وفقا لـ((نشرة إحصاءات الاقتصاد البحري الصيني لعام 2024))، بلغت القيمة المضافة لقطاع التصنيع البحري 1829ر3 تريليونات (الدولار الأمريكي يساوي 1ر7 يوانات تقريبا حاليا)، وهو ما يمثل أكثر من 30% من إجمالي الناتج البحري الصيني. ومنذ بداية عام 2025، واصل هذا القطاع نموه الإيجابي والمتميز، كما هو واضح في "تقارير النتائج" للاقتصاد البحري خلال النصف الأول من 2025 التي أصدرتها وزارة الموارد الطبيعية الصينية في الأول من أغسطس، مع تعزيز الجهود المضاعفة من الصناعات التقليدية والصناعات الناشئة.
معدات الهندسة البحرية ترسم ملامح المستقبل
يشهد سوق بناء وصنع معدات الهندسة البحرية، كصناعة ناشئة، انتعاشا متواصلا. في النصف الأول من عام 2025، حافظت الصين على مركزها الأول عالميا في ثلاث مؤشرات رئيسية لسوق بناء وصنع هذه المعدات، حيث بلغت نسبة الطلبات الجديدة التي تم استلامها، والطلبات المنفذة، والطلبات القائمة 6ر64% و3ر43% و6ر62% على التوالي من السوق العالمية. وحققت المعدات البحرية اختراقات متواصلة: في النصف الأول من 2025، دخلت الخدمة سفينة الرافعة الدوارة الذاتية الحركة "ديانجيان تشيقاو" (سعة 3600 طن) المصممة والمبنية محليا في الصين، بينما أكملت منصة المعالجة المركزية للمرحلة الأولى من مشروع تطوير حقل كينلي 10-2 النفطي (بطاقة مائة مليون طن) أعمال التركيب العائم بالنجاح، كما تم نصب منصة السترة ذات الشبكة الهيلكية المعدنية الجديدة لمشروع تطوير حقل ونتشانغ 16-2 النفطي. وفي عام 2024، أتمت مركبة التعدين البحرية الثقيلة "كايتوه رقم 2" اختباراتها البحرية على عمق 4000 متر في المحيط الهادئ، حيث نجحت في جمع عينات من القشور والعقيدات المتعددة المعادن. وتستخدم هذه المعدات بشكل رئيسي في استغلال الموارد البحرية الرئيسية مثل المعادن والنفط والغاز وهيدرات الغاز الطبيعي.
قال تانغ تسي لي، مساعد المدير في شركة يونتشو للتكنولوجيا الذكية، إن استخراج النفط والغاز من أعماق البحار وبناء طاقة الرياح البحرية يسرعان وتيرة تحويل الإنجازات التكنولوجية إلى تطبيقات عملية. فعلى سبيل المثال، قبل عقد من الزمن لم تكن الصين تمتلك القدرة على تصنيع منصات الحفر البحرية بشكل مستقل، أما اليوم فقد حققت الاكتفاء الذاتي الكامل في هذا المجال، حيث تتميز بتقنيات فريدة مثل صفائح الفولك الفائقة السُمك لمنصة التنقيب عن النفط في المياه العميقة جدا وتكنولوجيا نظام الحفر الدوراني ذو الحلقة المغلقة. في الثالث عشر من فبراير 2017، تم تسليم منصة الحفر شبه الغاطسة "لانجينغ رقم 1" التي صممتها وصنعتها بشكل مستقل شركة يانتاي سيمك رافلز أوفشور، وهي أكبر منصة حفر شبه غاطسة من نوعها في العالم بأعماق حفر قياسية. وفي مايو من عام 2017، حققت المنصة أول استخراج تجريبي لهيدرات الغاز الطبيعي في بحر الصين الجنوبي، بإنتاج تجاوز 300 ألف متر مكعب، محطمة رقمين قياسيين عالميين. وفي سبتمبر 2019، سلمت المنصة الأخرى "لاجينغ 2" التي حطمت بدورها الأرقام القياسية في استخراج الغاز خلال مهمتها الأولى ببحر الصين الجنوبي في أكتوبر 2019. تتميز المنصات شبه الغاطسة المتحركة بقدرتها على العمل في أعماق هائلة ومقاومة العواصف والأمواج الكبيرة والمرونة في التنقل، لكن صعوبة البناء ومتطلبات التقنية عالية جدا، حيث يتم إنتاج 75% من هذه المنصات في مدينة يانتاي بمقاطعة شاندونغ الصينية.
قال مسؤول في مكتب العلوم والتكنولوجيا بمدينة يانتاي: "يتميز قطاع تصنيع المعدات البحرية بكثافة العمالة ورأس المال والتكنولوجيا، حيث يسهم في تعزيز التوظيف وتحقيق دخل بالعملات الأجنبية عبر التصدير، كما يحفز بشكل قوي القطاعات المرتبطة مثل الصناعات الميكانيكية والإلكترونية والحديد والصلب والكيماويات والنقل البحري واستكشاف الموارد البحرية واستخراجها. فعلى سبيل المثال، استخدمت المنصة 'لاجينغ 1' 27354 جهازا وأكثر من 40 ألف أنبوب مع كابلات يبلغ طولها الإجمالي 2ر1 مليون متر، مما عزز تحقيق اختراقات تكنولوجية في العديد من المجالات. أما الفولاذ الخاص العالي المقاومة للتآكل المستخدم في بناء المنصة 'لانجينغ رقم 2'، فقد تحول من الاعتماد على الاستيراد إلى الإنتاج المحلي. حاليا، تضم مدينة يانتاي 30 مؤسسة صناعية يتجاوز الدخل السنوي الرئيسي لكل منها 20 مليون يوان، و300 مؤسسة داعمة في هذا القطاع، بما في ذلك شركات رائدة مثل شركة يانتاي سيمك رافلز أوفشور وشركة بنغلاي تشونغباي جينغلو للشحن البحري."
تركز شركة ليوي بمدينة نانتونغ في مقاطعة جيانغسو على أبحاث وتطوير معدات الأعماق البحرية منذ عام 2015، حيث شكلت فريقا بحثيا بالتعاون مع جامعات ومعاهد متعددة. في إبريل عام 2017، تولت تنفيذ مشروع تحويل الإنجازات العلمية في مقاطعة جيانغسو، ونفذت محليا نظام تثبيت المراسي لمنصة الحفر النفطي "كانتان رقم 3". قال لو شينغ جيان، المدير العام للشركة: "على الرغم من تحقيق الصين إنجازات كثيرة في مجال تكنولوجيا الأعماق البحرية في السنوات الأخيرة، وارتفاع معدل التصنيع المحلي بشكل كبير، لا يزال العديد من التقنيات بحاجة ماسة إلى تحقيق اختراقات. وفي مجال التعدين في أعماق البحار، يجب تسريع معالجة التقنيات الثقيلة لتحقيق الاستقلالية في تقنيات العمل الثقيل في الأعماق البحرية بقدرة 400 طن، مما سيساعد الصين في السعي لأخذ زمام القيادة في تطوير المعادن الرئيسية مثل الأتربة النادرة والعقيدات المتعددة المعادن."
صناعة السفن الصينية تتصدر العالم
لا تزال صناعة بناء السفن الصينية تحتل الصدارة عالميا، فنسبة السفن المكتملة والطلبات الجديدة والطلبات الجاري تنفيذها خلال النصف الأول من عام 2025 بلغت 7ر51% و3ر68% و9ر64% على التوالي من الإجمالي العالمي (بحساب الحمولة الوزنية). والأهم من ذلك، أن الصين حافظت على صدارتها العالمية لمدة 15 عاما متتالية في المؤشرات الثلاثة الرئيسية لصناعة بناء السفن، وهي: نسبة السفن المكتملة البناء، نسبة الطلبات الجديدة التي تم استلامها، ونسبة الطلبات القائمة. وفقا لبيانات وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية الصادرة في يوليو 2025، شهدت الصين زيادة مطردة في تسليم السفن ذات القيمة المضافة العالية خلال النصف الأول من العام نفسه. وأشار تقرير معهد أبحاث الصناعات في جمهورية كوريا إلى أن القدرة التشغيلية للأسطول التجاري الصيني تفوق بأربعة أضعاف نظيره في جمهورية كوريا، لتحتفظ الصين بالمركز الأول عالميا في هذا المجال.
نجحت الصين في اختراق سوق ناقلات الغاز الطبيعي المسال الذي كانت جمهورية كوريا تحتكره سابقا. فبينما حصلت جمهورية كوريا على 91% من الطلبات العالمية عام 2021، ارتفعت حصة الصين إلى 62ر21% بحلول 2023. تعد الناقلات المصممة لنقل الغاز المسال عند 163 درجة مئوية تحت الصفر، من أكثر التقنيات تعقيدا وبناء وقيمة مضافة في الصناعة، حتى أنها توصف بـ"درة تاج صناعة بناء السفن". في ظل التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، تشهد طلبات السفن الصديقة للبيئة ارتفاعا ملحوظا، حيث تتوقع المهندسة وي مي، من معهد الصين البحري رقم 708 التابع للشركة الوطنية الصينية لبناء السفن، أن يشهد أسطول ناقلات الغاز الطبيعي المسال العالمي نموا كبيرا من حيث القدرة على الشحن. في نوفمبر 2024، تم تسليم أول ناقلة للغاز الطبيعي المسال كبيرة مطورة صينيا في شانغهاي إلى عميل أجنبي، مجهزة بنظام صهاريج متطور، مما يمهد الأساس للصين في سوق السفن الفاخرة.
تتسارع صناعة السفن الصينية في التحول الأخضر عبر تعزيز أبحاث تقنيات الدفع الحديثة. بعد استئناف عمل بناء السفن في شركة تشونغيوان للصناعات الثقيلة التابعة لشركة الشحن البحري الصينية (COSCO) للصناعات الثقيلة بمقاطعة قوانغدونغ في عام 2024، حصلت الشركة على طلبات لسفن تعمل بالطاقات البديلة مثل زوارق نقل الوقود الحيوي وزوارق القاطرات الثنائية الوقود (الميثانول). بالإضافة إلى ذلك، تم الانتهاء من تحويل وقود سفينتين عملاقتين أخريين من ناقلات الغاز الطبيعي المسال إلى النظام الثنائي، مما رفع كفاءة المحركات بنسبة 15%، وخفض الانبعاثات الكربونية بين 15% و18%، مع تقليل تكاليف الوقود من غاز البترول المسال.
يرى معهد أبحاث الصناعات في جمهورية كوريا أن تنافسية صناعة بناء السفن الصينية تعود إلى الدور المحوري للمجموعات الحكومية في القطاع، بالإضافة إلى الحلول المتكاملة التي تقدمها شركات التصميم والتمويل. على صعيد السياسات، تواصل الصين تعزيز دعمها، حيث أعلنت شانغهاي في 2025 خطة لإنشاء قاعدة جزيرة تشانغشينغ لبناء السفن، والتي تستهدف تحقيق حجم صناعي يتجاوز 120 مليار يوان بحلول عام 2027 لتصبح قاعدة عالمية المستوى.
طاقة الرياح البحرية.. قوة دافعة جديدة
شهدت طاقة الرياح البحرية نموا لافتا، كأحد المحركات الرئيسية لتطور المعدات البحرية، حيث زادت الصين كمية الكهرباء المولدة من هذا المصدر والسعة التشغيلية المضافة خلال النصف الأول من عام 2025 بنسبة 2ر2% و4ر199% على التوالي، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2024، بينما زادت صادرات التوربينات وقطع الغيار بنسبة 7ر13%. أوضح شيه تشن، مدير التسويق في شركة دونغفانغ لطاقة الرياح الكهربائية، أن إجمالي موارد طاقة الرياح البرية المتاحة أقل من موارد طاقة الرياح البحرية. بعد سنوات من التطوير السريع، أصبحت سعة التوليد البرية تقترب تدريجيا من حدها الأقصى، مما يحول التركيز تدريجيا نحو البحر. مقارنة بمصادر الطاقة المتجددة الأخرى، فإن طاقة الرياح البحرية تتمتع أيضا بكثافة طاقة أعلى.
أنتجت شركة دونغفانغ لطاقة الرياح الكهربائية التي يقع مقرها في يانتاي، شفرات توربينات رياح بحرية بأحجام تتراوح من 90 مترا إلى 153 مترا. لكن تركيب التوربينات البحرية ليس مثل ما يتم على الأرض، بل يواجه تحديات مثل فترات العمل المحدودة وصعوبة الإنشاءات وتكاليف النقل المرتفعة ومتطلبات السفن المتخصصة. تشير تقارير شركة ينغدا للأوراق المالية التابعة لشركة شبكة الكهرباء الوطنية الصينية، إلى أن تصنيع مكونات طاقة الرياح البحرية محليا يحفز الصناعات الإقليمية بشكل كبير. في مدينة يانتشنغ بمقاطعة جيانغسو، تتجمع شركات رائدة توفر 95% من مكونات التوربينات داخل المقاطعة ضمن "سلسلة توريد في غضون ثلاث ساعات"، بينما تعمل مدينة يانغجيانغ في قوانغدونغ على إنشاء "مدينة دولية لطاقة الرياح" تجذب 22 شركة تعمل في كل السلسلة الصناعية، لبناء مصانعها وتشغيل الإنتاج فيها.
يتسارع الابتكار التكنولوجي باستمرار في ظل تنامي المنافسة. تحتاج شفرات توربينات الرياح البحرية إلى تحمل أقوى للرياح وتعرية مياه البحر، مما يستدعي إضافة دعامات مساعدة وتطوير مواد جديدة مقاومة للتآكل. وأوضح شيه تشن أن معدات طاقة الرياح البحرية تتجه نحو كفاءة أعلى، حيث تم تجاوز الحد الأقصى المتوقع لطول الشفرات (120 مترا) في عام 2020، بينما يصل طول الشفرات الحالية إلى 153 مترا مع توربينات بقدرة 26 ميغاوات، مع توقعات بمزيد من تحسين الكفاءة في المستقبل.
--
لي شي منغ، صحفية في مجلة ((تقرير الصين)).
