على مقهى في الشارع الصيني < الرئيسية

جمعية الصداقة المصرية- الصينية.. 65 عاما من التواصل الشعبي

: مشاركة
2023-12-18 17:03:00 الصين اليوم:Source حسين إسماعيل:Author

في خريف عام 1993، وبينما كنت في زيارة لمكتب تمثيل مجلة ((الصين اليوم)) في مصر، وكان مقره في حي الزمالك بالقاهرة، قال زميلي تشنغ بوه رونغ، رئيس المكتب، إنه سيزور جمعية الصداقة- المصرية- الصينية، واقترح أن أرافقه إلى هناك. أخذنا سيارة تاكسي وبعد دقائق قليلة كنا في منطقة غاردن سيتي التي تقع بين نهر النيل وشارع القصر العيني، والتي تتميز بشوارعها الدائرية وبناياتها المشيدة على الطراز المعماري الفرنسي والإيطالي. يوجد مقر جمعية الصداقة المصرية- الصينية في واحدة من تلك البنايات بشارع جمال الدين أبو المحاسن. استقبلنا السفير هاني شرف الدين، نائب رئيس جمعية الصداقة المصرية- الصينية السابق، والذي كان مسؤولا عن إدارة الصين بوزارة الخارجية المصرية وكان ضمن الوفد المرافق للرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك في زياراته الرسمية للصين من عام 1992 إلى عام 1999 الذي تم فيه توقيع اتفاق التعاون الإستراتيجي بين الصين ومصر. كان السفير هاني شرف الدين متحمسا بشكل لافت لدفع العلاقات المصرية- الصينية إلى آفاق جديدة، وكانت لديه أفكار صاغها في مشروعات مدروسة، وقد تحقق كثير منها ولكن بعد سنوات. أتذكر أن ((الصين اليوم)) نشرت له مقالة في عدد شهر مارس سنة 2004، ومما جاء فيها: "الصين الآن هي بمثابة العربة الأخيرة المتاحة لنا في قطار التقدم والتي يمكن تدريجيا الانتفاع بنموذجها في التقدم والتنمية الشاملة، لكي نلحق بركب التقدم العالمي بعد إهدار وقت ثمين يحتسب من عمر الدول والشعوب. الصين لديها الرغبة الصادقة قيادة وشعبا في التعاون مع مصر."

في زيارتي الأولى لمقر جمعية الصداقة المصرية- الصينية، وقّعت طلب الانضمام إلى عضويتها التي أشرف بها حتى الآن، وشاركت في مناسبات عديدة استضافتها الجمعية في مقرها. وعندما تم تحويل مكتب تمثيل ((الصين اليوم)) في القاهرة إلى "الفرع الإقليمي للصين اليوم في الشرق الأوسط، صار التواصل والتعاون أكثر عمقا بين جمعية الصداقة المصرية- الصينية و((الصين اليوم))، التي حرصت على تكريم رئيس الجمعية السابق الدكتور يوسف والي في الندوة التي أقامتها في عام 2009 بمقر نقابة الصحفيين المصرية بمناسبة مرور ستين عاما على تأسيس جمهورية الصين الشعبية ومرور خمس سنوات على إنشاء فرع ((الصين اليوم)) الإقليمي بالشرق الأوسط.

تأسست جمعية الصداقة المصرية- الصينية في شهر مارس عام 1958، أي بعد عشرين شهرا من إقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والصين في الثلاثين من مايو عام 1956. وقد تولى رئاستها الشيخ أحمد حسن الباقوري (1907- 1985) وزير الأوقاف المصري الأسبق. والشيخ الباقوري من الشخصيات التي كان لها دور في إقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والصين. تقول السيدة ليو هوي (فريدة) في كتابها الذي يحمل عنوان "ليو لين روي.. من أعلام العربية في الصين"، إنه أثناء مؤتمر باندونغ عام 1955 في إندونسيا كان الشيخ الباقوري ضمن الوفد المرافق للرئيس المصري جمال عبد الناصر، بينما كان الإمام الصيني المسلم دا بو شنغ ضمن وفد رئيس مجلس الدولة الصيني تشو أن لاي، وكان السيد ليو لين روي، والد السيدة فريدة، مترجما للوفد الصيني. جمعت الصداقة بين الشيخين الباقوري ودا بو شنغ في فترة دراسة الأخير بالأزهر. وقد طلب عبد الناصر من الباقوري أن يتواصل مع دا بو شنغ، وأن يجري معه محادثات حول الإسلام والقضايا الأخرى في الصين. قدم الباقوري تقريرا لعبد الناصر حول علاقته مع الإمام دا بو شنغ والسيد ليو لين روي، تلميذ الباقوري في الأزهر. أبدى جمال عبد الناصر سعادة بذلك، ونشأ في نفسه إعجاب بالصين الجديدة، وأشار على السيد أحمد حسن الباقوري بإجراء اتصالات وتبادلات مكثفة مع الطرف الصيني، الذي قبل ذلك بسرور. وخلال انعقاد مؤتمر باندونغ توصل الجانبان الصيني والمصري إلى توافقات حول قضايا متعددة، منها أن يرسل الجانب المصري وفدا برئاسة السيد أحمد حسن الباقوري لزيارة الصين في مايو من نفس العام؛ وأن يزور أعضاء بعثة الحج الصينية مصر بعد أداء فريضة الحج في شهر يوليو من نفس العام؛ وأن يقوم وفد تجاري مصري برئاسة السيد محمد أبو نصير وزير الصناعة والتجارة المصري بزيارة للصين في أغسطس. وبالفعل، في مايو عام 1955، وصل إلى الصين الشيخ الباقوري ليكون أول وزير مصري يزور الصين رسميا، وقد استقبله تشو أن لاي وأكد له أن حكومة الصين تدعم النضال العادل لمصر والدول العربية ضد عدوان إسرائيل وتوسعها. كان اختيار الباقوري رئيسا لجمعية الصداقة المصرية- الصينية له مغزى، فالعلاقات الشعبية بين مصر والصين لها تاريخ طويل وأواصر وثيقة، ولعل علاقة الباقوري وغيره من علماء الأزهر بالدارسين الصينيين الذين وفدوا إلى مصر في النصف الأول من القرن العشرين مثال على ذلك، وكان لها بالتأكيد دور مهم في إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. تولى رئاسة جمعية الصداقة المصرية- الصينية بعد ذلك وزير شؤون رئاسة الجمهورية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر الدكتور إبراهيم توفيق الطحاوي (1919- 1992)، والذي كان أيضا رئيس جمعية الشبان المسلمين في مصر. وفي عام 1983، تولى الدكتور يوسف والي (1930- 2020) وزير الزراعة في مصر رئاسة الجمعية حتى وفاته في عام 2020. كان الدكتور يوسف والي من الوزراء البارزين في عهد الرئيسين السادات ومبارك، وكان يولي اهتماما خاصا للعلاقة مع الصين التي زارها مرات عديدة. عندما قابلت الدكتور والي ذات مرة، في سفينة مطعم بكين بنيل القاهرة، حدثني عن الصين بمحبة وإعجاب. كان مؤمنا بأن توثيق العلاقة مع الصين أمر لا مفر منه. في حديث أجرته ((الصين اليوم)) في عام 2008 مع السفير أحمد والي نائب رئيس جمعية الصداقة المصرية- الصينية آنذاك بمناسبة مرور خمسين عاما على تأسيسها، قال إنه أثناء تحضير مصر لحرب أكتوبر عام 1973 حرص الرئيس الراحل أنور السادات على أن يكون للصين دور في مساندة مصر في حرب استعادة الأرض التي احتلتها إسرائيل عام 1967. وقد علم الرئيس السادات أن وفدا من أعضاء جمعية الصداقة المصرية- الصينية يضم الدكتور يوسف والي والدكتور إبراهيم الطحاوي سيتوجه إلى الصين في زيارة تستمر عدة أيام، فكتب رسالة خطية إلى رئيس مجلس الدولة الصيني تشو أن لاي وطلب من الدكتور والي أن يضع الرسالة الخطية في بطانة سترته حتى تصل إلى تشو أن لاي، بعد زيارة الوفد إلى موسكو. استقبلت الصين وفد الجمعية استقبالا شعبيا، وأرسلت العديد من الأسلحة والعتاد العسكري والمدني الذي ساعد مصر على شن حرب التحرير في السادس من أكتوبر عام 1973.

مع تطور العلاقات المصرية- الصينية وتشعبها، وخاصة بعد إقامة الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين، تواصل جمعية الصداقة المصرية- الصينية دورها المميز في تعزيز التواصل بين الشعبين المصري والصيني في المجالات كافة، وبخاصة في التبادلات الثقافية والتعليمية.

 في شهر نوفمبر 2023، أرسل لي السفير علي الحفني مساعد وزير خارجية مصر السابق وسفير مصر الأسبق لدى الصين، وهو أيضا نائب رئيس جمعية الصداقة المصرية- الصينية، دعوة كريمة من السفير أحمد والي، رئيس جمعية الصداقة المصرية- الصينية، للمشاركة في احتفال الجمعية بالذكرى السنوية الخامسة والستين لتأسيسها. الاحتفال الذي أقيم في قصر عابدين بالقاهرة في الثالث والعشرين من نوفمبر، حضره من الجانب المصري الفريق محمد عباس حلمي وزير الطيران المدني، واللواء هشام آمنة وزير التنمية المحلية، والدكتور عصام شرف رئيس وزراء مصر الأسبق، واللواء خالد عبدالعال محافظ القاهرة، والسفير حمدي لوزا نائب وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، والسفير محمد العرابي وزير خارجية مصر الأسبق، فضلا عن عدد من الوزراء والسفراء السابقين وأعضاء جمعية الصداقة المصرية- الصينية والأمين العام لرابطة جمعيات الصداقة العربية مع الصين السفير علي يوسف. كما حضر من الجانب الصيني، يانغ وان مينغ رئيس جمعية صداقة الشعب الصيني مع البلدان الأجنبية، ولياو لي تشيانغ سفير الصين لدى مصر، ولي مينغ يوان عمدة مدينة شيآن ورئيس وفد مقاطعة شنشي الزائر لمصر وأعضاء من سفارة الصين لدى مصر. وقد رحب السفير أحمد والي رئيس الجمعية بالحضور، واستعرض في كلمته التي ألقاها نيابة عنه السفير علي الحفني، تاريخ جمعية الصداقة المصرية- الصينية، وقال: "فى هذا القصر التاريخي الرائع الذي يرمز إلى إحدى فترات النهضة المصرية، تحتفل جمعية الصداقة المصرية- الصينية اليوم بمرور 65 عاما على إنشائها، فهي من أقدم جمعيات الصداقة المصرية مع الدول الأجنبية، والتي تربط بين بلدين وشعبين عريقين لكل منهما حضارة قديمة باهرة، ومستقبل واعد مشرق ومزدهر." وقال أيضا: "أطلقت الصين مبادرات مهمة خلال العامين الأخيرين وهى: مبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية. ومن المعلوم أن مصر تؤيد جميع المبادرات التي تهدف إلى تحقيق السلام والتنمية. وقد انضمت مصر بالفعل إلى مجموعة أصدقاء مبادرة التنمية العالمية في الأمم المتحدة. كما تبدأ عضوية مصر فى تجمع بريكس في يناير المقبل بفضل تعاون الصين معنا." واختتم بالقول: "أبارك لجميع اعضاء جمعيتنا ولجمعية صداقة الشعب الصيني مع البلدان الأجنبية، وأعبر عن أملي في استمرار التعاون الوثيق بين الحكومتين والشعبين من أجل السلام والتنمية والازدهار." وفي كلمته بالحفل، قال الوزير الفريق عباس حلمي إن العلاقات المصرية- الصينية في مجال الطيران المدني توجت مؤخرا بتدشين أحدث خطوط شركة مصر للطيران إلى مدينة شانغهاي، ليصل إجمالي عدد الرحلات بين البلدين إلى ١٦ رحلة أسبوعية. وأعرب وزير التنمية المحلية هشام آمنة عن خالص شكره وتقديره لجمعية الصداقة المصرية- الصينية وجهودها الدائمة لدعم العلاقات بين مصر والصين. وأشار آمنة إلى أن ما نشاهده من دعم صيني كامل واستثمارات مهمة وحجم التجارة المتميز مع مصر، يؤكد أن العلاقات المصرية- الصينية مرشحة لمزيد من الإنجاز والتقدم، ويمكن للمواطن العادي أن يلاحظ حجم الإنجازات ويراها بعينيه، سواء في المشروعات الاستثمارية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس أو في العاصمة الإدارية الجديدة. ومن جانبه قال محافظ القاهرة، إن العلاقات المصرية- الصينية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس شي جين بينغ تشهد مرحلة من الازدهار والتعاون المشترك، والتي ترتكز على علاقات الصداقة التاريخية بين الحضارتين العريقتين، كما تشمل كذلك الشراكة في المجالات الاقتصادية والتجارية.

وقال يانغ وان مينغ، إن جمعية الصداقة المصرية- الصينية من أقدم جمعيات الصداقة في العالم التي تتعاون معها جمعية صداقة الشعب الصيني مع الدول الأجنبية، مشيرا إلى البرامج العديدة المشتركة التي تتعاون فيها الجمعيتان. ومن جانبه استعرض السفير لياو لي تشيانغ أحدث تطورات العلاقات الصينية- المصرية، كما نوه إلى موقف الصين من الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وتأكيدها على حل "الدولتين" وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

الاحتفال المهيب الذي أقيم في قصر عابدين التاريخي، والذي جرت فيه مراسم الاستقبال الرسمية للرئيس شي جين بينغ عندما زار مصر في يناير عام 2016، أكد مرة أخرى وليست أخيرة على أن العلاقات المصرية- الصينية تستمد قوتها من روابط تاريخية عميقة لتواصل تطورها إلى آفاق جديدة رحبة. ولا بد هنا من الإشادة بالمجهود الكبير الذي بذله نواب رئيس جمعية الصداقة المصرية- الصينية وأعضاؤها؛ السفير علي الحفني والدكتور ناصر عبد العال والسفير مجدي عامر وغيرهم من أصدقاء الصين في مصر.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4