في صبيحة اليوم السادس عشر من شهر أكتوبر عام 2022، رفرفت الأعلام الحمراء في ميدان تيانآنمن ببكين. سار موكب السيارات التي يستقلها المندوبون المشاركون في المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني ببطء على طول شارع تشانغآن، مرورا ببوابة شينخوا لمجمع تشونغنانهاى (مقر عمل مجلس الدولة الصيني)، حيث ظهرت على الجدار الحاجز داخل البوابة عبارة "لنخدم الشعب"، اللافتة للنظر.
لي نان لوه، المندوبة لمؤتمر الحزب من قومية لاهو بمقاطعة يوننان، ترتدي جلبابا من القماش الأسود مطرزا وتنورة رائعة ذات ألوان زاهية مع أشكال ملونة على أطراف الكم، كان زيها احتفاليا ورصينا. وقفت السيدة لي، باعتبارها من مندوبي الحزب للمؤتمر الوطني الثامن عشر والعشرين، أمام قاعة الشعب الكبرى مرة أخرى في هذه اللحظة، وقالت بسرور: "أصبحت حياتنا أفضل فأفضل خلال السنوات العشر المنصرمة."
على مسافة آلاف الأميال، على الحدود الجنوبية الغربية للصين، في قرية لاوداباو بمحافظة لانتسانغ الذاتية الحكم لقومية لاهو في مقاطعة يوننان، التي تعيش فيها لي نا لوه، كان قد تم تزيين الحقول المدرجة منذ فترة طويلة بأنماط رقص أبناء قومية لاهو على مزمار قومية لاهو، والتي تبدو أكثر روعة ومهابة عند رؤيتها من الجو. قالت السيدة لي: "في هذه السنوات، حدثت كثير من القصص في لاوداباو، التي استلهمت منها الإبداع في تلحين أغنية ((شكرا للحزب الشيوعى الصينى)). نحن أبناء قومية لاهو، نعبر عن مشاعرنا بالأغنية التي تقول كلماتها: بكل الإخلاص للحزب، نشدو ببهجة لاستقبال المؤتمر الوطني العشرين للحزب بالغناء!"
"الرخاء المشترك هو الرخاء الحقيقي"
مقاطعة يوننان مأهولة بالأقليات القومية، ويعيش في قرية لاوداباو أبناء قومية لاهو، وهي من أقدم القوميات الصينية. يجيد كل أبناء لاوداباو الغناء والرقص. بعد العمل الشاق في الحقول، يكون الغناء والرقص وسيلة للتعبير عن أنفسهم. يقدس أبناء قومية لاهو القرع، وهم يصنعون المزمار الخاص بهم، بإدخال خمسة أنابيب من الخيزران إلى القرعة. في الأعياد التقليدية أو مواسم الحصاد، يعزف الرجال على المزمار ويرقصون في دائرة، وترقص النساء ممسكات بأيدي بعضهن البعض في الدائرة الخارجية، للاحتفال بالحصاد ونعمة السلام.
في قرية لاوداباو، تصطف البنايات المشيدة من الخشب والخيزران بشكل منظم ومرتب، وتم تحويل الأكواخ الأصلية إلى بيوت من القرميد، وكذلك تحويل الطرق الترابية الموحلة في القرية إلى طرق خرسانية، وزُودت القرية بأنابيب مياه الشرب. بعد أن كانت القرية في الماضي فقيرة منعزلة، لا يربطها بالعالم الخارجي إلا درب جبلي ضيق. كان الجميع يتطلعون إلى الخروج لرؤية العالم الخارجي.
في السنة الثانية عشرة بعد الألف الثانية للميلاد، تم إدراج الحد من الفقر ضمن التخطيط العام المتمثل في "العناصر الخمسة المتكاملة" (البناء الاقتصادي والبناء السياسي والبناء الثقافي والبناء الاجتماعي وبناء الحضارة الإيكولوجية) للتنمية الوطنية، خلال المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، والتي رمزت إلى الإطلاق الشامل للمعركة ضد الفقر. لي نا لوه، باعتبارها من مندوبي الحزب للمؤتمر الوطني الثامن عشر، تعلمت وتبادلت الخبرات بعمق مع مندوبي الحزب من جميع أنحاء البلاد، مما أعطاها فهما شاملا ومنهجيا لسياسات الدولة، وقررت بحزم قوي قيادة الجميع إلى حياة سعيدة.
لي نا لوه مسؤولة عن أعمال الدعاية في فرع الحزب في قريتها، فضلا عن نهوضها بالأعمال الزراعية بنشاط. تزرع قصب السكر المتميز بالنسبة العالية من السكر وأصنافا جديدة من الشاي وغيرها من المحاصيل النموذجية في حقولها. وبعد أن اكتسبت تجارب ناجحة، طفقت تعلّم بنفسها القرويين زراعة تلك المحاصيل.
في وقت فراغها، تحب لي نا لوه كتابة الأغاني. لقد كتبت أكثر من ثلاثين أغنية شائعة بين القرويين، من أجل نشر سياسات الحزب وشرحها على نحو أفضل. في عام 2013، قادت تأسيس شركة لاهو المحدودة للعروض الفنية في لاوداباو بمحافظة لانتسانغ، وهي إحدى مؤسسات شراكة القطاعين العام والخاص، ويساهم الفلاحون فيها، وتهدف إلى إبراز ثقافة القوميات المحلية. تحت قيادتها، أبدع القرويون أغاني لاهو الشعبية، وجرّبوا عرض مسرحية ((قومية لاهو المسرورة)) في الأماكن المفتوحة. بذلك، تحول هؤلاء الفلاحون إلى نجوم ساطعين على خشبة المسرح.
قالت السيدة لي: "سأنشر الأغاني الشعبية لقومية لاهو وسأجعلها تصعد المسارح الكبيرة مع القرويين." لقد حققت لي نا لوه هدفها بالفعل، إذ أخرجت الأغاني الشعبية ذات خصائص لاهو المحلية من مدينة بوأر ومقاطعة يوننان، وعرضتها في المركز الوطني لفنون العرض ومسرح شانغهاي الكبير ومسرح هانغتشو الكبير. عن ذلك، قالت والابتسامة تسكو وجهها، إنّ العديد من الأصدقاء الأجانب قد أعجبوا بجوقة القرويين التي تغني من دون مصاحبة آلات موسيقية، ومدحوها بأنها "رائعة كصوت الطبيعة".
النهضة والتوارث
بحلول نهاية عام 2020، أنجزت الحكومة الصينية مهمة انتشال جميع سكان الريف من براثن الفقر المدقع حسب المعيار الحالي. وتحولت بؤرة العمل للحكومة تاريخيا من "التخفيف من حدة الفقر" إلى "النهضة الريفية". أما أبناء قرية لاوداباو الذين كانوا في الماضي يتوقون إلى "الخروج"، فإنهم يتطلعون الآن بشغف إلى "الرجوع".
قالت السيدة لي: "أنشأنا بعض الأنزال الريفية ذات الخصائص المحلية، ونأمل أن يقيم فيها الزوار، الذين يأتون إلى القرية لمشاهدة عروض الغناء والرقص لأبناء لاهو، لتجربة ثقافتهم التقليدية، وفي الوقت نفسه يجلب المزيد من الفائدة للقرويين." أدركت لى نا لوه، أنه من الضروري لقرى الأقليات القومية أن تتعامل مع العلاقة بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة على نحو سليم، بحيث تجمع بين تحقيق نهضة الريف والمحافظة على التراث الثقافي بشكل منسق.
لا توجد لغة مكتوبة لقومية لاهو في نهر التاريخ الطويل، ولكن تراكم التراث الثقافي غير المادي الثري شفويا عبر الأجيال. قرية لاوداباو، كقرية نموذجية لقومية لاهو، صنفت ضمن الدفعة الأولى للقرى النموذجية لحماية التراث الثقافي الوطني غير المادي.
((موباميبا)) قصيدة شعر طويلة من أسطورة التكوين التي ينشدها أبناء قومية لاهو، وعمل أدبي شفوي الكلاسيكي توارثه أبناء لاهو من جيل إلى جيل، وتم اختياره ضمن الدفعة الأولى لقائمة المشروعات الممثلة للتراث الثقافي الوطني غير المادي في عام 2006.
قالت السيدة لي: "الرقص على مزمار قومية لاهو تم إدراجه أيضا في قائمة المشروعات الممثلة للتراث الثقافي الوطني غير المادي في عام 2008." ووالدها لي شي كاي، هو أحد ورثة الرقص على مزمار قومية لاهو على المستوى الوطني.
من أجل توارث وحماية قصيدة ((موباميبا))، ترجمتها لى نا لوه من لغة لاهو إلى لغة بوتونغهوا الصينية، ونظّمت القرويين لتوارث وحماية هذه القصيدة الشعرية الملحمية لقومية لاهو من خلال الغناء بمصاحبة الرقص. وبدعم من الحكومة، أنشأت القرية متحف تراث ((موباميبا)) ومسرح للعروض الفنية ومنطقة لتجربة الأنشطة الشعبية التقليدية، إلخ. وتعمل لي نا لوه بنشاط على بناء قاعدة تدريب لثقافة لاهو؛ وفي الوقت نفسه، فإنها تعمل كمعلمة للتعليم خارج المنهج في مدرسة ابتدائية بالقرية، ومسوؤلة عن تعليم الرقص على مزمار قومية لاهو وأغاني قومية لاهو. قالت: "آمل أن يتم توارث ثقافة لاهو من جيل إلى جيل وبشكل أفضل."
وضع الشعب في المكانة الأعلى
هناك العديد من قرى الأقليات القومية مثل قرية لاوداباو في الصين. روبرت أدولف الألماني، من مواليد ما بعد عام 1995، وهو شغوف بثقافات الأقليات القومية الصينية، فزار العديد من المقاطعات والمدن والمناطق الذاتية الحكم للتصوير، حيث جرّب حلاقة الشعر بالمنجل في قرية قومية مياو، وتذوق أطعمة مأدبة المائدة الطويلة في قرية لقومية دونغ، ودرس أيضا التطريز بشعر ذيل الحصان لقومية شوي والصباغة بالشمع لقومية بويى، إلخ.
ما أدهش روبرت أدولف أكثر هو أنّ الحكومة الصينية أصلحت الطرق الأسمنتية في قرى الأقليات القومية رغم أن معظمها يقع في بطون الجبال وأعماق الغابات، وزُودت كل أسرة بالمياه والكهرباء ودورات المياه والمطابخ، كما بنيت المدارس والملاعب في القرى. بدأ الكثير من القرى التقليدية تنمية السياحة الريفية والصناعات المميزة، مما زاد من الدخل الاقتصادي للقرويين، وساعد على توارث الفنون اليدوية التقليدية. وبدأ شباب القرى الذين يعملون خارج مسقط رأسهم العودة إلى مواطنهم لريادة الأعمال. قال روبرت: "شبكة الهاتف المحمول في هذه القرى جيدة جدا، وتوجد إشارة الجيل الخامس (G5) أيضا."
يود الناس أن يسألوا: لماذا يمكن للحزب الشيوعي الصيني أن يقود الشعب من جميع القوميات في الصين معا لتتحد قلوبهم وقوتهم من أجل تحقيق الحلم الصيني؟
ينص ((دستور الحزب الشيوعي الصيني)) بوضوح على أن الهدف الأساسي للحزب الشيوعي الصيني هو "خدمة الشعب الصيني بكل أمانة وإخلاص". وقد اتخذت اللجنة المركزية للحزب الشيوعى الصينى سلسلة من القرارات والسياسات المهمة تتمثل في أن "الشعب هو صانع التاريخ، ومصدر القوة للحزب الشيوعي الصيني". أكّد الأمين العام شي جين بينغ في التقرير المقدم إلى المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني، على أنه "من الضروري أن نتمسك بضمان وتحسين معيشة الشعب من خلال عملية التنمية، والدعوة إلى الكفاح المشترك من أجل خلق حياة سعيدة، وتحقيق تطلعات الشعب إليها بصورة مطردة."
الأستاذ شاهباز خان، ممثل مكتب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) لدى الصين، له فهم عميق حول ما هو مذكور أعلاه. قال إن اليونسكو أقامت أنشطة تجريبية عن سبل العيش المستدامة في أربعة مواقع للتراث بالصين من خلال مشروع ((حماية وإدارة مواقع التراث العالمي في الصين))، وقد حققت نتائج مرحلية. في هذه العملية، تعمق فهمه لسياسة "التمحور حول الشعب" للحزب الشيوعي الصيني والحكومة الصينية.
أضاف السيد خان، أن التحول من إستراتيجية "مساعدة الفقراء بشكل دقيق ومستهدف" إلى "النهضة الريفية"، يعكس تماما أن الحزب الشيوعي الصيني يضع دائما مصالح الشعب في المقام الأول، ويبتكر في حل المشكلات الجديدة في التنمية وفقا للظروف والأوضاع الفعلية. فعلى سبيل المثال، اتخذ الحزب الشيوعي الصيني التراث الثقافي غير المادي كموارد ثقافية ثمينة للمساعدة في النهضة الريفية.
وقال أيضا: "السكان المحليون، من خلال التدرب على المهارات حول توارث التراث الثقافي غير المادي، ارتفعت قدرتهم على كسب الرزق وحققوا فوائد اقتصادية مباشرة، وفي الوقت نفسه تخلصوا من أساليب الإنتاج المتخلفة، وتحولوا إلى الحماية الإيكولوجية." وأوضح أن عملية إنهاض الريف من خلال التراث الثقافي غير المادي، خلقت مزيدا من فرص العمل، وساهمت في تعزيز المساواة بين الجنسين، وفي الوقت نفسه عزّزت الثقة الثقافية لجيل الشباب، وأبقت مزيدا من الأكفاء في المناطق الريفية، والذين سيصبحون قوة رئيسية لتنمية الصناعات الجديدة في المستقبل، وسيفتحون مجالات جديدة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في المناطق الريفية.