على مقهى في الشارع الصيني < الرئيسية

تساي ينغ ون في فضاء يتقلص

: مشاركة
2023-06-02 15:50:00 الصين اليوم:Source حسين إسماعيل:Author

في المقابلات التي تجريها معي وسائل الإعلام حول مسألة تايوان، أحرص دائما على توضيح أن تايوان ليست دولة مستقلة وليست عضوا في الأمم المتحدة أو أي من المنظمات التي تتطلب صفة "الدولة" للانضمام لعضويتها، وأشير إلى أن مشاركة الوفود والأفراد من تايوان في الهيئات الدولية والبطولات الرياضية العالمية وغيرها تكون تحت اسم "تايبيه الصينية".

حتى السادس والعشرين من شهر مارس 2023، كان عدد الدول التي لها علاقات دبلوماسية رسمية مع تايوان أربع عشرة دولة، قبل أن تصدر الصين وهندوراس بيانا، جاء فيه أن جمهورية الصين الشعبية وجمهورية هندوراس قررتا، تماشيا مع مصالح ورغبات الشعبين، الاعتراف ببعضهما البعض وإقامة علاقات دبلوماسية على مستوى السفراء، اعتبارا من تاريخ التوقيع على هذا البيان. نص البيان على أن "حكومة جمهورية هندوراس تعترف بوجود دولة واحدة للصين في العالم، وأن حكومة جمهورية الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة التي تمثل الصين بأكملها، وأن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضي الصين." بذلك أصبحت هندوراس الدولة الثانية والثمانين بعد المائة التي تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين، وانخفض عدد الدول التي تقيم علاقات دبلوماسية مع تايبيه إلى ثلاث عشرة دولة، معظمهما من الدول الجزرية الصغيرة والفقيرة في المحيط الهادئ ومنطقة البحر الكاريبي وأمريكا اللاتينية وجنوبي أفريقيا، وهي تحديدا: بليز، إيسواتيني (سوازيلاند سابقا)، غواتيمالا، هايتي، الكرسي الرسولي، جزر مارشال، ناورو، بالاو، باراغواي، سانت كيتس ونيفيس، سانت لوسيا، سانت فنسنت وجزر غرينادين، توفالو.

تساي ينغ ون، زعيمة تايوان البالغة من العمر سبعة وستين عاما، حاصلة على الدكتوراه في القانون من جامعة لندن وعملت بتدريس القانون في تايوان، كما شغلت عدة مناصب إدارية في الجزيرة. ومن المعروف أن السيدة تساي تسعى، منذ توليها منصب "رئيسة" تايوان في عام 2016، إلى الترويج لما يسمى بـ"استقلال تايوان"، وترفض صيغة "دولة واحدة ونظامان" المطروحة من جانب بر الصين الرئيسي والمعمول بها في كل من هونغ كونغ وماكاو، بل إن الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم في تايوان، الذي تنتمي إليه السيدة تساي والذي استقالت من رئاسته في نوفمبر 2022، على خلفية خسارته للانتخابات المحلية، رفض الاعتراف بتوافق عام 1992 الذي تم التوصل إليه بين جانبي مضيق تايوان، وجوهره هو تمسك جانبي المضيق بمبدأ الصين الواحدة.

في التاسع والعشرين من مارس 2023، وصلت تساى ينغ ون إلى نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، فى زيارة "ترانزيت" استمرت حتى الحادي والثلاثين من مارس، قبل أن تواصل رحلتها إلى كل من غواتيمالا وبليز في أمريكا الوسطى. وفي الفترة من الرابع إلى السادس من إبريل حطت طائرتها بالأراضي الأمريكية مرة ثانية، ولكن في مدينة لوس أنجلوس ثم غادرتها بعد يومين.

أجواء زيارة أو "توقف" تساي ينغ ون في الولايات المتحدة الأمريكية هذه المرة مختلفة كثيرا عن الزيارات الست السابقة للسيدة تساي إلى الأراضي الأمريكية منذ توليها منصبها في عام 2016. قوبلت زعيمة الجزيرة في نيويورك باحتجاجات من مواطنين صينيين وأمريكيين على السواء، تجمعوا خارج الفندق الذي أقامت فيه وأنشدوا أغنية معارضة لاستقلال تايوان ورفعوا لافتات (نشرتها وسائل إعلام أمريكية) كُتب فيها "تساي ينغ ون خائنة كبيرة للصين"، "بيع تايوان إثم وطني"، إلخ. وبسبب الضجة الكبيرة التي صاحبت "الزيارة"، تم تأجيل المؤتمر الصحفي للسيدة تساي خلال "توقفها" الأول في نيويورك، وفي النهاية تم إلغاؤه. وفي معهد هدسون الذي منح تساي جائزة القيادة الدولية، ألقت زعيمة تايوان كلمتها خلف الأبواب المغلقة. وقد وصفت صحيفة ((وول ستريت جورنال)) الأمريكية رحلة تساي بأنها "متواضعة عن قصد". وقالت الصحيفة في تقرير لها في 30 مارس: "إنها أعلى زيارة للولايات المتحدة الأمريكية يقوم بها زعيم تايواني منذ سنوات. ومع ذلك، فإن الزعيمة تساي ينغ ون تبتعد إلى حد كبير عن أعين الجمهور." وأضافت: "كانت الأجواء التي سادت زيارة السيدة تساي لنيويورك التي استمرت ليلتين حذرة للغاية، لدرجة أن الدعوات لحضور حفل استقبال على شرفها من قبل معهد هدسون لم تذكر في البداية اسمها أو موقع الحدث، واكتفت بالإشارة إلى ’ضيف مميز‘." ونقلت الصحيفة عن روبرت روس، أستاذ العلوم السياسية بكلية بوسطن الأمريكية، قوله: "زيارة تساي تتم في بيئة سياسية مختلفة تماما عما كانت عليه في الماضي."

في بر الصين الرئيسي، كان زعيم تايوان السابق والرئيس السابق لحزب الكومينتانغ ما ينغ- جيو على رأس وفد من تايوان، في زيارة لبر الصين الرئيسي استمرت اثني عشر يوما. وقد نقلت وسائل إعلام صينية عن السيد ما قوله في 28 مارس: "أبناء الشعب على جانبي مضيق تايوان ينتمون إلى نفس الأمة الصينية.. يتعين على أبناء الشعب الصيني على جانبي المضيق العمل معا من أجل تحقيق السلام وتجنب الحرب وأن يكونوا ملتزمين بنهضة الصين. هذه مسؤولية حتمية يجب أن نعمل بجد لتحقيقها."

على المستوى الرسمي، أعربت الصين عن احتجاجها الشديد وإدانتها للترتيبات الأمريكية بشأن ما يسمى بـ"عبور" تساي ينغ ون في الولايات المتحدة الأمريكية. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ في 30 مارس، إن الصين ستحافظ بحزم على سيادتها ووحدة أراضيها، وتعارض بشدة أي شكل من أشكال التفاعل الرسمي بين الولايات المتحدة الأمريكية ومنطقة تايوان. وأضافت: "إننا نعارض بشدة أي زيارة يقوم بها زعيم منطقة تايوان للولايات المتحدة الأمريكية بأي اسم أو تحت أي ذريعة، ونعارض بشدة قيام الحكومة الأمريكية بأي شكل من أشكال الاتصال الرسمي مع منطقة تايوان." وأشارت إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية وسلطات تايوان أجرتا ترتيبات لمشاركة تساي في أنشطة سياسية في الولايات المتحدة الأمريكية واعتبرتها بمثابة "عبور"، من أجل رفع مستوى التبادلات الرسمية والعلاقات الجوهرية مع منطقة تايوان. وأوضحت المتحدثة أن هذا ينتهك بشكل خطير مبدأ الصين الواحدة والبيانات الثلاثة المشتركة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية ويقوض بشكل خطير سيادة الصين وسلامة أراضيها ويرسل رسالة خاطئة بشكل خطير إلى الانفصاليين دعاة استقلال تايوان.

في الخامس من إبريل، التقى رئيس مجلس النواب الأمريكي كيفن مكارثي، مع سبعة عشر عضوا بالكونغرس من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بالسيدة تساي في مكتبة رونالد ريغان الرئاسية في لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا. وقال مكارثي بعد اجتماعهما: "أعتقد أن رباطنا أقوى الآن من أي وقت مضى أو أي وقت في حياتي.. دعم أمريكا لشعب تايوان سيظل حازما لا يتزعزع ومن الحزبين." وأضاف: "الصداقة بين شعب تايوان وأمريكا مسألة ذات أهمية عميقة للعالم الحر، ومن الأهمية بمكان المحافظة على الحرية الاقتصادية والسلام والاستقرار الإقليمي."

في السادس من إبريل، نقلت وكالة أنباء الصين الجديدة ((شينخوا)) تصريحات المتحدث باسم سفارة الصين لدى الولايات المتحدة الأمريكية حول "مرور" تساي بالولايات المتحدة الأمريكية واجتماعها مع رئيس مجلس النواب الأمريكي كيفن مكارثي. قال المتحدث، إنه وفي تجاهل للاحتجاجات والتحذيرات الرسمية المتكررة من جانب الصين، أصر الجانب الأمريكي على ترتيب "مرور" تساي ينغ ون بالولايات المتحدة الأمريكية واجتماعها مع رئيس مجلس النواب مكارثي فضلا عن أعضاء من الحزبين بالكونغرس. لقد انتهك هذا بشكل صارخ مبدأ الصين الواحدة والبيانات المشتركة الثلاثة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وانتهك التزامات الحكومة الأمريكية بشأن مسألة تايوان، وأرسل إشارة خاطئة خطيرة إلى قوى "استقلال تايوان". والصين تعرب عن احتجاجها الشديد ومعارضتها الحازمة، وسترد بحزم على هذه الخطوة الخاطئة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية. وأوضح المتحدث أن الجانب الأمريكي يواصل التحايل على مبدأ الصين الواحدة وتفريغه من مضمونه، ويكثف التفاعلات الرسمية مع تايوان، ويقوم ببيع الأسلحة لتايوان ويعمق الاتصالات العسكرية معها. وأضاف أن الولايات المتحدة الأمريكية تساعد تايوان على توسيع ما يسمى بـ"الفضاء الدولي"، وتعمل عمدا على تشويه طبيعة مسألة تايوان المتمثلة في كونها مسألة داخلية محضة للصين. وأكد المتحدث أن "مرور" تساي ليس "مرورا" بقدر ما هو محاولة للسعي إلى تحقيق اختراقات والترويج لـ"استقلال تايوان". فقد اعتمدت سلطات الحزب التقدمي الديمقراطي في تايوان موقفا انفصاليا، وتواطأت مع الجانب الأمريكي في اتخاذ خطوات استفزازية متتالية تهدف إلى تقسيم الصين. وقد أدت هذه الخطوات إلى توتر العلاقات عبر المضيق، وعرّضت السلام والاستقرار في مضيق تايوان للخطر، وقوضت آفاق ومجال إعادة التوحيد السلمي. وقد أصبحت هذه الخطوات عقبات رئيسية أمام دفع عملية إعادة التوحيد السلمي.

في السابع من إبريل، أعلن مكتب شؤون تايوان بمجلس الدولة الصيني، فرض عقوبات على "مؤسسة آفاق" و"مجلس الليبراليين والديمقراطيين الآسيويين" في تايوان بسبب دعوتهما إلى ما يُسمى بـ"استقلال تايوان". وفي الثامن من إبريل، ذكرت ((شينخوا)) أن قيادة المسرح الشرقي بجيش التحرير الشعبي الصيني بدأت دورية للاستعداد القتالي والتدريبات العسكرية حول جزيرة تايوان. هذه "الدورية" استمرت من الثامن إلى العاشر من إبريل. وقال شي يي المتحدث باسم قيادة المسرح الشرقي، إن الدوريات والتدريبات تجري في المناطق البحرية والمجال الجوي لمضيق تايوان، قبالة السواحل الشمالية والجنوبية للجزيرة، وفي شرق الجزيرة. وأضاف أن هذه العمليات بمثابة تحذير شديد ضد التواطؤ بين القوى الانفصالية التي تسعى إلى "استقلال تايوان" والقوى الخارجية وضد أنشطتها الاستفزازية، مضيفا أن العمليات ضرورية لحماية السيادة الوطنية للصين وسلامة أراضيها. وفي العاشر من إبريل، قال شي يي، في بيان، إن قيادة المسرح الشرقي لجيش التحرير الشعبي الصيني أنهت بنجاح جميع المهام في دوريات الإنذار القتالي وتدريبات "السيف المشترك" التي طوقت جزيرة تايوان، وأجرت اختبارا شاملا للقدرات العملياتية المشتركة المتكاملة للخدمات والفروع العسكرية المتعددة في ظل سيناريوهات قتالية واقعية. وقال إن قوات القيادة ستستعد وستكون جاهزة للمعركة في جميع الأوقات، وستسحق بحزم أي نوع من محاولات "استقلال تايوان" الانفصالية أو محاولات التدخل الخارجي.

في نشرة أخبار الظهيرة لتلفزيون ((أخبار الشرق)) في العاشر من إبريل، تصدرت المناورات العسكرية الصينية الأنباء، وقد سألتني دينا فياض مذيعة المحطة العربية التي تبث من دبي،عن رسائل التدريبات الصينية، فقلت إن الرسالة الأساسية هي أن الصين من خلال هذه المناورات تؤكد موقفها بأنها لا تعترف بأي إجراءات قد تلجأ إليها السلطات التايوانية لكسب دعم دولي من خلال الولايات المتحدة الأمريكية. الصين تقول إنها قادرة على تحقيق إعادة التوحيد وإنها لديها الإمكانيات، وإن هذه المناورات هي محاكاة لما يمكن أن يحدث إذا قررت بكين اللجوء إلى الحل غير السياسي. المناورات أيضا رسالة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بأن تايوان في النهاية جزء من الصين وأن بكين لن تستثني أي اختيار لتحقيق هدف إعادة الجزيرة إلى الوطن الأم.

واقع الأمر الذي يدركه الجميع هو أن القوة الوطنية للصين ونفوذها العالمي يتزايدان، في حين أن الولايات المتحدة الأمريكية تواصل توسيع التزاماتها العالمية والتي تشمل التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، كما أنها مثقلة بمشكلات اجتماعية واقتصادية خطيرة في الداخل. وبالتالي فإن مسعى السيدة تساي لإقناع الولايات المتحدة الأمريكية التي تعاني من التوسع العسكري المفرط والتي تعاني من ضائقة مالية ومنقسمة محليا، بالالتزام بدعم تايوان التي تحاول الزعيمة التايوانية دفعها نحو الاستقلال، هو أمر جد خطير وغير مسؤول، لأنه يلحق الضرر بالشعب في تايوان وفي الولايات المتحدة الأمريكية نفسها. وكما جاء في تعليق لصحيفة ((هوانتشيو)) "غلوبال تايمز" الصينية، فإن البر الرئيسي الصاعد والواثق والقوي لن يتسامح أبدا مع هذا الانقلاب. لا مراء في أن الفضاء الذي تتحرك فيه تساي ينغ ون يتقلص، ليس فقط خارج جزيرة تايوان وإنما أيضا داخلها ومن حولها.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4