على مقهى في الشارع الصيني < الرئيسية

القطن.. من السويس إلى شينجيانغ

: مشاركة
2021-05-19 09:44:00 الصين اليوم:Source حسين إسماعيل:Author

القطن، الذي يسمى بالصينية "مِيانهوا" () وبالإنجليزية "cotton نبات بديع في شكله، تُبذر بذرته تحت التربة، ثم تتحول البذرة إلى نبتة ذات ورقتين تشق التربة من فوقها قبل أن تتكاثر أوراقها ذات اللون الأخضر المميز وتخرج أزنادا محورية تكون مطوقة عند قاعدتها بوريقات زهرية تسمى "قنابات" على شكل القلب وذات حواف مدببة، ما تلبث أن تصير زهورا تتفتح في الصباح بلون أصفر، وفي اليوم التالي يصير لونها زهريا وتنقبض، وفي اليوم الثالث يصير لونها أحمر قبل أن تجف وتسقط ليخرح من تحتها لويزات صغيرة، تكبر تدريجيا فتصير لوزا، لتبدأ مرحلة جديدة يتحول فيها النبات بأكلمه إلى اللون البني ويتشقق اللوز ليبزغ ما ينتظره زارع القطن؛ الألياف ذات اللون الأبيض الناصع التي تنقل إلى المحالج ومصانع الغزل والنسيج لتصبح أقمشة هي الأكثر تفضيلا في العالم. القطن، وإن كان يُصنف ضمن نباتات المناطق الحارة، فإنه يزرع في جو بارد نسبيا، ويمضي "طفولته" في جو معتدل إلى أن يصل إلى مرحلة النضوج فيقضي أكثر من شهرين في جو حار، وهي الفترة التي تنتهي بجني القطن وإزالة سيقانه من الحقل.

كل شيء في القطن له قيمة عالية، ليس فقط الألياف التي تتحول إلى منسوجات ذات قيمة عالية، وإنما أيضا البذور التي يستخرج منها زيت القطن ذو النكهة التي تشبه نكهة الجوز، والذي يحتوي على نسبة قليلة من الكوليسترول وكمية كبيرة من المواد المضادة للأكسدة، ويدخل في أنواع مختلفة من مستحضرات التجميل. وتستخدم سيقان القطن في صناعة أنواع من الخشب والمشغولات اليدوية من السلال والأقفاص والمظلات، إلخ. تحتل المساحة المزروعة بالقطن 5ر2% من الأراضي الزراعية في العالم، ويقدر الإنتاج العالمي من القطن بنحو 25 مليون طن سنويا، من بينها حوالي 9ر6 ملايين طن تنتجها الصين التي تحتل المرتبة الثانية عالميا بعد الهند.

ولأنني من عشاق القطن، بذرة ونبتة وتيلة ونسيجا، كانت حقول القطن في منطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم، تشدني إليها في كل مرة زرت هذه المنطقة الواقعة في شمال غربي الصين. وشينجيانغ، التي تبلغ مساحتها 6649ر1 مليون كيلومتر مربع وتحتل سُدس مساحة الصين وتجاور ثماني دول بحدود تمتد 5600 كيلومتر، لوحة فريدة من الوجوه والتضاريس واللغات والصحاري والواحات والأطعمة واللباس، يعيش فيها أبناء 47 قومية، في مقدمتها قومية الويغور. في العام الماضي، 2020، بلغت المساحة الإجمالية لحقول القطن في شينجيانغ سبعة وثلاثين مليونا وستمائة وخمسين ألف مو (الهكتار يساوي 15 مو)، أي 51ر2 مليون هكتار، وهي نفس المساحة في عام 2019، وفقا لتقرير نشرته وكالة أنباء الصين الجديدة ((شينخوا)) في التاسع والعشرين من ديسمبر 2020. وقد حافظت شينجيانغ على المرتبة الأولى في إنتاج وإنتاجية القطن في الصين لمدة خمسة وعشرين عاما متتالية. في الثاني من يناير 2020، ذكرت مصلحة الإحصاء الصينية، أن إنتاج شينجيانغ من القطن بلغ خمسة ملايين طن، ما يعادل 9ر84%من إجمالي إنتاج القطن في كل الصين. ونقلت ((شينخوا)) عن إدارة الشؤون الزراعية والريفية في شينجيانغ، أن عملية الإنتاج في أكثر من 90% بشمالي شينجيانغ أصبحت آلية، وأن معدل ميكنة حصاد القطن في جنوبي شينجيانغ يزيد سنة بعد أخرى. وحسب الوكالة الصينية، فإنه في عام 2019، تجاوزت مساحة جني القطن آليا في شينجيانغ 766 ألف هكتار، أي أكثر من 40% من المساحة الإجمالية لحقول القطن في المنطقة، لأول مرة. الجني الآلي للقطن تطور بالغ الأهمية، فهذه العملية كثيفة العمالة وهي الأكثر مشقة وتكلفة لمزارعي القطن الذي يعد من المصادر الرئيسية للدخل الاقتصادي لكثير من أبناء شينجيانغ، وخاصة في الجزء الجنوبي منها الأقل حظا في التنمية. وحسب بيانات لجمعية القطن الصينية، نشرتها ((شينخوا)) في التاسع عشر من أكتوبر 2020، فإن أكثر من 50% من الفلاحين في شينجيانغ يزرعون القطن، ومعظمهم من الأقليات القومية. وموسم جني القطن يوفر فرص عمل ليس فقط للمحليين وإنما أيضا لعمال يأتون إلى مناطق زراعة القطن في موسم الحصاد للعمل في الحقول التي يصعب جني محصولها آليا. وحسب تقرير ((شينخوا))، فإنه في عام 2019، انضم أربعة آلاف شخص إلى العاملين في جني القطن ببلدة آرال في محافظة أكسو بشينجيانغ، حقق كل واحد منهم دخلا بلغ ستة آلاف يوان (الدولار الأمريكي يساوي 5ر6 يوانات) خلال شهرين من العمل. كما أن تحديث زراعة القطن يخلق مزيدا من فرص العمل للفنيين المتخصصين في تشغيل الطائرات بدون طيار التي تستخدم في رش المبيدات وآلات الري والتسميد الحديثة. فضلا عن ذلك، يوفر قطاع المنسوجات، وهو قطاع كثيف العمالة، فرص عمل لأبناء شينجيانغ بلغ عددها ستمائة ألف وظيفة محلية. وبالطبع فإن معالجة القطن وحلجه ونقله يوفر فرص عمل لكثيرين، فقد نقلت السكك الحديدية في شينجيانغ حوالي 7ر2 مليون طن من القطن خلال الفترة من يناير إلى يوليو 2020، وفقا لشركة أورومتشي للسكك الحديدية الصينية. واكتسب المحصول الذي يحمل لقب "الذهب الأبيض" أهمية خاصة في فترة مكافحة وباء كوفيد- 19، مع زيادة الإقبال على القطن لإنتاج مستلزمات الوقاية والإمدادات الطبية الأخرى. تنتج شينجيانغ حوالي خمس الإجمالي العالمي من القطن، بينما تصدر الصين ثلث صادرات المنسوجات والملابس العالمية. وقد ذكرت جمعية القطن الصينية في بيان مشترك لها مع غرفة التجارة الصينية لاستيراد وتصدير المنسوجات في أغسطس 2020، أن قطاعات القطن والمنسوجات في الصين ملتزمة بحماية حقوق العاملين وتحسين ظروف عملهم وحياتهم لإنتاج منتجات عالية الجودة وتقديم خدمات سلسلة إمداد مستقرة وفعالة للعلامات التجارية العالمية للملابس ولتجار التجزئة. وأضاف البيان أن مزارعي القطن وعمال النسيج في الصين، من بين آخرين، ساهموا كثيرا في نمو سوق المنسوجات القطنية العالمية، وهم يستحقون المعاملة العادلة.

في الآونة الأخيرة، ظهر "قطن شينجيانغ" في وسائل الإعلام، بعد أن أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الثالث من ديسمبر 2020، أنها ستمنع استيراد القطن الصيني، بزعم أن إنتاجه يتم بالسخرة في منطقة شينجيانغ الصينية. وحسب خبر بثته شبكة الأخبار الأمريكية "CNN"، قررت الجمارك الأمريكية حجز الشحنات التي تحتوي على منتجات القطن القادمة من فيلق شينجيانغ للإنتاج والبناء. وكانت شركات ملابس عالمية ذات ماركات مشهورة قد عبرت عن "قلقها" بشأن مزاعم استخدام السخرة لإنتاج القطن في شينجيانغ. هذه التطورات تعيد إلى الذاكرة تاريخا طويلا من التوظيف السياسي للموارد الاقتصادية، بما فيها القطن الذي كان حاضرا في أزمة السويس التي عرفت بحرب السويس، أو العدوان الثلاثي على مصر. في ذلك الوقت، وبعد نجاح مصر في تأميم قناة السويس وفشل العدوان الذي شنته كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على الشعب المصري، لجأت الدول الغربية إلى سياسة تهدف إلى حصار مصر والضغط عليها اقتصاديا، وتركزت هذه السياسة حول القطن المصري، واتخذت مظاهر عديدة منها امتناع دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية عن شراء القطن المصري، وامتناع البنوك المحلية التى كانت تعتبر آنذاك فروعا لمراكزها فى الخارج عن تمويل محصوله، وسياسة الإغراق التى اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية والتي تقوم على بيعها لأقطانها الطويلة التيلة فى الأسواق العالمية بأسعار منخفضة.

لم تفلح محاولات الدول الغربية، وأصبحت قناة السويس مرفقا وطنيا، وصارت معركة السويس رمزا للعديد من حركات التحرير فى أفريقيا وآسيا.

إن فشل الغرب في "معركة القطن" مع الصين محتوم لأسباب موضوعية، فالصين وفقا تقرير نشرته صحيفة ((الشعب اليومية)) الصينية على موقعها الإلكتروني في 25 مارس 2021، أكبر مستهلك للقطن في العالم. وبرغم أنها تنتج ما يقرب من ستة ملايين طن من القطن فإنها إجمالي طلبها عليه يقدّر بنحو 8ر7 ملايين طن، أي أن هناك فجوة سنوية حوالي مليون وثمانمائة ألف طن. ومن أجل تلبية الطلب المحلي، تحتاج الصين إلى استيراد حوالي مليوني طن من القطن سنويا. أما عن مزاعم "السخرة" في إنتاج القطن بشينجيانغ، فقد فندتها وسائل الإعلام الصينية. في السادس والعشرين من مارس 2021، قالت (شينخوا)) إن الادعاءات الأخيرة، التي اختلقتها شركات مثل "أتش آند إم" و"نايك"، برفض استخدام قطن شينجيانغ قوبلت بإدانة ومقاومة واسعتي النطاق من الصينيين. وقالت وكالة الأنباء الصينية في تقريرها، إن ما يسمى بمقاطعة قطن شينجيانغ، وراؤها نوايا شريرة لدى القوى المناهضة للصين في بعض الدول الغربية بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، لتشويه سمعة الصين وكبح الصناعة الصينية. وتعارض الصين حكومة وشعبا ذلك بشدة. وأضافت أن إنتاج القطن في شينجيانغ يقوم على عملية عالية الميكنة ولا يتطلب عددا كبيرا من العاملين لجني القطن. والاتهام المتمثل في أن هناك "عملا قسريا" في صناعة القطن بشينجيانغ هو كذبة مطلقة. فالهدف النهائي من استخدام عبارات مثل "عمل قسري" و"معسكرات اعتقال" و"إبادة جماعية" هو تقويض أمن شينجيانغ واستقرارها وتضييق الخناق على التنمية في الصين. وأعادت ((شينخوا)) التذكير بما قاله لورنس ويلكرسون، مدير مكتب وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول، ذات مرة، بأنه إذا أرادت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية زعزعة استقرار الصين، فإن أفضل طريقة للقيام بذلك هي إحداث اضطرابات اجتماعية ودفع الصين من الداخل.

وفي الخامس والعشرين من مارس 2021، ذكر تقرير للموقع الإلكتروني لشبكة تلفزيون الصين الدولية (CGTN)، أنه مع التقدم العلمي والتكنولوجي، أصبح جني القطن في شينجيانغ آليا بشكل كبير، بفضل تكاليف الجني المميكن المنخفضة وكفاءته العالية. وفي عام 2019، وصلت نسبة الجني المميكن للقطن في شينجيانغ إلى 42%. ونقل التقرير عن ميجيت تيميت، وهو فلاح من شينجيانغ يزرع عشرين هكتارا من الحقول تجلب له دخلا سنويا حوالي 150 ألف يوان، قوله عندما سمع بتلك المزاعم الغربية: "نكسب المال عن طريق جني القطن الذي نزرعه بأنفسنا. فكيف يمكن تسمية ذلك بالعمل القسري؟"

على المستوى الرسمي، قال وزير خارجية الصين وانغ يي، خلال محادثات أجراها في 20 مارس 2021 مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان آل سعود، إن العقوبات التي فرضتها بعض الدول الغربية على الصين بشأن القضايا المتعلقة بشينجيانغ والتي تستند إلى أكاذيب ملفقة بشكل متقن، تعتبر تدخلا صارخا في الشؤون الداخلية للصين بهدف قمع واحتواء الصين، مؤكدا على ضرورة رفض مثل هذه الأعمال بشكل مشترك من جانب دول العالم. وفي 29 مارس، نقلت صحيفة ((ساوث تشينا مورننغ بوست)) التي تصدر باللغة الإنجليزية في هونغ كونغ، عن المتحدث باسم حكومة منطقة شينجيانغ شو قوي شيانغ، قوله في مؤتمر صحفي، إن الشركات المتعددة الجنسيات يجب أن تفهم أن استخدام "العصا الكبيرة للعقوبات" ضد شينجيانغ سيضر الشركات نفسها. ودعا السيد شو الشركات إلى عدم "تسييس الاقتصاد". وقال: "لم تعد الصين حاليا هي الصين عام 1840 والعصر الذي عانى فيه الشعب الصيني من هيمنة القوى الكبرى. لن يعود التنمر مرة أخرى." وأضاف: "نأمل أن تكون الشركات مثل أتش آند أم أكثر وضوحا وتميز بين الصواب والخطأ."

في الحادي والثلاثين من مارس، قالت "أتش آند إم" في بيان لها، نشرته ((ساوث تشينا مورننغ بوست))، إنها تريد استعادة ثقة العملاء في الصين، وشددت الشركة على أهمية السوق الصينية وقالت: "الصين سوق هامة للغاية بالنسبة لنا، والتزامنا الطويل الأجل تجاه البلاد لا يزال قويا." وأضافت: "نحن نعمل مع زملائنا في الصين لبذل كل ما في وسعنا لإدارة التحديات الحالية وإيجاد طريق للمضي قدما. نحن ملتزمون باستعادة ثقة عملائنا وزملائنا وشركائنا التجاريين في الصين."

"قطن شينجيانغ" فصل جديد، ولكنه ليس الأخير في لعبة غربية سوف تستمر طالما تواصل الصين صعودها وتقدمها على المسرح العالمي.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4