على مقهى في الشارع الصيني < الرئيسية

المنطاد.. بالون اختبار آخر للعلاقات الصينية- الأمريكية

: مشاركة
2023-03-28 12:00:00 الصين اليوم:Source حسين إسماعيل:Author

بينما كان العالم يترقب زيارة وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية توني بلينكن إلى الصين، والتي كان مقررا لها أن تبدأ في الخامس من فبراير 2023، انفجرت حادثة "المنطاد" لتبدد الآمال في رأب بعض الصدع في العلاقات الصينية- الأمريكية. تم التخطيط لزيارة بلينكن في أعقاب لقاء الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الأمريكي جو بايدن في جزيرة بالي بإندونيسيا في الرابع عشر من نوفمبر 2022، على هامش اجتماعات قمة العشرين. في هذا اللقاء، تبادل رئيسا البلدين وجهات النظر على نحو صريح ومعمق حول القضايا الإستراتيجية في العلاقات الصينية- الأمريكية بالإضافة إلى القضايا العالمية والإقليمية الهامة، وفقا لتقرير نشرته وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا)) في 14 نوفمبر 2022. تضمن اللقاء، وهو أول اجتماع شخصي بين الرئيسين منذ أصبح بايدن رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، العديد من النقاط التي بثت بارقة أمل في أن تتجاوز علاقات بكين- واشنطن التداعيات السلبية الشديدة التي نجمت عن الزيارة الاستفزازية لرئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة نانسي بيلوسي إلى تايوان. في هذا اللقاء، أشار الرئيس شي إلى أن ما تشهده العلاقات الصينية- الأمريكية الآن لا يتفق مع المصلحة الأساسية للبلدين والشعبين، ولا يتفق مع تطلعات المجتمع الدولي. وقال أيضا: "الصين والولايات المتحدة الأمريكية دولتان كبيرتان تختلفان من حيث التاريخ والثقافة والنظام الاجتماعي وطريق التنمية، وكان وما زال بينهما اختلاف وخلاف، وسيظل في المستقبل. ولكن لا ينبغي أن تكون تلك الخلافات عائقا أمام تطور العلاقات الصينية- الأمريكية." ومن جانبه، قال الرئيس بايدن إن الصين المستقرة والمتطورة تصب في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية والعالم، وأكد أن بلاده تحترم نظام الصين ولا تسعى إلى تغييره، ولا تسعى إلى حرب باردة جديدة، ولا تسعى إلى معارضة الصين من خلال تقوية التحالفات.

في السابع عشر من يناير 2023، نقلت وسائل إعلام غربية عن مسؤول أمريكي قوله إن أنتوني بلنكين سيزور بكين يومي 5 و6 فبراير 2023، ليكون أول وزير خارجية أمريكي يزور الصين منذ أكتوبر 2018، عندما زار سلفه الجمهوري مايك بومبيو الصين عقب محادثاته مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون في بيونغ يانغ، وفقا لتقرير نشرته صحيفة ((لوموند)) الفرنسية في 17 يناير. وفي نفس اليوم، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بين، ردا على سؤال بشأن تقرير إعلامي أمريكي بأن بلنكين سيزور الصين يوم 5 فبراير: "ترحب الصين بزيارة وزير الخارجية بلنكين للصين. وتتواصل الصين والولايات المتحدة الأمريكية الآن بشأن الترتيبات المحددة." وفي العشرين من يناير 2023، وأثناء وجوده في جامعة شيكاغو الأمريكية، قال أنتوني بلينكن في رده على سؤال عما إذا كان التوتر قد انخفض مع الصين: "أعتقد ذلك، لأنك عندما تتحدث وتنخرط، يميل ذلك إلى أن يكون له هذا التأثير". وأضاف: "باقي العالم يتوقع منا أن ندير هذه العلاقة بمسؤولية، لأن الدول الأخرى تعلم أن ذلك سيؤثر عليها أيضا".

في الثالث من فبراير، نقلت وسائل إعلام غربية عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن منطاد "تجسس" صينيا يحلق فوق الولايات المتحدة الأمريكية منذ يومين. وقال المسؤولون أيضا إنه تم حشد طائرات مقاتلة، لكن القادة العسكريين نصحوا الرئيس جو بايدن بعدم إسقاط المنطاد من السماء خشية أن يشكل الحطام تهديدا على السلامة. وصرح المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" باتريك رايدر، بأن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية اكتشفت وتتعقب منطاد "مراقبة" على ارتفاعات عالية فوق الولايات المتحدة القارية في الوقت الحالي. المنطاد يتحرك حاليا على ارتفاع أعلى بكثير من الحركة الجوية التجارية ولا يمثل تهديدا عسكريا أو ماديا للناس على الأرض." الملاحظة هنا هو أن وسائل الإعلام الغربية، ومنها وكالة ((رويترز))، اعتبرت المنطاد "بالون تجسس (spy balloon)" حتى قبل الحصول على أي تفاصيل تؤكد أو تنفي ذلك، بينما وصفه المتحدث باسم البنتاغون بأنه "بالون مراقبة (surveillance balloon)". في ذات اليوم، وحسبما نقلت ((شينخوا))، أكد متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية أن دخول منطاد مدني إلى المجال الجوي الأمريكي كان غير مقصود بسبب ظروف قهرية. وقال المتحدث في بيان إن المنطاد من الصين، هو منطاد مدني يستخدم في الأبحاث، وخاصة في أغراض الأرصاد الجوية. وأضاف أن المنطاد تأثر بالرياح الغربية، وقدرته محدودة على التوجيه الذاتي، فانحرف بعيدا عن الاتجاه المخطط له. وأوضح المتحدث أن الجانب الصيني يأسف للدخول غير المقصود للمنطاد إلى المجال الجوي الأمريكي بسبب ظروف قهرية، لافتا إلى أن الجانب الصيني سيواصل التواصل مع الجانب الأمريكي، والتعامل المناسب مع هذا الوضع غير المتوقع والناجم عن ظروف قهرية. في نفس اليوم أيضا، كان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) وليام بيرنز، يتحدث في جامعة جورج تاون بواشنطن، حيث وصف الصين بأنها "أكبر تحد جيوسياسي" يواجه الولايات المتحدة الأمريكية.

بدا أن غيوما تتكاثف بسرعة في أجواء العلاقات المتوترة أصلا بين بكين وواشنطن. في الرابع من فبراير ذكرت ((شينخوا)) أن وانغ يي، مدير مكتب لجنة الشؤون الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني قال، في مساء الجمعة 4 فبرابر "بتوقيت بكين"، إن الصين والولايات المتحدة الأمريكية بحاجة إلى المحافظة على تركيزهما والتواصل في الوقت المناسب وتجنب سوء التقدير وإدارة الخلافات في مواجهة المواقف غير المتوقعة. وقالت ((شينخوا)) إن وانغ، وهو أيضا عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، أدلى بهذه التصريحات خلال محادثة هاتفية مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن. ومن جانبها، ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية على موقعها الإلكتروني في 3 فبراير (بتوقيت واشنطن)، أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن تحدث اليوم مع مدير مكتب لجنة الشؤون الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي في جمهورية الصين الشعبية وانغ يي ليبلغه أنه لن يسافر إلى جمهورية الصين الشعبية بالنظر إلى التواجد الحالي لمنطاد "مراقبة" تابع للصين على ارتفاعات عالية في أجواء الولايات المتحدة. وقال الوزير إنه كان ينوي زيارة بكين لمتابعة الأجندة التي اتفق عليها الرئيس بايدن والرئيس شي في نوفمبر في بالي. ونوه الوزير بلينكن إلى بيان الأسف الصادر عن جمهورية الصين الشعبية، ولكنه أشار إلى أن ما يحصل هو عمل غير مسؤول وانتهاك واضح لسيادة الولايات المتحدة والقانون الدولي وقد قوض للغاية من الزيارة. وشرح الوزير بلينكن أنه لن يكون من المناسب أن يزور بكين حاليا في ضوء هذا الوضع القائم. وشدد على التزام الولايات المتحدة بالمشاركة الدبلوماسية والمحافظة على خطوط الاتصال مفتوحة، كما أشار إلى أنه "على استعداد لزيارة بكين عندما تسمح الظروف بذلك".

في الرابع من فبراير (بتوقيت بكين)، ذكرت ((شينخوا)) أن متحدثا باسم وزارة الخارجية الصينية أدلى بملاحظات على إعلان الولايات المتحدة الأمريكية تأجيل زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى الصين. وقال المتحدث في بيان إنه ونظرا للدخول غير المقصود للمنطاد غير المأهول المجال الجوي الأمريكي بسبب قوة قاهرة، قام الجانب الصيني بالتحقق من الأمر وتواصل مع الجانب الأمريكي. وأضاف أن المنطاد هو منطاد جوي مدني يستخدم للبحوث، وبشكل رئيسي لأغراض الأرصاد الجوية. ونتيجة لتأثره بالرياح الغربية وقدرته المحدودة على التوجيه الذاتي، انحرف المنطاد الجوي بعيدا عن مساره المخطط. وقال المتحدث: "إنه وضع غير متوقع تماما نتج عن قوة قاهرة، والحقائق واضحة جدا." وتابع المتحدث، أن الصين تعمل بدقة دائما بما يتماشى مع القانون الدولي وتحترم السيادة والسلامة الإقليمية لجميع الدول، مضيفا أنه لا نية مطلقا عند الصين لانتهاك الأراضي أو المجال الجوي لأي دولة ذات سيادة. وقال أيضا: "قام بعض السياسيين ووسائل الإعلام في الولايات المتحدة الأمريكية بتضخيم الأمر للهجوم على الصين وتشويهها. إن الجانب الصيني يعارض ذلك بحزم." وأضاف: "في الحقيقة، لم يعلن أي جانب أبدا بأنه ستكون هناك زيارة. إنه أمر يعود للولايات المتحدة الأمريكية في إصدار إعلانها الأخير، ونحن نحترم ذلك."

في الرابع من فبراير، قال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستين، إن طائرة مقاتلة أسقطت المنطاد الصيني ردا على "انتهاك غير مقبول" للسيادة. وذكرت وكالة ((رويترز))، أن المنطاد أسقط قبالة سواحل ولاية كارولينا الجنوبية. وتعليقا على ذلك، قال الرئيس جو بايدن إنه طلب من وزارة الدفاع إسقاط منطاد "التجسس" الصيني في أقرب وقت ممكن، وأشاد بمن فعلوا ذلك. في الخامس من فبراير، أعرب تان كه في، المتحدث باسم وزارة الدفاع الوطني الصينية عن احتجاجه الشديد على استخدام الولايات المتحدة الأمريكية القوة لمهاجمة المنطاد المدني الصيني غير المأهول. وقال: "إننا نعرب عن احتجاجنا الشديد على تحرك الجانب الأمريكي ونحتفظ بالحق في اتخاذ الإجراءات اللازمة للتعامل مع مواقف مماثلة." وفي الخامس من فبراير، قدم شيه فنغ، نائب وزير خارجية الصين، احتجاجا رسميا للسفارة الأمريكية لدى الصين إزاء استخدام الولايات المتحدة الأمريكية القوة لمهاجمة المنطاد الصيني غير المأهول. ووفقا لبيان صدر عن وزارة الخارجية الصينية في السادس من فبراير، أكد شيه على أن دخول المنطاد الصيني إلى المجال الجوي الأمريكي حدث بسبب ظرف قهري لم يكن متوقعا تماما بل كان عَرَضيا، وأن خصوصيات وعموميات ما حدث واضحة تماما ولا تدع مجالا للتشويه أو التلطيخ. وقال شيه، وفقا لما نقلته ((شينخوا))، إن الجانب الأمريكي، مع ذلك، تجاهل كل هذا وبالغ في رد فعله بالإصرار على الاستخدام التعسفي للقوة تجاه المنطاد المدني الذي كان في طريقه لمغادرة المجال الجوي الأمريكي، مشيرا إلى أن هذا التصرف انتهك على نحو خطير روح القانون الدولي والممارسات الدولية. وأضاف أن "ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية أثر بشدة وقوّض الجهود والتقدم اللذين حققهما الجانبان في استقرار العلاقات بينهما منذ لقاء زعيمي البلدين في بالي بإندونيسيا." وقال أيضا: "الحكومة الصينية تتابع عن كثب تطورات الوضع، وستعمل بحزم على حماية الحقوق والمصالح المشروعة للشركة الصينية المعنية وحماية مصالح الصين وكرامتها، وتحتفظ بحق الرد في هذا الشأن إذا تطلب الأمر." 

في الخامس من فبراير، كنت ضيفا على برنامج "بالحبر الجديد" الذي تبثه قناة ((الميادين)) اللبنانية، لمناقشة موضوع "المنطاد الصيني.. ما حدود التأثير على علاقات بكين وواشنطن". قلت إن المنطاد هو بالون اختبار آخر للعلاقات الصينية- الأمريكية، وستكشف تداعياته عن مدى قدرة البلدين على معالجة خلافاتهما بحيث لا تنزلق إلى مزيد من التوترات. في السادس من فبراير، نشرت صحيفة ((هوانتشو "غلوبال تايمز")) الصينية تعليقا بعنوان "صِدْق الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق الاستقرار في العلاقات تحت الاختبار وسط حادثة المنطاد؛ المبالغة في رد الفعل تكشف عن عدم كفاءتها في إدارة الأزمات". ونقل التعليق عن سون تشنغ هاو، الباحث في مركز الأمن الدولي والإستراتيجية بجامعة تشينغهوا الصينية قوله: "كل من الجمهوريين والديمقراطيين يبالغون في حادثة المنطاد لتحقيق أهدافهم السياسية الخاصة دون النظر إلى أهمية استقرار العلاقات الثنائية مع الصين، لا سيما في مثل هذه الظروف الحاسمة." وقال سون إن عدم كفاءة إدارة بايدن في تحمل ضغوط الصقور المناهضين للصين سيشجعهم على القيام بمزيد من الاستفزازات المتهورة ضد الصين ودفع المشاعر غير المنطقية المعادية للصين، ويضع المزيد من العقبات أمام التبادلات بين البلدين ويدمر العلاقات الثنائية في نهاية المطاف. وخلص التعليق إلى القول إنه بالنظر إلى ما يواجهه العالم من تحديات لتحقيق الانتعاش الاقتصادي المشترك في حقبة ما بعد الوباء، كان بإمكان الصين والولايات المتحدة الأمريكية اغتنام الفرصة للجلوس والتحدث عن التعاون العملي في العديد من المجالات. ولكن يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية غير راغبة في اغتنام مثل هذه الفرصة لإصلاح العلاقات وتخفيف التوترات، ومن المرجح أن تشهد العلاقات الثنائية والعالم المزيد من الشكوك في المستقبل.

العلاقات الصينية- الأمريكية في حاجة إلى مقاربة جديدة وجريئة، وقد يكون من المفيد هنا اللجوء إلى ما يسمى بـ"الدبلوماسية الثقافية"، والتي تمثل ركيزة أساسية لـ"دبلوماسية المسار الثاني" التي تتضمن، من بين أشياء كثيرة، المشاركة وجهود التبادل بين المواطنين العاديين والجهات الفاعلة الفردية. لقد لعبت "دبلوماسية البينغ بونغ" دورا محوريا في إعادة فتح الحوار بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية في أوائل سبعينيات القرن العشرين، فهل نشهد شيئا مماثلا في المستقبل القريب؟ 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4