في أواخر عام 2024، أعلنت مجموعة "سانوفي" الفرنسية عن إنشاء قاعدة جديدة لإنتاج الإنسولين في حي ييتشوانغ بمدينة بكين، باستثمار بلغت قيمته مليار يورو، وهو أكبر استثمار منفرد للمجموعة في الصين. وخلال عام 2024، واصلت مجموعة "شنايدر إلكتريك" استثمارها في الصين، بما في ذلك المرحلة الثانية لمجمع "جينشان" التجريبي للابتكار في مدينة شانغهاي. كما أن مجموعة "أوربيا" الفرنسية، وهي من أوائل الشركات الأجنبية التي أنشأت مؤسسات لرعاية المسنين في الصين، وسّعت نطاق أعمالها إلى المزيد من المدن. في السنوات الأخيرة، واصلت الصين تحسين بيئة الأعمال فيها وتوسيع نطاق انفتاحها على الخارج، وأطلقت سلسلة من السياسات التي جذبت الكثير من الشركات الأجنبية لضخ مزيد من الاستثمارات في الصين، معبرة عن ثقتها في الاقتصاد الصيني.
في تقرير أعمال الحكومة الذي قدم في الخامس من مارس 2024 خلال الدورة الثالثة للمجلس الوطني الرابع عشر لنواب الشعب الصيني، أكد رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ، مجددا على أن الصين ستواصل توسيع نطاق الانفتاح العالي المستوى على الخارج، والعمل بنشاط لضمان استقرار التجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي. وقال: "مهما تكن تغيرات الظروف الخارجية، سنواصل التمسك بسياسة الانفتاح على الخارج بدأب ومن دون تردد، وسنعمل على توسيع الانفتاح المؤسسي بخطوات راسخة، إلى جانب الانفتاح الذاتي والانفتاح الأحادي الجانب بشكل منتظم، ليكون الانفتاح محفزا للإصلاح والتنمية." في ظل تصاعد نزعة مناهضة العولمة وتنامي الحمائية التجارية، ترسل الصين إشارة واضحة للعالم بأنها لا تزال ترحب بالشركات من جميع دول العالم للاستثمار والعمل فيها، من أجل الاستفادة المشتركة من الفرص الهائلة التي توفرها السوق الصينية.
دعم سياسي يعزز ثقة الشركات الأجنبية
تواصل الصين اتخاذ خطوات فعالة لدفع الانفتاح العالي المستوى على الخارج. في هذا السياق، أصدرت وزارة التجارة واللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح مؤخرا بشكل مشترك ((خطة العمل لتحقيق استقرار الاستثمار الأجنبي لعام 2025))، وأشارتا فيها إلى توسيع نطاق تجارب الانفتاح في الاتصالات والطب والتعليم وغيرها من المجالات، وتعزيز إظهار دور المناطق التجريبية الشاملة باعتبارها نماذج لتوسيع نطاق انفتاح قطاع الخدمات، وتقليص القائمة السلبية للسماح بنفاذ الاستثمارات الأجنبية إلى السوق بشكل أكبر. هذه الإجراءات العملية قدمت دعما قويا لنمو الشركات الأجنبية في الصين.
قالت تشاو جيه، مديرة الشؤون العامة لمجموعة "ديكاتلون" الفرنسية في الصين: "تعد الخطة التي أصدرتها الحكومة الصينية، إجراء عمليا لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية، مما يوفر دعما سياسيا قويا لنمو الشركات الأجنبية في الصين، ويعزز ثقة الشركات مثل 'ديكاتلون' في السوق الصينية. سنوسع نطاق أعمالنا في الصين بشكل أكبر."
واصلت الصين تحسين بيئة الأعمال بها خلال السنوات الأخيرة، وحققت إنجازات ملموسة. منذ عام 2024، تم تقليص عدد بنود القائمة السلبية للاستثمار الأجنبي في الصين إلى 29 بندا، وإزالة جميع القيود المفروضة على وصول المستثمرين الأجانب إلى سوق قطاع التصنيع، والتنفيذ الشامل للمعاملة الوطنية للشركات ذات التمويل الأجنبي. وفقا للبيانات، يتجاوز إجمالي عدد الشركات التي أسسها المستثمرون الأجانب في الصين مليونا ومائتين وتسعة وثلاثين ألف شركة، بينما يبلغ حجم الاستثمارات الأجنبية المستخدمة فعليا 6ر20 تريليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 3ر7 يوانات تقريبا حاليا). في عام 2024 وحده، تم تأسيس 59 ألف شركة جديدة باستثمارات أجنبية، بزيادة سنوية بلغت نسبتها 9ر9%.
أدرج مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي ضمان استقرار التجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي ضمن الأولويات الرئيسية للعمل الاقتصادي لعام 2025. ووفقا لتقرير "آفاق الاستثمار العالمي في عام 2025" الصادر عن عدة مؤسسات أجنبية، لا تزال السوق الصينية تحظى بتوقعات إيجابية كالسابق. كما تضمن تقرير أعمال الحكومة لهذا العام العديد من الإجراءات الجديدة لتعزيز الانفتاح، مثل "تشجيع الاستثمار الأجنبي بقوة"، و"تعزيز إظهار دور المناطق التجريبية الشاملة باعتبارها نماذج لتوسيع نطاق انفتاح قطاع الخدمات". قال بونوا غارسان، الرئيس التنفيذي لفرع مجموعة "أوربيا" الفرنسية في الصين، في مقابلة خاصة مع ((الصين اليوم)): "إن التزام الصين بتعميق الإصلاح وانفتاح السوق يعزز ثقة الشركات العابرة للحدود. ترتبط التنمية العالية الجودة لصناعة الخدمات ارتباطا وثيقا برفاه الشعب. وتوسيع نطاق انفتاح قطاع الخدمات على الخارج يساهم في تعزيز قدرة قطاع الخدمات على توفير خدمات متنوعة. نتطلع أن تضم قائمة الصناعات التي تشجع الصين الاستثمار الأجنبي فيها مزيدا من قطاعات الخدمات لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية نحو قطاع الخدمات."
تستفيد مجموعة "أوربيا" الفرنسية من سياسات الصين الرامية إلى توسيع نطاق انفتاح قطاع الخدمات. تحرص الحكومة الصينية على تعزيز خدمات رعاية المسنين، حيث أصدر مجلس الدولة في عام 2013 وثيقة ((آراء عديدة حول تعزيز تطوير صناعة الخدمات الصحية))، لتعزيز التعاون بين المؤسسات الطبية ومؤسسات رعاية المسنين، ودفع انفتاح سوق خدمات رعاية المسنين أمام الاستثمار الأجنبي. كما أدرجت الحكومة الصينية صناعة خدمات رعاية المسنين ضمن ((قائمة الصناعات التي تشجع الصين الاستثمار الأجنبي فيها (نسخة 2022))). وفي هذا السياق قال بونوا غارسان: "حصلت مجموعتنا على دعم سياسي ملموس من الحكومة الصينية، ومنها التسهيلات في إجراءات الحصول على رخصة التشغيل، والموافقة على إنشاء عيادة طبية داخل مؤسسة لرعاية المسنين في نانجينغ، بالإضافة إلى الإعانات المالية لمؤسسة رعاية المسنين من حكومة بلدية نانجينغ."
يعد الطلب الكبير في السوق من العوامل الأساسية لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية. وقال مراقبون دوليون: "كل 24 ساعة في الصين، يتم تسجيل أكثر من 27 ألف شركة جديدة، وتخرج أكثر من 80 ألف سيارة من خطوط الإنتاج، وتباع منتجات بقيمة تقارب خمسة مليارات دولار أمريكي على الإنترنت، ويتم توصيل نحو 300 مليون طرد. تعكس هذه الأرقام أهمية وإمكانية وحجم السوق الصينية." هذا يدفع الشركات الأجنبية إلى تعزيز استثماراتها وضخ المزيد من رأس المال للاستفادة من الفرص المتاحة في الصين. ومن بين هذه الشركات مجموعة "جراندفوس" الدنماركية. في مارس عام 2024، بدأ تشغيل مشروع التصنيع المتقدم في مدينة تشانغشو بمقاطعة جيانغسو، استثمرت مجموعة "جراندفوس" فيه مائة مليون دولار أمريكي، وهو أكبر استثمار منفرد للدنمارك في الخارج خلال السنوات العشر الماضية. قال ماركمان، رئيس فرع مجموعة "جراندفوس" في الصين: "كانت الصين وستظل من الأسواق الرئيسية لمجموعتنا. سيوفر التحول الأخضر في الصين زخما جديدا للنمو، ونأمل في تقديم المنتجات الخضراء والمستدامة للصين باستمرار."
تعد سوق خدمات رعاية المسنين قطاعا جاذبا للشركات الأجنبية. مع تفاقم شيخوخة السكان في الصين، صار الاحتياج المتنامي لخدمات رعاية المسنين قضية معيشية ملحة، وفي نفس الوقت، يجلب فرصا سوقية واسعة، مما لفت انتباه مجموعة "أوربيا"، فدخلت السوق الصينية مبكرا في عام 2013. قال بونوا غارسان، الرئيس التنفيذي لفرع المجموعة في الصين: "قطاع الطب والصحة من الأعمدة الأكثر استمرارية في تاريخ التعاون بين فرنسا والصين. يعود تاريخ التعاون بين الجانبين في هذا المجال إلى عام 1907، حيث أنشأ طبيب فرنسي مستشفى 'رويجي' في شانغهاي. يعد عام 2014 نقطة تحول مهمة لمجموعة 'أوربيا'، حيث قام الرئيس الصيني شي جين بينغ في ذلك العام، الذي صادف الذكرى السنوية الخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا والصين، بزيارة دولة إلى فرنسا. في فعاليات التبادل التجاري بين الجانبين خلال هذه الزيارة، كان مشروع نانجينغ لمجموعة 'أوربيا'، المشروع الوحيد في مجال الرعاية الصحية."
افتتحت مجموعة "أوربيا" مؤخرا مركزين لرعاية المسنين بمستوى رفيع في مدينتي نانجينغ وشانغهاي، وستوسع نطاق أعمالها في الصين لتشمل مزيدا من المناطق في المستقبل. قال بونوا غارسان: "عدد المسنين في الصين ضخم، ومن المتوقع أن يتجاوز عدد سكانها الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاما خمسمائة مليون نسمة بحلول عام 2050. لذلك، الصين لديها سوق واسعة للغاية لصناعة خدمات رعاية المسنين، مما يجذب الشركات الفرنسية. شهدت صناعة خدمات رعاية المسنين في الصين تنمية عالية الجودة في السنوات العشر الماضية، وأنا واثق تماما من آفاق تنميتها المستقبلية. تتميز سوق رعاية المسنين في الصين بالتنوع، يوجد في البلاد ضمان الخدمات العامة الاجتماعية، وهناك حاجة إلى الخدمات العالية المستوى أيضا لضخ حيوية جديدة في السوق. مع تسارع شيخوخة السكان في الصين، ستتمتع صناعة خدمات رعاية المسنين بفرص نمو أوسع."