ملف العدد < الرئيسية

الذكرى السنوية الثمانون للانتصار في الحرب العالمية ضد الفاشية.. الدفاع عن السلام باليقظة والعمل

: مشاركة
2025-09-15 12:15:00 الصين اليوم:Source ديفيد غوسيت:Author

قبل ثمانين عاما، احتفل العالم بانتهاء الحرب العالمية الثانية التي أغرقت البشرية في هاوية. إن إنهاء هذا الصراع الأكثر دموية في تاريخ البشرية كان بفضل تحالف بدا مستحيلا لكنه حمل مغزى عميقا بين دول اختلفت أنظمتها السياسية وثقافاتها ومصالحها. فتحالف الصين والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق والمملكة المتحدة وفرنسا بقيادة الجنرال ديغول هو الذي مكن من هزيمة الفاشية الشمولية القاسية والعمياء والمتفشية، التي هددت الحريات الأساسية وحقوق الشعوب والاستقرار العالمي. وقد أصبحت هذه الدول الخمس دولا دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

اليوم وبعد ثمانين عاما، لم يعد إحياء ذكرى هذا الانتصار مجرد واجب للتذكر فحسب، بل هو أيضا إنذار صارخ. فبالرغم من انتصار الحرب في عام 1945، يظل السلام مشروعا هشا وغير مكتمل، يتطلب منا الدفاع الأبدي والبناء المستمر. لا تزال "المبادرة العالمية بين الصين وأوروبا وأمريكا" تكافح من أجل سلام إيجابي قائم على الحوار بين الثقافات والتعاون العملي.

كانت الحرب العالمية الثانية صراعا عالميا بين رؤيتين للعالم: من جهة، الفاشية والعسكرتارية التي تبنتها ألمانيا النازية تحت قيادة هتلر وإيطاليا تحت حكم موسوليني وإمبراطورية اليابان تحت حكم الإمبراطور هيروهيتو. ومن جهة أخرى، قوى الحرية والمقاومة التي اتحدت وشكلت تحالفا غير مسبوق في تنوعه وتكامله.

خاض الشعب الصيني، أول ضحايا التوسع الياباني في منشوريا (منطقة شمال شرقي الصين في العصر الحديث) منذ عام 1931، حربا طويلة وبطولية ضد الغزاة راح ضحيتها ملايين الأرواح. دعونا لا ننسى أبدا مذبحة نانجينغ في عام 1937، لأنها مثلت واحدة من أبشع مظاهر الهمجية البشرية: الاغتصاب المنهجي والقتل الجماعي والإعدامات العشوائية وتعذيب المدنيين العزل من قبل الجيش الياباني بعد الاستيلاء على هذه المدينة الصينية العظيمة. لقد أنكر البعض هذه الجريمة ضد الإنسانية منذ فترة طويلة بل وقلل من شأنها، وهي ليست محفورة بعمق في الذاكرة الجماعية للصينيين فحسب، بل ما تزال تمزق ضمير جميع أفراد الأسرة البشرية.

في 7 ديسمبر 1941، بعد حادثة بيرل هاربر، حشدت الولايات المتحدة الأمريكية قواها الصناعية والعلمية والعسكرية الهائلة لتحرير أوروبا وآسيا. من جانبه، تعرض الاتحاد السوفيتي السابق لهجوم شرس من ألمانيا النازية، وخاض سلسلة معارك دموية أبرزها معركة ستالينغراد من يوليو 1942 إلى فبراير 1943، التي شكلت نقطة تحول حاسمة في الحرب. أما بريطانيا تحت قيادة الزعيم المخضرم ونستون تشرشل، فقد رفضت الاستسلام في أحلك اللحظات وواجهت الوضع منفردة لشهور. أخيرا، رفعت فرنسا بقيادة الجنرال شارل ديغول، رغم الاحتلال، صوت المقاومة وساهمت في استعادة أراضي الوطن.

تمكنت الدول الكبرى الخمس، رغم اختلافاتها السياسية والثقافية والأيديولوجية، من تجاوز خلافاتها وتشكيل جبهة موحدة. لم يكن تحقيق النصر ممكنا إلا من خلال هذا التحالف، والإدراك المشترك للضرورة الملحة لحماية البشرية من بربرية لا هوادة فيها.

لكن السلام المكتسب بثمن من الدماء لا يعني بأي حال نهاية التاريخ. إنه يمثل بداية مسؤولية جديدة: بناء عالم تحل فيه النزاعات من دون اللجوء للقوة. إن مصائر الدول منذ 1945، تظهر أن السلام لم يكن أبدا أمرا مفروغا منه. ما يزال نتاج توازن هش، تهدده باستمرار عودة النزعات القومية، والتوترات الجيوسياسية، وانعدام العدالة الاجتماعية، والصراعات الثقافية.

الحرب الباردة والصراعات في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط والتدخلات العسكرية وأزمتا الهجرة والمناخ، جميعها تذكرنا بأن بذور الفوضى لا يمكن استئصالها إلى الأبد. حتى اليوم، تظل المخاطر جسيمة: من المنافسة الاقتصادية والتكنولوجية، وانتشار المعلومات المضللة إلى الانكفاء على الهوية، وصعود التطرف، والأهم من ذلك الغياب المتكرر للحوار الصبور والمدقق. فزوال السلام لا ينبع فقط من القنابل، وإنما أيضا من اللامبالاة، وتفكك الثقة بين الشعوب، وشيطنة الآخر.

لا يجب أن نسمح بتحول سوء التفاهم إلى توتر الأوضاع، ولا بتحول الخلافات إلى انقسامات. فالاحترام المتبادل والاعتراف بالاختلافات واعتبارها تفوقا وليس تهديدا، تشكل ركائز السلام الدائم. لقد كشف القرن العشرون عن عواقب الكراهية الأيديولوجية والخوف من الأجنبي، بينما يجب أن يكون القرن الحادي والعشرون عصر التكافل وإحياء الحوار والتعاون المتعدد الأطراف.

لا يجب أن يقتصر هذا الحوار على الأوراق، بل يجب تحويله إلى إجراءات ملموسة. يتجسد التعاون الدولي في هذه الرغبة السلمية بشكل عملي. في مجالات الصحة والبيئة والتكنولوجيا والتعليم، يتعين على الدول التعاون وتبادل المعرفة والابتكارات وأفضل الممارسات. إن تحديات مثل جائحة كوفيد- 19 وتغير المناخ وعدم المساواة الاقتصادية العالمية لا تعترف بالحدود أو الأيديولوجيات. في مواجهة هذه التحديات، لا يمكن لأي دولة أن تحلها بمفردها. يجب الإشارة بشكل خاص إلى دور الصين وأوروبا وأمريكا في بناء الجسور، بينما تقيم دول أخرى الجدران.

نحن نعمل جاهدين من أجل هذا الترابط الإيجابي، ودبلوماسية المجتمع المدني، ورغبة جمع الأفكار والإرادات نحو هدف مشترك: تجنب تكرار مآسي التاريخ الماضي، والسير قدما على درب التقدم الإنساني والاجتماعي.

لا يجب أن تقتصر الذكرى السنوية الثمانون لانتهاء الحرب العالمية الثانية على لحظات التأمل وسلسلة من الاجتماعات الرسمية. ينبغي أن تكون إشارة وتذكيرا ونداء. إشارة إلى أن السلام ثمرة توحيد الشعوب لإرادتها، وتذكيرا بأن السلام كالحضارة نفسها يحتاج لإعادة بناء مستمرة، ونداء يطالبنا بتجديد التزامنا بعالم أكثر عدلا وأمانا وإنسانية.

يحمل كل جيل مسؤولية بناء السلام. بينما نحتفي بأبطال عام 1945، يجب أن نتساءل أيضا: ماذا نفعل الآن لنكون بناة سلام اليوم والغد؟ لا تحمل ذاكرة هزيمة الفاشية قيمة إلا إذا حفزتنا على رفض كل أشكال الوحشية، بما فيها أشكال التعصب الأكثر خبثا والعنصرية والازدراء واللامبالاة.

اليوم، يعني العمل من أجل السلام أيضا الدفاع عن الأمم المتحدة التي تظل الإطار العالمي الوحيد للحوار والتعاون بين الدول والسعي لتسوية الخلافات سلميا. لا أحد ينكر أن الأمم المتحدة ليست مثالية. إن معوقاتها وبطئها وتجاوزاتها تتطلب إصلاحا جذريا لجعلها أكثر فاعلية وديمقراطية وتمثيلا للواقع المعاصر. لكن تشويه سمعتها أو التخلي عنها يعني التخلي عن مشروع أساسي للحضارة الإنسانية: الإيمان بأن المفاوضات والقانون والتعاون الدولي تفوق قانون الأقوى. إن تدمير الأمم المتحدة أو إهمالها سيفتح الباب لعالم أكثر عنفا واضطرابا. لذلك، فإن الدفاع عنها وإصلاحها أصبح اليوم أكثر من أي وقت مضى ضرورة لحماية السلام وبناء مستقبل أفضل للبشرية.

فلنعتبر دائما أن السلام ليس أمرا مفروغا منه. إنه مشروع يجب إعادة النظر فيه باستمرار. كما حدث في عام 1945، يمكننا المحافظة عليه من خلال تحالف الشعوب وتعاون الدول وحوار الثقافات. يواجه عالمنا اليوم تحديات عالمية، بما فيها تحديات الذكاء الاصطناعي المثيرة للدهشة، مما يجعله أكثر من أي وقت مضى بحاجة إلى إرادة إنسانية التوجه لمواجهة كل ما يمس الكرامة البشرية.

لذلك نبذل جهودنا في عملنا: تنمية الذاكرة، بناء المستقبل، والتذكير بلا كلل بأن السلام ليس هبة بل ضرورة ملحة اليوم وحاجة مطلقة للمستقبل.

--

 

ديفيد غوسيت، خبير فرنسي في العلاقات الدولية وصينولوجي ومؤسس "المبادرة العالمية بين الصين وأوروبا وأمريكا".

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

互联网新闻信息服务许可证10120240024 | 京ICP备10041721号-4