطورية التبت، وبسبب الكوارث الطبيعية والبشرية دُمر قصر بوتالا الأصلي، فبنى الناس قصرا جديدا في موقعه الأصلي.

في نفس الفترة التي بُني فيها "قصر بوتالا"، بُني معبد جوكانغ. ويقال إن ساكياموني، مؤسس البوذية كان يعارض الوثنية، ولم يكن طوال حياته يدعو إلى بناء المعابد أو التعبد له في المعبد. بيد أنه قبيل وفاته وافق على نحت ثلاثة تماثيل للتعبد تجسد ملامحه في ثلاث مراحل مختلفة من حياته. ويقال إن ساكياموني رسم بنفسه الصور لتلك التماثيل ومنحها بركته. التمثال الذي يجسد ملامح ساكياموني وهو في الثانية عشرة من عمره هو الأجمل من بين التماثيل الثلاثة. نُقل هذا التمثال من الهند إلى الصين، ثم حملت الأميرة ون تشنغ هذا التمثال إلى التبت. هذا التمثال يوجد حاليا في معبد جوكانغ. فضلا عن التمتع بقيمته التاريخية والثقافية، يعتقد البوذيون أن هذا التمثال يمثل مؤسس البوذية الذي عاش قبل ألفين وخمسمائة سنة.

ثمة كثير من السجلات التاريخية والحكايات الشعبية حول حياة الأميرة ون تشنغ بعد وصولها إلى التبت. ولا غرو أن الأميرة ون تشنغ ساهمت كثيرا في تعزيز التبادلات بين التبت وأسرة تانغ، الأمر الذي دفع تطور الصداقة بين الجانبين. ومن أبرز التأثيرات التي تركتها ون تشنغ على حياة التبتيين، تخلي الناس هناك عن عادة وضع الخضاب الأحمر على الجبهة والأنف والذقن والخدين، وإرسال أبناء الأسر التبتية النبيلة إلى مدينة تشانغآن (شيآن حاليا)، عاصمة أسرة تانغ لدراسة المعارف والثقافة المتقدمة لقومية هان.

نقلت الأميرة ون تشنغ إلى التبت التقنيات المتقدمة لأسرة هان، مثل طحن الحبوب الغذائية بالمحدلة وطريقة صنع الخزف وعلوم الطب والزراعة والغزل والنسيج، والكتب في مجالات التاريخ والبوذية والطب والزراعة، الأمر الذي دفع تطور الاقتصاد والثقافة في التبت. ثمة كثير المعابد التذكارية للأميرة ون تشنغ في التبت حتى اليوم.

لمعلوماتك:

جبل ياووانغ (كلمة ياووانغ تعني الطبيب المشهور في اللغة الصينية، ويعتقد المحليون أن ساكياموني كان أيضا طبيبا يساعد الناس): يحمل هذا الجبل اسم "جياوبوري" في اللغة التبتية،  أي "جبل في زاوية الجبل". يقع هذا الجبل في جنوب غربي قصر بوتالا مواجها جبل هونغشان، ويعد من الجبال المقدسة في التبت. يوجد في قمة الجبل معبد، كان مبيتا لأحد اللامات المتخصصين في علاج الناس. لذا، يعتبر هذا الجبل منبع الطب التبتي التقليدي. يقع معبد التمثال الحجري في شرقي الجبل، ويرجع تاريخه إلى أكثر من ألف سنة. يوجد داخل المعبد تماثيل لسونغتسان قانبو والأميرة ون تشنغ. يعد جبل ياووانغ، وخاصة سفحه، أفضل مكان لتصوير قصر بوتالا. في موسم السياحة، يتجمع كثير من السياح في هذا الجبل انتظارا لسطوع أول ضوء للشمس على قصر بوتالا.

مدينة لاسا والبوذية

لاسا، مدينة بوذية تماما؛ ترى في شوارعها المؤمنين بالبوذية القادمين من شتى بقاع الأرض، وهم يحملون عجلات الصلاة. يضم الواحد منهم كفيه معا ويرفعهما إلى قمة رأسه ثم يحركهما إلى شفتيه وصدره، قبل أن يخر ساجدا ويمد ذراعية ويُقَبِل الأرض. يؤمن كل التبتيين بالبوذية، ويعدون تقبيل الأرض وسيلة للتعبير عن تقديسهم للبوذية. في الطرق المتجهة إلى لاسا، ترى جموعا غفيرة من البوذيين يقبِّلون الأرض مع كل خطوة في سيرهم إلى لاسا. الصلاة في قصر بوتالا حلم لكل بوذي.

في القرن الثالث عشر الميلادي، ضمت الحكومة المركزية لأسرة يوان، التبت إلى سلطة حكمها. على الرغم من أن التبت كان بها العديد من القبائل، تطورت السلطة المحلية التي حظيت بدعم الحكومة المركزية. وفي أواسط القرن السابع عشر، وبموافقة إمبراطور أسرة تشينغ، أسس الدالاي لاما الخامس ناغاوانغ لوبسانغ غياتسو سلطة حكم سياسية دينية، مقرها مدينة لاسا، فتعزز تأثير وقوة مذهب جيلوغ الذي يمثله الدالاي لاما.

في عام 1645، أمر الدالاي لاما الخامس بإعادة بناء قصر بوتالا. بعد ذلك، أصبح هذا القصر مقر عمل وسكن الدالاي لاما. مع توسع البناء في السنوات التالية، وخاصة بعد بناء معبد لونغتا للدالاي لاما الثالث عشر في عام 1936، تمت الأعمال الإنشائية لقصر بوتالا. طلب الدالاي لاما الخامس بناء قاعة الإله في معبد جوكانغ، فأصبح هذا المعبد من أهم المعابد في التبت. يلعب هذا المعبد دورا سياسيا حيث تجرى فيه مراسم القرعة الذهبية لاختيار الدالاي لاما والبانتشن لاما، وفيه تم تحديد البانتشن لاما الحادي عشر باينتشن أرديني تشويغي غيابو. حاليا، تحول معبد جوكهنغ من مكان ديني مقدس إلى مكان للشؤون السياسية والدينية في التبت.

وفقا للإحصاءات، يبلغ عدد المعابد في لاسا أكثر من مائتين. منذ عام 1980، خصصت الحكومة الصينية أموالا كثيرة لترميم وإصلاح معبد جوكانغ وقصر بوتالا وغيرهما من 97 معبدا، مما أضفى مزيدا من الحيوية على هذه المدينة القديمة.

لمعلوماتك:

معبد جوكانغ: معبد جوكانغ، وهو من أفضل البنايات التي شيدت في فترة إمبراطورية التبت، مازال محتفظا بشكله المهيب حتى اليوم. هو أول بناية شيدت بالخشب والطين في التبت. يقع هذا المعبد، ذو المكانة المتميزة في البوذية، في قلب مدينة لاسا القديمة. بسبب هذا المعبد، سميت لاسا بالمدينة المقدسة. بعد سنوات من التوسيع، انتهت الأعمال الإنشائية للمعبد. يجمع معبد جوكانغ بين الأساليب المعمارية لأسرة تانغ والتبت ونيبال والهند، ما يجعله نموذجا للعمارة البوذية. يوجد داخل المعبد تماثيل لكل من سونغتسان قانبو والأميرة بريكوتي ديفي والأميرة ون تشنغ ولوحات حجرية ذات سمات تبتية، مثل لوحة دخول الأميرة ون تشنغ إلى التبت ولوحة بناء معبد جوكانغ. يسجد كثير من معتنقي البوذية على الأرض أمام المعبد الذي يعبق بالبخور دائما. في عام 2000، أدرج معبد جوكانغ وقصر بوتالا في قائمة التراث الثقافي العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو).

طريق الهضبة

تقع لاسا في هضبة تشينغهاي- التبت، وهي أعلى هضبة في العالم. بسبب عزلة المنطقة عن العالم الخارجي، كان نمط الحياة الاقتصادية السائد فيها هو الاكتفاء الذاتي. في عام 1949، كان طول الطريق الذي يمكن أن تسير عليه السيارة في لاسا لا يتجاوز كيلومترا واحدا. بعد زيارته للتبت سنة 1986، قال الكاتب السياحي الأمريكي بول ثيروكس، إن جبال كونلون تجعل وصول السكك الحديدية إلى لاسا مستحيلا.

في خمسينات القرن العشرين، قررت الحكومة المركزية الصينية بناء السكك الحديدية في لاسا. في عام 1956، بدأت وزارة السكك الحديدية أعمال الاستكشاف والتصميم على نحو شامل. بعد عقود، بدأت أعمال بناء السكة الحديدية من غولمود بمقاطعة تشينغهاي إلى لاسا. بعد التغلب على الصعوبات الكبيرة في الأرض المتجمدة ونقص الأوكسجين والبيئة الإيكولوجية الضعيفة، بدأ تشغيل القطار في يوليو عام 2006.

يبلغ طول سكة تشينغتسانغ (تشينغهاي- التبت) الحديدية 1956 كيلومترا، وهي أول سكة حديدية تصل إلى لاسا وأعلى سكة حديدية في العالم. تمر سكة تشينغهاي- التبت الحديدية، حاملة لقب "طريق السماء"، بمحمية هوشيل ومحمية منابع الأنهار الثلاثة (الأصفر واليانغتسي وميكونغ) ومحمية تشيانغتانغ. قامت وزارة حماية البيئة ووزارة الأراضي والموارد ووزارة السكك الحديدية، بدراسة سبل حماية البيئة على طول السكة قبل إنشائها، فوضع الخبراء الإجراءات الملموسة، على سبيل المثال، تم بناء 33 ممرا خاصا للحيوانات البرية على طول السكة الحديدية من أجل حماية بيئة حياة الظبي التبتي وغيره من الحيوانات البرية؛ وبناء أول أرض رطبة اصطناعية في المنطقة المرتفعة والباردة؛ وتحقيق عدم انبعاث أي ملوثات في الأرض ومن القطار من أجل حماية المناظر على طول الطريق؛ وبناء "الممر الأخضر" بطول ألف ميل لتحسين البيئة الإيكولوجية. بفضل التصميم ومفاهيم الإدارة والبناء الصديقة للبيئة، أصبحت سكة تشينغتسانغ الحديدية أول سكة حديدية صديقة للبيئة في الصين.

فضلا عن السكة الحديدية، ثمة طرق عامة كثيرة للدخول إلى التبت. من بين هذه الطرق العامة، تعد القطعة من سيتشوان إلى التبت على الطريق العام رقم 318 "طريق المناظر الجميلة الصيني"، الذي يمر من سهل تشنغدو إلى هضبة تشينغهاي- التبت، يمكن للسياح أن يتمتعوا فيه برؤية مناظر جميلة ساحرة مختلفة.

لاسا اليوم

المواصلات السهلة تدفع تطور مدينة لاسا.

في سنة 1950، لم تكن مساحة لاسا تتجاوز ثلاثة كيلومترات مربعة، ولا يزيد عدد سكانها عن ثلاثين ألف نسمة. بسبب الافتقار لمرافق المياه والصرف، كانت النسوة والفتيات يذهبن إلى سفح جبل ياووانغ ونهر لاسا لجلب الماء.

في نهاية عام 2012، خصصت حكومة لاسا المحلية مليارا وخمسمائة مليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 6ر6 يوانات) لحماية المدينة. بعد أعمال استمرت ستة شهور، توسع طريق الصلاة المحيط بمعبد جوكانغ وتحسنت المنشآت التحتية القديمة. أصبحت الشوارع أكثر نظافة وتنظيما.

بفضل خطة "مد المنطقة الشرقية وتوسيع المنطقة الغربية"، توسعت مدينة لاسا وزادت مساحة المدينة بعشرين ضعفا عما كانت عليه قبل عشر سنوات. وقد امتدت مدينة لاسا لتتجاوز نهر لاسا، فصار فيها منطقة إدارية ثانية. على طول ضفاف نهر لاسا هناك نحو مائة فندق ومطعم، بالإضافة إلى ساحة عرض لمسرحية "الأميرة ون تشنغ" التي أصبحت رمزا مشهورا لمدينة لاسا منذ أول عرض لها في أغسطس عام 2013.

لاسا اليوم أصبحت مثل المدن الكبيرة في العالم، حيث البنايات العالية والحدائق الجميلة المحيطة بقصر بوتالا. الفنادق والبنوك ومراكز التسوق موجودة بكثرة في مختلف مناطق المدينة، لدرجة تنسى معها أنك في هضبة. وسائط الاتصال الحديثة، مثل هاتف النقال وشبكة الإنترنت، ربطت لاسا بالمناطق الداخلية في الصين.

في شارع باركور، تشعر بقوة العقيدة، عندما ترى البوذيين في ساحة قصر بوتالا، أو تلمس عجلة الصلاة. وعندما تشاهد الناس في المقاهي أو تستلقي تحت أشعة الشمس أو تتمشى على ضفة نهر لاسا، لابد أن يزداد عشقك لهذه المدينة.

 

لمعلوماتك

ملاحظات لزيارة التبت

1-    تقع التبت في هضبة عالية، ولذا ينصح المصابون بأمراض القلب أو الأمراض الدموية أو أمراض الجهاز التنفسي أوالصرع أوالزكام الشديد بعدم زيارة التبت.

2-          السائح الأجنبي، قبل السفر إلى التبت، عليه أن يحصل على تصريح دخول التبت للسياحة من مصلحة السياحة لمنطقة التبت الذاتية الحكم.

3-          يجب احترام العادات المحلية. على سبيل المثال، الامتناع عن تدوير عجلة الصلاة في الاتجاه العكسي، أو لمس قمة رأس الآخرين، أو التدخين في المعبد، أو لمس تماثيل بوذا أو تصفح الكتب الدينية أو دق الساعة والطبل، أو الجلوس في مقعد الراهب أو الصخب أو التقاط الصور داخل المعبد.

4-          عليك أن تمشي من اليسار إلى اليمن عندما تمر بالمعبد أو مصطبة ماني (كومة من الأحجار) وبرج بوذا، مع الامتناع عن تجاوز الآلات البوذية ووعاء النار.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4