في هذا الشهر، مايو 2022، يكون قد مر أكثر من عامين على إطلاق الرنمينبي الرقمي، شهد خلالها الدفع الإلكتروني بالعملة الرقمية الصينية اختبارات متعددة السيناريوهات في العديد من المدن الكبيرة والمتوسطة الحجم مثل شنتشن وسوتشو وبكين. وتشارك هونغ كونغ أيضا في تجربة الدفع عبر الحدود بالرنمينبي الرقمي، مع زيادة ملحوظة في عدد المستخدمين. وقد كانت دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، التي استضافتها بكين، فرصة جيدة للرنمينبي الرقمي لزيادة إثراء سيناريوهات الاستخدام وتحسين الوظائف والآليات المعنية.

السبب الذي جعل الصين تتصدر الاقتصادات الكبرى في إطلاق عملة رقمية يرجع أولا وقبل كل شيء إلى التطور السريع للصناعة الرقمية. الصين لديها أكبر صناعة رقمية في العالم، ويمثل إجمالي قيمة إنتاجها أكثر من 35% من الاقتصاد الوطني. وقد أدى الصعود السريع لعدد من شركات تصنيع معدات الاتصالات مثل هواوي وZTE وشياومي إلى رفع مستوى البنية التحتية للاتصالات في الصين إلى المستوى المتقدم في العالم. في الوقت الحاضر، قامت الصين ببناء أكبر شبكة مستقلة من الجيل الخامس وأكثرها تقدما في العالم. يمثل عدد محطات الجيل الخامس الأساسية التي تم إنشاؤها في الصين أكثر من 70% من الإجمالي العالمي، وبلغ عدد المستخدمين النهائيين لشبكة الجيل الخامس 450 مليونا، وهو ما يمثل أكثر من 80% من الإجمالي العالمي. لم تعمل مثل هذه البنية التحتية للاتصالات السلكية واللاسلكية الكاملة على تعزيز التطور الرقمي لجميع الصناعات بشكل كبير فحسب، وإنما أيضا أفرزت مجموعة متنوعة من الصناعات الجديدة والأشكال الجديدة للأعمال. على سبيل المثال، بلغت مبيعات الصين عبر الإنترنت 10 أضعاف ما كانت عليه قبل 10 سنوات، بمعدل نمو سنوي أكثر من 25% في المتوسط، ومع تطور تكنولوجيا المعلومات، أدت أشكال المبيعات الجديدة مثل تسوق البث المباشر إلى إحداث ثورة في مجال المبيعات.

تحت تأثير وباء كوفيد- 19، تعززت الرقمنة في حياة الناس وإنتاجهم بشكل كبير. صار من الممكن طلب السيارة والتسوق والتعلم، إلخ، من خلال استخدام الهواتف النقالة. لا سيما في مجال الدفع، تنتشر منصات الدفع مثل Alipay وويتشات على نطاق واسع بفضل ما توفره من راحة وسرعة وأمان، كما انخفض طلب الناس على الأوراق النقدية بشكل كبير. كل هذا وضع أساسا متينا لإطلاق الرنمينبي الرقمي. بالطبع، هناك فرق أساسي بين الرنمينبي الرقمي والمدفوعات عبر طرف ثالث مثل Alipay وويتشات وما إلى ذلك. الأول هو نسخة إلكترونية من الرنمينبي، بينما الثاني هو أحد طرق الدفع العديدة للرنمينبي فقط.

أدى التطور السريع للعملات الرقمية المشفرة في العالم إلى تسريع وتيرة إطلاق الرنمينبي الرقمي. نظرا لأن البنوك المركزية للدول الغربية المتقدمة التي يمثلها الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) قد نفذت سياسات نقدية فضفاضة غير مقيدة لفترة طويلة، فقد تم الإفراط في إصدار عملاتها. يعتقد خبراء أن هذا النموذج الاقتصادي غير مستدام. تحاول عملة بيتكوين المشفرة حل هذه المشكلة، لكن قيمتها غير المستقرة وصعوبة مراقبتها تجعل من الصعب أن تصبح العملة القانونية لبلد ما. ومع ذلك، تم استيعاب بعض الابتكارات التكنولوجية التي تقودها بيتكوين، مثل تقنية التشفير وتقنية سلسلة الكتل، في تطوير الرنمينبي الرقمي.

يعتمد الرنمينبي الرقمي نظام تشغيل من مستويين صممته الصين نفسها- الطبقة الأولى هي بنك الشعب (المركزي) الصيني، والطبقة الثانية تشمل البنوك التجارية ومؤسسات الاتصالات ومؤسسات الدفع التابعة لجهات خارجية مثل Alipay وويتشات. ينفذ بنك الشعب الصيني الإدارة المركزية للرنمينبي الرقمي، ويقدم الرنمينبي الرقمي للبنوك التجارية والمؤسسات الأخرى، وتقدم هذه البنوك التجارية والمؤسسات خدمة الدفع والتحويل والخدمات الأخرى بالرنمينبي الرقمي للجمهور والمؤسسات الأخرى. من ناحية، يساعد هذا النظام على إدارة بنك الشعب الصيني للدورة الكاملة للعملة. من ناحية أخرى، نظرا لأن البنوك التجارية أصبحت جزءا مهما من النظام الاقتصادي الحديث، فإن الاستمرار في لعب دورها الوسيط يؤدي إلى استقرار النظام الاقتصادي وإصدار ناجح للعملة الرقمية.

من منظور النظام الاقتصادي الحديث، يجلب الرنمينبي الرقمي فوائد واضحة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. أولا، تسمح الوسائل التقنية الحديثة للبنك المركزي بتنظيم أكثر دقة لإصدار النقد وإجمالي عرضه وفقا للتطور الاقتصادي. واحدة من أكبر الألغاز التي تواجه معظم البلدان النامية اليوم هي كيفية الاستجابة لتحول السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي، وينطبق الشيء نفسه على الصين. يمكن أن تساعد المزايا الطبيعية للرنمينبي الرقمي السلطات التنظيمية على تتبع تدفقات العملات بشكل أكثر دقة، وتسهيل آلية تحويل العملة، وتقليل المخاطر المالية، وتجنب التباطؤ في النظام المالي، وتعزيز تنمية الاقتصاد الحقيقي.

ثانيا، يساعد على تحقيق العدل والإنصاف الاجتماعي. مع تحسن المعلوماتية والأمولة فمن المرجح أن يرتكب المجرمون جرائم بمساعدة وسائل التكنولوجيا الفائقة. في الحالات القائمة، استغل بعض المتخصصين الثغرات التنظيمية لاختلاس ممتلكات الدولة أو غيرها ونقلها، وكانت عملية التحقق صعبة. تسمح آلية إخفاء الهوية التي يمكن التحكم فيها للرنمينبي الرقمي للسلطات التنظيمية بإغلاق تدفق الأموال بسرعة، وتقليل فقدان الممتلكات الوطنية والشخصية، وتشكيل رادع للأعمال الإجرامية مثل غسيل الأموال والفساد، والمساعدة في بناء بيئة اجتماعية تحترم القانون.

ثالثا، سيساعد التعجيل بتعميم الرنمينبي الرقمي في زيادة تأثيره الدولي. العملة الرقمية ليست فقط رقمنة العملة. باعتبارها جوهر التمويل، ستؤدي العملة الرقمية حتما إلى الابتكار والإصلاح الماليين وتحسين القدرة على خدمة الاقتصاد الحقيقي. التمويل قوة ناعمة مهمة لأي بلد. باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، أخذت الصين زمام المبادرة في إصدار الرنمينبي الرقمي، وذلك يعتبر أيضا خطوة مهمة بالنسبة للصين لتسريع الإصلاح والابتكار في الصناعة المالية وبناء قوة مالية قوية.

في الوقت الحالي، تتنافس القوى الكبرى في العالم لاتخاذ العملة الرقمية كأحد المجالات الرئيسية للبحث، والصين في مقدمة هذا الركب. سيساعد إصدار العملة الرقمية على تحقيق التنمية العالية الجودة لاقتصاد الصين. بالاستفادة من استضافة بكين لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2022، سيدخل الرنمينبي الرقمي في مسار التطور السريع.