اتفقت الصين والبرازيل على تسوية المعاملات المالية بالعملة الصينية "الرنمينبي" والريال البرازيلي، قبل زيارة الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، إلى الصين. هذا التحول بعيدا عن الدولار الأمريكي يعتبر أمرا عمليا وعقلانيا في مواجهة الفشل المالي العالمي الحالي. وتشير التقارير إلى أن دول بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) قد تحتاج لتوفير بديل ودعم إعادة توازن النظام المالي.
الظروف الحالية التي يكتنفها عدم اليقين، ناجمة عن سوء الاستخدام الصارخ لمكانة الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية، من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي تتمتع بالسلطة والسيطرة الكاملة عليه. والدرس المُستفاد هنا هو أنه لا ينبغي لدولة واحدة أن تتمتع بهذا النوع من السيطرة على أي عملة احتياطية.
ما هي القيمة الحقيقية للدولار الأمريكي؟ هذا هو السؤال الذي تطرحه الأسواق. هناك إجماع متزايد على ضرورة إنهاء هيمنة الدولار الأمريكي. التلاعب الإجمالي بالعملة، الذي تستخدمه معظم المؤشرات المالية والنقدية كقيمة أساسية، يتسبب في فقدان الثقة في الدولار الأمريكي وبالحكومة الأمريكية التي تديره.
وفقا لصندوق النقد الدولي، يُصنف الرنمينبي حاليا كونه خامس أكبر عملة احتياطية في العالم، حيث يحتفظ بـ69ر2% من احتياطيات النقد الأجنبي بالعملة الصينية. وقام صندوق النقد الدولي برفع وزن الرنمينبي في سلة العملات التي تشكل حقوق السحب الخاصة، بمقدار 36ر1 نقطة مئوية، ليصل إلى 28ر12%، وهو ثالث أكبر وزن.
إن استخدام العملات المحلية في التجارة الدولية يمكن أن يقود إلى تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية في الأنشطة الدولية، وتفادي مخاطر العقوبات المالية الأمريكية. في الوقت نفسه، تتزايد العيوب والمخاطر المنهجية لنظام العملات الدولية الذي يقوده الدولار الأمريكي، وتفضل المزيد من البلدان نظام العملات الدولية المتنوع. وعلى هذه الخلفية، يسعى عدد متزايد من البلدان إلى استخدام الرنمينبي في التجارة الدولية.
في ديسمبر 2022، أنشأت الصين مركزا لمقاصة الرنمينبي في موريشيوس، وهو المركز الثالث بعد جنوب أفريقيا وزامبيا. ومن الواضح أن استخدام الرنمينبي في التجارة بين الصين وأفريقيا يمكن أن يقلل من مخاطر التجارة. وسيصبح الرنمينبي أحد أهم العملات في التجارة الدولية.
ومع تحرك البلدان للتخلي عن الدولار الأمريكي، تم الشروع في إعادة موازنة مصفوفة تداولات البيع والشراء، حيث يتم إجراء التجارة الدولية بشكل ثنائي بالعملات المحلية. وأصبحت عملات دول بريكس (والتي تبدأ جميعها بحرف الراء): الرنمينبي والريال والروبل والروبية والراند، موضع تركيز دقيق.
تمثل هذه الدول أكثر من 40% من سكان العالم، إذ يبلغ عدد سكانها 2ر3 مليارات نسمة، وهي أكبر مجموعة من الموارد البشرية. ونصيبها من إجمالي الناتج المحلي العالمي زاد إلى 31%، ومن المتوقع أن يصل إلى 50% بحلول عام 2030. ومساحة أراضيها تبلغ 40 مليون كيلومتر مربع، وهي تضم كميات هائلة من احتياطيات الطاقة والرواسب المعدنية الغنية ومساحات كبيرة من الأراضي الصالحة للزراعة.
إن تأثير الدولار الأمريكي على الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، بات أكثر وضوحا، مع اختيار المزيد من البلدان دعم عملاتها المحلية وإعادة ضبط قيمتها وفقا لذلك. يواجه الأمريكيون تحديات اقتصادية خطيرة مع بدء انهيار البنوك، وانكشاف الرواية الزائفة عن الاقتصاد الأمريكي. ويبدو أن التخلي عن الدولار الأمريكي سيسهم في رفع العبء غير الضروري عن العديد من البلدان، ويسهم بإنشاء نظام أكثر عدلا وإنصافا، ويزيل عبء المسؤولية الذي تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية على نفسها، ويحررها لإعادة استكشاف ذاتها، وتحديد مسار جديد للاقتصاد العالمي.
--
كيرتان بهانا، مدير الجمعية الدبلوماسية في جنوب أفريقيا.