الصين هي موطن ثاني أكبر عدد من الأطفال في العالم. لقد تحسن وضع الأطفال في الصين بشكل ملحوظ خلال السنوات الأربعين الماضية. ومع ذلك، يسير هذا التقدم، من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، جنبا إلى جنب مع الاختلافات وعدم المساواة.
تمتد شراكة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) مع الحكومة الصينية لأكثر من أربعين عاما. خلال هذه السنوات، ومن بين جميع المنظمات المتخصصة للأمم المتحدة، كان لليونيسف تأثير كبير على أرض الواقع في الصين، حيث تعمل في 252 موقعا تنتشر في ثلاثين مقاطعة ومنطقة ذاتية الحكم وبلدية، لا سيما في المجتمعات النائية والريفية والداخلية. لقد تم إجراء تحسينات كبيرة في مجالات مثل الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي والنظافة والتعليم وحماية الطفل والسياسة الاجتماعية، مع التركيز على الحد من الفوارق بين المناطق الحضرية والريفية والإقليمية وبين الجنسين.
العودة الآمنة إلى المدارس
بعد ستة أشهر من انتشار كوفيد- 19، شاركت وانغ تشاو، مسؤولة التعليم في اليونيسيف، ما شاهدته في المدارس الصينية وذكرت: "من خلال تجربة هذا الوباء، يبدو أن الطلاب يفهمون أنهم يعيشون في ظروف استثنائية، وأنه من المهم للغاية رعاية ومساعدة بعضهم البعض."
عاد الطلاب إلى المدراس بعد أن تم تغيير العديد من الإجراءات وبعدة طرق، حيث يتم إجراء قياسات متكررة لدرجة الحرارة، وتعقيم اليدين طوال اليوم، وإلغاء معظم تمارين العطلة والأنشطة الواسعة النطاق. لكن رغم ذلك، يتمتع الأطفال بالمرونة، وهم سعداء بالعودة إلى المدرسة، وسعداء برؤية أصدقائهم مرة أخرى.
في مدرسة ريفية في محافظة تشونغشيان في تشونغتشينغ، هناك ملصق على جدار المدرسة كتب فيه هذه العبارات، "لا تضايق أو تتنمر على أي شخص مريض. لا تلم أو تنبذ أولئك الذين ينتمون إلى مناطق أو دول أخرى. كونوا داعمين لبعضكم البعض". قال طالب في الصف السابع إن هذا الملصق مفيد؛ وأضاف: "يعلمنا الملصق أن نرحب بالعائدين من أجزاء أخرى من البلاد، وأن لا نبتعد عنهم ولا نتجنبهم."
قالت وانغ: "عادة ما تكون الاحتياجات المادية والمتعلقة بالإمدادات الناشئة عن الوباء واضحة، ولكن غالبا ما يتم تجاهل الاحتياجات النفسية لأنه يصعب رؤيتها. في اليونيسف، نعمل على تلبية الاحتياجات النفسية للأطفال؛ في بعض الأحيان، حتى العبارات البسيطة يمكن أن تجلب لهم الإحساس بالدفء وتمدهم بالقوة."
للمساعدة في جعل العودة إلى المدارس آمنة وصحية لجميع الأطفال، أطلقت منظمة اليونيسف ووزارة التعليم الصينية والمركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها حملة العودة الآمنة إلى المدارس. بالنسبة لليونيسف، يعد هذا الأمر جزءا من عملها ليس فقط استجابة للوباء، وإنما أيضا لإعادة تخيل عالم أفضل للأطفال بعد انتهاء جائحة كوفيد- 19. قرب نهاية شهر مارس هذا العام، استطلعت اليونيسف 18266 طالبا و27452 ولي أمر و4948 معلما لقياس مدى فهمهم لكوفيد- 19 وكيف يمكن الوقاية منه، بالإضافة إلى مواقفهم ومخاوفهم بشأن استئناف العام الدراسي.
تعليم الطفولة المبكرة للجميع
تعتبر تنمية الطفولة المبكرة أولوية متزايدة الأهمية في جميع أنحاء العالم. تهدف أولويات اليونيسف في تنمية الطفولة المبكرة إلى ضمان حصول كل طفل على تدخلات عالية الجودة في مرحلة الطفولة المبكرة لزيادة إمكانات نموه إلى أقصى حد.
شياو تسنغ وابنها تشياو تشياو البالغ من العمر ثلاث سنوات، يلعبان دائما في المنزل. شياو تسنغ هي زائرة منتظمة للمركز المجتمعي لتنمية الطفولة المبكرة للأطفال منذ الولادة حتى سن ثلاث سنوات في مدينة ييتشانغ في مقاطعة هوبي، والمركز متاح مجانا لجميع السكان. من وجهة نظر شياو، يشعرهم المركز بأنهم مندمجون في المجتمع، ومن خلال مركز تنمية الطفولة المبكرة، تعلمت أيضا كيفية اللعب مع أطفالها في المنزل.
إلى جانب مراكز تنمية الطفولة المبكرة التي تستهدف الأطفال منذ الولادة حتى سن ثلاث سنوات، فإن رياض الأطفال الملائمة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاث وست سنوات تحدث فرقا كبيرا في نمو الطفل. في عام 2014، أطلقت وزارة التعليم الصينية واليونيسف وسلطات التعليم المحلية في خمس مناطق بغربي الصين بشكل مشترك برنامجا تجريبيا لرياض الأطفال الصديقة للطفولة في المناطق الريفية، والذي يهدف إلى مساعدة المعلمين المحليين وأولياء الأمور على ممارسة مفاهيم تنمية الطفولة المبكرة القائمة على الأدلة لتعزيز الصحة البدنية والنفسية ونمو الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاث وست سنوات. منذ عام 2014، استوعبت رياض الأطفال الصديقة للطفولة في الصين ما يقرب من مائة ألف طفل ودربت أكثر من خمسة آلاف معلم في خمس مقاطعات وبلديات.
في قرية أريي النائية الواقعة على قمة جبل، على بعد نصف ساعة بالسيارة من مدينة ميله في مقاطعة يوننان بجنوب غربي الصين، تم اختيار روضة فانغ فانغ أريي، كواحدة من أولى رياض الأطفال التجريبية للبرنامج. تلقى فانغ فانغ، المدير البالغ من العمر 25 عاما، والمعلمون تدريبات مهنية، وقاموا بزيارة رياض الأطفال في المدينة لمشاهدة الفصول الدراسية. يقوم خبراء ومدربون إقليميون أيضا بزيارات منتظمة وتقديم الاقتراحات. من خلال المشروع، ترعى روضة الأطفال من 11 إلى 60 طفلا. في الفناء، يبني الأطفال القلاع بأنابيب الخيزران، ويزحفون عبر الحواجز، ويتعلمون العمل كمجموعة متعاونة.
قال فانغ: "يغرس المشروع فكرة التعلم من خلال الألعاب والبيئة"، مشيرا إلى أن "روضة الأطفال نفسها أصبحت أرض العجائب للأطفال، حيث يمكنهم اكتساب المعرفة من خلال اللعب".
بالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء مساحات صديقة للأطفال في الصين من قبل اليونيسف ولجنة العمل الوطنية المعنية بالطفل والمرأة لتوفير خدمات حماية الطفل بعد زلزال ونتشوان في عام 2008. وقد تم إنشاء 58 مكانا صديقا للأطفال في مقاطعات تشينغهاي وسيتشوان ويوننان في سياق الطوارئ.
ضمان تعليم منصف وعالي الجودة
في عام 2018، تم تسجيل 95ر99% من الأطفال في سن الدراسة بالمدارس الابتدائية في الصين، وهذا نجاح كبير. وفقا لليونسكو، يزيد المعدل الصافي للالتحاق بالتعليم الابتدائي في الصين بعشر نقاط مئوية عن المتوسط العالمي وخمس نقاط مئوية عن البلدان ذات الدخل المتوسط- الأعلى. يتحول تركيز الصين الآن، كما تم إبرازه في سلسلة من إصلاحات التعليم الوطني وخطط وسياسات التنمية، نحو تحسين جودة المعلمين وممارسات التدريس لكل طفل في سن المدرسة، لا سيما في المناطق الفقيرة والريفية.
من خلال تدريب ودعم معلمي الريف الذي نفذته وزارة التعليم الصينية بدعم من اليونيسف، تلقى 18 ألف معلم في 990 مدرسة ريفية دعما في الموقع من خبراء برامج على المستوى المحلي، يتألفون من باحثين ومدربين ومعلمين ذوي خبرة. كما طورت وزارة التعليم البرنامج الوطني لدعم المعلمين الريفيين (2015- 2020)، والذي يسلط الضوء على تدريب المعلمين وخدمة الدعم كنموذج رئيسي في تحسين جودة التعليم وتعليم أطفال الريف في الصين.
زارت قوه مي شيانغ، المدربة التعليمية، فصلا كانت ترشده في محافظة تنغتشونغ بمقاطعة يوننان. قالت: "قبل تنفيذ المشروع، كنا قد راقبنا الفصول وقدمنا ملاحظات للمعلمين. الآن، بدلا من إخبارهم بما يجب عليهم فعله، نطلب من المعلمين ملاحظة ما نفعله في الفصل ونشجعهم على اتباعه. تم قبول أسلوب التعلم التفاعلي المتبادل هذا بشكل كبير من قبل المعلمين."
يتمثل أحد أهداف التنمية الرئيسية للتعليم في تعزيز التنمية الشاملة للأطفال. وبدعم من اليونيسف، فإن وزارة التعليم حددت التعليم الاجتماعي والنفسي كأحد الكفاءات الأساسية لتنمية الأطفال في المستقبل.
الطالبة لي جين تشيونغ، البالغة من العمر 15 عاما، فازت مؤخرا بالجائزة الأولى في مسابقتين منفصلتين للرسم. هذه الطالبة من مدينة بوأر بمقاطعة يوننان، حضرت مؤخرا الدورات التدريبية حول "المهارات الحياتية للفتيات" و"التعلم العاطفي والاجتماعي"، التي قدمها مشروع النشء التابع لبرنامج اليونيسف والرابطة الصينية للعلوم والتكنولوجيا." قالت: "لطالما أحببت الرسم ولكن لم يكن لدي الشجاعة للمشاركة في المسابقات. لقد وجدت ثقتي وشجاعتي من خلال الدورات التدريبية." وأضافت: "أنا مختلفة تماما الآن عما كنت عليه في السابق."
مبادرة ثورة المرافق الصحية وغسل اليدين والنظافة الصحية
دفعت دعوة الرئيس شي جين بينغ، لثورة المرافق الصحية، الحكومة إلى العمل. بحلول نهاية عام 2015، كان 75% من سكان الصين يحصلون على خدمات الصرف الصحي الأساسية و96% يحصلون على خدمات مياه الشرب الأساسية. ومع ذلك، لا يزال هناك تفاوت كبير بين المناطق الحضرية والريفية.
في الصين، تعمل منظمة اليونيسف بالشراكة مع الحكومة المركزية والحكومات المحلية لضمان نمو كل طفل في بيئة نظيفة وآمنة، مع إمكانية الوصول إلى خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الأساسية. تم توسيع برنامج المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية في المدارس ليشمل 70 مدرسة ابتدائية في سبع محافظات بثلاث مقاطعات. تم الانتهاء من بناء المرافق الصحية في 46 مدرسة بدعم من اليونيسف والحكومة، واستفاد منها 27913 طفلا في المدارس، حيث أصبح بإمكان 13321 فتاة الآن استخدام مرافق صحية تراعي الفوارق بين الجنسين بأبواب قابلة للقفل وتوفر الخصوصية وتمكن الفتيات من النظافة أثناء الدورة الشهرية بشكل مناسب. تم تصميم المرافق الصحية الموفرة للمياه ومرافق غسل الأيدي وضمان نظافتها، وسهولة الوصول والاستخدام من قبل الأطفال، بما فيهم الأطفال المعاقون، ويتم توسيعها خارج المدارس التجريبية التي تدعمها اليونيسف في تشونغتشينغ ويوننان باستخدام الموارد الحكومية.
لتعزيز الابتكارات في مجال المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية وتقوية الشراكة بين القطاعين العام والخاص، عقد منتدى تعليمي إقليمي للصرف الصحي، مع معرض الصين الخامس للابتكار في ثورة المرافق الصحية في شنغهاي. تفاعل المشاركون من 17 دولة مع 60 شركة عرضت منتجاتها وتقنياتها وابتكاراتها. وأعرب ممثلون من الهند وبنغلاديش ونيبال ومنغوليا عن اهتمامهم باستكشاف فرص التعاون مع الشركات في الصين وتكييف التقنيات الجديدة لتعزيز برامج الصرف الصحي الخاصة بهم. ما يحدث اليوم في الصين له تأثير ليس على 4ر1 مليار مواطن صيني فحسب، وإنما أيضا على مليارات من البشر في العالم.
القضاء على فقر الأطفال بجميع أشكاله
على الصعيد العالمي، يعيش 385 مليون طفل في فقر مدقع. في الصين، تم تحقيق إنجازات ملحوظة في الحد من الفقر. ومع ذلك، لا يزال الفقر يؤثر على ملايين الأطفال في الصين، بل ويؤثر على الأطفال بمعدل أعلى من البالغين، ويمنعهم من التطور إلى أقصى إمكاناتهم ويهدد مستقبلهم.
في عام 2007، أنشأت اليونيسف ومكتب المجموعة القيادية لتخفيف حدة الفقر والتنمية التابع لمجلس الدولة الصيني، شراكة للعمل معا للقضاء على فقر الأطفال بجميع أشكاله. وقد جعلت هذه الشراكة التخفيف من فقر الأطفال أولوية في أجندة السياسة الصينية. عمل المكتب والمنظمة معا لتطوير إطار مفاهيمي وتحليل الوضع لفقر الأطفال في الصين، والذي اكتمل في عام 2009.
ركز تحليل الوضع على مقاطعتين في المنطقة الغربية ومنطقة وسط الصين، وهما مقاطعتا قانسو وهوبي، واللتين حددتهما حكومة الصين كمنطقتين لهما أولوية للحد من الفقر. بالتوازي مع ذلك، عُقدت سلسلة من ورش العمل والاجتماعات الوطنية والإقليمية والمحلية (بما في ذلك المنتدى الوطني الأول لمعالجة فقر الأطفال ودفع تنميتهم)، تناولت الفرق بين فقر الأطفال والكبار، والأبعاد المتعددة لفقر الأطفال، وتدابير الحماية الاجتماعية الرئيسية لمعالجة فقر الأطفال. وساهمت هذه الأنشطة في إدراج فقر الأطفال لأول مرة في الإستراتيجية الوطنية العشرية للحد من الفقر الريفي (2011- 2020).
كما أدت الزيادة في الاهتمام بفقر الأطفال إلى انخراط الصين بشكل أعمق في مناقشة السياسات والبحوث حول فقر الأطفال على المسرح العالمي، مع التركيز على التعاون بين بلدان الجنوب، ولا سيما بين الصين ودول جنوب الصحراء في أفريقيا. في نوفمبر 2012، استضافت منظمة اليونيسف ومكتب المجموعة القيادية لتخفيف حدة الفقر والتنمية ندوة دولية حول فقر الأطفال وتنميتهم في بكين. جمعت الندوة مفكرين تنمويين بارزين وكبار موظفي الخدمة المدنية من وكالات التخفيف من حدة الفقر والحماية الاجتماعية في بلدان في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط والأمريكتين لتبادل الخبرات وإثارة النقاش وإلهام العمل بشأن فقر الأطفال.
يشير تأثير الصين المتزايد على الدول النامية الأخرى من خلال مبادرة "الحزام والطريق" وتركيزها على التعاون بين بلدان الجنوب إلى أن الصين يمكن أن تكون قوة دافعة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في البلدان النامية الأخرى. في حين أن التعاون القوي الممتد على مدى عقود يُظهر التزام اليونيسف في الصين والحكومة الصينية بإعمال حقوق كل طفل، في كل جانب. وكما هو الحال في كل بلد تقريبا، ما زلنا بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود لصالح الأشخاص الأكثر فقرا والقيام بذلك بشكل أسرع.
©China Today. All Rights Reserved.
24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037