ملف العدد < الرئيسية

حلم الصين بالغوص في أعماق البحار

: مشاركة
2021-03-04 10:05:00 الصين اليوم:Source تشن يوي:Author

في العاشر من نوفمبر عام 2020، سجلت الغواصة الصينية المأهولة "فندوتشه" رقما قياسيا وطنيا بغوصها لعمق 10909 أمتار في خندق ماريانا بغربي المحيط الهادي. وفي التاسع والعشرين من نوفمبر، بعث الرئيس الصيني شي جين بينغ برسالة تهنئة بمناسبة انتهاء التجارب البحرية لعمق 10 آلاف متر للغواصة "فندوتشه" بنجاح وعودتها إلى ميناء سانيا بمقاطعة هاينان، قال فيها إن تطوير "فندوتشه" وتجاربها البحرية أوضح قدرة الصين على إجراء الاستكشاف والبحث العلمي في أعمق الأجزاء بمحيطات العالم، وكذلك قوة الصين في التكنولوجيا البحرية الفائقة.

لقد ظل تطوير الغواصات المأهولة هدفا للباحثين الصينيين، الذين اجتهدوا، ولا يزالون، لتحقيقه. لذا، تمكنت الصين من صنع الغواصة "جياولونغ" المأهولة التي غاصت لعمق أكثر من سبعة آلاف متر تحت سطح الماء؛ وتم تطوير الغواصة "شنهاي يونغشي" بمكونات رئيسية مصنوعة في الصين والغواصة "فندوتشه" التي ترمز إلى التقدم الذي أحرزته الصين في مجال الغوص في أعماق البحار.

جياولونغ.. اختراق صيني كبير للغوص في أعماق البحار

هو تشن، كبير خبراء مجموعة الصين لبناء السفن ونائب المصمم العام لتطوير الغواصة "فندوتشه"، سمع لأول مرة خبرا عن الغواصة الروسية "مير" التي غاصت لعمق ستة آلاف متر تحت سطح مياه المحيط في عام 1992، وكان باحثا شابا في معهد البحوث رقم 702 التابع للمجموعة آنذاك. بعد ذلك، شارك في مناقشة حول إمكانية تطوير غواصة صينية ضخمة مأهولة. منذ ذلك اليوم، حلم هو تشن وزملاؤه بتطوير غواصة يوما ما. في نفس العام، طلب مكتب مشروع البحث والتطوير الوطني في مجال الصناعات التكنولوجية العالية، من مراكز ومعاهد البحوث المعنية في أماكن مختلفة بالصين تقديم موضوعات بحثية في الشؤون البحرية لأول مرة. في عام 1995، نجح شيوي تشي نان في اختبار المركبة المستقلة تحت الماء رقم CR-1 في عمق ستة آلاف متر تحت سطح الماء، مما أرسى أساسا تقنيا لتطوير غواصة مأهولة صينية في الأيام اللاحقة.

في يناير عام 2000، قام الخبراء الصينيون في مجال البحار بمناقشة حول تطوير غواصة صينية، ثم أجرى عشرة أكاديميين وخمسة عشر أستاذا في مجال البحار نقاشات معمقة وتوصلوا إلى توافق آراء في نهاية المطاف وقدموا إلى وزارة العلوم الصينية في فبراير عام 2001 طلبا لتطوير غواصة مأهولة صينية. وقد حصلت الرابطة الصينية لبحث وتطوير الثروات المعدنية البحرية على الحقوق الخاصة للاستكشاف والتعدين في المنطقة البحرية بمساحة 75 ألف كيلومتر مربع في شرقي المحيط الهادي، مما أوضح أهداف واحتياجات الصين في تطوير غواصة مأهولة. في عام 2002، اعتمدت وزارة العلوم والتكنولوجيا الصينية مشروع تطوير الغواصة "جياولونغ" التي تعتبر أول غواصة مأهولة ضخمة في الصين. كان العمق المستهدف لها سبعة آلاف متر تحت سطح الماء.

في الحقيقة، واجه الباحثون الصينيون تحديات كبيرة في عملية تطوير الغواصة. وفقا لطريقة الحساب المعني والعمق المستهدف، تتعرض الغواصة لضغط سبعة آلاف طن لكل متر مربع في عمق سبعة آلاف متر تحت سطح الماء. إذا تسرب الماء إلى حجرة داخل الغواصة مع الضغط الطبيعي من غطاء الفتحة الذي يعد بوابة هامة ترتبط مع المياه، فإن سرعة المياه المتسربة ستكون أكبر من سرعة الرصاصة. كما ينبغي للباحثين تطوير نظام اتصالات الموجات الصوتية للمحافظة على الاتصال مع الخارج بسبب عدم استخدام موجات الراديو في أعماق البحار. فضلا عن ذلك، بسبب عدم احتمال استعمال النظام العالمي لتحديد المواقع تحت المياه، كان على الباحثين استخدام أجهزة استشعار على أساس المبادئ الصوتية لتحديد المواقع وبرنامج التحكم في الملاحة. والأهم هو نظام التحكم في الغواصة، إذ يجب أن يكون لديه القدرة على التنقل تلقائيا وبأمان، ويمكنه أن يحوم ويوضع بثبات عند تشغيله آليا.

بالإضافة إلى ذلك، نظرا للظروف الخاصة في المياه العميقة، كان على الباحثين إعادة التصميم وصنع الآلات الكهربائية والمضخة والصمامات وغيرها من بعض الآلات التي تستخدم دائما على الأرض لجعلها أصغر حجما ووزنا وأكثر مقاومة لضغط المياه والتآكل.

في الأول من سبتمبر عام 2007، تم إكمال تركيب الغواصة "جياولونغ" في نهاية المطاف. وفي أغسطس عام 2009، قام الباحثون بالاختبار البحري في عمق ألف متر تحت سطح الماء. برغم تقدمه في العمر، أصر شيوي تشي نان على البقاء في السفينة الأم لمتابعة كل خطوات الاختبار مع زملائه من أجل تحقيق حلمه ونجاح المهمة، حاملا معه الأدوية وجهاز الأكسجين وجهاز قياس ضغط الدم.

جمعت الغواصة "جياولونغ" أحدث تقنيات الغوص العميق في العالم. ولصنع الغواصة لا يكفي أبدا مجرد شراء أجهزة أجنبية، إذ لا توجد منتجات جاهزة مناسبة لمؤشرعمق الغوص البالغ سبعة آلاف متر، وقد فعلنا كثيرا لتعديل الأجهزة الأجنبية. قال شيوي تشي نان، إن الصين قد أتقنت تطوير التقنيات الرئيسية لصنع الغواصة المأهولة وحصلت على اعتراف دولي.

"شنهاي يونغشي".. أكثر من 85% من المكونات صنعت في الصين

يرى الباحثون الصينيون أنه مع تعزيز استكشاف البحار العميقة، يجب عليهم مواصلة تطوير سلسلة من الغواصات المختلفة. ومن أجل توطين المكونات الرئيسية للغواصة، جعل الباحثون عمق الغوص المستهدف 4500 متر تحت سطح الماء وقرروا أن تكون نسبة المكونات الصينية الصنع أكثر 85%. في عام 2009، بدأ الباحثون تطوير الغواصة "شنهاي يونغشي" المأهولة الضخمة التي تعتبر الغواصة الثانية للصين.

البطاريات من أهم المكونات لضمان سلامة الغواصة تحت المياه. استخدمت الغواصة "جياولونغ" بطاريات المصنوعة من الزنك والفضة، لكنها غالية السعر وتستخدم لمدة سنة واحدة فقط. في عام 2009، حصل فريق العمل على الدعم من مشروع البحث والتطوير الوطني في مجال صناعات التكنولوجيا العالية، لابتكار التقنيات الرئيسية لصنع الغواصة، ومنها تحسين جودة بطاريات أيون الليثيوم المملوءة بالزيت والمقاومة للضغط.

في عام 2013، قام هو تشن، مدير قسم المشروعات تحت المياه بمعهد البحوث رقم 702 التابع لمجموعة الصين لبناء السفن، باختبار أداء البطاريات لمقاومة الضغط مع زملائه، لكنهم فشلوا في تلك التجربة. قال هو تشن لصحفي من جريدة ((العلوم والتكنولوجيا اليومية)) الصينية: "قمنا بتعديل اتجاه تطوير الغواصة لجعلها أكثر أمانا وإعادة تصميم صفائح البطاريات وتحسين تقنيات الصنع." تتكون البطارية عادة من عدة مئات من الخلايا. قام فريق العمل باختبار أداء كل قطعة من البطاريات من خلال زيادة الضغط وتخفيفه على مدى ثلاثة أشهر بدون توقف. بعد ذلك، قام الفنيون بتركيب كل مجموعة البطاريات وأجروا اختبار قدرة التفريغ لها في بيئة ذات ضغط عال.

مع إكمال أعمال التحضير، قام الباحثون بتركيب الغواصة "شنهاي يونغشي" وإجراء الاختبار البحري في عامي 2014 و2016 على التوالي. كانت حجرة الغواصة المأهولة وبطاريات الليثيوم ومضخة المياه بالضغط العالي وغيرها من المكونات الرئيسية في الغواصة، منتجات أولية نموذجية محلية الصنع، تم إنتاجها تحت دعم عدة مشروعات العلوم والتكنولوجيا على مستوى الدولة.

حقق هو تشن وفريقه اختراقا في بعض التقنيات في الفترة من عام 2012 إلى عام 2014. لكن، بسبب الفجوة بين أداء المكونات والمطلوب منها، كان يجب عليهم تمديد العمل بالمشروع الذي كان من المتوقع إكماله في عام 2015.

قال هو تشن: "ظروف العمل في الغواصة في أعماق البحار قاسية للغاية. ونظرا لمستوى الصين في صنع مكونات الغواصة، ما زالت هناك فجوة كبيرة بيننا وبين متطلباتنا. لذا، من الضروري ضمان دقة كل المكونات على الرغم من بطء سرعة التطوير."

بعد ثماني سنوات من البحث والتطوير، صارت الصين تمتلك القدرة الذاتية على صنع عشرة أنواع من المكونات الرئيسية للغواصة وهي حجرة الغواصة المأهولة ومواد الطفو وبطاريات الليثيوم والمروحة ومضخة المياه وجهاز الذراع الميكانيكيّة والنظام الهيدروليكي ونظام الاتصالات الصوتية ونظام تحديد المواقع تحت الماء وبرنامج التحكم. يفخر هو تشن بأن الغواصة "شنهاي يونغشي" المزودة ببطاريات الليثيوم أجرت ثلاثمائة وعشر مرات غوص إلى أعماق البحار.

على أساس نجاح الغواصتين "جياولونغ" و"شنهاي يونغشي" في استكشاف البحار العميقة، سعى الباحثون إلى تطوير غواصة جديدة لاستكشاف البحر بعمق عشرة آلاف متر تحت سطح الماء.

"فندوتشه" تستكشف أسرار أعماق البحار

في نهاية عام 2017، واجه ليوي يي فان، مسؤول لحام الحجرة المأهولة للغواصة "فندوتشه" تحديا كبيرا في أعمال اللحام، الأمر الذي أثر في سرعة تطوير الغواصة. على الرغم من إجراء تعديلات كثيرة، لم تصل تقنيات اللحام التي أجادها ليوي يي فان وفريقه إلى المعايير المطلوبة.

في تلك اللحظة الحاسمة، طرح ليوي يي فان فكرة جديدة في العالم فطور نظاما جديدا وأجرى اختبارات لعشرات المرات. قال ليوي يي فان إنه لم ييأس ولم يتخل عن محاولاته على الرغم من فشله عدة مرات إذ أنه كان على ثقة تامة بأن فريقه سيطور نظاما ناجحا يوما ما. بفضل جهوده المبذولة مع فريقه، نجح ليوي يي فان في أعمال لحام الحجرة المأهولة للغواصة "فندوتشه" أخيرا، الأمر الذي يعتبر اختراقا كبيرا في صنع الحجرة المأهولة للغواصة.

في عام 2016، تم اعتماد موضوع "تطوير التقنيات الرئيسية والأجهزة الهامة في مجال الغوص العميق" ضمن المشروع الوطني الهام للبحث والتطوير التابع للخطة الخمسية الوطنية الثالثة عشرة، مما ساعد على إجراء بحوث للغواصة المأهولة لعمق عشرة آلاف متر تحت سطح الماء.

تتحمل الغواصة المأهولة بعمق عشرة آلاف متر تحت سطح الماء ضغطا وأحمالا كبيرة، تبلغ حوالي ضعف الضغط الجوي بألف مرة. لذلك، كان ينبغي للباحثين اختيار المواد المناسبة للغواصة وتصميم الهيكل الملائم لها. قال يانغ روي، الباحث في معهد المعادن التابع للأكاديمية الصينية للعلوم، ومسؤول صنع الحجرة المأهولة للغواصة، إن المعهد طور موادا جديدة بسبيكة التيتانيوم، مما حل مشكلات القوة والمتانة وقابلية اللحام في صنع هيكل الحجرة المأهولة للغواصة.

قدمت الغواصة "فندوتشه" أداء جيدا في الاختبار البحري في عام 2020 حيث غاصت إلى عمق خمسة آلاف متر وسبعة آلاف متر وثمانية آلاف متر على التوالي كل يوم. فضلا عن ذلك، غاصت بعمق تسعة آلاف متر كل يومين وعشرة آلاف متر كل ثلاثة أيام. والأهم من ذلك، أن العديد من المعدات احتفظت بسجلات صفر خلل في المرحلة الثانية من تجربة الغوص بعمق عشرة آلاف متر. قال هو تشن، إن الفضل في ذلك يرجع إلى التصميم الجيد والاختبارات الدقيقة على الأرض، وهذا يظهر تقدم الصين في التقنيات وصنع الأجهزة ومهارات الباحثين في مجال الغوص العميق.

في العاشر من نوفمبر عام 2020، نجحت الغواصة "فندوتشه" في الغوص العميق حيث وصلت إلى خندق ماريانا الذي يعتبر أعمق منطقة في العالم. وقد عبر ثلاثة مرشدين للملاحة في الغواصة "فندوتشه" عن شعورهم باستخدام نظام الاتصالات السمعية تحت سطح الماء قائلين: أعزائي المشاهدين، إن قاع المحيط الذي يبلغ عمقه عشرة آلاف متر رائع، لا يصدق، ونأمل أن نظهر لكم قاع المحيط من خلال مشاهد "فندوتشه".

السعي للغوص إلى أعمق نقطة تحت سطح الماء

يه تسونغ، المصمم العام للغواصة "فندوتشه" وواحد من مرشدي الملاحة للغواصة تحت سطح الماء، قال إنه يجب على المصصم الغوص بنفسه، ولا يكتفي بالبيانات المعنية، ويعتبر غوص المصمم مع ربط البيانات المتعددة بشكل فعال، فرصة ممتازة لتحسين التطبيق العملي للغواصة وتلخيص أساليب التصميم. وأضاف أن الباحثين الممتازين في تطوير الغواصة يتسمون بالشجاعة والاجتهاد والمهارة العالية في نفس الوقت.

واجهت سفينة "تانسوه رقم1" التي حملت على متنها الغواصة "فندوتشه" الأعاصير المدارية في طريقها لإجراء الاختبار البحري في خندق ماريانا في عام 2020 ، وأصيب كثير من أفراد الطاقم بدوار البحر الشديد. رغم ذلك، بعد وصولهم إلى مقصد إجراء الاختبار البحري، غاص الباحثون تحت سطح الماء في الغواصة "فندوتشه" لأول مرة. في 27 أكتوبر ذلك العام، قام يه تسونغ بالغوص العميق في الغواصة "فندوتشه" حيث وصلت إلى عشرة آلاف متر تحت سطح الماء. بدلا من الاحتفال بالتصفيق والتلويح، تناول يه تسونغ وزميلاه وجبة الأرز مع البيض. مقارنة مع إنجاز الباحثين قبل أكثر من عشر سنوات، كانوا أكثر ارتياحا في هذه المرة.

قال وانغ تشي قانغ، وزير العلوم والتكنولوجيا بالصين إن نجاح تطوير الغواصة "فندوتشه" واختراقها الكبير بعمق عشرة آلاف متر تحت سطح الماء يمثل مدى اهتمام الصين بالعلوم والتكنولوجيا، مما يوفر أساسا متينا لتعزيز الاستكشاف العلمي تحت سطح الماء بأعماق بعيدة ويقدم زخما قويا لتطور الصناعات التكنولوجية الجديدة المعنية في المستقبل.

يتميز الباحثون الصينيون في مجال تطوير الغواصات المأهولة في الصين بالمنهجية القوية والعلمية والشجاعة الكبيرة وروح التضامن والتعاون في البحوث العلمية، ووضعوا نموذجا للابتكار العلمي.

--

تشن يوي، صحفي في جريدة ((العلوم والتكنولوجيا اليومية)) الصينية.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4