ملف العدد < الرئيسية

الذكرى السنوية الخامسة والثلاثون للعلاقات السعودية- الصينية.. "شراكة إستراتيجية شاملة"

: مشاركة
2025-07-18 15:34:00 الصين اليوم:Source عبد الرحمن بن أحمد الحربي:Author

تربط المملكة العربية السعودية بجمهورية الصين الشعبية علاقات متميزة وصداقة راسخة ومتواصلة منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما في عام 1990، حيث شهدت العلاقات بين البلدين الصديقين ازدهارا غير مسبوق خاصة خلال السنوات الأخيرة الماضية، وذلك في إطار الشراكة الإستراتيجية الشاملة التي تجمعهما والمواءمة بين خططهما التنموية "السعودية 2030" ومبادرة "الحزام والطريق"، حيث تطورت هذه العلاقة بشكل متسارع وشهدت تحولا نوعيا اتسم بالزخم المتزايد والانفتاح الواسع على فرص جديدة للتعاون الإستراتيجي، مدفوعة برؤية مشتركة نحو تعزيز التعاون في مختلف المجالات بما يحقق المصالح المشتركة لكلا البلدين، حتى أصبحت المملكة الشريك التجاري الأول للصين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأصبحت الصين الشريك التجاري الأول للمملكة لمدة زمنية طويلة تقارب عقدا من الزمن، حيث تجاوز حجم التبادل التجاري بينهما 107 مليارات دولار أمريكي في عام 2024.


وقد أسهمت الزيارات المتبادلة بين قيادتي البلدين الصديقين خلال السنوات الماضية، وما نتج عنها من اتفاقيات ومخرجات مهمة، بدور محوري في نقل العلاقة من إطارها الدبلوماسي التقليدي إلى شراكة إستراتيجية شاملة وأفق أوسع من التنسيق السياسي والتكامل الاقتصادي. وكان أبرز هذه الزيارات زيارة مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- إلى الصين في عام 2017، وزيارتين لصاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود- حفظه الله- إلى الصين في عام 2016 وعام 2019. كما قام فخامة الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة المملكة في عام 2016 وعام 2022. وتعد الزيارة الأخيرة لفخامة الرئيس الصيني إلى المملكة زيارة تاريخية واستثنائية عُقدت خلالها ثلاث قمم مهمة؛ وهي القمة السعودية- الصينية والقمة الخليجية- الصينية والقمة العربية- الصينية. وقد تضمن البيان الختامي المشترك للقمة السعودية- الصينية توقيع اتفاقيتي "الشراكة الإستراتيجية الشاملة" والمواءمة بين رؤية "المملكة 2030" ومبادرة "الحزام والطريق" بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية، كما قام دولة رئيس مجلس الدولة الصيني معالي السيد لي تشيانغ بزيارة مهمة إلى المملكة في عام 2024، والتي نتجت عنها مخرجات مهمة وعقد خلالها اجتماع اللجنة السعودية- الصينية المشتركة الرفيعة المستوى. وجميع ذلك يعكس تصاعد وتيرة العلاقات والرغبة الجادة من الجانبين للمضي بها إلى آفاق أرحب.   

كما كان لتأسيس اللجنة المشتركة الرفيعة المستوى بين البلدين، خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المملكة في عام 2016، والتي يرأسها من الجانب السعودي صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان آل سعود- حفظه الله- ومن الجانب الصيني دولة رئيس مجلس الدولة معالي السيد لي تشيانغ، دورا جوهريا في رفع أوجه الشراكة بين بلدينا الصديقين على المستوى العملي وزيادة وتيرة التعاون والتنسيق والعمل المشترك بين الجانبين في المجالات كافة السياسية والاقتصادية والاستثمارية والأمنية والثقافية وغيرها، وفق مبدأ المنفعة المتبادلة والكسب المشترك. إن ما ينتج عن اللجنة الرفيعة المستوى من مخرجات يمثل ركيزة أساسية في توثيق الصداقة بين البلدين، وتحقيق قفزات نوعية في تعزيز تعاونهما. وقد عقدت اللجنة دورتها الأولى في عام 2016 في العاصمة الصينية بكين، وعقدت دورتها الثانية في عام 2017 في مدينة جدة، فيما عقدت دورتها الثالثة في عام 2019 في بكين ودورتها الرابعة في عام 2024 بالعاصمة السعودية الرياض. 

واليوم ونحن نستعرض حجم المنجزات التي تحققت خلال الخمسة والثلاثين عاما الماضية، نجد أن ما يجمع بلدينا الصديقين لا يقتصر على حجم التبادل التجاري أو الشراكة الاقتصادية أو التعاون الثقافي فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى مختلف أوجه التعاون، فقد اتسمت العلاقات السعودية- الصينية بالاحترام المتبادل والثقة الراسخة والصداقة الدائمة والدعم المتبادل في المحافل الدولية وتبني مواقف متسقة بينهما في العديد من الملفات. كما أن لدى البلدين رؤية متقاربة في مقاربة العديد من التحديات الدولية، حيث يؤمن الجانبان بأهمية احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية والعمل على تسوية النزاعات عبر الوسائل السلمية وتعزيز الأمن والاستقرار الدوليين، وهي مواقف تنسجم مع ميثاق الأمم المتحدة وتؤكد التزام البلدين بدور مسؤول ومتوازن في النظام العالمي.

وحيث تصادف هذه السنة مرور خمسة وثلاثين عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة والصين، فلا يسعني إلا الإشادة بهذه العلاقات، فقد نجح البلدان في بناء نموذج تعاون متميز يتسم بالتنوع والشمول. ولعل من أبرز شواهد هذا التعاون إعلان جمهورية الصين الشعبية دعمها لملف ترشح المملكة لاستضافة معرض إكسبو 2030 ودعمها ملف ترشح المملكة لاستضافة بطولة كأس العالم 2034، كما سبق أن أعلن فخامة الرئيس الصيني شي جين بينغ عن اعتماد المملكة كوجهة سياحية رسمية لمجموعات السياح الصينيين في الخارج، والذي يعد خطوة إيجابية تتوج التعاون الوثيق بين البلدين في القطاع السياحي، في ظل تزايد افتتاح خطوط طيران مباشرة بين المملكة والصين. ومن الشواهد الأخرى التي تؤكد عمق العلاقات على الصعيد الثقافي، اختيار المملكة كضيف شرف في معرض بكين الدولي للكتاب في عام 2024، وإطلاق جائزة الأمير محمد بن سلمان للتعاون الثقافي بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية، والتي تُعنى بتكريم المتميزين في كلا البلدين في المجالات الثقافية. كما تم إدخال اللغة الصينية كمادة دراسية في مدارس التعليم العام في المملكة العربية السعودية، وتبادل إيفاد المعلمين من الجانبين لتعليم اللغة الصينية، وزيادة عدد الطلبة السعوديين المبتعثين إلى الصين، فضلا عن اعتماد العام الحالي 2025 ليكون عاما ثقافيا سعوديا- صينيا، وسيشمل ذلك إقامة فعاليات متنوعة لدى الجانبين الصديقين ستسهم في إثراء المشهد الثقافي وتقوي أواصر الصداقة التاريخية بين الشعبين السعودي والصيني. كما تجدر الإشارة إلى أن كبرى الشركات السعودية مثل "أرامكو" و"سابك" و"أكوا باور"، لها حضور وتواجد فاعل من خلال مكاتبها في الأراضي الصينية ووانخراطها في أعمال ومشروعات واستثمارات صناعية متقدمة تهدف إلى تطوير التعاون الصناعي بين المملكة والصين.

وختاما، في هذه الذكرى التي تجسد مسيرة خمسة وثلاثين عاما من التعاون الوثيق بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية، فإن الجانبين أكدا التزامهما بمواصلة العمل الجاد لتعزيز العلاقات بين البلدين الصديقين، والتطلع إلى الرقي بها لمستويات جديدة، في ظل التوجيهات السديدة لقيادتي البلدين، وبما يلبي تطلعات شعبيهما العظيمين.

--

عبد الرحمن بن أحمد الحربي، سفير المملكة العربية السعودية لدى جمهورية الصين الشعبية. 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

互联网新闻信息服务许可证10120240024 | 京ICP备10041721号-4