تقع مقاطعة هاينان بين خطي العرض 18 و20 درجة شمالا، وهي المقاطعة الوحيدة في الصين التي تقع بالكامل ضمن المنطقة الاستوائية. الجو في هاينان دافئ طوال العام ولا يوجد بها شتاء مع وفرة في الأمطار، مما يجعلها "دفيئة طبيعية" لنمو المحاصيل الزراعية. خلال فصل الشتاء كل عام، عندما تدخل المناطق الشمالية الصينية فترة الراحة الزراعية، تستقبل هاينان ما يقرب من عشرة آلاف خبير متخصص في تنمية البذور ينخرطون في أبحاث مكثفة لتحسين سلالات البذور في هذه التربة الخصبة.

تعد البذور "الشرائح الإلكترونية" للزراعة. مع تحديد جزيرة هاينان بأكملها كميناء للتجارة الحرة رسميا بحلول نهاية عام 2025، تعمل هاينان على تعظيم مزاياها من الموارد والسياسات لدفع صناعة البذور نحو التطوير الابتكاري. مؤخرا، قام عدد من الصحفيين بزيارة إلى مدينة نانفان للعلوم والتكنولوجيا داخل منطقة التكنولوجيا العالية في خليج ياتشو بمدينة سانيا، للاطلاع على جهود هاينان في تسريع تطوير صناعة البذور الصينية.

قاعدة تجريبية لتربية سلالات البذور

أكدت الوثيقة المركزية رقم 1 لعام 2025، بوضوح، ضرورة تعزيز دور المنصات البحثية الزراعية الكبرى مثل "قاعدة نانفان لتربية سلالات البذور"، وتسريع تطوير مجموعة من الأصناف المتطورة من البذور. يظهر هذا المكانة المهمة التي تحتلها "تربية سلالات البذور في هاينان" في مسيرة تطوير صناعة البذور الصينية.

"نانفان"، التي تعني تربية البذور في الجنوب، تشير إلى تقنية صينية مبتكرة لتسريع تربية سلالات البذور. يكمن جوهرها في الاستفادة من ميزات المناخ الاستوائي الفريدة لهاينان لتوفير دورة نمو إضافية للبذور خلال فصل الشتاء، مما يسرع بشكل كبير من عملية تطوير الأصناف الجديدة.

قالت الباحثة لي يي تشاو من فريق الابتكار في مركز فينوميكس للمحاصيل بمعهد نانفان الوطني التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الزراعية: "معظم المحاصيل قادرة على النمو مرة واحدة فقط سنويا، حيث تختلف الأجيال المطلوبة للتربية التقليدية حسب نوع المحصول والأهداف والطرق المتبعة. يحتاج النجاح في تربية سلالات بذور عالية الجودة عادة من ستة إلى عشرة أجيال. نظرا للتباين الكبير في دورات نمو المحاصيل وأهداف التربية، تستغرق التربية التقليدية عموما من خمسة أعوام إلى خمسة عشر عاما. لكن من خلال تقنية النمو المتعدد الأجيال في نانفان، تم تقليص هذه المدة بشكل كبير."

يعد الأرز مثالا واضحا. أوضحت لي يي تشاو أن الأرز الهجين الأكثر تأثيرا في الصين، مر أيضا بعملية تربية سلالات البذور في هاينان. فقد اكتشف الأكاديمي الصيني المشهور يوان لونغ بينغ سلالة الأرز الهجين العقيمة الذكر في هاينان. عادة، يمكن زراعة الأرز مرتين سنويا كحد أقصى في مناطق مثل مقاطعتي هونان وهوبي، بينما يزرع مرة واحدة فقط في شمال شرقي الصين. لتحقيق تسريع دورات التربية، ينتقل الباحثون خلال فصل الشتاء إلى مناطق مثل سانيا ولينغشوي في هاينان لإجراء أبحاث التربية المتعددة الأجيال، مما أدى إلى رفع كفاءة تربية الأرز بشكل ملحوظ.

رغم أن المناخ المتميز في هاينان يوفر "معجل تربية سلالات البذور" للعديد من المحاصيل، فإن كيفية ضمان احتفاظ البذور المطورة في هاينان بأداء البذور العالية الجودة في المناطق الأخرى لا يزال مشكلة تواجه الباحثين.

حاليا، تتحول أبحاث نانفان من "التربية الموسمية التقليدية التي تتنقل بين الفصول" إلى ربوة للابتكار في البحوث الزراعية على مدار العام. بالاعتماد على ظروف المناخ الاستوائي الفريدة في هاينان ومواردها الغنية من الأصول الوراثية الحيوية، تعمل الصين من خلال تطوير آليات البحث العلمي والبنى التحتية البحثية على تحويل قاعدة نانفان إلى مركز حديث لأبحاث تربية سلالات البذور.

بناء ربوة ابتكار لتكنولوجيا تربية سلالات البذور

تغير التكنولوجيا الحيوية والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي نماذج التربية التقليدية، حيث تتحول التربية الحديثة من النهج التقليدي "المعتمد على الخبرة" إلى عصر "التربية الدقيقة" المدعومة بالذكاء الاصطناعي.

تسطع شمس الظهيرة الحارقة على حقل ذرة مورق. هذا ليس حقل ذرة عاديا، بل حقل تجريبي. وفقا للشرح، يزرع في هذا الحقل 84 صنفا من الذرة قادمة من مناطق شمالية وجنوبية مختلفة، تتفاوت أطوالها وتظهر نموا متفاوتا في بيئة نمو موحدة.

فوق هذا الحقل التجريبي، يرتفع هيكل بوابة بعرض 21 مترا وارتفاع 7ر5 أمتار، وهو منصة النمط الجيني والنمط الظاهري العالية الإنتاجية للنباتات. تعد هذه المنصة من المنشآت العلمية الكبرى الرائدة في مجال دراسة السمات الشكلية للمحاصيل، حيث تستخدم بشكل رئيسي في جمع وتحليل البيانات الشكلية للمحاصيل الزراعية، مثل الأرز والقطن وفول الصويا والذرة، في هذا الحقل الكبير المساحة.

قالت لي يي تشاو: "من خلال جمع البيانات الشكلية العالية الإنتاجية لمواد الذرة ذات الخصائص المختلفة في هذا الحقل التجريبي، يمكننا مساعدة خبراء تربية سلالات البذور على فرز الموارد الوراثية الممتازة بشكل أسرع وأدق، مما يهيئ الأساس لتربية سلالات البذور لاحقا." وأضافت أن هيكل البوابة هذا يستغرق 30 ثانية فقط لإكمال جمع بيانات عينة وراثية واحدة، حيث يمكنه إنهاء جمع بيانات الحقل التجريبي بأكمله خلال ليلة واحدة، مع القدرة على العمل المستمر حتى في الليل والظروف الجوية القاسية.

رفعت أساليب جمع البيانات المتطورة كفاءة تربية سلالات البذور بشكل ملحوظ، بينما يعد حث الطفرات الجينية داخل البذور عبر التقنيات الحديثة طريقة ابتكارية مهمة أخرى في تقنيات تربية سلالات البذور في العصر الحديث.

في مختبر تربية الطفرات المحفزة بمعجلات الإلكترونات في مدينة سانيا، يقوم الباحثون العلميون بتعريض البذور والنباتات الحية لإشعاع دقيق باستخدام حزم الإلكترونات أو أشعة إكس. تمكن هذه التقنية من تحفيز الطفرات الجينية بكفاءة عالية وتحكم دقيق، مما يؤدي إلى الحصول على كميات كبيرة من المواد ذات الصفات الممتازة بسرعة، وتوفير موارد وراثية جديدة ووفيرة لانتقاء الأصناف الجديدة.

قال مسؤول مختبر تربية الطفرات المحفزة بمعجلات الإلكترونات في سانيا: "تقلص تقنية الإشعاع بمعجلات الإلكترونات دورة تطوير الأصناف الجديدة من 5 إلى 6 سنوات بالطرق التقليدية إلى 2 أو 3 سنوات. بالإضافة إلى ذلك، تتميز هذه التقنية بكفاءة بيولوجية ومعدل طفرات أعلى مقارنة بتقنيات تربية سلالات البذور الأخرى، كما أنها صديقة للبيئة."  أضاف أن المواد الطافرة تشكل جوهر عملية تربية سلالات البذور، مؤكدا أن هذه التقنية لا تسرع وتيرة تطوير أصناف محاصيل جديدة فحسب، وإنما أيضا توفر مخزونا قيما من المواد الطافرة النفيسة لتطوير صناعة البذور الصينية.

أقام مختبر تربية الطفرات المحفزة بمعجلات الإلكترونات في سانيا تعاونا عميقا مع جامعات ومؤسسات بحثية صينية عديدة، كما يشارك بنشاط في أبحاث تربية سلالات البذور الفضائية، مقدما دعما تكنولوجيا لتربية سلالات البذور للزراعة الحديثة.

تجمع الأكفاء العالميين لصناعة البذور

تعمل لي يي تشاو في معهد نانفان الوطني في هاينان منذ ثلاث سنوات، حيث شهدت عن قرب تغير ونمو قاعدة نانفان في هاينان. يعتمد تطوير البذور الصينية العالية الجودة حاليا على سياسات ميناء هاينان للتجارة الحرة، لجذب الأكفاء، مما يفتح آفاقا جديدة للفرص.

قبل خمسين عاما، واجه خبراء تربية النباتات الصينيون عند وصولهم الأول إلى هاينان ظروفا بحثية صعبة، مع فرق بحثية متناثرة وضعف التواصل المتبادل، حيث كان عدد المعاهد والمؤسسات البحثية المقيمة هنا محدودا للغاية. أما اليوم، فأصبحت فرق العمل المنظمة القوة الدافعة الرئيسية للابتكار في مجال تربية سلالات البذور.

وفقا للإحصائيات، جذبت المدينة التكنولوجية بخليج ياتشو في سانيا أكثر من 2800 شركة تعمل في مجال أبحاث نانفان. تم حتى الآن إنشاء 34 منصة بحثية لعلوم البذور في المنطقة مع وجود 14 ألف جهاز بحثي، حيث تعزز تنفيذ 536 مشروعا زراعيا. وتم تنفيذ 27 مشروعا رئيسيا للتعاون في التكنولوجيا، مما يحقق تحولا أوليا في أبحاث نانفان من "العمل الفردي" إلى "الابتكار الجماعي".

مع تسارع الاندماج بين التخصصات العلمية، يتدفق المزيد من الخبراء في مجالات مثل التكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي إلى هاينان. وفرت السياسات المنفتحة لميناء هاينان للتجارة الحرة، تسهيلات للتعاون البحثي الدولي، حيث تجتذب سنويا أعدادا كبيرة من العلماء الأجانب لتبادل الخبرات. على سبيل المثال، يعد العالم الأجنبي في الأكاديمية الصينية للهندسة والرئيس السابق لأكاديمية العلوم الأفريقية فليكس داباري داكورا أول خبير أجنبي لتربية سلالات البذور بدوام كامل يتم استقدامه إلى المدينة التكنولوجية بخليج ياتشو في سانيا.

تحسن خدمات البحث العلمي والمرافق المساندة يجعل علماء تربية سلالات البذور يعملون باطمئنان. قالت لي يي تشاو: "قبل ثلاث سنوات كانت هذه المنطقة أرضا بكرا تنتظر التطوير، أما الآن فيمكن لأبناء الباحثين الالتحاق بالمدارس القريبة مع توفر جميع الخدمات الحياتية."

بدفع من ميناء هاينان للتجارة الحرة، تتطور "نانفان" من خدمة الزراعة الصينية إلى مركز عالمي لتربية سلالات البذور. وفقا للمعلومات، تعمل الصين على تعزيز التعاون مع مناطق مختلفة في العالم في مجال الموارد الوراثية للبذور، حيث تساعد في تطوير موارد البذور المحلية وغيرها.

 --

ليو شيويه يون، صحفية في مجلة ((تقرير الصين)).