ملف العدد < الرئيسية

حياة جديدة لمشاهير الريف على الإنترنت

: مشاركة
2020-09-22 14:23:00 الصين اليوم:Source وانغ تشه:Author

لم يتخيل موسه لابوه أن ينتقل هو وأسرته إلى بيت حديث في تجمع سكاني حديث عند سفح جبل قريته. موسه لابوه، وهو أحد رعاة الغنم من أبناء قومية يي بقرية الجرف، تحول من راع إلى شخصية مشهورة على الإنترنت، ونموذجا ساطعا لتأثير سياسات الحد من الفقر والابتكار في تغيير الريف الصيني وتحسين سبل العيش فيه.

"أحفورة حية"

"الجرف" اسم آخر لقرية "أتوليير" بمحافظة تشاوجيويه التابعة لولاية ليانغشان الذاتية الحكم لقومية يي في مقاطعة سيتشوان بجنوب غربي الصين. تقع قرية الجرف في واد ضيق وتحيط بها المنحدرات من ثلاث جهات والجبال من الجهة الأخرى. منذ حوالي مائتي سنة، لاذ أسلاف موسه لابوه بهذا الجرف هروبا من الحروب.

"من لا يصعد سلم الروطان إلى قرية أتوليير، لا يصل إلى وادي قوليلادا الكبير"، هذا القول الشائع بين السكان المحليين هنا، يجسد حالة العزلة لهذا المكان. في الماضي، كان معظم القرويين يعيشون على ارتفاع يزيد عن 1400 متر عن الأرض، بل إن بعضهم كان يعيش على ارتفاع 2400 متر.

قبل عام 2016، كان السبيل الوحيد الذي يربط هؤلاء الناس بالعالم من حولهم هو سبعة عشر سلما من الروطان. ويبلغ طول السلمين العموديين، وهما الأقرب إلى القرية حوالي مائة متر. يقول القرويون إن عشرة أشخاص على الأقل فقدوا حياتهم بعد سقوطهم من على السلمين في الماضي.

كانت المدرسة الابتدائية المحلية تقع عند سفح الجبل، ويضطر الأطفال لتسلق سلالم الروطان للوصول إلى المدرسة والعودة منها. كان ذلك مبعث قلق كبير.

يرى الأكاديميون أن هذه القرية وأسلوب حياتها يعد جزءا من التاريخ، يعكس حياة أبناء قومية يي في هذه البيئة الخطرة.

لفتت الظروف المعيشية للقرويين انتباه الرئيس الصيني شي جين بينغ. في الثامن من شهر مارس سنة 2017، وخلال مقابلة له مع أعضاء مجلس نواب الشعب من مقاطعة سيتشوان على هامش الدورة الخامسة للمجلس الوطني الثاني عشر لنواب الشعب الصيني، تحدث الرئيس شي خصوصا مع نواب من ولاية ليانغشان حول التقدم المحرز في التخفيف من حدة الفقر في الأماكن التي يتجمع فيها أبناء قومية يي. قال شي إنه شاهد تغطية إعلامية لـ"قرية الجرف" في ولاية ليانغشان في برامج تلفزيونية، وأعرب عن قلقه الشديد بشأن الطريقة الخطيرة لانتقال السكان المحليين إلى أعلى وأسفل الجرف.

 

اليوم، وبعد ثلاث سنوات من ذلك، ما هو الوضع في "قرية الجرف" وهل تغيرت أنماط حياة القرويين؟

"لا عروس هاربة"

كانت منطقة تشاوجيويه، حيث تقع "قرية الجرف"، حاضرة ولاية ليانغشان الذاتية الحكم لمدة سبع وعشرين سنة. تشاوجيويه أيضا هي المحافظة التي يقطنها أكبر عدد من أبناء قومية يي في الصين، وبها أكبر عدد من أبناء الأقليات القومية في مقاطعة سيتشوان.

الوصول إلى "قرية الجرف" مهمة شاقة. من محافظة تشاوجيويه، قلب جبال داليانغ، يحتاج المرء إلى السفر شرقا على طول الطريق السريع الوطني 348 والطريق السريع الإقليمي  S30باتجاه الجبال. يضيق الطريق ويصبح أكثر انحدارا. بعد حوالي ساعتين من السفر، وصلنا إلى سفح جبل الأسد الذي تربض فوقه "قرية الجرف".

اليوم، اختفت سلالم الروطان وينتصب سلم فولاذي ممتد إلى ما لانهاية حتى يتلاشى عن الأنظار في السحب، مثبتا على صفحة منحدر شبه عمودي. بعد تسلق مئات الدرجات، ورؤية نهر ميجو يتلوى مثل شريط بعيد في الأسفل، استقبلنا موسه لابوه وعمه موسه ووها. موسه لابوه، ذو الشعر المجعد والأنف المرتفع، يرتدي في أذنه اليسرى القرط التقليدي لرجال أبناء قومية يي البالغين.

قال موسه لابوه: "لم يبق لدينا أي معلم منتظم فوق الجبل. ولأن سجل دراستي كان سيئا، لم يكن أمامي إلا رعي قطعان الغنم والقيام بوظائف مؤقتة. وبسبب قلة تعليمي، كان من الصعب أيضا أن أجد وظيفة في مقاطعة قوانغدونغ." أضاف أنه ليس من السهل على الرجل في هذا الجبل أن يجد امرأة يتزوجها، حتى لو أنفق بسخاء على هدايا الخطوبة. قال موسه لابوه، المتزوج ولديه ثلاثة أطفال، إنه بمجرد الزواج، كان الطلاق نادرا، لأنه لا عروس تستطيع الهروب إلى منزل أمها بنفسها بسبب صعوبة تسلق السلم.

وفقا لتقاليد قومية يي، عندما يكبر الأبناء، يتكفل الابن الأصغر بإعالة الوالدين المسنين. عاد موسه لابوه، باعتباره الابن الأصغر، إلى مسقط رأسه منذ خمس سنوات، تاركا عمله في محافظة قوانغدونغ، من أجل رعاية والديه.

عندما عاد إلى المنزل، لم تكن القرية مختلفة عما كانت عليه عندما كان طفلا. صعد موسه لابوه سلم الروطان المألوف إلى منزل العائلة على قمة الجرف. في ذلك الوقت، كانت الدار المبنية بالطوب اللبن في حالة سيئة، تتسرب إليها المياه في الأيام الممطرة، ويدخلها الهواء البارد في الشتاء. لم يكن المنزل يحتوي على أثاث باستثناء سرير حديدي ملحوم. لم يكن هناك كهرباء أو مياه جارية في القرية، ناهيك عن الاتصال بالإنترنت. الأنشطة الرئيسية للسكان هي زراعة الذرة وتربية الدجاج والماعز. كان يأكل البطاطس كل يوم. لبيع الدجاج والماعز، كان عليه أن يربطها على ظهره ثم ينزل بها من الجبل للوصول إلى السوق. حتى بالنسبة لشخص قوي البنية مثل موسه لابوه، كانت الرحلة تستغرق نحو ست ساعات. كان المشترون يستغلون إجهاده الجسدي، ويعرضون عليه سعرا منخفضا، لأنهم يعلمون أنه من الصعب عليه، بدنيا، أن يعود ببضاعته إلى أعلى الجبل.

من المشاهير على الإنترنت

على مر السنين، شهدت القرية تغييرات هائلة. منذ بناء السلم الفولاذي في عام 2016، وصلت الكهرباء والإنترنت إلى القرية من خلال كابلات الاتصالات الموضوعة داخل أنابيب السلم الفولاذي. تتمتع القرية الآن أيضا بمياه الصنبور، وإمدادات طاقة ثابتة، وتغطية كاملة لشبكة الجيل الرابع. الهواتف الذكية شائعة حاليا بين القرويين، ويتم استخدام الطائرات بدون طيار لشحن الإمدادات الطبية بين العيادتين الموجودتين على الجبل، لتوصيل الأدوية في غضون عشر دقائق. على وجه الخصوص، فتح السلم الفولاذي وشبكة الجيل الرابع نافذة على العالم الأوسع للقرويين.

واجه العمال الذين بنوا السلم الفولاذي أيضا صعوبات لا يمكن تصورها. استسلمت جميع فرق البناء المدعوة من المناطق الأخرى، لأنهم لم يتمكنوا من مواجهة الصعوبات. في النهاية، كان لابد من أن يقوم السكان المحليون بالبناء بأنفسهم. في يوليو عام 2016، استثمرت الحكومة المحلية مليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 8ر6 يوانات) لبناء سلم فولاذي. وقد استُخدِم في البناء 1500 أنبوب فولاذي بلغ وزنها الإجمالي 40 طنا لتشكل 2556 درجة سلم بالجرف، مع استخدام أكثر من ستة آلاف أداة تثبيت معدنية. وتم نقل جميع المواد إلى الجرف على ظهور السكان المحليين.

قال موسه لابوه: "بعد وقت قصير من بناء السلم الفولاذي، وقع انهيار أرضي خطير، ودمر جزءا من سلالم الروطان الأصلية".

موسه لابوه، المعروف باسم "الإنسان الطائر على الجرف" لمهارته، طور طريقته الخاصة في استخدام السلم. نظرا لأنه كان يتسلق منذ أن كان في الرابعة من عمره، فقد طور على مدار العشرين عامًا الماضية أسلوبا فريدا في الصعود إلى الجبال باستخدام يديه وقدميه للتحرك مثل قط الزباد. عندما ينزل منحدرا، يبدو وكأنه ينزلق على السلم الفولاذي لأسفل.

قال موسه لابوه مبتسما: "بمجرد أن قمت بتحميل فيديو عن السير على درابزين السلم حصلت على ملايين الإعجابات، لكن هذه خطوة خطيرة ولا يجب تقليدها." بعد اكتمال بناء السلم الفولاذي، يستطيع موسه لابوه الوصول إلى سفح الجبال من القرية في ثماني عشرة دقيقة، بينما يستغرق ذلك من الشخص العادي ساعتين.

نظرًا لأنه عمل خارج الموطن، كان موسه لابوه أفضل متحدث باللغة الصينية الشائعة (بوتونغهوا) في قرية الجرف، وأول من حاول البث المباشر على منصات التواصل الاجتماعي. يستخدم هاتفه المحمول لتصوير مقاطع فيديو قصيرة عن حياته اليومية، مثل تسلق السلالم، ورعي الماشية والأغنام، فضلا عن بعض المناظر الجبلية وينشرها على منصة البث عبر الإنترنت، فسرعان ما أصبح من المشاهير والمؤثرين على الإنترنت. يمكن أن يكسبه البث لمدة ثلاثين دقيقة الآن مئات اليوانات. في الآونة الأخيرة، تباع منتجات محلية من خلال البث المباشر، مثل العسل والجوز والفلفل الأخضر والبرتقال والزيتون، بعد أن كانت المنتجات في الماضي تفتقر إلى منصة عرض مناسبة ولا يمكن وصولها إلى المستهلكين.

في عام 2018، للاستفادة من الإمكانات السياحية الفريدة، استقدمت محافظة تشاوجيويه شركة سياحة لإنشاء مشروع منتجع جبلي في "قرية الجرف". أصبح موسه لابوه مرشدا سياحيا شهيرا بفضل مهارته في تسلق الجبل وشعبيته على الإنترنت. حاليا توجد على السلم الفولاذي منصة لمشاهدة المناظر الخلابة، تحمل اسم موسه لابوه، كما دعته محطة التلفزيون الصينية المركزية (CCTV) للمشاركة في برنامج تلفزيوني للتخفيف من حدة الفقر، واكتسبت "قرية الجرف" أيضا شعبية على الإنترنت وجذبت العديد من مستخدمي الإنترنت لزيارتها. افتتح القرويون متاجر صغيرة لخدمة السياح، وبالطبع يتم نقل جميع البضائع إلى أعلى بالسلم الفولاذي.

موسه سوبو، صديق موسه لابوه في الطفولة، هو من المشاهير أيضا على الإنترنت في "قرية الجرف". بدأ موسه سوبو البث المباشر في نهاية عام 2017، ولديه الآن ما يقرب من مائتي ألف معجب على الإنترنت. بالإضافة إلى الإكراميات التي يدفعها المعجبون للبرنامج الذي يبثه، يكسب أيضا من بيع العسل عن طريق البث المباشر، بكمية حوالي أربعين إلى خمسين كيلوغراما في الأسبوع، فيجمع العسل من الجبال ويقوم بتعبئته وتسليمه إلى المشترين في مكتب البريد في البلدة حتى يتم بث العملية برمتها مباشرة. بالإضافة إلى ذلك، يعمل أيضا كمرشد سياحي، كل ذلك ساعد في زيادة دخله الشهري إلى ما يقرب من أربعة أو خمسة آلاف يوان.

بمساعدة موسه لابوه وموسه سوبو، قام قرويون آخرون أيضا بتحسين سبل عيشهم. فأصبح تشن قو جي جامعا محترفا لعسل النحل، كما أن مبيعات العسل البري تجلب له دخلا كبيرا. يزرع أدي لايقه الفلفل الأخضر والبرتقال. بفضل سهولة وصول المنتجات إلى السوق، يُتوقع دخله باستمرار.

الانتقال إلى منزل جديد

حدث أكبر تغيير في حياة موسه لابوه في شهر مايو سنة 2020، عندما انتقل 344 قرويا من 84 عائلة فقيرة مسجلة من "قرية الجرف" إلى منازل جديدة على بعد 65 كيلومترا في ضواحي حاضرة محافظة تشاوجيويه، أكبر موقع لإعادة التوطين لتخفيف حدة الفقر في مقاطعة سيتشوان. بهذه المناسبة السعيدة، ارتدى موسه لابوه ووالداه وزوجته وأطفاله أزياء قومية يي التقليدية. تبلغ مساحة شقتهم الجديدة مائة متر مربع. تتكون من ثلاث غرف نوم وغرفة معيشة ومطبخ وحمام. لم يأخذوا معهم الكثير من الأدوات المنزلية، لأن الحكومة قدمت بالفعل أشياء كبيرة مثل الأسرة وخزائن المطبخ والطاولات والكراسي، وكانوا بحاجة فقط لشراء الأجهزة المنزلية.

منذ ذلك الحين، يسافر موسه لابوه ذهابا وإيابا بين "قرية الجرف" ومنزلهم الجديد. يتمتع موسه لابوه براحة الحياة الحضرية، وفي نفس الوقت يمكنه المحافظة على تقاليد قوميته وتحويل المناظر الطبيعية والثقافة لموطنه على قمة المنحدر، إلى مصادر دخل من خلال تطوير السياحة. قال آتسي أنيو، أمين اللجنة الفرعية للحزب الشيوعي الصيني في بلدة تشيأرموه: "لن تختفي "قرية الجرف"، ولن يختفي السلم الفولاذي. من الآن فصاعدا، سيصبح أكثر المعالم السياحية تمثيلا في محافظة تشاوجيويه.

قال باتشا يوقه، رئيس بلدة تشيأرموه: سيتم بناء حديقة غابات وطنية هنا في المستقبل. وهناك أيضا خطة لبناء 45 نُزلا سياحيا في "قرية الجرف"، وتطوير الكهوف والينابيع الساخنة في الوادي الضيق وتصميم مسارات للمشي لمسافات طويلة، بالإضافة إلى بناء خطي تلفريك لمشاهدة معالم المدينة لتوفير تجربة سياحية كاملة.

قال موسه لابوه: "عندما تعود بعد عام، سنرحب بك في "قرية الجرف" مرة أخرى، ويمكنك ركوب التلفريك إلى أعلى الجبل. بعد ذلك، سألتقي بكم في السحب، ويمكننا رؤية النجوم في الليل وشروق الشمس في الصباح وبحر الغيوم نهارا."

--

وانغ تشه، صحفية بمجلة ((تقرير الصين)).

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4