في بداية عام 2025، استقبلت سوق رأس المال الصينية شركتين أجنبيتين. في السابع عشر من يناير، قبلت لجنة تنظيم الأوراق المالية الصينية طلب تأسيس شركة سيتادل للأوراق المالية في الصين. حسب المعلومات المعنية، فإن شركة سيتادل للأوراق المالية التابعة لرجل الأعمال الأمريكي كينيث غريفين، صانع سوق رائد عالميا. أما شركة سيتادل للاستثمار، فهي شركة أخرى أسسها غريفين وتصدرت قائمة صناديق التحوط العالمية من حيث الأداء في عام 2022، متجاوزة شركة بريدج ووتر أسوشيتس. وفي السابع عشر من الشهر ذاته، حصلت الشركة الفرعية التابعة لشركة ستاندرد تشارترد للأوراق المالية في الصين، بشانغهاي، على رخصة مزاولة أعمال الأوراق المالية والعقود الآجلة، حيث تتضمن أعمالها الوساطة في الأوراق المالية، والاكتتاب في الأوراق المالية (يقتصر على ترتيب الصفقات)، وإدارة أصول الأوراق المالية (يقتصر على ترتيب الصفقات) وهي أول فرع لشركة أوراق مالية أجنبية حصلت على موافقة مزاولة الأعمال في الصين منذ بداية عام 2025.
شركة إرنست ويونغ، وهي واحدة من أربع أكبر شركات للمحاسبة في العالم، أصدرت في الثاني والعشرين من يناير 2025 ((تقرير الإصلاح والانفتاح المالي الصيني لعام 2024)) (يشار إليه فيما يلي بـ"التقرير") حيث أشار إلى أن قطاعات البنوك والتأمين والأوراق المالية وإدارة الأصول في الصين تسارعت وتيرة انفتاحها على الخارج بشكل أكبر، وأن الشركات المالية الأجنبية حققت نموا من حيث حجم أصولها وعائدات أعمالها في الصين. ولا سيما أن شركات الأوراق المالية الأجنبية ومؤسسات إدارة الأصول الأجنبية تقدمت بنشاط بطلبات لإجراء الأعمال في الصين وسجل عدد مؤسساتها في الصين رقما قياسيا جديدا.
قال وو جيون، الشريك الإداري لسوق وسط الصين لشركة إرنست ويونغ، إن الصين حققت إنجازات مثمرة فيما يتعلق ببناء السوق وتطور الصناعة وإدخال المؤسسات وتوسيع نطاق الأعمال للإصلاح والانفتاح المالي، الذي يعتبر جزءا مهما لشق طريق التنمية المالية ذي الخصائص الصينية. وفي الوقت ذاته، ساهم إصلاح نظام المراقبة المالية المواكب للعصر والسياسات الإقليمية المناسبة في خلق بيئة أكثر انفتاحا وملاءمة للمؤسسات المالية الأجنبية للاستثمار وتوسيع أعمالها في الصين.
التفاؤل بالصين
في السنوات الأخيرة، مع توسيع الانفتاح الثنائي الاتجاه للسوق المالية الصينية باستمرار، تبادر المزيد من المؤسسات الأجنبية إلى توسيع أعمالها في السوق الصينية. في الواقع، حصلت مؤسسات أجنبية عديدة على الموافقة على تأسيس شركات الأوراق المالية لها في الصين وحصلت على تراخيص مزاولة الأعمال المعنية بصورة تدريجية منذ عام 2024. كما تقدمت كثير من شركات الأوراق المالية الأجنبية بالفعل بطلبات للحصول على الموافقة على إنشاء فروع لها في الصين، مما يبرز الموقف الإيجابي للمؤسسات الأجنبية تجاه السوق الصينية. وفي الوقت الذي يشهد فيه قطاع شركات الأوراق المالية الصينية موجة كبيرة من عمليات الاندماج والاستحواذ، حيث أصبحت تقوية الشركات ذاتها هدفا رئيسيا لشركات الأوراق المالية، فإن تسارع دخول شركات الأوراق المالية الأجنبية يحمل دلالة على خوض المنافسة في نفس الساحة. ومن ناحية أخرى، فإن سوق إدارة الأصول الصينية العملاقة ما زالت في المرحلة الأولية، وهذا يتيح فرصة سانحة لكل من شركات الأوراق المالية المحلية والأجنبية.
حسب معلومات نشرتها لجنة تنظيم الأوراق المالية الصينية، في السابع عشر من يناير، تقدمت شركة سيتادل للأوراق المالية بطلب لتأسيس شركة أوراق مالية في الصين. قال تشاو بنغ، الرئيس التنفيذي لشركة سيتادل للأوراق المالية إن الشركة أولت اهتماما متزايدا للسوق الصينية في السنوات الأخيرة، حيث أعلنت بورصة شانغهاي للذهب في ديسمبر عام 2021 عن قبول ثلاث مؤسسات كأعضاء دوليين، ومنها شركة سيتادل للأوراق المالية؛ وفي مطلع عام 2023، حصلت شركة سيتادل للأوراق المالية على صفة "المستثمر الأجنبي المؤهل"؛ وفي يوليو من ذات العام، أعلنت شركة سيتادل للأوراق المالية رسميا أن تانغ شياو دونغ، المسؤول السابق لمنطقة الصين لشركة بلاك روك سينضم إلى شركة سيتادل للأوراق المالية لتوطيد التعاون مع العملاء الصينيين والشركاء التجاريين في الصين وتطوير أعمال الشركة في السوق الصينية. وفي ذلك الحين، كان التغيير في شؤون الموظفين يعد دليلا على زيادة اهتمام شركة سيتادل للأوراق المالية بالسوق الصينية. لطالما ترقب الناس ما إذا كانت شركة سيتادل للأوراق المالية ستؤسس شركة أوراق مالية في بر الصين الرئيسي. في يناير عام 2024، أفادت الأخبار بأن شركة سيتادل للأوراق المالية تخطط للاستحواذ على أعمال الأوراق المالية التابعة لشركة كريدي سويس في الصين. ولاحقا، أعلنت شركة بكين لإدارة الأصول المملوكة للدولة عن استحواذها على أعمال الأوراق المالية لكريدي سويس، مما أدى إلى وقف خطة الاستحواذ لشركة سيتادل للأوراق المالية. توقع بعض الخبراء أن تعمل شركة سيتادل للأوراق المالية في الصين على خدمة العملاء المؤسسين بشكل عام، مع التركيز على تنفيذ التداولات في السوق الثانوية في الأيام الأولى لها، لتكون شركة أوراق مالية متخصصة واحترافية.
وفيما يتعلق بحصول أول شركة فرعية لشركة ستاندرد تشارترد للأوراق المالية بالصين على الموافقة على التشغيل، قال تسنغ جي تشي، مدير الأسواق المالية والعملاء الإستراتجيين لمنطقة الصين الكبرى وشمالي آسيا بمجموعة ستاندرد تشارترد، إن شركة ستاندرد تشارترد للأوراق المالية بالصين التي لا تزال في مرحلة النمو، تقدمت بخطى ثابتة على مسار التنمية المستقرة، مضيفا أنه من خلال تأسيس الشركة الفرعية، ستعزز شركة ستاندرد تشارترد للأوراق المالية قدرتها على خدمة العملاء وتوسيع نطاق أعمالها سعيا لتحقيق المزيد من القوة والقيمة الإستراتيجية ولترسيخ وجود مجموعة ستاندرد تشارترد في السوق الصينية. وأشار السيد تسنغ إلى أن شانغهاي تعد مركزا ماليا عالميا حيث يقع فيها مقر شركة ستاندرد تشارترد بالصين، وأن هذا التوزيع الجغرافي سيحفز شركة ستاندرد تشارترد للأوراق المالية على تنفيذ مهمتها في ربط أسواق رؤوس الأموال في بر الصين الرئيسي وخارجه.
وفقا للمصادر المعنية، منذ بدء التشغيل في مارس عام 2024، تعمل شركة ستاندرد تشارترد للأوراق المالية على توسيع نطاق أعمالها بنشاط، حيث تستفيد من الشبكة العالمية لمجموعة ستاندرد تشارترد لاستكشاف احتياجات العملاء المتنوعة في الاستثمار وتلبيتها. لقد أحرزت الشركة تقدما أوليا فيما يتعلق بالسندات والاكتتاب في الأوراق المالية المدعومة بالأصول، مما عزز قدرة مجموعة ستاندرد تشارترد على خدمة العملاء في الصين.
تنوع أعمال شركات الأوراق المالية الأجنبية في الصين
في السنوات الأخيرة، خففت الحكومة الصينية القيود المفروضة على نسبة الأسهم الأجنبية لشركات الأوراق المالية الأجنبية في الصين تدريجيا، ورفعتها في نهاية المطاف. فازداد عدد شركات الأوراق المالية الأجنبية في الصين.
في الوقت الحالي، يوجد في سوق رأس المال الصينية أربع شركات أوراق مالية مملوكة بالكامل للمستثمرين الأجانب، وهي شركة جي بي مورغان تشيس للأوراق المالية بالصين، وشركة غولدمان ساكس للأوراق المالية بالصين، وشركة ستاندرد تشارترد للأوراق المالية بالصين وشركة بي إن بي باريبا للأوراق المالية بالصين، وذلك بالإضافة إلى العديد من شركات الأوراق المالية الخاضعة للسيطرة الأجنبية مثل شركة كريدي سويس للأوراق المالية، وشركة دي بي إس للأوراق المالية وشركة دايوا للأوراق المالية، وشركة إتش إس بي سي تشيانهاي للأوراق المالية. وفقا لما نشر في الموقع الإلكتروني للجنة تنظيم الأوراق المالية الصينية، فضلا عن شركة سيتادل للأوراق المالية، تم قبول طلبات تأسيس شركات جديدة من شركة سيتي للأوراق المالية، وشركة ميزوهو للأوراق المالية، وشركة نيككو للأوراق المالية وشركة تشينغداو ييتساي للأوراق المالية.
بحلول نهاية النصف الأول لعام 2024، بلغ إجمالي أصول شركات الأوراق المالية الأجنبية في الصين 622 مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي 3ر7 يوانات تقريبا حاليا) أي ما يمثل 3ر5% من إجمالي أصول هذا القطاع. وكان إجمالي إيرادات هذه الشركات 14 مليار يوان في النصف الأول لذات العام، أي 89ر6% من إجمالي إيرادات القطاع.
وجدير بالذكر أن شركات أجنبية عديدة حققت تقدما في سوق رأس المال بالصين في عام 2024، كما رفعت شركات الأوراق المالية المشتركة نسبة أسهم المستثمرين الأجانب باستمرار. إن الخطوات الإيجابية لشركات الأوراق المالية الأجنبية في الصين لا تعكس انفتاح سوق رأس المال الصينية على الخارج فحسب، وإنما أيضا تظهر تفاؤل وتطلعات الشركات الأجنبية للسوق الصينية.
في السادس عشر من ديسمبر 2024، أكملت مجموعة دي بي إس السنغافورية التسجيل التجاري لنقل حقوق الملكية، مما رفع نسبة أسهمها في شركة دي بي إس للأوراق المالية من 51% إلى 91%. وفي الحادي عشر من الشهر ذاته، نشر موقع إدارة تنظيم الأوراق المالية ببكين موافقتها على تأهيل غولدمان ساكس بالصين لبيع صناديق الاستثمار العامة، لتصبح بذلك أول شركة أوراق مالية أجنبية تحصل على هذا التأهيل خلال ذلك العام. وفي الثاني عشر من يونيو 2024، حصلت شركة إتش إس بي سي تشيانهاي على الموافقة على بدء أعمال التمويل وإقراض الأوراق المالية. وفي منتصف يوليو، تأسست شركة بي إن بي باريبا للأوراق المالية بالصين لتصبح رابع شركة أوراق مالية مملوكة بالكامل للأجانب في الصين. وفي أول مارس 2024، وافقت إدارة تنظيم الأوراق المالية بشانغهاي على تعديل نطاق أعمال شركة مورغان ستانلي للأوراق المالية في مجالين، وهما إضافة خدمة الاستشارات في مجال الاستثمار في الأوراق المالية، وتحويل "التداول الذاتي للسندات (بما في ذلك السندات الحكومية وسندات الشركات)" إلى "التداول الذاتي للأوراق المالية".
قال دنغ وي، الخبير المخضرم في قطاع الأوراق المالية في الصين، إن قيام الشركات الأجنبية بأعمالها في الصين بنشاط ونموها المستمر سيؤثر في سوق رأس المال الصينية إلى حد بعيد. من جانب، تسهم الشركات الأجنبية في تشكيل نمط تنافس جديد مما يدفع شركات الأوراق المالية الصينية إلى تحسين جودة خدماتها وكفاءتها وابتكار المنتجات المالية والارتقاء بالخدمات المالية. ومن جانب آخر، تساعد الشركات الأجنبية الوافدة إلى الصين على تحسين هيكل المستثمرين في السوق وتنويع مصادر رؤوس الأموال للاستثمار مما يعزز استقرار سوق رأس المال الصينية ومرونتها.
وفي الوقت نفسه، تقدم شركات الأوراق المالية الأجنبية خبرات ورؤى دولية لسوق رأس المال الصينية، حيث تدخل فيها تقنيات إدارة المخاطر ونظم إدارة الامتثال المتقدمة فضلا عن الأكفاء ذوي الرؤى الدولية، هذا يسهم في رفع مستوى التشغيل لسوق رأس المال الصينية وقدرتها التنافسية على الساحة الدولية. كما ستعزز شركات الأوراق المالية الأجنبية الترابط بين سوق رأس المال الصينية والأسواق الدولية، مما يوفر مزيدا من التسهيلات للشركات الصينية في خطواتها إلى الخارج، وكذلك للمستثمرين الأجانب الذين يريدون دخول السوق الصينية.
دفع التنمية العالية الجودة لقطاع الأوراق المالية الصينية
نلاحظ أن شركات الأوراق المالية الأجنبية التي تتسارع وتيرة دخولها في الصين، حققت تطورا جيدا من حيث البيانات التشغيلية، مما دفع التنمية العالية الجودة لقطاع الأوراق المالية الصينية. أشار التقرير الصادر عن شركة إرنست ويونغ، إلى أن الإيرادات التشغيلية لشركات الأوراق المالية في الصين بلغت 316ر203 مليار يوان في النصف الأول من عام 2024 مع أرباح صافية بلغت 99ر79 مليار يوان. بينما بلغ إجمالي أصول شركات الأوراق المالية الأجنبية 622 مليار يوان، مسجلا 3ر5% من القطاع وبلغت إيراداتها التشغيلية 14 مليار يوان، أي ما يعادل 89ر6% من إيرادات القطاع. ومن حيث نطاق الأعمال، حققت شركات الأوراق المالية الأجنبية تقدما ملحوظا، فقد حصلت على الموافقة من قبل الجهات الصينية المعنية على توسيع نطاق أعمالها، مما مكنها من تغطية جميع الأعمال في قطاع الأوراق المالية. على سبيل المثال، حصلت شركة كريدي سويس للأوراق المالية على الرخصة لإجراء كافة الأعمال المعنية وحصلت شركتا مورغان ستانلي للأوراق المالية وإتش إس بي سي تشيانهاي للأوراق المالية وغيرهما من شركات الأوراق المالية الأجنبية على الموافقة على إضافة خدمات الاستشارات في استثمار الأوراق المالية وخدمات أعمال التمويل وإقراض الأوراق المالية، في قائمة أعمالها. إن هذه الإجراءات لا تعني تطورا كبيرا لشركات الأوراق المالية الأجنبية في السوق الصينية فحسب، وإنما أيضا تقدم خدمات مالية أكثر تنوعا وتخصصا للمستثمرين.
قالت قو جيون، الشريكة الإدارية لقطاع البنوك وأسواق رؤوس الأموال لمنطقة الصين الكبرى في إرنست ويونغ، إن انفتاح السوق المالية الصينية المستمر يتيح للبنوك الأجنبية وشركات الأوراق المالية الموجودة في الصين فرصا تنموية حقيقية. وأضافت أن شركات الأوراق المالية الأجنبية ساهمت في تعزيز التمايز في وضع التنافس في قطاع الأوراق المالية وتحسين هيكل المستثمرين وإدخال المزيد من رؤوس الأموال الطويلة الأجل إلى الصين، مما يحفز التنمية العالية الجودة لسوق رأس المال المحلية.
يرى تشن تشي، شريك قطاع إدارة الثروات والأصول لمنطقة الصين الكبرى في إرنست ويونغ، أنه مع تنافس الشركات الأجنبية المختلفة في ساحة واحدة وتكامل المزايا بينها، دخل قطاع إدارة الأصول المالية الصينية في مرحلة التنمية العالية الجودة. في ظل الانفتاح الشامل لقطاع إدارة الأصول الصينية، تبدي مؤسسات إدارة الأصول الأجنبية اهتماما كبيرا بالاستثمار في الصين. وعلى المدى المتوسط والطويل، يتمتع قطاع إدارة الأصول الصينية بآفاق واسعة. وعن الأسباب وراء ذلك، قال السيد تشن إنه من جانب تزداد رغبة الأفراد ذوي الثروات الكبيرة في الصين في توزيع الأصول عالميا باستمرار؛ ومن جانب آخر، إن الشركات الأجنبية متفائلة بإمكانيات النمو الطويل الأجل للسوق الصينية بشكل عام.
--
هو جين هوا، صحفي في جريدة ((تشاينا تايمز)) الصينية.