على مقهى في الشارع الصيني < الرئيسية

هونغ كونغ والوطن الأم

: مشاركة
2022-06-30 17:04:00 الصين اليوم:Source حسين إسماعيل:Author

في عام 1997، كُلفت بترجمة "القانون الأساسي لمنطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة" إلى اللغة العربية. كانت فرصة نادرة، فقد اطلعت على كل كلمة في هذه الوثيقة التي تنص مادتها الأولى على أن هونغ كونغ جزء من جمهورية الصين الشعبية، لكنها تحتفظ بأنظمة قانونية وسياسية مختلفة عن تلك الموجودة في بر الصين الرئيسي حتى عام 2047، أي لمدة خمسين عاما اعتبارا من الأول من يوليو عام 1997، وهو الموعد الذي استعادت فيه جمهورية الصين الشعبية ممارسة سيادتها على الجزيرة الصينية التي خضعت للحكم البريطاني مائة وستة وخمسين عاما (1841- 1997). وكنت محظوظا أن أشهد بنفسي في قلب هونغ كونغ مراسم إنزال علم المملكة المتحدة ورفع علم جمهورية الصين الشعبية في سماء هونغ كونغ. على مدى أسبوع أمضيته في هونغ كونغ، منذ السابع والعشرين من شهر يونيو حتى الرابع من شهر يوليو عام 1997، عايشت تلك اللحظات التاريخية في تاريخ الجزيرة والصين.

ما بين ترجمة وقراءة "القانون الأساسي لمنطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة"، ومراسم عودة الجزيرة إلى الوطن الأم وحتى زيارتي إلى هونغ كونغ في عام 2002، لاحظت التحولات في هذه المدينة التي تفيض حيوية وتنوعا. وجدتها مدينة حبلى بالفرص التي تجذب إليها الباحثين عن النجاح من كل أصقاع الأرض. وخلال السنوات الخمس والعشرين الفائتة، تعرضت هونغ كونغ لاختبارات صعبة، منها الأزمة المالية الآسيوية التي اندلعت في نفس عام عودتها إلى الوطن الأم، وتفشي وباء سارس سنة 2003، والمظاهرات في عام 2014، والتي تكررت في سنوات لاحقة احتجاجا على قرارات وإجراءات اتخذتها الحكومة الصينية المركزية أو حكومة المنطقة.

في ثمانينات القرن العشرين، وخلال مفاوضات الصين مع بريطانيا بشأن هونغ كونغ، صاغت الصين ما يُعرف بسياسة أو نظام "دولة واحد ونظامان"، والذي يعني أنه داخل جمهورية الصين الشعبية، يحافظ بر الصين الرئيسي على النظام الاشتراكي، بينما تظل هونغ كونغ تحت النظام الرأسمالي. وحسب "القانون الأساسي لمنطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة"، فإن هذا يستمر لمدة خمسين عاما دون تغيير. المغزى من ذلك، وحسب فهمي لنصوص "القانون الأساسي لمنطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة"، هو أن القيادة الصينية عندما وضعت "دولة واحد ونظامان" كانت تعي جيدا أن النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي في هونغ كونغ، بعد مائة وستة وخمسين عاما تحت الحكم البريطاني، لا بد أن يكون مختلفا بشكل أو بآخر عن بر الصين الرئيسي، ومن ثم فإن هناك حاجة إلى مرحلة انتقالية يتم فيها بالتدريج مزج ودمج وتكييف الأوضاع داخل هونغ كونغ لتقترب مما في بر الصين الرئيسي. الآن، ونحن في عام 2022، يكون قد مضى نصف هذه المدة، وبطريقة عملية تكون عملية "تطبيع" الأوضاع في هونغ كونغ لتتلاءم مع ما في بر الصين الرئيسي قد وصلت إلى منتصف الطريق. وبالنظر إلى ما حدث خلال الخمسة والعشرين عاما المنصرمة يمكن القول إن الحكومة المركزية قد أدارت هذه العملية بحكمة وحصافة، وأيضا بجسارة وعزيمة غير آبهة بالقوى التي حاولت، وستظل تحاول، إعاقة تقدمها على هذا المسار. اتخذت الحكومة المركزية الإجراءات اللازمة التي تضمن استقرار وتطور هونغ كونغ اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، سواء فيما يتعلق بآليات انتخاب الرئيس التنفيذي للمنطقة الإدارية الخاصة أو الأمن الوطني والتصدي لمحاولات زعزعة الاستقرار في المنطقة بدعم من أطراف خارجية.

في الثامن من مايو هذا العام، أجريت انتخابات الرئيس التنفيذي السادس لمنطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة، والتي فاز فيها السيد جون لي كا- تشيو وتم تعيينه من قِبَل مجلس الدولة الصيني في الحادي والعشرين من الشهر ذاته، ليبدأ ممارسة مهام منصبه خلفا للسيدة كاري لام، اعتبارا من الأول من يوليو 2022 ولمدة خمس سنوات. وفي الثلاثين من مايو، التقى الرئيس شي جين بينغ مع جون لي، وأكد أن جون لي يتمتع بالثقة الكاملة من الحكومة المركزية، مشددا على عزم الحكومة المركزية على التنفيذ الثابت لـ"دولة واحدة ونظامان".

يتسلم الرئيس التنفيذي الجديد منصبه بينما تشهد هونغ كونغ ظروفا صعبة، شأن غالبية اقتصادات العالم. في الربع الأول من عام 2022، انكمش اقتصاد هونغ كونغ بنسبة 4% على أساس سنوي بالقيمة الحقيقية، بعد زيادة بنسبة 7ر4% في الربع الرابع من عام 2021. وبالنظر إلى الدعم من التدابير الحكومية المختلفة، تتوقع الحكومة أن يكون ينمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022 بنسبة ما بين 1% إلى 2%. وينعكس هذا بالطبع على حياة المواطنين، فقد ارتفعت أسعار المستهلك الإجمالية بنسبة 3ر1% في شهر إبريل 2022 مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق، وهو أقل من متوسط ​​معدل الزيادة في مارس 2022 والذي بلغ 7ر1%. وتتوقع الحكومة أن يبلغ تضخم أسعار المستهلكين الأساسي في هونغ كونغ 2% لعام 2022. وانخفضت قيمة مبيعات التجزئة، بالقيمة الاسمية، بنسبة 8ر13% على أساس سنوي في مارس 2022 مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق. وفي فبراير 2022، انخفضت قيمة إجمالي مبيعات التجزئة بنسبة 6ر14% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021. وفرض تدهور الوضع الوبائي المحلي مزيدا من الضغط على سوق العمل، حيث ارتفع معدل البطالة المعدل موسميا من 5% في فترة يناير- مارس 2022 إلى 4ر5% في فترة فبراير- إبريل 2022. ولكن الصادرات السلعية ارتفعت بنسبة 1ر1% في إبريل 2022 مقارنة بنفس الشهر من العام السابق، بعد انخفاض سنوي قدره 9ر8% في مارس 2022.

ومع ذلك تظل هونغ كونغ الاقتصاد الأكثر حرية في العالم. وهي أحد أكثر الاقتصادات توجها نحو الخدمات في العالم، حيث شكلت قطاعات الخدمات 5ر93% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة في عام 2020. وحسب منظمة التجارة العالمية، كانت هونغ كونغ سادس أكبر مصدر لتجارة البضائع في العالم في عام 2020، وقد تقدمت مركزين عن عام 2019. ووفقا لتقرير الاستثمار العالمي لعام 2021 الصادر عن مؤتمر الأمم المتحد للتجارة والتنمية (أونكتاد)، بلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي إلى هونغ كونغ 2ر119 مليار دولار أمريكي في عام 2020، واحتلت المرتبة الثالثة عالميا، بعد الولايات المتحدة الأمريكية (3ر156 مليار دولار أمريكي) وبر الصين الرئيسي (3ر149مليار دولار أمريكي). ومن حيث تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الخارجة من هونغ كونغ، احتلت المنطقة المرتبة الرابعة عالميا بقيمة 2ر102 مليار دولار أمريكي، بعد بر الصين الرئيسي (9ر132 مليار دولار أمريكي) ولوكسمبورغ (1ر127 مليار دولار أمريكي) واليابان (7ر115 مليار دولار أمريكي). ووفقا لمسح أجراه بنك التسويات الدولية، تُعد هونغ كونغ ثاني أكبر سوق للعملات الأجنبية في آسيا ورابع أكبر سوق في العالم في عام 2019. وحسب جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (SWIFT)، كانت هونغ كونغ أكبر مركز مقاصة للرنمينبي في الخارج في عام 2021. وبحلول نهاية عام 2021، احتلت سوق الأوراق المالية في هونغ كونغ المرتبة الرابعة بين أكبر الأسواق في آسيا والسابعة في العالم، حيث بلغ إجمالي القيمة السوقية 4ر5 تريليونات دولار أمريكي. تُعد هونغ كونغ أيضا رابع أكبر سوق لجمع الأموال للاكتتاب العام في العالم، حيث تم جمع 3ر42 مليار دولار أمريكي من خلال الاكتتاب العام في عام 2021. هونغ كونغ مركز مصرفي ومالي مهم في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وهونغ كونغ هي المركز المالي العالمي الثالث، وفقا لمؤشر المركز المالي العالمي. ومطار هونغ كونغ الدولي هو أكثر المطارات ازدحاما في العالم للشحن الجوي الدولي منذ عام 2010. هونغ كونغ هي أيضا واحدة من أكثر موانئ الحاويات ازدحاما في العالم. في عام 2020، احتلت هونغ كونغ المرتبة التاسعة في العالم من حيث إنتاجية الحاويات. ووفقا لمؤشر الابتكار العالمي، احتلت هونغ كونغ المرتبة الرابعة عشر عالميا في عام 2021. وفي الثامن عشر من فبراير عام 2019، كشفت الحكومة المركزية الصينية عن خطة التنمية الشاملة لمنطقة خليج قوانغدونغ- هونغ كونغ- ماكاو الكبرى. وبدعم كامل من الحكومة المركزية، تندمج هونغ كونغ في التنمية الوطنية الشاملة للصين، فهذه الخطة تدعم هونغ كونغ في توطيد وتعزيز مكانتها كمركز دولي للمال والنقل والتجارة الدولية، فضلا عن وضعها كمركز أعمال عالمي في الخارج بالرنمينبي.

مع الاحتفال بمرور خمسة وعشرين عاما على عودة هونغ كونغ إلى الوطن الأم، تتجه الأنظار نحو تايوان بعد التصريحات المثيرة التي أدلى بها الرئيس الأمريكي جو بايدن في الثالث والعشرين من مايو خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، والتي قال فيها إن الولايات المتحدة الأمريكية ستتدخل عسكريا إذا قامت الصين بالاستيلاء على جزيرة تايوان بالقوة. بينما قال كيشيدا إن المحاولات الأحادية الجانب لتغيير الوضع بالقوة، كما هو الحال في أوكرانيا، يجب ألا يتم التسامح معها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وأضاف أنه وبايدن شددا على أهمية السلام والاستقرار في مضيق تايوان. وردا على هذه التصريحات، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بين، إن جزيرة تايوان جزء لا يتجزأ من الصين وإن مسألة تايوان هي "شأن داخلي بحت للصين"، ولن تسمح الصين بتدخل القوى الأجنبية. وقال أيضا: "ليس لدى الصين مجال لتقديم أي حل وسط في المسائل التي تتعلق بمصالحها الجوهرية بشأن وحدة الأراضي والسيادة."

موقف الصين من مسألة تايوان جلي تماما. وأنقل هنا ما قاله الرئيس شي جين بينغ في الثاني من يناير عام 2019، حول هذه المسألة: "منذ عام 1949، اتخذ الحزب الشيوعي الصيني وحكومة الصين والشعب الصيني دائما حل مسألة تايوان وتحقيق إعادة توحيد الوطن الأم الكامل كمهمة تاريخية لا تتزعزع، حيث نتضامن مع مواطني تايوان لدفع الوضع في مضيق تايوان من المجابهة المتوترة إلى التخفيف والتحسين، ثم السير في طريق التنمية السلمية فحققت العلاقات بين جانبي مضيق تايوان اختراقا مستمرا." وقال أيضا: "يكمن مستقبل تايوان في توحيد البلاد، ورخاء مواطني تايوان يعتمد على نهضة الأمة الصينية. والتنمية السلمية للعلاقات بين جانبي مضيق تايوان هي الطريق الصحيح للمحافظة على السلام بين جانبي المضيق." وحدد شي جين بينغ بوضوح رؤيته لإعادة التوحيد السلمي للوطن الأم بقوله، إن اختلاف الأنظمة ليس عائقا أمام التوحيد، ولا ذريعة للانفصال. الغرض من طرح "دولة واحدة ونظامان" هو الاهتمام بواقع تايوان وحماية مصالح وسعادة مواطني تايوان. إن الشكل الملموس لتحقيق "دولة واحدة ونظامان" في تايوان سيضع في الاعتبار بشكل مستفيض الأحوال الواقعية لتايوان وسوف يستوعب بشكل مستفيض أراء ومقترحات مختلف الأوساط على جانبي المضيق، وسوف يهتم بشكل مستفيض بمصالح ومشاعر مواطني تايوان. وأكد السيد شي على أن الصينيين لا يقاتلون صينيين آخرين. وقال: "نحن على استعداد للسعي إلى مستقبل إعادة التوحيد السلمي بأكبر نية صادقة، وبذل أقصى الجهود." ولكنه قال أيضا: "نحن لا نتعهد بالتخلي عن اللجوء إلى القوة، ونحتفظ بخيار اتخاذ جميع التدابير اللازمة في مواجهة التدخل الخارجي وعدد قليل جدا من الانفصاليين الداعين إلى استقلال تايوان وأنشطتهم الانفصالية، وليس ضد مواطني تايوان."

تحرص الصين على نجاح سياسة "دولة وحدة ونظامان" في هونغ كونغ وماكاو، باعتبار ذلك ممارسة عملية أمام أبناء تايوان من أجل الإسراع بإعادة توحيد الوطن الأم كاملا، كمهمة تاريخية راسخة للحزب الشيوعي الصيني والحكومة الصينية والشعب الصيني.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4