في الخامس عشر من سبتمبر 2025، نشرت وكالة أنباء الصين الجديدة ((شينخوا)) تقريرا بقلم هوا شيا تحت عنوان "نتنياهو يقول إن إسرائيل بحاجة إلى الاعتماد على الذات في ظل عزلة دولية متزايدة". وقد جاء في التقرير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صرح يوم 15 سبتمبر، بأن إسرائيل تنزلق نحو عزلة دولية في ظل هجومها المستمر منذ قرابة عامين على قطاع غزة، وستحتاج إلى الاعتماد على نفسها. وفي حديثه خلال مؤتمر اقتصادي في القدس، ألقى نتنياهو باللوم على الخطاب المعادي لإسرائيل في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، قائلا: "إسرائيل تدخل في نوع من العزلة." وقال: "قد نجد أنفسنا في وضع نُحاصر فيه في الجانب الصناعي، ليس فقط في مجال البحث والتطوير، بل أيضا في الإنتاج الفعلي." وأضاف أن إسرائيل بحاجة إلى التكيف مع العزلة الجديدة وتطوير قدراتها الإنتاجية الخاصة، مشيرا بشكل رئيسي إلى صناعة الأسلحة. وقال: "قد نجد أنفسنا في وضع تحاصر فيه صناعات أسلحتنا (أمام الصادرات). سيتعين علينا تطوير صناعات الأسلحة هنا. سيتعين علينا أن نكون مثل أثينا وإسبرطة العظمى." وحسب ((شينخوا))، فقد ندد زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد بتصريحات نتنياهو ووصفها بأنها "تصريحات جنونية"، قائلا إن العزلة هي نتيجة "سياسات نتنياهو وحكومته الفاشلة والمعيبة". وأفاد تقرير نشرته صحيفة ((هآرتس)) الإسرائيلية يوم 15 سبتمبر أن إسبانيا ألغت صفقة بقيمة 700 مليون يورو تقريبا لشراء قاذفات صواريخ من شركة "إلبيت سيستمز"، أكبر شركة دفاع خاصة في إسرائيل. ويمثل هذا ثاني عقد أسلحة إسرائيلي تلغيه إسبانيا في شهر سبتمبر، في خضم الحرب على غزة.
وأشارت ((شينخوا)) إلى أنه في نوفمبر 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. دفعت هذه الخطوة العديد من الدول إلى إعادة النظر في علاقاتها العسكرية مع إسرائيل. كما اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات ضد إسرائيل. في سبتمبر 2025، اقترحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين فرض عقوبات، بما في ذلك تعليق حوالي 32 مليون يورو من الأموال الثنائية، واستهداف أعضاء الحكومة الإسرائيلية اليمينيين المتطرفين ومستوطني الضفة الغربية. وقلصت العديد من الدول أو أوقفت تجارة الأسلحة مع إسرائيل منذ أكتوبر 2023، مشيرة إلى مخاوف بشأن الانتهاكات المحتملة للقانون الإنساني الدولي خلال صراع غزة.
ولكن ما علاقة الصين بالأمر؟ الحقيقة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قال في تصريحاته يوم 15 سبتمبر، حسب ما نقلته وسائل الإعلام العالمية والإسرائيلية، ومنها صحيفة ((تايمز أوف إسرائيل))، إن قطر والصين تحاولان "حصار" إسرائيل سياسيا، لكن "الولايات المتحدة الأمريكية معنا". وحسب الصحيفة الإسرائيلية فإن نتنياهو قال إن الصين وقطر تقودان حملة إعلامية غربية "لحصار" إسرائيل عبر تقويض دعم حلفائها، وذلك خلال حديثه إلى وفد من 250 عضوا في مجلس النواب الأمريكي في وزارة الخارجية بالقدس. وقال نتنياهو للوفد، وهو أكبر وفد من أعضاء المجلس التشريعي من دولة واحدة يزور إسرائيل على الإطلاق: "نقدر دعمكم ونعتز به. هناك جهود لحصار إسرائيل- وليس عزلها بقدر ما هي محاصرة- تدبرها نفس القوى التي دعمت إيران." وقال أيضا: "بينما حاولت إيران فرض حصار عسكري على إسرائيل عبر شبكتها من وكلائها الإرهابيين، واستطاعت إسرائيل كسر هذا الحصار، علينا القيام بعدة خطوات لكسر هذا الحصار الذي تُدبره بضع دول." وحسب ((تايمز أوف إسرائيل))، فإن نتنياهو ذكر هذه الدول: "إحداها الصين، والأخرى قطر". "إنهما تُدبّران هجوما على إسرائيل... عبر وسائل التواصل الاجتماعي في العالم الغربي والولايات المتحدة الأمريكية. سيتعين علينا مواجهته، وسنواجهه بأساليبنا الخاصة."
وفي توضيح لتصريحاته لقناة i24 الإخبارية الإسرائيلية بعد حديثه، قال نتنياهو بالعبرية: "هناك الآن محاولة لفرض حصار على إسرائيل من قِبَل جهات ودول مختلفة، بقيادة قطر. أولا، حصار إعلامي ممول بمبالغ طائلة، من قطر ومن دول أخرى مثل الصين. في السنوات القادمة، سنحتاج إلى تعزيز صناعاتنا العسكرية المستقلة لنتمتع باستقلالية في مجال الأسلحة، واقتصاد قائم على التسلح، والقدرة الصناعية على إنتاجها. ولهذا السبب سنكسر هذا الحصار." وأضاف: "هل حققوا عزلة عالمية؟ لا. الولايات المتحدة الأمريكية معنا، وكذلك العديد من الدول الأخرى. لكن لدينا حاليا مشكلة متمركزة في أوروبا الغربية، ونحن نعمل وسنواصل العمل على رفع هذا الحصار. كما نجحنا في الحصار العسكري، سننجح أيضا في الحصار السياسي."
يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، خداع الرأي العام داخل إسرائيل ولدى السياسيين الأمريكيين تحديدا، متجاهلا حقيقة أن الصين دولة داعية إلى السلام القائم على العدل والحقوق المشروعة والقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. كان لافتا أن نتنياهو أطلق هذا التصريح في حضور الحشد الكبير من أعضاء مجلس النواب الأمريكي، مدركا أن مجرد ذكر الصين يمنحه المزيد من أوراق الاعتماد لدى النخبة السياسية في البلد الداعم بصورة مطلقة لإسرائيل في الحروب التي أشعلتها في الشرق الأوسط ومازالت مصرة على أن تحرق نيرانها الجميع في هذه المنطقة المضطربة.
الحقيقة، أن الصين منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية الأخيرة بعد هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر، تبنت موقفا موضوعيا ينسجم مع سياستها السلمية، وهذا ما لا يلقى قبولا في إسرائيل. في الحادي عشر من سبتمبر 2025، وخلال اجتماع طارئ لمجلس الأمن بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، أدان الممثل الدائم للصين لدى الأمم المتحدة فو تسونغ، بشدة، الهجوم الإسرائيلي على قطر، داعيا إسرائيل إلى وقف جميع العمليات العسكرية في غزة. وقال إن إسرائيل شنت هجوما على العاصمة القطرية الدوحة يوم 9 سبتمبر، في انتهاك صارخ لسلامة أراضي قطر وسيادتها وأمنها الوطني، وللقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، مما يقوض بشكل صارخ جهود تحقيق السلام. وقال إن الصين تعارض بشدة وتدين مثل هذا العمل. وقال السيد فو إن قطر، الوسيط المهم في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، بذلت جهودا كبيرة لتعزيز وقف إطلاق النار واستعادة السلام. وأوضح المبعوث الصيني أن الولايات المتحدة الأمريكية قدمت في السابع من سبتمبر 2025 اقتراحا جديدا لوقف إطلاق النار، وزعمت أن إسرائيل وافقت عليه. ومع ذلك، بعد يومين فقط، تعرض وفد حماس، الذي كان يناقش اقتراح وقف إطلاق النار، لهجوم من إسرائيل. وقال إن هذا العمل الذي ينم عن سوء نية وعدم مسؤولية وتخريب متعمد للمفاوضات أمر حقير حقا. وتشعر الصين بقلقٍ بالغ من أن يؤدي هذا الهجوم إلى مزيد من تصعيد التوترات في المنطقة.
وحسب المبعوث الصيني، فإن هذا الحادث يرتبط ارتباطا وثيقا بالموقف غير المتوازن الذي تتخذه إحدى القوى الكبرى منذ فترة طويلة تجاه قضية الشرق الأوسط. وأضاف أن الصين تود أن تنصح هذه القوة الكبرى، حرصا على السلام والاستقرار الإقليميين، باتخاذ موقف عادل ومسؤول ولعب دور بناء مع المجتمع الدولي في تعزيز وقف إطلاق النار ووقف الأعمال العدائية وتخفيف التوترات في المنطقة. وأكد السيد فو أن اللجوء إلى الوسائل العسكرية والاستخدام العشوائي للقوة ليس هو الحل. وأضاف أن وقف إطلاق النار الفوري هو السبيل الأمثل لإنقاذ الأرواح وإعادة الرهائن إلى ديارهم. وتابع قائلا: "تدعو الصين بشدة جميع الأطراف المعنية، وخاصة إسرائيل، إلى بذل المزيد من الجهود لتهدئة القتال واستئناف المفاوضات بدلا من العكس." وقال إنه يجب على إسرائيل أن توقف فورا جميع العمليات العسكرية في غزة، وأن تفي بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي بصفتها القوة المحتلة، وأن تعيد بشكل كامل وصول المساعدات الإنسانية، وأن تدعم عمليات الإغاثة التي تقوم بها الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية الأخرى. وأوضح السيد فو أن الصراع في غزة استمر لما يقرب من عامين، مما أسفر عن كارثة إنسانية مروعة وغير مسبوقة. وخلال هذه الفترة، شهد العالم، مرارا وتكرارا، انتهاكا للقانون الدولي وتقويضا للمعايير الأساسية للعلاقات الدولية. وأضاف أنه لا يمكن للعالم أن يعود إلى شريعة الغاب، ولا يمكن أن يظل الشرق الأوسط في حالة حرب دائمة. إن مجلس الأمن، بصفته الجهاز الرئيسي لحفظ السلم والأمن الدوليين، يتحمل مسؤولية حماية النظام الدولي وسيادة القانون الدولي، وتعزيز السلام والاستقرار الإقليميين.
قبل عام تقريبا، وتحديدا في التاسع من أكتوبر 2024، أعربت الصين عن قلقها العميق إزاء الاضطرابات في الشرق الأوسط، ودعت "دولة كبرى" ذات نفوذ إلى القيام بدورها الواجب لمنع امتداد الأزمة، وفقا لما أعلنته وزارة الخارجية الصينية في ذلك اليوم. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الصينية ماو نينغ: "نعارض التحركات التي تؤجج العداء وتوسع الصراع، وندعو جميع الأطراف إلى التعامل مع الوضع الحالي بهدوء وعقلانية ومسؤولية من أجل السلام والاستقرار في المنطقة. على المجتمع الدولي، وخاصة الدول الكبرى ذات النفوذ، أن يلعب دورا بناء ويتجنب المزيد من الاضطرابات." وأضافت: "لإنهاء هذا الصراع، نحتاج إلى إرادة سياسية وجهود دبلوماسية، لا إلى أسلحة وذخيرة وعقوبات أحادية الجانب. على الدول الكبرى أن تؤدي دورها الواجب، وأن تكون موضوعية وعادلة، وأن تأخذ زمام المبادرة في احترام القانون الدولي، وأن تبذل جهودا إيجابية لإنهاء القتال في أسرع وقت ممكن، ووضع الوضع تحت السيطرة ومنع امتداد الأزمة."
وحسب وكالة ((شينخوا)) في 9 أكتوبر 2024، فإن خبراء قالوا إن "الدولة الكبرى ذات النفوذ" التي ذكرتها المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية تشير إلى الولايات المتحدة الأمريكية دون أدنى شك. وأشار الخبراء إلى أنه لولا دعم الولايات المتحدة وتسامحها مع إسرائيل، لما تفاقم الصراع إلى هذا الحد. وللأسف، لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية ترعى العمليات العسكرية الإسرائيلية المميتة في المنطقة.
في الثلاثين من سبتمبر، وفي تعليقه على خطة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الصراع في غزة، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية قوه جيا كون، إن الصين ترحب وتدعم كافة الجهود الرامية إلى تخفيف التوترات بين فلسطين وإسرائيل. وأضاف المتحدث أن الصين تدعو جميع الأطراف المعنية إلى التنفيذ الجاد لقرارات الأمم المتحدة المعنية، وتحقيق وقف كامل لإطلاق النار في قطاع غزة على الفور، وإطلاق سراح جميع المحتجزين، وتخفيف الكارثة الإنسانية في القطاع في أقرب وقت ممكن. وأوضح أن الصين تؤيد مبدأ "حكم الفلسطينيين لفلسطين"، وتدعم تطبيق حل الدولتين، ومستعدة للعمل مع المجتمع الدولي لبذل جهود حثيثة من أجل إيجاد تسوية مبكرة وشاملة وعادلة ودائمة للقضية الفلسطينية.
تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي تتجاهل حقيقة موقف الصين الداعم للحق والعدل أيا كان صاحبه. الصين هي التي احتضنت اليهود الفارين من النازية في أوروبا، ووفرت لهم سبل العيش في مجتمعاتها، ويشهد على ذلك متحف اللاجئين اليهود في شانغهاي، الذي نشرت ((الصين اليوم)) تقريرا حوله في عدد سبتمبر 2025. جاء اليهود إلى الصين في ثلاث موجات؛ الأولى بعد عام 1842، وتوقيع الصين، عقب حرب الأفيون، اتفاقية فتحت بمقتضاها عددا من موانيها، منها شانغهاي، ووصول تجار يهود من غربي آسيا، وبشكل رئيسي من بغداد، إلى شانغهاي مثل عائلتي ساسون وقادوري، اللتين استقرتا فيما بعد في هونغ كونغ، وأصبحتا من أكثر العائلات ثراء بها، يمتلكون فنادق ومتاجر، وفي عام 1932 كان عدد الأفراد المسجلين في بورصة شانغهاي 100، أربعون منهم من اليهود السفارديم. ثم جاءت الموجة الثانية لهجرة اليهود إلى الصين عام 1899، وكانوا من اليهود الروس الهاربين من حملات الاضطهاد، ثم الثورة الروسية، ومعظم هؤلاء استوطنوا في شمالي الصين. وفي عام 1910 كان عدد اليهود في هاربين (حاضرة مقاطعة هيلونجيانغ) 1500، ووصل العدد إلى 13 ألفا في عام 1929، وقد انتقل كثير منهم إلى شانغهاي في ثلاثينات القرن الماضي بعد استيلاء اليابان على ما كان يسمى منشوريا (شمالي الصين). الموجة الثالثة جاءت مع قدوم نحو 20 ألف يهودي إلى شانغهاي من عام 1937 إلى 1939، هربا من النازي أثناء الحرب العالمية الثانية، بعضهم كان مجرد عابر إلى مكان آخر، وبقي 90% منهم. وقد يكون من المفيد أن نذكر الدبلوماسي الصيني هو فنغ شان الذي كان القنصل العام للصين في النمسا من عام 1938 إلى عام 1940، وقد أصدر خلال هذه الفترة، تأشيرات لأكثر من ألف يهودي للفرار إلى شانغهاي من النظام النازي الألماني. كما لا يفوتنا أن نشير أيضا إلى عدد من الشخصيات اليهودية الشهيرة التي عاشت في الصين، ومنها مايك بلومنثال، وزير الخزانة الأمريكي الأسبق وإريك هالبرن، مؤسس مجلة ((فار إيسترن إيكونومك ريفيو))، التي ظلت تصدر في هونغ كونغ حتى عام 2009، وكان أول محرر لها، وموريس كوهين الذي كان حارسا لزعيم الثورة الديمقراطية الصينية صون يات صن، وإسرائيل أبشتاين رئيس التحرير الفخري لمجلة ((الصين اليوم)) حتى وفاته عام 2015 وسيدني شابيرو عضو المجلس الوطني السادس إلى السادس عشر للمؤتمر السياسي الاستشاري للشعب الصيني.
في مقالتي التي حملت عنوان ((يهود الصين)) المنشورة في ((الصين اليوم))، عدد يناير 2004، نقلت عن ياكوف ليبرمان، اليهودي الذي ولد في هاربين عام 1938 ثم انتقل إلى شانغهاي حتى غادرها عام 1948 إلى حيفا قوله: "إننا عشنا ثلاثة أجيال في أرض فسيحة تسمى الصين، لا مندمجين ولا منعزلين مع أهل هذه الأرض، وإذا كان هذا يبدو كأنه جيتو، تأكد أنه لم يكن، فنحن؛ يهود الصين، كان مسموحا لنا، ولم نكن مجبرين، من مضيفينا الكرماء أن نعيش حياتنا الخاصة."