على مقهى في الشارع الصيني < الرئيسية

"المحاربون الذئاب" في مواجهة الكلاب المسعورة

: مشاركة
2021-09-26 11:03:00 الصين اليوم:Source حسين إسماعيل:Author

كانت لافتةً التصريحاتُ التي أدلى بها سفير الصين لدى فرنسا لو شا يه خلال مقابلة مع صحيفة ((لوبينيون)) الفرنسية، والتي قال فيها إنه فخور بلقب "المحارب الذئب" وإنه عازم على الوقوف في طريق "الكلاب المسعورة" التي تهاجم الصين. وقد أعادت نشر تلك التصريحات وسائلُ إعلام صينية، في البر الرئيسي وفي منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة، ومنها صحيفة ((هوانتشيو)) "غلوبال تايمز" التابعة لصحيفة ((الشعب اليومية)) الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الصيني، التي قالت في 18 يونيو 2021: "السفير لو شا يه هو أول دبلوماسي صيني يؤيد علانية دبلوماسية "الدفاع عن النفس" التي تهدف إلى الدفاع عن المصلحة الوطنية والصورة الوطنية، بعد أن ألمحت وسائل إعلام أجنبية مؤخرا إلى أن الصين تتحول عن أسلوبها الدبلوماسي الحالي." أما صحيفة ((ساوث تشينا مورنينغ بوست)) التي تصدر بالإنجليزية في هونغ كونغ، فقالت في 17 يونيو 2021، إن أحد أكثر الدبلوماسيين الصينيين صراحة قال إن "دبلوماسية المحارب الذئب"، التي يصف بها الغرب الدبلوماسية الصينية، هي في الحقيقة دفاع مبرر ضد الانتقادات الغربية، وإن على العالم أن يعتاد على الأسلوب الدبلوماسي الجديد للصين. ونقلت الصحيفة عن السفير لو شا يه قوله: "في الماضي، ظلت الصين بعيدة عن الأضواء، لكن قوتها ومكانتها المتصاعدة على مر السنين والضغط المتزايد من الغرب أشعلا حاجتها إلى الرد." وأضافت أن الصين حولت تركيزها من شعار "تاوقوانغ يانغهوي" (استعد في الخفاء، وانتظر الفرصة السانحة) للزعيم الراحل دنغ شياو بينغ، إلى خط أقل شهرة ولكنه أكثر حزما وهو "تحقيق شيء ما".

في السنوات الأخيرة، وبشكل أكثر كثافة بعد تفشي جائحة كوفيد- 19، استخدمت وسائل إعلام غربية مصطلح "دبلوماسية المحارب الذئب"، في إشارة إلى الأسلوب الذي ينتهجه دبلوماسيون صينيون في الدفاع عن المصالح الوطنية لبلادهم وصورتها العالمية، باعتبار أن ذلك تحول عن

الممارسات الدبلوماسية الصينية السابقة التي تم تعظيمها، ومنها نهج "تاوقوانغ يانغهوي" الذي أسس له الزعيم الصيني الراحل دنغ شياو بينغ، ويتلخص في تجنب الجدل واستخدام الخطاب التعاوني، و"المحافظة على ظهور منخفض". 

 اختيار مصطلح "دبلوماسية المحارب الذئب" لا يخلو من دلالة، ذلك أن "المحارب الذئب" هو اسم فيلم صيني عُرض الجزء الأول منه سنة 2015 والجزء الثاني سنة 2017. في هذا الفيلم، تقوم مجموعة عمل مشتركة من قوات العمليات الخاصة بجيش التحرير الشعبي الصيني والشرطة الصينية بمداهمة لعملية تهريب مخدرات في منشأة كيميائية مهجورة في جنوبي الصين. وأثناء العملية، يَحتجزُ قائدُ عملية التهريب أحد رجاله كرهينة ويحتمي خلف جزء من الجدار المحصن للمنشأة. في هذه الأثناء، يتجاهل أحد أفراد المجموعة، وهو قناص ماهر في جيش التحرير الشعبي الصيني، أوامر قيادته بإخلاء الموقع من أجل حماية الرهينة، ويطلق ثلاث رصاصات على جزء ضعيف من الجدار ويخترقه ويقتل قائد عملية التهريب. المغزى هو أن القناص/ المحارب الذئب أصاب الهدف ولكنه خالف الأوامر/ النهج العام.

وحسب صحيفة ((هوانتشيو))، فإن المحللين الصينيين لا يعتبرون الدبلوماسية الحالية الحازمة التي تدافع عن نفسك عند الضرورة، والتي تسميها الدول الغربية "دبلوماسية المحارب الذئب" شيئا مسيئا للبلاد، ويعتقدون أنها لا تتعارض مع رسالة الرئيس شي جين بينغ بتعزيز صورة جديرة بالثقة والاحترام للصين. وعلاوة على ذلك، من الخطأ الاعتقاد بأن مثل هذا الأسلوب الدبلوماسي سوف يتغير في الصين، وفقا للصحيفة.

في مقابلته مع صحيفة ((لوبينيون))، قال السفير لو شا يه إن "المحارب الذئب" هو شكل من أشكال المديح في الصين، ويرمز إلى المحاربين الذين يقاتلون من أجل بلادهم. وقال إن الذين يتهمون الدبلوماسية الصينية بـأنها "دبلوماسية المحارب الذئب" جبناء، وأولئك الذين هم في وضع الهجوم هم الذين يحبون اتهام الضحايا بأنهم "عدوانيون". وأضاف أن الصين لم تكن دولة معتدية على الإطلاق، ولكن في العام الماضي تعرضت لانتقادات على جبهات متعددة، متسائلا: "أليس من حقنا الدفاع على أنفسنا والدفاع عن أنفسنا؟ هذا ليس عدلا!" وأوضح سفير بكين لدى باريس أن مصطلح "المحارب الذئب" هو في الحقيقة مصطلح إيجابي في الصين، في إشارة إلى المحاربين الذين يقاتلون من أجل بلادهم. وقال: "نظرا لوجود الكثير من الكلاب المسعورة التي تهاجم الصين، يشرفني أن أحصل على لقب "المحارب الذئب". نحن مقاتلون ننهض للوطن ونقاتل من أجله، ونريد أن نقف في طريق الكلاب المسعورة التي تهاجم الصين."

صحيفة ((هوانتشيو)) قالت إن تصريحات السفير لو جاءت بعد أن أساءت العديد من وسائل الإعلام الأجنبية، مثل ((دويتشه فيله)) الألمانية، تفسير رسالة الرئيس شي جين بينغ في 31 مايو 2021، والتي دعا فيها إلى تعزيز صورة للصين موثوقة وجديرة بالإعجاب ومحترمة. فقد أساءت بعض وسائل الإعلام الغربية تفسير التصريحات على أنها إشارة إلى تخلي الصين عن "دبلوماسية المحارب الذئب".   

في التاسع والعشرين من يوليو 2021، قالت وكالة الأنباء الفرنسية (AFP) تعليقا على تعيين الدبلوماسي تشين قانغ سفيرا لبكين لدى واشنطن: "تعيين أحد أبرز الدبلوماسيين "المحاربين الذئاب" الصينيين سفيرا جديدا لبلاده لدى الولايات المتحدة الأمريكية." ووصفت الوكالة السيد تشين بأنه من "الصقور" ومقرب من الرئيس شي جين بينغ، وقالت إنه اكتسب شهرة خلال فترتي عمله كمتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، إذ كان يطلق ردودا حادة على المراسلين الأجانب، فهو رائد الأسلوب الهجومي للدفاع عن الصين في الصحافة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وهو الأسلوب الذي يطلق عليه دبلوماسية "المحارب الذئب".

البروفيسور وانغ يوي، مدير معهد الشؤون الدولية بجامعة رنمين (الشعب) الصينية في بكين، قال: "أنْ تكونَ مدافعا وحازما في المجتمع الدولي لا يتعارض مع كونك محترما. علينا أن نقف بحزم وندافع عن أنفسنا عند الضرورة." وأضاف أن وصف الدبلوماسية الصينية بروح "المحارب الذئب" يعكس تعالي وغطرسة ومركزية الغرب. لقد اعتاد الغرب على مهاجمة واتهام الآخرين، ولم يدفع الثمن ولم يتعرض لهجوم مضاد.

البروفيسور تشو تشي تشون، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة باكنيل بولاية بنسلفانيا الأمريكية حاليا والأستاذ السابق في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية، يرى أن هذا التحول في الدبلوماسية الصينية لم يحدث فجأة. وقال إنه منذ عام 2010، عندما تجاوز الناتج المحلي الإجمالي للصين نظيره الياباني وأصبح ثاني أكبر ناتج محلي في العالم، صار الصينيون أكثر ثقة وأصبحت السياسة الخارجية للصين أكثر حزما، وابتعدت تدريجيا عن مقولة "تاوقوانغ يانغهوي" لدنغ شياو بينغ. وقال إنه في السنوات الأخيرة، دعا الرئيس شي جين بينغ إلى "الروح القتالية" في عدة مناسبات، سواء كان يتحدث إلى الجنود أو مسؤولي الحزب. وقد أدى هذا إلى رفع معنويات المسؤولين والدبلوماسيين الصينيين، وشجع على اتباع أسلوب أكثر حزما. وقال إن العديد من الصينيين يعتقدون أن تناول وسائل الإعلام الغربية للصين متحيز للغاية، وغالبا ما يكون مصحوبا بمسحات أيديولوجية وعنصرية. دبلوماسية "المحارب الذئب" هي جزء من مساعي الحكومة الصينية "لسرد قصة الصين". ومن وجهة نظر الصين، فإن دبلوماسية "المحارب الذئب" هي رد مباشر على الأساليب غير العادلة من قبل الدول الأخرى، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، تجاه الصين والشعب الصيني. تريد الصين أن يسمع العالم الخارجي ويرى الوضع الحقيقي للصين، وليس الصورة المشوهة للصين التي تحاول بعض وسائل الإعلام والسياسيين الغربيين رسمها.

استخدام اللغة القوية في الرد على ما يعتبره الصينيون افتراءات على بلادهم، لا يقتصر على أعضاء السلك الدبلوماسي الصيني، فقد شهدنا في السنوات الأخيرة مثل تلك الردود من متحدثيين إعلاميين على المستويات المحلية الصينية. وعلى سبيل المثال، في 29 مارس 2021، قال المتحدث باسم حكومة منطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم شو قوي شيانغ في مؤتمر صحفي، ردا على تلويح شركات عالمية كبرى بمقاطعة قطن شينجيانغ: "لم تعد الصين حاليا هي الصين عام 1840 وذاك العصر الذي عانى فيه الشعب الصيني من هيمنة القوى الكبرى. لن يعود التنمر مرة أخرى."

ومن جانب آخر، يبدو أن بعضا من الساسة الغربيين، وخصوصا في واشنطن، لا يزالون يتبنون موقفا متغطرسا تجاه الصين. قبل زيارة ويندي شيرمان نائبة وزير الخارجية الأمريكي، إلى الصين في 25 يوليو 2021، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس إن الولايات المتحدة الأمريكية ستواصل التعامل مع الصين من "موقع قوة"، وهو ما وصفته وكالة أنباء الصين الجديدة ((شينخوا)) بالخطاب المتعجرف الذي يعبر عن استبداد واشنطن. وفي الثالث والعشرين من يوليو 2021، قال تشاو لي جيان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، إن الولايات المتحدة الأمريكية ليست في وضع يسمح لها بوعظ الصين أو إصدار تعليقات طائشة عنها، ناهيك عن التأكيد على التعامل مع الصين "من موقف قوة". وأضاف أن تأكيد الولايات المتحدة الأمريكية المتكرر على التعامل مع الصين "من موقف قوة" يعكس غطرستها وهيمنتها.

والحقيقة أن دعوة الصينيين لحكومة بلادهم بالتصدي للغطرسة الأمريكية ليست وليدة اليوم، بل تعود جذورها إلى بداية تأسيس الصين الجديدة، وتطورت مع تنامي قوة الصين الاقتصادية والعلمية والعسكرية والسياسية. ولعلنا نتذكر كتاب ((الصين يمكن أن تقول لا)) "تشونغ قوه كه يي شوه بو" الصادر سنة 1996، وكان أكثر الكتب مبيعا في ذلك الوقت داخل الصين، فقد كان تجليا لرفض الغطرسة الأمريكية.

كما أن الصين، عندما يتعلق الأمر بمصالحها الجوهرية، تتخذ مواقف حاسمة. وقد أكد عضو مجلس الدولة ووزير الدفاع الوطني الصيني وي فنغ خه، أن الصين لن تقدم أبدا تنازلات فيما يتعلق بحماية مصالحها الوطنية الأساسية. وأضاف في تصريحات له في الثامن والعشرين من 28 يوليو 2021، حول القضايا المتعلقة بتايوان وهونغ كونغ وشينجيانغ والتبت وبحر الصين الجنوبي 2021، أن الصين لن تقبل مساومات أو تقدم تنازلات أبدا، وأن بلاده لديها الطموح والشجاعة والثقة لتحمل كل الضغوط الخارجية، والتغلب على جميع المخاطر والتحديات، وحماية مصالحها الوطنية الأساسية بكل قوة.

في خضم كل ذلك، ثمة اعتقاد بأن الصين تمتلك القدرة على التعامل مع التباينات السياسية والأيديولوجية، مسلحة في ذلك بتاريخ طويل من القدرة على المزج والتعايش بين الثقافات والاختلافات الفكرية. ففي الصين القديمة، على الرغم من وجود العديد من المدارس الفكرية، تطورت جميعها في النهاية نحو ذهنية ثقافية شاملة. والشعب الصيني عندما يتعامل مع حضارات وثقافات مختلفة يطور نهج التسامح، وتلك قدرة تفتقر إليها الثقافة الغربية القائمة على المنافسة والمعارضة والانقسام والقهر والقمع. إن العوائق التي تحول دون تحقيق "الوحدة في التنوع" أكبر بكثير في الغرب منها في الصين. وقد وصف كيرون سكينر، المدير السابق لتخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأمريكية، منافسة القوى العظمى مع الصين بأنها "معركة مع حضارة مختلفة وأيديولوجية مختلفة".

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4