مال واقتصاد < الرئيسية

فرصة جديدة لتدويل الرنمينبي

: مشاركة
2021-01-06 12:32:00 الصين اليوم:Source شيوي قانغ:Author

ساد العالم التشاؤم في عام 2020، مع تراجع الاقتصاد العالمي بسبب تفشي الالتهاب الرئوي الناجم عن فيروس كورونا الجديد (كوفيد- 19) والتوترات المتزايدة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية. لكن، تدويل الرنمينبي (العملة الصينية) يحقق تطورا كبيرا في هذه الفترة الصعبة. أشارت عدة مؤشرات إلى تقدم تدويل اليوان وتحسنه، مما يعطي زخما قويا في هذا المجال. على سبيل المثال، أشار ((تقرير تدويل الرنمينبي لعام 2019- 2020)) الصادر عن اتحاد المؤسسات المصرفية الصينية أن حجم التسويات التجارية العابرة الحدود بالرنمينبي ازداد سريعا برغم التأثير السلبي للوباء بلغت نسبة الزيادة 1ر24% في النصف الأول من عام 2019 و3ر36% في النصف الأول من عام 2020، مقارنة مع نفس الفترة من العامين السابقين. وقد صار الرنمينبي حاليا خامس أكثر عملة احتياطية استخداما في العالم وخامس أكثر عملة استخداما في المدفوعات وثامن أكثر عملة استخداما في المعاملات الأجنبية، حيث تستطيع 242 دولة ومنطقة إكمال التسويات التجارية العابرة الحدود بالرنمينبي. علاوة عن ذلك، وقع بنك الشعب (المركزي) الصيني اتفاقات تبادل عملات ثنائية مع البنوك المركزية لتسع وثلاثين دولة ومنطقة في العالم. لذلك، ارتفع مستوى تدويل الرنمينبي ارتفاعا ملحوظا.

لم تكن عملية تدويل الرنمينبي سهلة أو سلسة أبدا. بدأت مناقشة هذا الموضوع منذ انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، وحقق التدويل تطورا ملموسا بعد اندلاع الأزمة المالية العالمية في عام2008، حيث شعرت البلدان بالحاجة الملحة إلى أخذ قضايا التمويل الوطني والعملة تحت سيطرتها، فطالبت بإصلاح نظام النقد الدولي بصوت عال وذلك من أجل مواجهة الكارثة المالية القاسية آنذاك. في ظل هذه الحالة، اتخذت الصين الخطوة الأولى نحو تدويل الرنمينبي. وقد نجحت شانغهاي في التسوية التجارية عبر الحدود بالرنمينبي لأول مرة في يوليو عام 2009. لقد مر على هذه العملية إحدى عشرة سنة حتى اليوم.

يعتبر عام 2015 عاما حاسما في عملية تدويل الرنمينبي. في الحادي عشر من أغسطس ذلك العام، قامت الحكومة الصينية بإصلاح آلية سعر الصرف، فوضعت بذلك حدا لتوقعات جامدة بارتفاع قيمة اليوان على المدى الطويل. في نوفمبر ذلك العام، أعلن صندوق النقد الدولي قرار إدراج الرنمينبي في سلة حقوق السحب الخاصة مع الدولار الأمريكي واليورو والجنيـه الإسـترليني والين الياباني، مما دفع تحول الرنمينبي من عملة للتسوية التجارية إلى عملة للاستثمار والتمويل الدولي، وعملة احتياطية دولية. لكن، مع تفاقم موجة مناهضة العولمة، وظهور الحمائية في التجارة والاستثمار، والاحتكاك التجاري بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وتعزيز مراقبة الحكومة الصينية لحسابات رأس المال بسبب تيار هروب رؤوس الأموال الصينية إلى الخارج، عبرت الصين، حكومة وشعبا عن الاهتمام البالغ بالحرب التجارية والأمن المالي بدلا من شؤون تدويل الرنمينبي. هكذا، دخلت عملية التدويل مضطرة في فترة ركود مع انتكاس بعض المؤشرات إلى حد ما.

برغم التحديات الخطيرة الناتجة عن التغيرات في الصين والعالم، استقبل تدويل الرنمينبي فرص تطور جديدة.

أولا، لمواجهة النوايا الأمريكية لفك الارتباط الاقتصادي مع الصين، يدرك كل من واضعي السياسات الصينيين والشعب الصيني مدى أهمية تدويل الرنمينبي من جديد. لم تنجح المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية في إعادة العلاقة بين الدولتين إلى المسار الطبيعي المتميز بالانفتاح والتعاون. بل على العكس، وجهت إدارة ترامب التي فشلت في مكافحة كوفيد- 19 وفشلت في سباق الانتخابات الرئاسية، الاتهام إلى الصين من أجل صرف الانتباه الداخلي، مما أدى إلى تدهور العلاقة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية بسرعة. والأسوأ من ذلك، اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية عدة قوانين متعلقة بشؤون هونغ كونغ وشينجيانغ وتايوان للتدخل في الشؤون الداخلية للصين منذ عام 2019. في نفس الوقت، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على عدة شركات ومؤسسات صينية وبعض الصينيين بشكل متزايد. في هذا السياق، تصبح عولمة الرنمينبي الاختيار الوحيد للصين لحماية نفسها من مخاطر العقوبات الأمريكية وتجاوز هيمنة الدولار الأمريكي والموقع المركزي للولايات المتحدة الأمريكية في الشبكة المالية العالمية.  وقد حصل هذا الأمر على دعم قوي من قبل حكومة الصين وشعبها.

استجابت مزيد من الدول "للتخلص من الدولرة" بسبب إفراط الولايات المتحدة الأمريكية في فرض عقوبات على الدول الأخرى، الأمر الذي يوفر فرصة هامة لتسريع عملية تدويل الرنمينبي. على سبيل المثال، يقوم كثير من الدول في العالم اليوم برفع حجم احتياطي الذهب في بنوكها المركزية بصورة مطردة. زادت تركيا حجم احتياطي الذهب لديها بمقدار 2ر22 طنا في النصف الأول لعام 2020. وانتعشت النقاشات حول إنشاء نظام نقدي دولي على أساس معيار الذهب أو أن يلعب الذهب دورا أكبر في نظام النقد الدولي. وقامت روسيا ببيع مئات المليارات من الدولار الأمريكي من سندات الخزنات الأمريكية للتخلص من اعتمادها على احتياطي الدولار الأمريكي؛ وأطلقت عدة دول أوروبية آلية دعم التبادل التجاري (اينستكINSTEX، متجاوزة الدولار الأمريكي وشبكة جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (SWIFT) لبدء التجارة مع إيران. وقد تم الانتهاء من أول معاملة. وفي نفس الوقت، يتم توسيع نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود الذي قدمه بنك الشعب الصيني، حيث انضمت إليه 951 مؤسسة مالية من 97 دولة ومنطقة، بحلول نهاية يوليو عام 2020.

ثانيا، الانفتاح المالي الصيني يدفع عملية تدويل الرنمينبي بصورة متزايدة، مما يساعد في القضاء على المشكلات المستعصية التي تعرقل تدويل الرنمينبي. مع تنفيذ سياسة تقلبات سعر الصرف للرنمينبي بالاتجاهين، بدلا من ارتفاعه في اتجاه واحد، بدأ بعض المستثمرين الأجانب يشتكون من أن السوق المالية الصينية متخلفة وغير مفتوحة، وأن حساب رأس المال غير قابل للتحويل بالكامل. ونتيجة لذلك، لا يمكن للرنمينبي في الخارج أن يتدفق إلى الداخل بسلاسة، وانخفضت عائداته، مما يقلل من جاذبية اليوان كعملة استثمار وتمويل وعملة احتياطية في العالم. يتغير هذا الوضع منذ عام 2018 بشكل تدريجي، إذ تتوسع قنوات الاستثمار في الصين مع إنشاء آلية الربط بين البورصات في شانغهاي وشنتشن وهونغ كونغ، وبين بورصتي شانغهاي ولندن وآلية ربط السندات. لقد تم إصدار البضائع الآجلة من النفط الخام وخام الحديد والنحاس والمطاط المقيمة بالرنمينبي، وتم إدراج الأوراق المالية الصينية والسندات الحكومية للصين في نظام المؤشرات الدولية الرئيسية. هكذا، يفضل كثير من الأشخاص الأجانب والمؤسسات الأجنبية شراء الأسهم والسندات وغيرها من الأصول المالية المقيّمة بالرنمينبي. يمكن القول إن الاستثمار في الأوراق المالية قد أصبح القوة الدافعة الرئيسية لنمو المدفوعات العابرة الحدود بالرنمينبي. في نفس الوقت، أنشأت الحكومة الصينية عدة مناطق للتجارة الحرة التجريبية في بعض المقاطعات لدفع انفتاح حسابات رأس المال في الاتجاهين بصورة إيجابية. في الوقت الراهن، مع إزالة القيود المفروضة على حصص الأسهم في قطاعي الأوراق المالية والتأمين وغيرهما من مجالات الأموال في الصين، يرغب مزيد من الشركات المالية الأجنبية في إنشاء شركات فرعية لها في الصين، مما يدفع تداول الرنمينبي داخل الصين وخارجها.

 ثالثا، حقق الاقتصاد الصيني انتعاشا سريعا في ظل تفشي كوفيد- 19 في عام 2020. وتتخذ الصين السياسة النقدية الحكيمة، مما زاد من جاذبية أصول اليوان. كان أداء الصين جيدا في السيطرة على انتشار الوباء وعلاج المصابين، مما يساعد على إعادة نمو اقتصادها بصورة سريعة. هكذا، صارت الصين واحدة من الاقتصادات الرئيسية القليلة التي حافظت على النمو في عام 2020 وذلك يرسي أساسا اقتصاديا قويا لتدويل الرنمينبي. بدلا من اتخاذ التدابير التحفيزية المالية القوية، تطبق الصين سياسة نقدية صحيحة، حيث ظلت الفائدة المعيارية عند مستوى 2- 3%، الأمر الذي يرفع جاذبية أصول اليوان.

رابعا، يدفع تطور العملة الرقمية للبنك المركزي إلى إمكانية " خلط الأوراق" في النظام النقدي الدولي. مع التنافس القوي في مجال العملة الرقمية، يقوم كثير من دول العالم بدراسة النظريات المعنية وممارساتها. تتقدم الصين في تطور العملة الرقمية وذلك يضيف قوة جديدة لتدويل الرنمينبي. لقد دخلت العملة الصينية الرقمية إلى مرحلة التجارب الواسعة النطاق في الحالات الحقيقية المختلفة، ومن المتوقع أن يتم إطلاقها أولا في الدول الرئيسية الكبيرة، الأمر الذي يساعد الصين على تقليل تكلفة المدفوعات العابرة الحدود ورفع فعالية الأعمال وزيادة عدد مستخدميها في العالم.

برغم وجود فرص التطور الكثيرة، ما زال تدويل الرنمينبي يواجه تحديات سياسية واقتصادية من الداخل والخارج. تعمل الصين على تدويل الرنمينبي من أجل ضمان مصالح تنميتها، وليس لبناء الهيمنة المالية في العالم. لذلك، تتطلع الصين إلى تعزيز التعاون مع دول العالم، بما فيها تركيا، لبناء نظام النقد الدولي المتميز بالعدالة والحيادية والاستقرار.

--

شيوي قانغ، باحث مساعد بمعهد دراسة الاقتصاد العالمي في الأكاديمية الصينية للعلاقات الدولية المعاصرة.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4