تعد المنتجات المائية مكونا مهما في النظام الغذائي البشري، حيث تزخر بالبروتين العالي الجودة والعناصر النزرة، وهي تحتل المرتبة الثالثة عالميا بين مصادر البروتين الغذائي (بعد الحبوب ومنتجات الألبان)، وتساهم بنسبة 5ر6% من إجمالي إمدادات البروتين العالمية و4ر16% من البروتين الحيواني. تمتلك الصين سواحل بحرية طولها 18 ألف كيلومتر وتمتد المياه الإقليمية الصينية على مساحة ثلاثة ملايين كيلومتر مربع. تعمل الصين، مستفيدة من مواردها البحرية الاستثنائية، على تطوير صناعة تربية الأحياء المائية بشكل متواصل، من الاستزراع بالقرب من الشواطئ إلى المياه العميقة البعيدة، ومن الأساليب التقليدية إلى الإدارة الذكية. وهكذا تتعزز "مخازن الحبوب الزرقاء" باستمرار، مما يسهم في ترسيخ أسس الأمن الغذائي ويحقق دفعة قوية للاقتصاد البحري.
ركيزتان مزدوجتان.. الأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية
تتخذ الصين على الدوام تربية الأحياء المائية اختيارا استباقيا ومسارا مهما لتطوير المناطق البحرية الوطنية. بالنسبة للصين التي يتجاوز عدد سكانها مليارا وأربعمائة مليون نسمة، لم يعد الاستزراع البحري مجرد أداة حاسمة لضمان الإمدادات الغذائية، بل تحول إلى قوة داعمة للاقتصاد الوطني وعنصر مهم لتحقيق التوازن في التبادل التجاري الخارجي.
تظهر البيانات أن إنتاج الصين من المنتجات المائية البحرية احتل المرتبة الأولى عالميا لسنوات عديدة متتالية. في عام 2024، تجاوز إجمالي الإنتاج 37 مليون طن، وبلغ حجم إنتاج الاستزراع البحري 2764ر25 مليون طن، أي ما يقرب من 70% من الإجمالي، بتفوق كبير على محصول الصيد البحري البالغ 6232ر9 ملايين طن. يعزى هذا الإنجاز إلى إستراتيجية الصناعة القائمة على "التركيز على الاستزراع"، حيث ساهم التطوير الواسع النطاق للاستزراع الاصطناعي في تلبية الطلب الاستهلاكي على المنتجات المائية، إلى جانب تخفيف الضغط على موارد المصايد الطبيعية.
على مستوى معيشة السكان، تصل المنتجات المائية البحرية الغنية إلى موائد المواطنين، بدءا من الأسماك الشائعة مثل السمك الشريطي وسمك الكروكر الأصفر وصولا إلى المنتجات العالية الجودة مثل أذن البحر وروبيان (جمبري) النمر العملاق، حيث يتزايد التنوع وتظل الأسعار في المتناول، مما يشير إلى ارتقاء هيكل النظام الغذائي للسكان. وعلى الصعيد الاقتصادي، أصبح الاستزراع البحري صناعة ركيزة مميزة في العديد من المناطق، مثل حي ديانباي في مدينة ماومينغ بمقاطعة قوانغدونغ، ومحافظة شيابو في مدينة نينغده بمقاطعة فوجيان، حيث ساهم تطوير صناعة الاستزراع في دفع عجلة التنمية الاقتصادية المحلية العالية الجودة.
من الاستزراع الساحلي إلى الاستزراع في الأعماق
كان الاستزراع المائي البحري في الصين يركز على المناطق القريبة من السواحل. ومع توسع نطاق الصناعة، برزت الضغوط المتزايدة على البيئة البحرية القريبة. لذا، أصبح التوجه نحو المياه العميقة البعيدة اتجاها حتميا لإعادة هيكلة الصناعة، لتحقيق مكسب مزدوج في حماية البيئة وتنمية الاستزراع من خلال التوسع المكاني.
تتمتع المياه العميقة البعيدة بجودة ممتازة وتيارات نشيطة ووفرة في العوالق النباتية والحيوانية، مما يوفر بيئة نمو شبه طبيعية للمنتجات المائية، ويعزز بشكل ملحوظ جودة المنتجات. على سبيل المثال، في منصتي الاستزراع "منصة خليج دينغهاي رقم 1" و"منصة خليج دينغهاي رقم 2" بمحافظة ليانجيانغ في مقاطعة فوجيان، يبلغ إجمالي عدد سمك الكروكر الأصفر الكبير أكثر من مائتي ألف سمكة، ويبلغ إجمالي الإنتاج السنوي حوالي خمسمائة طن، كما أن الأسماك المستزرعة تتميز بقوام يقترب من نظيراتها من الأسماك البرية. حاليا، هناك إحدى عشرة منصة استزراع في المياه العميقة البعيدة قيد التشغيل في محافظة ليانجيانغ، تنتج حوالي ألفي طن من الأسماك العالية الجودة.
حتى الآن، أنشأت الصين مائة وتسعة وستين مزرعة بحرية على المستوى الوطني، بسعة استزراع في المياه العميقة البعيدة تصل إلى 6ر56 مليون متر مكعب، وإنتاج سنوي يبلغ أربعمائة وسبعين ألف طن، مما يشكل نمط تطوير واسع النطاق. في مزرعة جينغهاي الوطنية البحرية بمياه جزيرة تشانغداو في مقاطعة شاندونغ، تنتصب الأقفاص الذكية التي طورتها شركة يانتاي سيمك رافلز أوفشور منفردة مثل "قلعة بحرية"، حيث يبلغ طول وعرض قاعدة القفص الواحد ثمانية وستين مترا، مع حجم مياه محيط يصل إلى أربعة وتعسين ألف متر مكعب، مما يتيح بتربية مليون سمكة. وبفضل جودة المياه الممتازة وظروف تبديل المياه الفعالة، تم تحقيق التربية الجماعية للأسماك العالية الجودة.
لا ينفصل التطور السريع للاستزراع في المياه العميقة البعيدة عن التصميم العلوي ودعم السياسات. قدمت مشروعات بناء المزارع البحرية التابعة للجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، وأموال دعم تنمية الثروة السمكية من وزارة المالية ووزارة الزراعة والشؤون الريفية، سياسات داعمة، حيث وفرت ضمانات للمشروعات الرئيسية فيما يتعلق بالمالية والملكية واستخدام البحر، مما دفع عجلة ترقية الصناعة بثبات.
كما يوفر الابتكار التكنولوجي دعما أساسيا للاستزراع في المياه العميقة البعيدة. في مجال المعدات، تطورت مرافق الاستزراع من أقفاص البولي إيثيلين العالي الكثافة في السابق، إلى الأقفاص السداسية الشكل بإطارات معدنية ومواد مركبة من ألياف الكربون، مما جعلها خفيفة الوزن وعزز بشكل كبير مقاومتها للرياح والأمواج. وفي جانب الإدارة الذكية، حققت الروبوتات تحت الماء وأنظمة التغذية الذكية طفرات، حيث تم تحقيق التحكم الرقمي في عمليات الاستزراع من خلال تحسين خوارزميات التغذية الآلية والتعرف على سلوك الأسماك، مما خفض بشكل كبير تكاليف العمالة ورفع كفاءة الاستزراع.
تعميم البذور التقنية وأساس الصناعة المتين
تعد الأصول الوراثية (بنك الجينات) شريان حياة صناعة تربية الأحياء المائية. تواصل الصين العمل على تعزيز نواة الأصول الوراثية، مشكلة نمطا متكاملا لانتقاء وتربية كل من الأسماك الاقتصادية التقليدية وأسماك المياه الباردة. حتى عام 2024، بلغ إجمالي الأصناف المائية الجديدة التي تم فحصها وإقرارها على المستوى الوطني ثلاثمائة وستة أصناف، وقد برزت منها عدة أصناف بحرية مائية، ومنها الجمبري الصيني "هوانغهاي رقم 6" الذي يعد أول صنف جديد معتمد وطنيا يركز على صفة تحمل البرودة، ويتكيف مع نطاق أوسع من البيئات البحرية. في حين تتميز سمكة الهامور الهجين "جينهوبان" بمعدل نمو سريع وقدرة عالية على مقاومة الإجهاد، مما جعلها تنال إعجاب المزارعين. وفي الوقت نفسه، وفر البنك الوطني للموارد الوراثية للأحياء المائية البحرية الذي تم إنشاؤه، أساسا متينا للمحافظة على الموارد الوراثية وتربية أصناف جديدة.
من التربية إلى المعالجة، تمتد صناعة تربية الأحياء المائية في الصين على طول سلسلة القيمة الكاملة. فعن طريق البحث والتطوير التقني، قامت شركة فوتشو ريشينغ للمنتجات المائية بمعالجة أذن البحر إلى أكثر من مائة منتج، بما في ذلك الأطعمة المعلبة الجاهزة والمنتجات المنكهة وحمض التورين، مما رفع القيمة الناتجة عن طن واحد من أذن البحر من مائة ألف يوان (الدولار الأمريكي يساوي 1ر7 يوانات تقريبا حاليا) إلى ثلاثمائة ألف يوان، وزادت نسبة الاستفادة من عمليات المعالجة من أقل من 40% إلى أكثر من 80%، محققة أقصى استفادة ممكنة "من الاستهلاك الكامل للموارد". ويشكل هذا النوع من ترقية الصناعة القائم على البحث والتطوير مسارا مهما لتعزيز القدرة التنافسية للصناعة.
طريق التكامل بين البيئة والاقتصاد
طورت صناعة تربية الأحياء المائية في الصين نماذج مميزة متعددة، حققت تقدما متزامنا في حماية البيئة والتنمية الاقتصادية.
نموذج "طاقة الرياح البحرية+ المزارع البحرية": في مدينة شانوي بمقاطعة قوانغدونغ، يحقق مشروع "فوشي رقم 1" استخداما متكاملا "لتوليد الكهرباء على سطح الماء وتربية الأسماك تحته"، معززا الفائدة الشاملة للموارد البحرية من خلال التطوير المكثف للمساحة.
نموذج "مخازن الحبوب الزرقاء+ السياحة الزرقاء": يدمج مشروع "قنغهاي رقم 1" في مدينة يانتاي بمقاطعة شاندونغ، بين تربية الأحياء المائية والسياحة الترفيهية والتعليم العلمي، فخلق "قرية سياحية بحرية" جديدة، ووسع أبعاد القيمة الصناعية.
نموذج الصيد الرقمي: يدفع الاندماج العميق لإنترنت الأشياء والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي مشروعات مثل "مزرعة الأسماك الصوتية بدون شباك" لسمك الكروكر الأصفر الكبير في المياه المجاورة لمدينة ونتشو، و"القفص الذكي جينتسانغ رقم 1" لتربية خيار البحر في المياه العميقة والبعيدة بمدينة يانتاي، نحو التحول الرقمي والذكي.
لا تحمي نماذج الابتكار هذه البيئة البحرية فحسب، وإنما أيضا تطلق حيوية صناعية متعددة الأوجه، وتوفر "حلا صينيا" للاستدامة العالمية لتربية الأحياء المائية.
من المياه القريبة إلى الأعماق الزرقاء، ومن الطرق التقليدية إلى الذكاء، يمثل مسار تطور صناعة تربية الأحياء المائية في الصين ممارسة حية للتقدم المتزامن للابتكار التكنولوجي وحماية البيئة. في المستقبل، ستواصل "مخازن الحبوب الزرقاء" إظهار حيويتها، للمساهمة بشكل أكبر في ضمان الأمن الغذائي العالمي ودفع عجلة الاقتصاد البحري بجهود الصين القوية.
