يصادف الحادي والعشرون من يوليو 2025 الذكرى السنوية الخامسة والثلاثين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية الصين الشعبية والمملكة العربية السعودية. وقد أعلن الجانبان رسميا، في بيان مشترك بشأن إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، أن "الحكومتين اتفقتا على تطوير التعاون والعلاقات الودية بين البلدين على أساس مبادئ الاحترام المتبادل للسيادة وسلامة الأراضي، وعدم الاعتداء المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل منهما، والمساواة والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي". وعلى مدار خمسة وثلاثين عاما، التزم البلدان دائما بروح إقامة العلاقات الدبلوماسية القائمة على أساس الاحترام المتبادل، والتفاهم المتبادل، والدعم المتبادل. وشهدت الثقة السياسية المتبادلة والصداقة التقليدية بين البلدين تعمقا مستمرا، وحقق تعاونهما العملي في مختلف المجالات إنجازات مثمرة. ويمكن القول إن العلاقات الدبلوماسية بين الصين والسعودية، رغم انطلاقها المتأخر، أصبحت بعد خمسة وثلاثين عاما من التطور السريع، في طليعة علاقات الصين مع دول الشرق الأوسط.
تطوير وترقية العلاقات الثنائية تحت قيادة الدبلوماسية على مستوى القمة. منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية، قام قادة البلدين بعدة زيارات متبادلة. وخاصة خلال السنوات العشر الماضية، تعمقت الثقة السياسية المتبادلة بين الصين والسعودية بشكل مستمر، وحافظت العلاقات الثنائية على التطور بزخم قوي تحت القيادة الإستراتيجية لقادة البلدين. في عام 2016، قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة دولة إلى المملكة العربية السعودية، حيث أعلن الرئيس شي جين بينغ والملك سلمان معا إقامة الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين. وفي عام 2022، زار الرئيس شي جين بينغ السعودية مرة أخرى، ووقع مع الملك سلمان ((اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين جمهورية الصين الشعبية والمملكة العربية السعودية))، مما حدد الاتجاه للعلاقات الصينية- السعودية في العصر الجديد. وقد اتفق الجانبان على عقد لقاء بين زعيمي البلدين مرة كل عامين بالتناوب، ورفع مستوى رئاسة اللجنة الصينية- السعودية المشتركة الرفيعة المستوى إلى مستوى رئيس الوزراء. في سبتمبر 2024، ترأس رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ وولي العهد السعودي رئيس الوزراء محمد بن سلمان معا الاجتماع الرابع للجنة الصينية- السعودية المشتركة الرفيعة المستوى، مما ضخ زخما جديدا في التعاون بين البلدين في مختلف المجالات. وعلى مدار خمسة وثلاثين عاما، حققت العلاقات الثنائية قفزات نوعية، بدءا من إقامة العلاقات الدبلوماسية، مرورا بـ"علاقات الصداقة الإستراتيجية"، ووصولا إلى "الشراكة الإستراتيجية الشاملة"، وذلك بفضل البصيرة الثاقبة، والرؤية البعيدة المدى، والتخطيط المحكم، والتدبير الحكيم من قادة البلدين. وقد أصبح التعاون في مختلف المجالات ينبض بحيوية قوية ويتمتع بآفاق واعدة.
التعاون العملي يدفع العلاقات بين البلدين نحو الاستقرار والنمو المستدام على المدى البعيد. عند بداية إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والسعودية في عام 1990، كان حجم التبادل التجاري بينهما أقل من 500 مليون دولار أمريكي. أما اليوم، فقد أصبحت السعودية أكبر شريك تجاري للصين ومن أهم موردي النفط الخام لها في منطقة غربي آسيا وشمالي أفريقيا، وفي المقابل تعد الصين أكبر شريك تجاري للمملكة، وقد تجاوز حجم التبادل التجاري الثنائي بين البلدين 100 مليار دولار أمريكي لعدة سنوات متتالية. تشارك السعودية بنشاط في بناء "الحزام والطريق"، وانضمت إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية كعضو مؤسس. في ظل المواءمة المعمقة بين البناء المشترك لمبادرة "الحزام والطريق" و"رؤية السعودية 2030"، يشهد حجم التبادل التجاري والاستثمارات المتبادلة بين البلدين نموا مستمرا، وقد نُفذت العديد من المشروعات الكبيرة التي أسفرت عن نتائج مثمرة. لقد شهد التعاون في القطاعات التقليدية مثل البنية التحتية والبتروكيماويات، تطورا مستمرا. وفي الوقت نفسه، تم تفعيل إمكانات التعاون بين البلدين في المجالات الناشئة مثل الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي تدريجيا. ويواصل التعاون المالي بين الصين والسعودية مساره التصاعدي خلال السنوات الأخيرة، حيث أتمت المؤسسات المالية في البلدين أول تعاون من نوعه في مجال القروض المقومة بالرنمينبي، ووقع البنك المركزي الصيني ونظيره السعودي اتفاقية ثنائية لمبادلة العملة المحلية. كما أصدرت الصين أول سند سيادي لها في منطقة الشرق الأوسط في السعودية، الأمر الذي يسهم بقوة في تيسير التجارة والاستثمار بين الجانبين. تعد الصين والسعودية شريكين طبيعيين، بفضل الأساس المتين للتعاون بينهما، وتطابق الإستراتيجيات وتقارب المفاهيم وتكامل المزايا في التنمية بينهما. وقد أصبحت مبادئ المنفعة المتبادلة والفوز المشترك هي القوة الدافعة الجبارة لتنمية العلاقات الصينية- السعودية.
التبادل الثقافي والإنساني يساهم في ترسيخ العلاقات بين البلدين، لتزداد متانتها مع مرور الزمن. العلاقات الودية بين الدول تقوم على أساس المحبة بين الشعوب، وهذه المحبة تأتي من التفاهم المتبادل بينها. تعود التبادلات الثقافية والإنسانية بين الصين والسعودية إلى أعماق التاريخ، وتستند إلى أسس حضارية متينة، وقد حققت نتائج مثمرة بفضل الجهود المشتركة التي يبذلها شعبا البلدين، مما عمق التعاون بين الجانبين في مجالات الثقافة والسياحة والتعليم والرياضة. منذ إدراج اللغة الصينية ضمن النظام التعليمي الوطني في السعودية في عام 2019، بدأت أكثر من 170 مدرسة إعدادية حكومية سعودية تعليم اللغة الصينية، ويتزايد إقبال الطلاب السعوديين على تعلم اللغة الصينية والثقافة الصينية. وقد احتفلت المملكة هذا العام بـ"اليوم العالمي للغة الصينية" بحفاوة بالغة، حيث قامت وزارة التعليم السعودية وإدارات التعليم في مختلف المناطق بالترويج لهذه المناسبة على نطاق واسع، من خلال تنظيم ندوات حول تعليم اللغة الصينية، وزيارات للفصول الدراسية لتعليم اللغة الصينية، وتقديم التهاني للمعلمين الصينيين. كما نظمت الجامعات والمدارس الإعدادية والثانوية في مختلف أنحاء المملكة فعاليات احتفالية متنوعة، مثل "ركن اللغة الصينية" ومسابقات الخطابة باللغة الصينية، بهدف تعزيز اهتمام الطلاب وزيادة حماستهم لتعلم اللغة الصينية وإتقانها. في السنوات الأخيرة، ارتفع عدد الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين بشكل ملحوظ، تزامنا مع ازدياد سريع في عدد السياح. وقد عُرضت أفلام متميزة من البلدين على الشاشات في كل من الصين والسعودية، كما شارك الرياضيون من كلا الجانبين بشكل متكرر في المنافسات الرياضية لدى الطرف الآخر. في يونيو 2025، أعلنت الصين بشكل أحادي وتجريبي، سياسة إعفاء المواطنين السعوديين من تأشيرة الدخول، مما أتاح للأصدقاء السعوديين فرصة السفر إلى الصين بسهولة وفي أي وقت. ويصادف هذا العام انطلاق "العام الثقافي الصيني- السعودي" لأول مرة، حيث تتعمق المعرفة والتفاهم المتبادل بين شعبي البلدين من خلال سلسلة من الفعاليات الثقافية المتنوعة، مما رسخ العلاقات الصينية- السعودية الودية في قلوب الناس، وأضفى حيوية جديدة على أواصر الصداقة التقليدية بينهما.
الرؤى المشتركة تساهم في فتح فصل جديد للعلاقات الثنائية. الصين والسعودية دولتان مستقلتان ومحبتان للسلام، وتمثلان قوتين مهمتين في دفع بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، وبناء اقتصاد عالمي منفتح، والمحافظة على السلام والتنمية في المنطقة. حاليا، تشهد منطقة الشرق الأوسط توترات متتالية وتصاعدا في العجز الأمني، لذا تُظهر دول المنطقة رغبة متزايدة في تحقيق الاستقرار والتنمية. وفي هذا الإطار، تأتي مبادرة "الأمن العالمي" التي طرحها الرئيس شي جين بينغ كإجابة واضحة على السؤال المطروح في هذا العصر حول كيفية تحقيق الأمن المشترك بين دول العالم، وقد أسهمت بشكل واقعي وكبير في تعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وحظيت بتفهم واسع وتأييد كبير من الدول العربية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية. لعبت الصين دور الوسيط بنشاط في استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، مما شكل تجسيدا حيا لمبادرة الأمن العالمي، وأظهر جوهر مفهوم مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، كما قدمت الصين الحكمة والحلول في سبيل تسوية مشكلة العجز الأمني في الشرق الأوسط. وتدعم الصين السعودية في لعب دور أكبر على الساحتين الدولية والإقليمية، وتحافظ على التواصل المنتظم والتنسيق الوثيق مع السعودية في الأمم المتحدة وغيرها من الآليات المتعددة الأطراف. كما تحرص الصين على الدفاع عن المصالح المشتركة للدول النامية الغفيرة ومعارضة الهيمنة وسياسة القوة بموقف واضح وتطوير الحوكمة العالمية في اتجاه أكثر عدالة وعقلانية.
يقول المثل العربي: "عندما يعمل الإخوة معا، تتحول الجبال إلى ذهب." وهناك مثل صيني قديم يقول: "إذا اتفقت إرادة الأشقاء، يمكنهم اجتياز أي مصاعب." في ظل التغيرات المتسارعة التي لم يشهدها العالم منذ مائة عام والاضطرابات المتشابكة للأوضاع الدولية، تتجلى الأهمية الإستراتيجية والشاملة للعلاقات الصينية- السعودية بوضوح متزايد. إن التعاون الودي بين الصين والسعودية نابع من إرادة شعبيهما، ويتماشى مع تيار العصر. تولي الصين دائما أهمية كبيرة لتنمية علاقاتها مع السعودية، وتضع ذلك في مقدمة أولويات دبلوماسيتها، وخاصة تجاه منطقة الشرق الأوسط. على أعتاب مرحلة تاريخية جديدة، تأمل الصين أن يواصل الجانبان السير على نهج القيادة الإستراتيجية لقادة البلدين، والتمسك بالرؤى المشتركة- بناء "البيوت الخمسة" التي تتسم بالسلام والأمن والازدهار والجمال والود، والالتزام بالقيم الآسيوية المتمثلة في السلام والتعاون والانفتاح والشمول. تحرص الصين على اغتنام الذكرى السنوية الخامسة والثلاثين لإقامة العلاقات الدبلوماسية، والعمل يدا بيد مع السعودية على تحقيق المنفعة المتبادلة والفوز المشترك من خلال مسارات التنمية المستقلة، ومواصلة تطوير وتعميق الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الصين والسعودية، وبناء تعددية الأقطاب العالمية القائمة على المساواة والانتظام، والعولمة الاقتصادية التي تعود بالنفع على الجميع وتشمل الجميع، لتحقيق المزيد من الرفاه للشعبين والعالم أجمع.
--
تشانغ هوا، سفير جمهورية الصين الشعبية لدى المملكة العربية السعودية.