على مقهى في الشارع الصيني < الرئيسية

ميزانية الدفاع الصينية

: مشاركة
2022-05-05 18:25:00 الصين اليوم:Source حسين إسماعيل:Author

رقمان، أو بالأحرى نسبتان مئويتان، توقفت عندهما وسائل الإعلام بمجرد إعلانهما في بكين يوم السبت الموافق الخامس من شهر مارس سنة 2022، ضمن تقرير عمل الحكومة الصينية الذي قدمه رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ أمام الدورة الخامسة للمجلس الوطني الـثالث عشر لنواب الشعب الصيني. النسبة الأولى، 5ر5%، هي المستهدفة لنمو الناتج المحلي الإجمالي للصين في عام 2022؛ والنسبة الثانية، 1ر7%، هي الزيادة المستهدفة في ميزانية الدفاع الصينية لعام 2022، النسبة الأولى حظيت باهتمام كبير من الإعلام الصيني، بينما كان نصيب الثانية من اهتمام الإعلام الخارجي أوفر.

في حديث مع إذاعة الصين الدولية، في الخامس من مارس 2022، حول معدل النمو المستهدف للصين هذا العام، قلت إن نسبة 5ر5% تعكس ثقة الصين في نمو اقتصادها وحذرها المبرر نتيجة العوامل الداخلية والخارجية وحالة عدم اليقين السائدة. علينا أن نتذكر أن الصين استهدفت في تقرير عمل الحكومة لعام 2021 معدل نمو "أكثر من 6%" وفي نهاية العام تجاوز النمو الفعلي هذه النسبة وبلغ 1ر8%. باستثناء تعليق تحديد النمو المستهدف في عام 2020 بسبب تفشي فيروس كورونا، وخلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2002 في أعقاب الأزمة المالية الآسيوية، هذه النسبة هي أقل معدل نمو مستهدف منذ عام 1991، وتمثل الحد الأقصى لتوقعات السوق، وفقا لتقرير عمل الحكومة، ومع ذلك فإن تحقيق نمو اقتصادي بهذا المعدل يعد مكسبا كبيرا، بالنظر إلى حجم الناتج المحلي الإجمالي الذي تحقق في عام 2021، والذي بلغ 37ر114 تريليون يوان، أي ما يعادل حوالي 18 تريليون دولار أمريكي، إذ شهد الاقتصاد الصيني زيادة صافية قدرها ثلاثة تريليونات دولار أمريكي في ذلك العام.

الحديث عن زيادة الإنفاق الدفاعي للصين جاء أكثر سخونة، كما هي العادة، وزاد من رغبة التدقيق فيها تزامن إعلانها مع اشتعال الحرب في أوكرانيا بالقارة الأوروبية. النسبة المحددة لزيادة ميزانية الدفاع الصينية هذا العام، 1ر7%، تعني أن الإنفاق الدفاعي الإجمالي للصين في عام 2022 سيصل إلى تريليون وأربعمائة وخمسين مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي 3ر6 يوانات حاليا)، ما يعادل حوالي مائتين وثلاثين مليار دولار أمريكي، وهي أعلى من النسبة لعام 2021 والتي كانت 8ر6% ومن عام 2020 والتي كانت 6ر6%، ولكنها أقل من النسبة لعام 2015 (1ر10%) ولعام 2016 (6ر7%)، وبموافقة المجلس الوطني لنواب الشعب، فإن النسبة لعام 2022، تعد استمرارا للزيادة برقم فردي، أي أقل من 10% لمدة سبع سنوات متتالية منذ عام 2016 وأيضا عودة إلى الزيادة بنسبة حوالي 7%.

المحللون الصينيون يرون أن هذه الزيادة في ميزانية دفاع جيش التحرير الشعبي الصيني معقولة، في وقت تحتاج فيه الصين إلى تحديث قدراتها العسكرية لحماية السيادة الوطنية وسلامة أراضيها في ظل التهديدات الخارجية الشديدة والبيئة الأمنية غير المستقرة. وقد بات من الممكن للصين مواصلة دفع تحديثها العسكري بفضل النمو الاقتصادي الإيجابي الذي حققته تدابير الوقاية والسيطرة الفعالة على جائحة كوفيد- 19. وقد قال الخبير العسكري الصيني فو تشيان شاو، إن زيادة ميزانية الدفاع الصينية متوقعة، لأن الإنفاق العسكري للبلاد ينمو جنبا إلى جنب مع نمو الاقتصاد الوطني. وعلى الرغم من تأثير جائحة كوفيد- 19على التنمية الاقتصادية للصين على مدار العامين الماضيين، كانت إجراءات الوقاية من الوباء والسيطرة عليه في البلاد أكثر فاعلية من البلدان الأخرى، مما أدى إلى نمو اقتصادي إيجابي. في المقابل، يمكن استخدام الإنفاق العسكري المتزايد للصين لحماية ثمار التنمية الاقتصادية للبلاد.

وحسب الخبير العسكري الصيني سونغ تشونغ بينغ، لا ينبغي اعتبار نسبة 1ر7% رقما مرتفعا بالنظر إلى الحجم الكبير للجيش الصيني، والاحتياجات الهائلة لتحديث الأسلحة والمعدات، والتهديدات الخارجية المتزايدة التي تواجهه الصين. تحتاج الصين إلى تحديث ترسانتها من خلال إدخال أسلحة ومعدات جديدة، وتعزيز التدريبات الواقعية الموجهة نحو القتال، وبناء الدعم اللوجستي وتقديم مستوى معيشة أفضل للعسكريين. وهذا يتطلب المزيد من الأموال في وقت ترتفع فيه الأسعار بسبب التضخم.

وكان البيان الصادر عن الجلسة الكاملة الخامسة للجنة المركزية التاسعة عشرة للحزب الشيوعي الصيني، التي عقدت في بكين في أكتوبر 2020، قد دعا إلى "خطوات كبيرة في تحديث الدفاع الوطني والقوات المسلحة في السنوات الخمس المقبلة"، كأحد أهم أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الخطة الخمسية الرابعة عشرة (2021- 2025). كما شدد البيان على أن تنمية الاقتصاد يجب أن تسير جنبا إلى جنب مع تعزيز قدرة الجيش. وبحلول الذكرى المئوية لتأسيس جيش التحرير الشعبي الصيني في عام 2027، يجب تحقيق الهدف المئوي للتطوير العسكري، وبحلول عام 2035 يجب أن تحقق الدولة تحديث دفاعها الوطني وقواتها المسلحة.

وحسب تقرير عمل الحكومة المشار إليه، فإن الصين قطعت في عام 2021، خطوات كبيرة في تعزيز الدفاع الوطني والقوات المسلحة، وبدأت بداية جيدة في هذا المسعى في فترة الخطة الخمسية الرابعة عشرة، وفي عام 2022، ستعمل على تحقيق أهداف الذكرى المئوية لجيش التحرير الشعبي الصيني. وفي عام 2027، ستعزز التدريب العسكري والاستعداد القتالي، وستعزز الحزم والمرونة في تنفيذ الكفاح العسكري، وحماية سيادة الصين وأمنها ومصالح تنميتها. وحسب التقرير، ستتحرك الصين بشكل أسرع لتحديث أنظمة إدارة الأصول واللوجستيات للجيش، وبناء نظام حديث لإدارة الأسلحة والمعدات، ومواصلة إصلاح الدفاع الوطني والجيش، وتكثيف الابتكارات في علوم وتكنولوجيا الدفاع، وتنفيذ إستراتيجية تعزيز الجيش من خلال تدريب الأفراد الأكفاء في العصر الجديد، وإدارة الجيش وفقا للقانون والانضباط الصارم، وتعزيز التنمية العالية الجودة للجيش، وتحسين تخطيط علوم وتكنولوجيا صناعة الدفاع.

في الخامس من مارس 2022، أشارت صحيفة ((هوانتشيو"غلوبال تايمز")) التابعة لصحيفة ((الشعب اليومية)) الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الصيني، إلى أنه من المرجح أن تطلق الصين حاملة طائراتها الثالثة في عام 2022، وتوسع إنتاج الطائرة المقاتلة الشبح J-20، وتقوم بتحديث ترسانتها النووية. ومن المتوقع أن يجري الجيش الصيني على مدار عام 2022 تدريبات متنوعة، من التدريبات الأساسية إلى التدريبات الأكثر تعقيدا والصعبة التي تتميز بالاستخدام الواسع النطاق للوقود والذخائر الحية.

وبحسب ((هوانتشيو))، فإن الصين تواجه تهديدات جمة، ومنها عمليات عبور السفن الحربية الأمريكية الاستفزازية في مضيق تايوان، ومهام الاستطلاع عن كثب بطائرات التجسس في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي، واقتحام السفن الحربية للمياه الإقليمية الصينية في بحر الصين الجنوبي، ناهيك عن حشد الحلفاء بعيدا عن الصين مثل فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة لإرسال سفن حربية والانضمام إلى التحركات التي تثير القلاقل في المنطقة. وقد أجرت الولايات المتحدة الأمريكية واليابان والهند وأستراليا الحوار الأمني ​​الرباعي وأقنعت واشنطن أستراليا والمملكة المتحدة بالانضمام إلى اتفاقية أوكوس (AUKUS) الأمنية لتطويق الصين، كما أجرت تدريبات عسكرية مكثفة بالقرب من الصين، بينما أرسلت إشارات خاطئة للانفصاليين التايوانيين، من خلال قيامها ببيع أسلحة لجزيرة تايوان. وقد ذكر تقرير عمل الحكومة أن الصين تعارض بشدة أي أنشطة انفصالية تسعى إلى "استقلال تايوان" وتعارض بشدة التدخل الأجنبي.

وأشارت الصحيفة الصينية إلى أنه بينما مازال الوضع على طول الحدود الصينية- الهندية مستقرا وتحت السيطرة، لم يتم حل المواجهات بالكامل بعد جولات وجولات من المحادثات. ويقول خبراء صينيون إنه فقط من خلال امتلاك ميزانية دفاعية كافية يمكن للجيش الصيني أن يبني بيئة أمنية أفضل وحماية السيادة الوطنية للصين وسلامة أراضيها.

ليس سرا أن التطور العسكري للولايات المتحدة الأمريكية يركز على الصين، حيث أن أسلحتها ومعداتها الجديدة، مثل الغواصة النووية الهجومية من الجيل التالي والمدمرات والطائرات المقاتلة، وكذلك قاذفات B-21 والصواريخ التي تفوق سرعة الصوت، تضع الصين في اعتبارها. وحسب محللين صينيين، فإن زيادة ميزانية الدفاع في الصين تسمح للجيش الصيني بالتعامل مع التهديدات العسكرية التي تشكلها الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، مع التأكيد على أن الصين ملتزمة بسياسة دفاعية ذات طبيعة دفاعية وليست مهتمة بالانضمام إلى سباق التسلح.

عند الحديث عن ميزانيات الدفاع، تتجه الأنظار إلى القوى العسكرية الكبرى في العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. في الحادي والعشرين من فبراير 2021، ذكرت صحيفة ((الشرق الأوسط)) اللندنية أنه بحسب تقرير نشرته شبكة ((فوكس نيوز)) الأمريكية، قالت مصادر لوكالة ((رويترز))، إنه من المتوقع أن يطلب الرئيس الأمريكي جو بايدن من الكونغرس في الأشهر المقبلة ميزانية دفاعية تزيد عن 770 مليار دولار أمريكي، ومع إضافات يحتمل أن تتجاوز 800 مليار دولار أمريكي للسنة المالية 2023 التي تبدأ في الأول من أكتوبر. وبالمقارنة، طلب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب 9ر752 مليار دولار أمريكي من الإنفاق الدفاعي خلال سنته الأخيرة في منصبه، والتي زادها الكونغرس بمقدار 25 مليار دولار أمريكي إلى 778 مليار دولار أمريكي لهذه السنة المالية. ووفقا لـ((رويترز))، يتطلع البنتاغون إلى استخدام الأموال الإضافية لعام 2023 لتحديث الجيش، مع تركيز الإنفاق على الرواتب والدبابات والأولويات الأخرى، مثل بناء السفن والطائرات. وتمثل ميزانية الدفاع الأمريكية البالغة 778 مليار دولار أمريكي للسنة المالية 2022 حوالي 7ر3% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأمريكية، و39% من إجمالي الإنفاق العسكري على مستوى العالم.

نلاحظ هنا أن ميزانية الدفاع الأمريكية أكثر من ثلاثة أضعاف ميزانية الدفاع الصينية، وأن الإنفاق العسكري للصين يمثل حوالي 3ر1% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد على مدى السنوات القليلة الماضية، بينما المتوسط العالمي يبلغ 2%. ووفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام في السويد، فإن هذه النسبة في عام 2021 كانت 7ر3% للولايات المتحدة الأمريكية و4ر8% للسعودية و9ر2% للهند و2ر2% للمملكة المتحدة و3ر4% لروسيا. وإذا تم حساب الإنفاق الدفاعي وفقا لمتوسط نصيب الفرد فإن الصين التي يزيد عدد سكانها عن مليار وأربعمائة مليون نسمة، ستكون في مرتبة متأخرة.

افتتاحية صحيفة ((هوانتشيو)) في الخامس من مارس 2022، قالت إن وسائل الإعلام الأمريكية والغربية لا تجري مثل هذه المقارنات، واتهمت الإعلام الغربي بنصب فخ للرأي العام بمطالبة الصين باستمرار "بإثبات براءتها". حسب الافتتاحية، لم تكن الصين أبدا دولة عسكرية، وكانت سياستها الدفاعية دائما ذات طبيعة دفاعية. لقد أدى ضبط النفس الذي تمارسه الصين في الواقع إلى تحقيق مكاسب السلام في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. على مر السنين، أصبحت آسيا المنطقة الأسرع نموا في العالم، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى البيئة السلمية والمستقرة، والتي ساهم فيها إصرار الصين على الوسائل السلمية لحل النزاعات بشكل كبير. وتقول الافتتاحية إن مواقف الدول المجاورة تجاه التنمية الدفاعية للصين معتدلة في الغالب. لكن أكثر الاتهامات والفتنة تأتي من الولايات المتحدة الأمريكية، التي أثارت معظم الصراعات في المنطقة وتمثل حوالي 40% من إجمالي الإنفاق الدفاعي العالمي. وتخلص الافتتاحية إلى القول إنه مع استمرار توسع ونمو الاقتصاد الصيني، سيحافظ تطوير الدفاع الوطني الصيني في المستقبل على وتيرته الثابتة ولن يتأثر بضوضاء الولايات المتحدة الأمريكية والغرب. لن "نسير مع التيار" بشكل سلبي، ولن ننخرط في "تقدم متهور إستراتيجي". إن تطوير القوة العسكرية للصين هو مظهر شامل للتقدم الإستراتيجي الوطني والثبات، وقوة الصين هي قوة للحضارة والسلام، وهي قوة إيجابية تحمي السلام والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والعالمي.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4