على مقهى في الشارع الصيني < الرئيسية

"جيه- 10".. السيف أصدق أنباء من الكتب

: مشاركة
2025-07-18 14:49:00 الصين اليوم:Source حسين إسماعيل:Author

قديما قال الشاعر العربي حبيب بن أوس بن الحارث الطائي "أبو تمام" (803- 845م): السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب.. بيض الصفائح لا سود الصحائف في متونهن جلاء الشك والريب. والمعنى هو أن الواقع (السيف هنا) يقطع الحقيقة ويكشفها بينما يبقى ما يكتب (في الكتب والتحليلات ووسائل الإعلام)، مجرد كلمات قد تلخص الحقيقة أو تزيفها.

خلال شهر مايو 2025، تردد كثيرا في وسائل الإعلام العربية، والمصرية بشكل خاص، ذكر الطائرة المقاتلة الصينية "جيه- 10"، والسبب هو مشاركتها في تدريب مشترك للقوات الجوية الصينية مع نظيرتها المصرية. وحسب تقرير لوكالة أنباء الصين الجديدة ((شينخوا)) في الثامن من الشهر ذاته، نقلا عن تشانغ شياو قانغ المتحدث باسم وزارة الدفاع الوطني الصينية، فإن القوات الجوية الصينية أرسلت طائرات من طراز "جيه- 10 سي" و"كيه جيه- 500" و"واي واي- 20" للمشاركة في تدريب مشترك مع نظيرتها المصرية في إحدى القواعد الجوية التابعة للقوات الجوية المصرية. وحسب المتحدث، فإن القوات الجوية الصينية والقوات الجوية المصرية نفذت أول تدريب مشترك تحت اسم "نسور الحضارة- 2025" في الفترة من السابع عشر من إبريل حتى الرابع من مايو. وقال المتحدث إن الجانبين أجريا تدريبات شملت مجالات، مثل عمليات تحقيق التفوق الجوي وقمع الدفاعات الجوية المعادية والبحث والإنقاذ في ساحة المعركة والتشكيل المختلط، مضيفا أنه تم أيضا إجراء مناقشات وتبادلات بشأن أنماط التدريب وتكتيكات القتال الجوي والتزود بالوقود جوا. وأشار إلى أن التدريب المشترك عزز الكفاءة التقنية والتكتيكية للقوات المشاركة، وعمق أواصر الصداقة والثقة المتبادلة والتعاون العملي بين الجيشين، كما يعد اختبارا فعالا لقدرات القوات الجوية الصينية إزاء نقل القوة إلى مسارح عمليات بعيدة والنشر السريع والعمليات المنهجية.

في التاسع عشر من الشهر ذاته، كان عنوان افتتاحية صحيفة ((هوانتشيو "غلوبال تايمز")) الصينية هو: لماذا أصبحت مقاتلة "الفخر الوطني" "جيه- 10" مرة أخرى في دائرة الضوء العالمية؟ وقالت الصحيفة الصينية التي تتبع صحيفة ((الشعب اليومية))، إن وسائل الإعلام الرئيسية ركزت في الفترة الأخيرة على خبر تحقيق الطائرة الحربية الصينية المُخصصة للتصدير "جيه- 10"، أول نجاح قتالي حقيقي لها. وأضافت أن سلسلة "جيه- 10" تتمتع بمزايا رئيسية، تشمل قدرة عالية على المناورة، وقدرات قوية على التخفي، ومدى كشف راداري طويلا، وأنظمة صاروخية متطورة. وتمكن هذه المزايا الطائرة من اكتشاف الهدف المعادي وتتبعه وضربه أولا. وتعد "جيه- 10" على نطاق واسع "مقاتلة فخر وطني" حقيقية في تاريخ صناعة الطيران الصينية. وتظهر هذه المقاتلة مجددا العزيمة والنزاهة والثقة التي تدعم التزام الصين بالاعتماد على الذات وتطوير الذات في مجالي العلوم والتكنولوجيا.

في الخامس عشر من مايو أيضا، كتب توماس نيودك، المتخصص في شؤون الدفاع بموقع ((ذا وور زون "منطقة الحرب"))، تحليلا بعنوان "المقاتلة الصينية 'جيه- 10': فصل الأسطورة عن الواقع"، سعى فيه إلى التشكيك في قدرات المقاتلة الصينية. بينما نقلت صحيفة ((الغارديان)) البريطانية في الرابع عشر من مايو عن أحد الباحثين قوله: "قد نحتاج إلى إعادة تقييم قدرات جيش التحرير الشعبي القتالية الجوية، التي قد تقترب، أو حتى تتجاوز، مستوى انتشار القوات الجوية الأمريكية في شرقي آسيا."

الحقيقة أن قصة "جيه- 10" في نشأتها وتطورها تمثل في حد ذاتها تاريخا من سعي الصين نحو الابتكار المستقل. في ثمانينيات القرن العشرين، عندما انطلق مشروع هذه الطائرة، كان الأساس الصناعي للصين ضعيفا والتمويل محدودا. وتساءلت بعض الأصوات عن جدوى هذا المشروع، مشيرة إلى أنه سيكون من الأسهل شراء طائرات أجنبية وتحديثها. إضافة إلى ذلك، واجه المشروع انتكاسة سلبية نتيجة إلغاء مفاجئ لتعاون صيني- أمريكي كان مخططا له لتحديث الطائرة "جيه- 8". وفي وقت كانت فيه الطائرات المقاتلة الرئيسية حول العالم، مثل "إف- 16" الأمريكية، و"ميراج- 2000" الفرنسية، تتطور إلى الجيل الثالث وحتى الرابع، كان الطيارون الصينيون لا يزالون يعتمدون على الخرائط والبوصلات في الرحلات الطويلة. في مواجهة هذا الواقع، اتخذ مهندسو الطيران الصينيون قرارا حاسما.. "لا تنتظروا، لا تعتمدوا على الآخرين، ولا تتوقعوا أبدا من الأجانب مساعدتنا"، وانطلقوا في طريق الابتكار المستقل.

في السادس عشر من إبريل عام 2018، أعلنت القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي الصيني، وفقا لما ذكرته ((شينخوا)) في تقرير لها في اليوم ذاته، أن المقاتلة المتعددة المهام "جيه- 10 سي" المطورة محليا والمزودة بإلكترونيات الطيران المتطورة وأسلحة مختلفة محمولة جوا، تتمتع بقدرات الغارات الجوية على مدى متوسط إلى قريب وقادرة على إصابة أهداف برية وبحرية بدقة. وأضاف البيان، أن هذه المقاتلة الأسرع من الصوت تنتمي للجيل الثالث وظهرت لأول مرة عندما احتفل جيش التحرير الشعبي الصيني بالذكرى السنوية التسعين لتأسيسه في يوليو 2017 بقاعدة تدريب تشوريخه العسكرية بمنطقة منغوليا الداخلية الذاتية الحكم. وفي الثامن عشر من مايو، قال المتحدث باسم القوات الجوية الصينية شن جين كه، إن المقاتلة الشبح الصينية "جيه- 20" بدأت تدريباتها القتالية الأولى فوق المحيط. وأضاف شن قائلا: "إن هذه الطائرة المقاتلة ستساعد القوات الجوية بشكل أفضل على الوفاء بواجبها المقدس المتمثل في المحافظة على سيادة الصين وأمنها ووحدة أراضيها". وفي التاسع من نوفمبر 2024، أجرت مقاتلتان من طراز "جيه- 15" تدريبات تكيفية للدورة الخامسة عشرة لمعرض الصين الدولي للطيران والفضاء، والذي أقيم في تشوهاي بمقاطعة قوانغدونغ في جنوبي الصين في الفترة من 12 إلى 17 نوفمبر. وأثناء المعرض، أعلن متحدث باسم القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي الصيني، وفقا لتقرير ((شينخوا)) في 12 نوفمبر، أن المقاتلة الشبح المتوسطة المتعددة الأدوار من طراز "جيه- 35 أيه" تظهر في المعرض لأول مرة، مما يجعل الصين واحدة من الدول القليلة القادرة على تطوير وتجهيز نوعين أو أكثر من المقاتلات الشبح بشكل مستقل. وخلال الدورة السابعة عشرة لمعرض لانكاوي الدولي للملاحة البحرية والفضاء (ليما 2025) في لانكاوي بماليزيا، عرضت الصين مجموعة مختارة من أفضل منتجاتها الجوية، بما في ذلك الطائرة "جيه- 10 سي إي" والطائرة المقاتلة "إف سي- 31".

يمثل التطوير الناجح للطائرة المقاتلة "جيه- 10" تعزيزا كبيرا لقدرة صناعة الطيران الصينية على البحث والتطوير المستقل للطائرات المقاتلة المتقدمة على مستوى عالمي. وفي حين أنه من المتعارف عليه دوليا أن نسبة التكنولوجيا الجديدة المطلوبة لأي طائرة جديدة هي أقل من 30%، فإن "جيه- 10" حققت هذا الإنجاز بنسبة تجاوزت 60%. كما حققت إنجازا بارزا في تاريخ اختبارات الطيران: صفر إصابات. وهذا يشير بوضوح إلى القيمة التقنية والسلامة العالية لـ"جيه- 10" كطائرة مقاتلة مطورة محليا. دخلت "جيه- 10" الخدمة في عام 2006 وبدأت في بناء قدرات قتالية حقيقية.

بالنسبة للصينيين، تجسد هذه الطائرة المقاتلة، المعروفة باسم "مقاتلة الفخر الوطني"، ردا على الإهانة التي سببتها "حادثة ينخه" التي وقعت سنة 1993، عندما اتُهمت سفينة الحاويات "ينخه" الصينية بأنها تحمل مواد تستخدم في صنع أسلحة كيميائية إلى إيران، فخضعت للتفتيش القسري من الجانب الأمريكي. فضلا عن الغضب الشديد إزاء قصف السفارة الصينية في جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية آنذاك، وحزن وشرف التضحية البطولية للطيار وانغ وي، الذي استشهد في إبريل عام 2001، عندما دخلت طائرة استطلاع عسكرية أمريكية المجال الجوي فوق المنطقة الاقتصادية الخالصة للصين في بحر الصين الجنوبي. قاد البطل الصيني وانغ وي طائرته المقاتلة بناء على أمر بتتبعها ومراقبتها، وخلال الرحلة، تحدت الطائرة الأمريكية التحذيرات المتكررة، وغيرت اتجاهها فجأة واصطدمت بطائرة وانغ الذي لم يستطع إنقاذ الطائرة المقاتلة ولم يكن أمامه اختيار سوى القفز بالمظلة في البحر. وبعد بحث استمر أسبوعين في البحر شارك فيه فريق إنقاذ مكون من أكثر من ألف منقذ عسكري ومدني، لم يعثر على وانغ وي وتم تأكيد وفاته.

وحسب تقرير ((هوانتشيو "غلوبال تايمز")) السابق الإشارة إليه، فإن "جيه- 10" حولت الألم الوطني إلى دافعٍ للقوة والتقدم. إن أجيالا من مهندسي الطيران الصينيين، استطاعوا بروح من التفاني الهادئ والعزيمة المتدرجة، تطوير الطائرات المقاتلة الصينية من التخلف عن الركب إلى الصمود جنبا إلى جنب مع أفضل الطائرات في العالم. وهذا دليل على الروح الصلبة للشعب الصيني، فكلما عظم التحدي ازدادت العزيمة.

لا يقتصر الأمر على صناعة الطيران، فمن خلال التمسك بروح الاعتماد على الذات وتحسين الذات، تواصل الصين تحقيق اختراقات في البحث الأساسي والتكنولوجيا المتطورة، وعلى سبيل المثال فإن شريحة "تيانموك"، وهي أول شريحة رؤية تكميلية مستوحاة من الدماغ في العالم، تتفوق على الخوارزميات البصرية التقليدية، وكان حاسوب "صنواي تايهولايت" العملاق رائدا في العالم ذات يوم، وفتح حاسوب "ووكونغ الأصلي" المجهز بنظام تشغيل الحوسبة الكمومية، حقبة جديدة من قوة الحوسبة الكمومية، ويمثل إطلاق اثني عشر قمرا اصطناعيا لمهمة "كوكبة الحوسبة الفضائية 021" بداية عصر الحوسبة الفضائية العالمي، وتقوم الغواصة المأهولة "فندوتشه" بالاستكشاف في أعماق المحيط، وتبني وحدة "تيانخه" الأساسية الأحلام في الفضاء، محققة اتصالات كمومية طويلة المدى لآلاف الكيلومترات بين الفضاء والأرض لأول مرة، وتحلق طائرة الركاب الكبيرة "سي 919" في السماء، وتصل سرعة القطار المغناطيسي المعلق الفائق السرعة إلى ستمائة كيلومتر في الساعة، مسجلا رقما قياسيا جديدا في "سرعة الصين". يتواصل صعود القوة العلمية والتكنولوجية الشاملة للصين وقدرتها التنافسية الدولية، ويشهد العالم تحول "صنع في الصين" إلى "التصنيع الذكي في الصين".

تُمسك الصين بزمام المبادرة في مجال التطوير التكنولوجي، مع إدراكها للأهمية الكبيرة للتعاون المفتوح لتحقيق نموها وازدهارها العالمي. ويتزايد عدد الدول التي تدرك أن "اختيار الصين يعني اختيار المستقبل"، تماما مثل العنوان الرئيسي لغلاف مجلة ((الصين اليوم)) في عدد إبريل هذا العام. وسواء في قطاعات الفضاء أو الجيل الخامس أو الطاقة الجديدة، فإن مشروعات التعاون الصينية مع العالم، وخاصة مع العديد من دول الجنوب العالمي ومنها الدول العربية، تشهد ازدهارا ملحوظا. وفي قطاع الطيران، أصبح معرض الصين الدولي للطيران والفضاء، المعروف أيضا باسم معرض الصين للطيران، منصة رئيسية لجذب الشركات المحلية والأجنبية للمشاركة في مناقشات حول تقنيات الفضاء المتقدمة. ويضيف دخول الطائرة "سي 919" إلى جنوب شرقي آسيا زخما إيجابيا لتلبية احتياجات التنمية المحلية. كما يزداد حضور عدد كبير من شركات اقتصاد الارتفاعات المنخفضة الصينية في دول الخليج العربية لتعزيز التنمية المستدامة، مما يظهر التزام الصين بإفادة العالم من خلال التكنولوجيا.

إن المتأمل في رحلة الطيران الصيني، يجد أن صناعة الطيران الصينية قد نهضت من الصفر وصارت تحتل مكانة رائدة في العالم، معتمدة على التزامها الراسخ بالابتكار المستقل والجهود الدؤوبة. وبالنظر إلى المستقبل، من المؤكد أن التطور التكنولوجي الصيني سيشهد فرصا أوسع للنمو. ستظل الصين تحتضن العالم بصدر رحب، وتساهم بحكمتها في التطور التكنولوجي العالمي، وتوفر أساسا تكنولوجيا متينا للمحافظة على السلام والتنمية العالميين.

ولعل التطورات التي يشهدها كوكب الأرض حاليا، والتي وصفها الرئيس الصيني شي جين بينغ بالقول "إن العالم يشهد اليوم تحولات متسارعة لم نشهد لها مثيلا منذ قرن من الزمان"، تؤكد حقيقة أن الاعتماد على الذات والتطوير المستمر للقدرات الذاتية والابتكار في العلوم والتكنولوجيا المدنية والعسكرية وتعزيز القدرات الاقتصادية، هي كلها سياج الأمان للدولة والشعب. وفي عبارة موجزة "لا تجعل مصيرك في يد غيرك". السيف أصدق أنباء من الكتب!

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

互联网新闻信息服务许可证10120240024 | 京ICP备10041721号-4