ملف العدد < الرئيسية

الذكاء الاصطناعي الصيني يضخ حيوية جديدة لازدهار الاقتصاد العالمي

: مشاركة
2020-02-21 13:36:00 الصين اليوم:Source تشانغ شين:Author

أضحى الذكاء الاصطناعي يُطبق على نطاق واسع في المزيد من المجالات، بما في ذلك السياسة والتمويل والصناعة التحويلية والتعليم والرعاية الطبية والنقل، ويحدث تغييرات ثورية في حياتنا.

ويسود الاعتقاد بين معظم معاهد البحوث في جميع أنحاء العالم بأن الذكاء الاصطناعي سوف يخلق صناعات تقدر قيمتها بمئات المليارات وحتى تريليونات الدولارات الأمريكية، وسوف تستفيد منه جميع البلدان التي تقفز إلى عربة الذكاء الاصطناعي من خلال دفعه لنمو اقتصادها بشكل ملحوظ. في العقد المقبل، من المتوقع أن يزيد الذكاء الاصطناعي الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحوالي 12%، أي عشرة تريليونات دولار أمريكي.

ستستفيد أمريكا الشمالية وأوروبا بشكل أكبر في هذه الجولة من الثورة التكنولوجية. وبالمقارنة، فإن تبني الذكاء الاصطناعي سيكون أقل في البلدان النامية، ومن ثم فإن مساهمته في نموها الاقتصادي سيكون متواضعا. وبالنسبة للصين، كونها لاعبا عالميا رئيسيا في تطوير وتطبيق الذكاء الاصطناعي، فسوف تكون مساهما رئيسيا في تقدمه، وفي نمو الاقتصاد العالمي تبعا لذلك.

سوق تتوسع بسرعة

بدفع من زيادة الطلب وريادة المؤسسات، من المتوقع أن ينمو سوق الذكاء الاصطناعي في الصين بسرعة. في أعقاب الموجة الأولى من الذكاء الاصطناعي في بداية القرن الحادي والعشرين، اعتمد تطوير الذكاء الاصطناعي العالمي إلى حد كبير على الاستثمار في البحث والتطوير من قبل الحكومات وشركات العلوم والتكنولوجيا العملاقة ورأس المال الاستثماري. ولكن مع نضوج التقنيات السائدة مثل التعلم العميق في مرحلة الذكاء الاصطناعي الضعيف، أصبحت زيادة الطلب محركا جديدا لتطوير الذكاء الاصطناعي.

الصين، وإن جاء انضمامها لبحث وتطبيق الذكاء الاصطناعي متأخرا، تتميز بحجم السوق الهائل ونطاق التطبيق الواسع. منذ عام 2016، استثمرت شركات الإنترنت الصينية العملاقة، مثل بايدو، والعديد من شركات التكنولوجيا الناشئة مثل سنستايم "Sensetime" وميجفي "Megvii" في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاتها، وفي الوقت نفسه تنتقل إلى نشر التكنولوجيا والتطبيقات في مجالاتها الرأسية. حتى الآن، قامت الصين ببناء سلاسل صناعية متكاملة نسبيا من الرقائق الذكية والتعرف التلقائي على الكلام، التي يتحسن حجم إنتاجها وفعاليتها بسرعة.

لا يزال قطاع الذكاء الاصطناعي في الصين في مرحلة مبكرة، وحجمه الحالي متواضعا. لكن نموا هائلا سوف يأتي بعد دخول منتجات وخدمات الذكاء الاصطناعي إلى السوق الاستهلاكية، بعد قبولها جماهيريا على نطاق واسع. وفقا لتقرير "تطور الذكاء الاصطناعي في الصين عام 2018"، بلغت قيمة سوق الذكاء الاصطناعي في الصين 74ر23 مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي 9ر6 يوانات حاليا) في عام 2017. وحصل تطبيق الرؤية الحاسوبية، الذي يغطي تقنيات تحديد الهوية والتعرف على الصور وتقنيات التعرف بالفيديو، على الحصة الأكبر من هذه السوق، بقيمة 28ر8 مليارات يوان، أي 9ر34% من الإجمالي، مقابل 8ر24% للتعرف على الكلام و21% لمعالجة اللغة الطبيعية و3ر11% للأجهزة و8% للخوارزميات. أظهرت سوق الذكاء الاصطناعي في الصين قوة دفع قوية للنمو بفضل نضج بعض تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاتها التجارية. وقد بلغ معدل نمو هذه السوق 67% في عام 2017 و75% في عام 2018. ومن المتوقع أن يكون أعلى من 40% في السنوات الثلاث المقبلة.

المزيد من دعم السياسات

تركز سياسة الصين لتطوير الذكاء الاصطناعي على خلق بيئة ابتكار مفتوحة وإنشاء منصات بحث وعرض بالشراكة مع شركات التكنولوجيا ذات التطبيقات الواسعة. في أعقاب الإعلان عن خطة تطوير الجيل التالي للذكاء الاصطناعي، قامت الوزارات والوكالات المعنية في الصين بإصدار حزمة من السياسات والتدابير لإدماج الذكاء الاصطناعي بعمق في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

في مارس عام 2019، كشف تقرير العمل الحكومي أن الصين ستوسع مبادرات "الذكاء+" لتسهيل تحول وارتقاء التصنيع. وفي نفس الشهر، في الآونة الأخيرة ، أطلقت ونفذت وزارة العلوم والتكنولوجيا الصينية العديد من مشروعات البحث والتطوير في مجال التكنولوجيا المشتركة الرئيسية في إطار "ابتكار العلوم والتكنولوجيا 2030- الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي". في يونيو عام 2019، أصدرت اللجنة المهنية الوطنية لحوكمة الذكاء الاصطناعي من الجيل الجديد مبادئ الحوكمة الخاصة بها. وهي خطوة تدل على موقف الصين من تعزيز تطوير الذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة. بعد إنشاء الدفعة الأولى من 5 منصات للابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي من الجيل الجديد في عام 2018، في أغسطس 2019، تم إنشاء عشر منصات أخرى بالشراكة مع مؤسسات الذكاء الاصطناعي الرائدة.

تولي الحكومة الصينية اهتماما كبيرا بالتطبيق التجريبي لتقنيات الذكاء الاصطناعي، وتدعم الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي في الحصول على تمويل مباشر من سوق رأس المال. تم حتى الآن بناء ست مناطق رائدة للتطوير المبتكر للذكاء الاصطناعي في بكين وشانغهاي وتيانجين وشنتشن وهانغتشو وخفي، ومن المخطط أن يتم بناء المناطق التجريبية في المناطق الإدارية على مستوى المحافظة في المستقبل، لتشجيع الحكومات المحلية على تقديم المثال التكنولوجي والتجربة السياسية والاجتماعية. في أكتوبر عام 2019، أعلنت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات أنها ستدعم إنشاء منطقتي جينان- تشينغداو وشنتشن الرائدتين في ابتكار وتطبيق الذكاء الاصطناعي.

كما يعطي مجلس العلوم والتكنولوجيا في بورصة شانغهاي الأولوية للشركات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. وفقا لبيانات البورصة، قبل يوم 29 أغسطس عام 2019، وافق مجلس إدارة البورصة على طلبات إدراج 26 شركة تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي أو الصناعات التحويلية الذكية، والتي تمثل 17% من جميع التطبيقات التي تعاملت معها ، وشمل التمويل المعد لذلك عشرين مليار يوان.

التعاون العالمي

تمثل السياسات الحمائية التكنولوجية والتجارية تهديدا لتطوير ونشر وإدارة تقنيات الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء العالم، فضلا عن التعاون الدولي في هذا المجال.

من المتوقع أن تحقق صناعة الذكاء الاصطناعي نموا سريعا متواصلا في السنوات القادمة، وأن تصبح محركا جديدا للاقتصاد العالمي والصيني. سيؤدي ذلك إلى تحولات في الهيكل الصناعي الدولي وهيكل سوق التوظيف. إن تطوير ونشر تقنيات الذكاء الاصطناعي دون عوائق يتطلب من البلدان في جميع أنحاء العالم أن تتخلى عن عقلية لعبة المحصلة الصفرية، وأن تبذل جهودا مشتركة لمواجهة التحديات الناجمة عن الذكاء الاصطناعي. إلى جانب قضايا المعضلات التكنولوجية والأخلاقيات القانونية، فإن أحد التحديات الرئيسية التي تواجه هذا القطاع هو الانقسام في التقنيات والصناعات بين البلدان التي تلعب دورا رئيسيا في تطوير الذكاء الاصطناعي.

الصين والولايات المتحدة الأمريكية قوتان عالميتان قائدتان في مجال الذكاء الاصطناعي، لكن الصين متأخرة عن الولايات المتحدة الأمريكية إلى حد ما من حيث القدرة التكنولوجية والهيكل الصناعي. الصين عليها أن تلحق بالركب في المدخلات في مجال البحوث الأساسية وعدد الباحثين والشركات، والرسائل العلمية المنشورة، بالنظر إلى أن وضعها غير المؤاتي في القياسين الأولين أكثر وضوحا مقارنة مع الولايات المتحدة الأمريكية. في عام 2017، كان حجم استثمار المؤسسة الوطنية للعلوم الطبيعية في الصين في البحوث الأساسية للذكاء الاصطناعي لا يتجاوز 14% من استثمار المؤسسة الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي نفس العام، كان عدد الباحثين في الصين يعادل 27% من نظيره في الولايات المتحدة الأمريكية حتى يناير 2019، وعدد شركات الذكاء الاصطناعي الصينية يساوي 55% من عدد شركات الذكاء الاصطناعي الأمريكية وعدد الأطروحات الصينية المنشورة يساوي 95% من عدد الأطروحات الأمريكية. على الرغم من أن إنتاج الأطروحات الصينية وطلبات براءات الاختراع  في مجال الذكاء الاصطناعي ضخم، لا تزال جودتها بعيدة عما في الولايات المتحدة الأمريكية.

ظلت الولايات المتحدة الأمريكية في حالة تأهب لتطور الذكاء الاصطناعي في الصين، وتحاول اتخاذ سلسلة من تدابير الحصار والاحتواء ضد الصين مع الحفاظ على قدرات الابتكار الصناعي الخاصة بها. على سبيل المثال، تدخلت الحكومة الأمريكية مباشرة في السوق من خلال استهداف كبرى شركات الذكاء الاصطناعي الصينية. في أكتوبر 2019، أضاف مكتب الصناعة والأمن التابع لوزارة التجارة الأمريكية ثماني شركات صينية رائدة في الذكاء الاصطناعي إلى قائمة الكيانات بزعم "الانخراط في أو تمكين الأنشطة التي تتعارض مع مصالح السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية". من بينها آيفلايتك "iFLYTEK" وميجفي "Megvii". وفي الوقت نفسه، تصدر الولايات المتحدة الأمريكية قوانين لوضع قيود على تصدير التقنيات الناشئة. في نوفمبر 2018، أصدر مكتب الصناعة والأمن التابع لوزارة التجارة الأمريكية إشعارا مسبقا بوضع القواعد المقترحة "ANPRM"، لطلب تعليق الجماهير حول معيار تحديد "التقنيات الناشئة"، الضرورية للأمن الوطني الأمريكي بهدف وضع ضوابط تصدير تلك التقنيات. كان الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي من بين 14 فئة أدرجت في الإشعار المسبق بوضع القواعد المقترحة كتقنيات ناشئة هامة للأمن القومي الأمريكي.

في السنوات المقبلة، قد تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية، في انتهاك لمبدأ المنافسة العادلة، المزيد من التدابير لكبح تطور الذكاء الاصطناعي في الصين. ومع ذلك، فإن بحث الذكاء الاصطناعي عملية مفتوحة وتشاركية، ومن المستحيل على الحكومة الأمريكية أن تحظر على الشركات والجامعات الأمريكية نشر نتائج أبحاثها. لذلك، كل ما يمكن أن تفعله هو التحكم في تصدير الحوسبة السحابية وتقنيات الرقائق المعنية بالذكاء الاصطناعي ووضع آلية تحكم تقيد وصول البلدان الأخرى إلى أحدث نتائج البحوث. لا شك أن هذه التدابير سوف تعوق التقدم في تقنيات الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء العالم، وتسريع تفتيت المعايير التكنولوجية وسوق التطبيقات.

 وإجمالا، فإنه من المتوقع أن يشهد التعاون الصيني- الأمريكي في مجالات البحث والتطوير والاستثمار والصناعات رياحا معاكسة أقوى. تحاول الولايات المتحدة الأمريكية أيضا إثناء البلدان المتقدمة الأخرى عن التعاون مع الصين في مجال الذكاء الاصطناعي. إذا لم تتمكن البلدان الرئيسية الفاعلة في هذا المجال من بناء الثقة المتبادلة وتوافق الآراء حول البحوث والحوكمة في مجال الذكاء الاصطناعي، فإن تطوير الذكاء الاصطناعي العالمي سينتهي به الأمر إلى التشظي.

--

تشانغ شين، باحث في مركز بحوث التنمية التابع لمجلس الدولة الصيني.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4