في الثلاثين من مايو 2021، أتمت العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية الصين الشعبية والدول العربية خمسة وستين عاما. مصر هي أول دولة عربية أنشأت العلاقات الدبلوماسية مع الصين الجديدة (مايو 1956)، والسعودية هي آخر دولة عربية أقامت علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية (يوليو 1990). وما بين مصر والسعودية، جاء ترتيب إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والدول العربية، على النحو التالي: سوريا والعراق (أغسطس 1956)، اليمن (سبتمبر 1956)، المغرب (نوفمبر 1958)، الجزائر (ديسمبر 1958)، السودان (فبراير 1959)، الصومال (ديسمبر 1960)، تونس (يناير 1964)، موريتانيا (يوليو 1965)، جيبوتي (يناير 1971)، الكويت (مارس 1971)، لبنان (نوفمبر 1971)، الأردن (إبريل1977)، ليبيا (إبريل 1978)، سلطنة عُمان (مايو 1978)، الإمارات (نوفمبر 1984)، قطر (يوليو 1988)، البحرين (إبريل 1989). وأقامت الصين العلاقات الدبلوماسية مع دولة فلسطين في نوفمبر 1988 بعد أن أعلن ياسر عرفات قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف يوم 15 نوفمبر في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني بالجزائر.
سبع دول عربية، وتحديدا مصر وسوريا والعراق واليمن والمغرب والجزائر والسودان اعترفت بجمهورية الصين الشعبية وأقامت معها علاقات دبلوماسية رسمية قبل أي دولة أخرى في منطقة غربي آسيا وكل قارة أفريقيا. كان اعتراف الدول العربية بالصين الجديدة وإقامة العلاقات معها سابقا على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والدول الفاعلة المحيطة بالنظام الإقليمي العربي، فقد أقامت الصين العلاقات الدبلوماسية مع إثيوبيا في الرابع والعشرين من نوفمبر 1970 (سبقتها عشر دول عربية)، ومع تركيا في الخامس من أغسطس 1971، ومع إيران في السادس عشر من أغسطس، ومع إسرائيل في الرابع والعشرين من يناير 1992. وعندما أقامت الصين في الرابع من أكتوبر عام 1959 علاقاتها الدبلوماسية مع جمهورية غينيا كأول دولة أفريقية غير عربية تقيم معها العلاقات الدبلوماسية، كانت أربع دول عربية أفريقية قد أقامت بالفعل العلاقات الدبلوماسية مع بكين، وهي تحديدا مصر والمغرب والجزائر والسودان. وعندما قام رئيس مجلس الدولة الصيني الأسبق شو أن لاي، في الفترة من 13 ديسمبر 1963 إلى 5 فبراير 1964، بجولته الأفريقية التي شلمت عشر دول كان من بينها ست دول عربية وكانت القاهرة محطته الأولى، وفيها طرح المبادئ الخمسة التي توجه علاقات الصين مع الدول العربية، وفي الجزائر طرح المبادئ الخمسة التي توجه علاقات الصين مع الدول الأفريقية، وهي: أن الصين تدعم الشعوب العربية والأفريقية في نضالها لمقاومة الإمبريالية والاستعمار القديم والجديد، من أجل تحقيق الاستقلال الوطني والمحافظة عليه؛ أن الصين تؤيد انتهاج سياسة السلام والحياد وعدم الانحياز من قبل حكومات الدول العربية والأفريقية؛ أن الصين تدعم رغبة الشعوب العربية والأفريقية في تحقيق الوحدة والتضامن على النحو الذي تختاره؛ أن الصين تدعم جهود الدول العربية والأفريقية في حل نزاعاتها من خلال المشاورات السلمية؛ أن الصين ترى أن سيادة الدول العربية والأفريقية يجب أن تحترمها جميع الدول الأخرى، وأنه يجب مواجهة التعدي والتدخل من أي جهة. وفي الخامس والعشرين من أكتوبر عام 1971، عندما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السادسة والعشرين القرار رقم 2758 الذي ينص على إعادة كافة الحقوق المشروعة لجمهورية الصين الشعبية في الأمم المتحدة والاعتراف بممثل حكومتها باعتباره الممثل الشرعي الوحيد للصين في الأمم المتحدة، كانت اثنتا عشرة دولة عربية لديها بالفعل علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية، وكانت الجزائر والعراق وسوريا والجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (قبل وحدة اليمن) والسودان وموريتانيا والصومال في مقدمة الدول الثلاث والعشرين التي تقدمت بمشروع القرار رقم 2758.
في الفترة من نهاية خمسينات وحتى بداية ثمانينات القرن العشرين، كان الزخم السياسي للعلاقات الصينية- العربية واضحا. كان ذلك ينسجم مع طبيعة النظام الدولي آنذاك وخطوط التحالفات والأيديولوجيات السائدة وأفكار التحرر الوطني وخاصة في قارتي أفريقيا وآسيا والعزلة التي حاولت دول غربية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، فرضها على الصين الجديدة التي تأسست سنة 1949. كان الدعم السياسي المتبادل ركيزة أساسية للعلاقات بين الصين والدول العربية. كانت الصين متحمسة ومدافعة عن القضايا العربية، فكان موقفها واضحا من الاعتداء الذي شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ضد مصر (حرب السويس) في أكتوبر 1956، وعندما أُعلن في القاهرة قيام الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في التاسع عشر من سبتمبر سنة 1958 اعترفت بها الصين بعد ثلاثة أيام فقط، وأصبحت أول دولة غير عربية تعترف بها، كما أن الصين أول دولة غير عربية اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية، وغيرها من المواقف الداعمة للدول والشعوب العربية. وفي المقابل كان الدعم العربي للصين في كافة المحافل الدولية كبيرا أيضا.
في بداية ثمانينات القرن العشرين، كانت الصين قد بدأت في السير على طريق الإصلاح والانفتاح والتركيز على العمل الاقتصادي بعد أن اقترحت الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الحادية عشرة للحزب الشيوعي الصيني في عام 1978 "الإصلاح الداخلي والانفتاح على العالم الخارجي"، وكانت الدول العربية أيضا قد دخلت إلى منعطف جديد بعد توقيع اتفاقية السلام المصرية- الإسرائيلية في مارس 1979، ومن قبلها بروز النفط العربي كعامل مؤثر في السياسة الدولية بعد استخدامه كسلاح في حرب 1973 بين مصر وإسرائيل. وقبل أن يغادر القرن العشرون، بدا أن الاقتصاد بات يلعب دورا متزايدا في العلاقات الصينية- العربية. وتكشف أرقام التبادلات التجارية بين الصين ومصر، على سبيل المثال، هذا التطور، فقد كان حجم التبادل التجاري بين البلدين 2ر12 مليون دولار أمريكي في عام 1954 ولم يتجاوز 452 مليون دولار أمريكي في عام 1995، ووصل إلى أكثر من عشرة مليارات دولار أمريكي في عام 2013، ثم إلى أربعة عشر مليارا وخمسمائة وستين مليون دولار أمريكي في عام 2020؛ أي أنه تضاعف نحو ألف مرة خلال الخمسة والستين عاما الماضية. في عام 2019، بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية 180 مليار دولار أمريكي، وبين الصين والسعودية وحدها 78 مليار دولار أمريكي. في الخامس من مايو 2020، ذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) أن بيانات صادرة عن وزارة التجارة الصينية أظهرت أن حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية وصل إلى 4ر266 مليار دولار أمريكي في عام 2019، بزيادة بلغت نسبتها 9% على أساس سنوي. ووفقا لما نقلته شينخوا، بلغ حجم الواردات الصينية من الدول العربية 146 مليار دولار أمريكي، بينما بلغ حجم صادرات الصين إلى الدول العربية 4ر120 مليار دولار أمريكي. وأوضحت البيانات أن الاستثمارات الصينية المباشرة في الدول العربية بأكملها بلغت مليارا وأربعمائة وعشرين مليون دولار أمريكي في عام 2019، بزيادة سنوية بلغت نسبتها 8ر18%، في حين بلغت قيمة عقود المشروعات المتعاقد عليها التي وقعتها الشركات الصينية في عام 2019 مع الدول العربية 5ر32 مليار دولار أمريكي.
خلال العشرين عاما الأولى من القرن الحادي والعشرين، ومع بزوغ الصين كقوة عالمية اقتصادية وعسكرية وسياسية، صار لبكين مصالح إستراتيجية متزايدة في المنطقة العربية التي تمثل القسم الأعظم من المنطقة التي يشار إليها في وزارة الخارجية الصينية باسم منطقة غربي آسيا وشمالي أفريقيا.
في يناير عام 2016، وبمناسبة الذكرى السنوية الستين للعلاقات الصينية- العربية وجولة الرئيس الصيني شي جين بينغ في المنطقة والتي شملت كلا من مصر والسعودية وإيران، أصدرت بكين وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية، التي جاء فيها: "يعتبر العالم العربي شريكا هاما للصين التي تسلك بخطوات ثابتة طريق التنمية السلمية في مساعيها لتعزيز التضامن والتعاون مع الدول النامية وإقامة علاقة دولية من نوع جديد تتمحور على التعاون والكسب المشترك... يحرص الجانب الصيني على إجراء التعاون العملي مع الدول العربية وفقا لمبدأ المنفعة المتبادلة والكسب المشترك... توسيع دائرة التعاون في البنية التحتية ومجال تسهيل التجارة والاستثمار، إضافة إلى الطاقة النووية والفضاء والأقمار الاصطناعية والطاقة الجديدة والزراعة والمالية وغيرها... يحرص الجانب الصيني على التعاون مع الدول العربية للدفع بآلية تعاون من نوع جديد تقوم على الانفتاح والمنفعة المتبادلة والكسب المشترك... تشكيل معادلة تعاون "1+ 2+ 3" تتخذ مجال الطاقة كالمحور الرئيسي ومجالي البنية التحتية وتسهيل التجارة والاستثمار كجناحين و3 مجالات ذات تقنية متقدمة وحديثة تشمل الطاقة النووية والفضاء والأقمار الاصطناعية والطاقة الجديدة كنقاط اختراق، بما يطور ويجدد من التعاون العملي".
إن مقارنة نصوص وثيقة 2016 مع المبادئ الخمسة لعلاقات الصين مع الدول العربية التي طرحها شو أن لاي عام 1963، تكشف عن ملامح المرحلة الجديدة للعلاقات الصينية- العربية. ومع توسع مصالح الصين الإستراتيجية في المنطقة، صارت بكين حريصة على تأمين وحماية تلك المصالح سواء من خلال حماية الممرات المائية قبالة السواحل الصومالية عندما كانت السفن تتعرض للقرصنة أو إقامة قواعد لها بالمنطقة. في الحادي عشر من يوليو 2017، ذكرت "شينخوا" أن سفنا تحمل أفرادا من الجيش الصيني غادرت تشانجيانغ في مقاطعة قوانغدونغ بجنوبي الصين لإقامة قاعدة دعم في جيبوتي. وأضافت الوكالة الصينية أن إنشاء قاعدة جيش التحرير الشعبي في جيبوتي قرار اتخذه البلدان بعد مفاوضات ودية، ويتوافق مع المصلحة المشتركة لشعبي الجانبين. وستضمن القاعدة أداء الصين لمهام، مثل المرافقة وحفظ السلام والمساعدات الإنسانية في إفريقيا وغربي آسيا. وستكون القاعدة مفيدة أيضا للمهام الخارجية بما في ذلك التعاون العسكري والتدريبات المشتركة وإجلاء وحماية الصينيين المغتربين والإنقاذ في حالات الطوارئ، بالإضافة إلى الحفاظ على أمن الممرات البحرية الإستراتيجية الدولية بشكل مشترك.
من جانب آخر، شهدت الفترة الأخيرة حرصا من الصين على تعزيز علاقاتها بدول الجوار العربي على مستويات متعددة. في السابع من مارس ذكرت "شينخوا" أن الصين وإثيوبيا وقعتا مذكرة تفاهم بشأن إنشاء آلية حماية أمنية للمشروعات الكبرى في إطار مبادرة الحزام والطريق في إثيوبيا. وقد وقع مذكرة التفاهم كل من المفوض العام للجنة الشرطة الفيدرالية الإثيوبية ديميلاش جيبريمايكل، وسفير الصين لدى إثيوبيا تشاو تشيوان، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وحسب "شينخوا"، فإنه من المتوقع أن تلعب الاتفاقية دورا هاما في تعزيز الأمن والعمل الطبيعي للاستثمارات الصينية في إثيوبيا. وفي السابع والعشرين من مارس 2021، ذكرت "شينخوا" أن عضو مجلس الدولة، وزير خارجية الصين وانغ يي وقع في طهران اتفاقية مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف لتعزيز التعاون الشامل بين البلدين. وقال وانغ إنه بموجب الاتفاقية الجديدة، سيستغل الجانبان الإمكانات في التعاون الاقتصادي والثقافي ويضعان خططا للتعاون الطويل الأجل، مضيفا أنه يعتقد أن هذا سيعزز التحديث المستمر للشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الصين وإيران لتعود بالنفع على الشعبين.
شهدت العلاقات الصينية- العربية خلال السنوات الخمس والستين المنصرمة فترات من المد والجزر؛ ولكنه مد لم يصل إلى التحالف الشامل وجزر لم يصل في أي وقت إلى حد الأزمة على المستويين الرسمي والشعبي. وتجسد الخط العام لتلك العلاقات في التوافق العام حول قضايا العلاقات الدولية، بما في ذلك قضايا حقوق الإنسان والتنمية وإصلاح الأمم المتحدة والنظام الاقتصادي العالمي، من دون انخراط أي من الطرفين بشكل مباشر ومؤثر في قضايا تدخل في دائرة الاهتمام الإستراتيجي لأي منهما. ولكن السؤال هو: إلى متى يمكن أن يستمر هذا النمط من العلاقة مع بروز تحديات إستراتيجية تواجهها دول عربية وتواجهها الصين أيضا؟ وفي ظل حالة السيولة التي يمر بها النظام الدولي حاليا، والمخاطر الجمة التي تكتنف هذه الحالة وما يصاحبها من تحولات على صعيد التحالفات الإقليمية في الشرق الأوسط، فإن ثمة أسبابا موضوعية لدفع وتعزيز العلاقات الصينية- العربية وفقا للمبادئ المستقرة لتلك العلاقات منذ خمسة وستين عاما.
©China Today. All Rights Reserved.
24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037